بحث قانوني و دراسة اجتماعية حول أنواع جرائم النساء

مقال حول: بحث قانوني و دراسة اجتماعية حول أنواع جرائم النساء

بحث قانوني و دراسة جتماعية حول أنواع جرائم النساء

إجرام النساء
دراسة قانونية اجتماعية

أولا – النوعية الخاصة لجرائم النساء .
ثانيا – الإحصائيات الجنائية واختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل .
ثالثا – العوامل التي تدفع بالمرأة إلى الجريمة .
رابعا – النظريات التقليدية في تفسير انخفاض نسبة إجرام المرأة عن نسبة إجرام الرجل .
خامسا- النظريات الحديثة في تفسير انخفاض نسبة إجرام المرأة عن نسبة إجرام الرجل .

مقدّمة :

تعد الجريمة ظاهرة اجتماعية عاصرت جميع المجتمعات قديمها وحديثها ، المتقدمة منها والنامية ، وتأثرت بكافة المعطيات المحيطة ، بل واختلفت باختلاف العصر في المجتمع الواحد ذاته ، وقد أدت التغيرات التي مرت بها المجتمعات المختلفة من أحداث اجتماعية وسياسية واقتصادية وتكنولوجية إلى إحداث تغيرات في كم ونوع واتجاه منسوب الجريمة عموماً و الجريمة النسائية خصوصا, فالجريمة تزلزل الأركان الأساسية للمجتمع و تجرح مشاعر الأمان و الطمأنينة التي يجب أن يشعر بها الإنسان حتى يتمكن من الاستمرار في الحياة و إعمار الأرض . و باعتبار الجريمة ظاهرة اجتماعية , حيث أن المجرم هو فرد من أفراد المجتمع , من هنا نجد أن السلوك الإجرامي هو سلوك إنساني يصدر عن إنسان أقل ما يقال عنه بأنه لا اجتماعي لأنه يناقض في سلوكه الإجرامي فطرة الله التي فطرَ الناس عليها من القيم و المثل العليا التي لا يقوم المجتمع الإنساني إلا بها .
و باعتبار الإنسان ابن بيئته , وهو كائن اجتماعي بطبعه يتأثر بالمحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه , ويتلقى من بيئته الأعراف والقيم , وليست الجريمة سوى منتج اجتماعي لمقدمات سلوكية يكتسبها الفرد من الواقع السيئ الذي يعيش فيه , ولم تخل المجتمعات المختلفة في جميع مراحلها من وجود الجريمة ، إلا أنها ارتبطت تاريخياً في أذهان الناس بالذكور ، لشيوع ارتكابهم لمختلف أنواع الجرائم ، ولقلة الدور الاجتماعي للمرأة في المجتمعات القديمة , متناسين بذلك تلك الجرائم التي ترتكبها النساء خفية ، أو أنها تبقى رهينة السجلات والوقائع الأمنية دونما الإشارة إليها أو التوثيق لها .
أما في عصرنا الحاضر, نجد أن المرأة دخلت مختلف ميادين الحياة ونافست الرجل فيها , بما في ذلك ميدان الجريمة , فلم يعد الإجرام ظاهرة ذكورية ولم يعد الحبس للرجال فقط كما يقال على ألسنة العامّة وإنما وللأسف الشديد دخلت المرأة المجرمة السجون , وذلك بفعل تضافر عوامل مختلفة أدّخلت المرأة في أتون الإجرام وأوقعت بها في حبائل الجريمة , وقد نشأ عن هذا الواقع المؤلم مصطلح جرائم النساء , الذي هو من مصطلحات علم الإجرام , وكانت الغاية منه البحث في ظاهرة إجرام المرأة , لمعرفة أي الجنسين أكثر إجرام من الآخر , وذلك توصلاً لمعرفة أسباب تلك الظاهرة , وتشخيص طرق علاجها .

– أهمية دراسة جرائم النساء :
تأتي أهمية دراسة جرائم النساء من خطورة هذه الجرائم على الأسرة من ناحية , وأثرها على المجتمع من ناحية أخرى , حيث يعتبر إجرام النساء من أخطر الظواهر الاجتماعية لأن المرأة عضواً فعّالاً في المجتمع ، وإن أي انحراف في سلوكها من الممكن أن يترك آثاره على المجتمع , و إن عدم الاهتمام بظاهرة إجرام النساء يؤدي إلى تفشي هذه الظاهرة بشكل كبير في المجتمع , فالمرأة نصف المجتمع وإن لم تكن المجتمع بأكمله , فكما يقال حينما تربي رجلا فأنت تربي فردا وحينما تربي امرأة فإنك تربي أسرة بأكملها , و المجتمع الذي يُحسن تربية فتياته يقدم لمستقبله أمهات صالحات ينجبن أجيال من الأبناء والبنات الأسوياء بعيدا عن الوقوع في مستنقعات الجريمة و الإجرام وكما يقول الشاعر( ): ( الأم مدرسة إذا أعددتها أعددتَ شعب طيّب الأعراق ) . فالمجتمع الذي تتمكن الجريمة من نساءه يسير نحو الهاوية و تسقط القيم والمثل العليا فيه . والجريمة فعل شائن أيا كان مقترفها و مهما كانت ثقافته أو درجته الاجتماعية . وبرغم أن القانون لا ينظر إلى الاختلافات بين الجنسين عند تحديد العقوبة للفعل المجرَّم إلا أن المجتمع يحمِّل المرأة مسؤوليةً أكبر من الرجل عند اقتراف جرائم معينة , كجريمة الزنا فالمرأة التي تقترف هذه الجريمة تفقد مستقبلها وكذلك يعتبر أطفال السفاح من النتائج المباشرة لهذه الجريمة , فلا شكَّ إن هناك نتائج خطيرة لا تحل على المرأة فقط وإنما على المجتمع ككُل , فالأضرار التي تَلحق بالمجتمع نتيجة هذه الجريمة كبيرة , فالضرر لن يكون فردياً بحتاً. كما أن المرأة التي تزني تظل تدفع ثمن هذه الجريمة طوال عمرها ، وهي في الغالب تكون منبوذة من الرجال , ولا تجد من يقدرها أو يحترمها . قال الله تعالى : { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة و الزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك و حُرِّّمَ ذلك على المؤمنين }( ) , وكذلك لا تجد من يتقدم لها خاطبا أو يرضى بالزواج منها , بالإضافة إلى انعدام الثقة بين أفراد المجتمع فتظل هذه المرأة في نظرهم ليست أهلا للثقة أو حتى الاحترام , وكذلك الأمر بالنسبة للمرأة المتزوجة فالثمن يدفعه أبناؤها معها لأن خيانة المرأة واقترافها هذه الجريمة تجعل من الزوج يتشكك في نسب أبنائه إليه فتضعف تلك الرابطة الأبوية والعاطفة الإنسانية بينهم , لأنه لم يعد قادرا على التعامل معهم بصفته الأبوية فكلما يراهم أو ينظر إليهم يتذكر ما فعلته أمهم , ويظل السؤال حائرا معه هل هم أبناؤه حقا أم أبناء رجل آخر . وهنا تظهر لنا حقيقة الفرق بين خيانة الرجل وخيانة المرأة رغم تساويها في درجة الإثم والفعل الشائن , ولكن جريمة الرجل يدفع ثمنها بمفرده وربما ينال عقوبتها بمفرده أيضا , ولكن المرأة يشاركها أعضاء كثيرون في المجتمع بدفع هذا الثمن سواء كان الأبناء أو الأسرة التي تنتمي إليها , بالإضافة إلى أنه غالبا ما يُطلِّق الرجل زوجته في حالة ثبوت خيانتها له , والطلاق أيضا له آثاره السلبية على الأسرة بأكملها غير الضرر المباشر الذي يلحق بالمرأة من ذلك وقد يؤدي ذلك إلى سيرها في الطريق ذاته لفقدانها كل شيء في تلك اللحظة ، كما أن المرأة التي تدخل السجن ولا يقبل زوجها أو أهلها رعاية أطفالها الذين هم في سن الحضانة تجد نفسها مضطرة لإدخال أطفالها معها إلى السجن .
حيث يوجد في سجن دوما للنساء تسعة أطفال حكمت عليهم أمهاتهم بالحبس دون جريمة اقترفوها سوى أنهم أبناء نساء سجينات من هنا يتبين لنا خطورة الجريمة التي تقترفها المرأة و الآثار الخطيرة لها( ).

على هذا سيتناول البحث دراسة جرائم النساء في المباحث التالية :

أولا – النوعية الخاصة لجرائم النساء .
ثانيا – الإحصائيات الجنائية واختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل .
ثالثا – العوامل التي تدفع بالمرأة إلى الجريمة .
رابعا – النظريات التقليدية في تفسير انخفاض نسبة إجرام المرأة عن نسبة إجرام الرجل .
خامسا- النظريات الحديثة في تفسير انخفاض نسبة إجرام المرأة عن نسبة إجرام الرجل .

أولا – النوعية الخاصة لجرائم النساء :
إن نوعية الجرائم التي يمكن أن نطلق عليها جرائم النساء هي تلك الجرائم المتميزة التي تختص بها المرأة , أو هي تلك الأنواع من الجرائم التي يزداد ارتكابها من قبل النساء( ) , أو هي بمعنى آخر جرائمهن الرئيسية أو جرائمهن الشائعة أو جرائمهن الغالبة. ويتفق معظم المتخصصين في جرائم النساء على أن النساء يستخدمن الخداع و المكر في اقتراف الجرائم أكثر مما يستخدمه الرجال فيرى ( بيرث ثمث ) : أنه برغم أن النساء يلعبن دور ثانوي في جرائم النصب و الاحتيال مقارنة بالدور الرئيسي الذي يلعبه الرجال إلا أنهن يستخدمن الدهاء و الحيلة في هذه الجرائم , وذلك في صورتين , الصورة الأولى هي القيام بإغراء الرجل حتى يجد نفسه منغمس معهن في وضع مخل بالشرف فيظهر شريكها وهو عادة الزوج أو الأخ المزعوم فيهدده بالقتل أو بالتشهير به بين الناس إذا لم يدفع مبلغ من المال يتناسب مع درجة ثرائه . وأما الصورة الثانية نجد المرأة تقوم بدور الزوجة المهذبة أو الأخت الرقيقة اللطيفة التي تقتصر مهمتها على إطفاء جو من الثقة على الموقف الذي يتم به الاحتيال على المجني عليه . كما يرى بعض المتخصصين بجرائم النساء أن القتل بالسم هو الوسيلة المفضلة للقتل بنسبة للمرأة. كما أن الجرائم التي تقترفها النساء تعد من الجرائم الخفية مما يتفق مع الطبيعة المقنعة لجرائمهن . وتتميز جرائم القتل التي تقوم بها النساء بالكراهية الشديدة للمجني عليه , فقد لا تكتفي المرأة بقتل زوجها الخائن تل تقوم بتشويه جثته وذلك بصب ماء النار فوقها . ولقد بحث العالم ( بولاك ) مسألة وجود نوعية معينة أو أنماط شبه ثابتة لجرائم النساء , فتوصَّل إلى أن جرائم النساء تقع غالبا في مخالفة الأخلاق الجنسية أو في نطاق الجرائم الواقعة على الأشخاص أو في نطاق الجرائم الواقعة على الأموال , كما توصل إلى أن أنماط الإجرام الأنثوي ليست واضحة بالصورة الكافية .

ثانيا – الإحصائيات الجنائية واختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل :
هل النساء أكثر إجرام من الرجال أم العكس ؟ وهل يختلف إجرام المرأة عن إجرام الرجل ؟ لاحظ العلماء أن المرأة أقل إجرام من الرجل من حيث الكم و النوع والوسيلة المستخدمة في اقتراف الجريمة والخطورة الإجرامية( ) وقد أثبتت الإحصائيات الجنائية في مختلف دول العالم هذه الملاحظة على مدى أجيال متعاقبة ( ) , دون اتفاق على تفسير واحد لهذه الظاهرة .
من حيث الكم تشير الإحصائيات الجنائية أن الرجل يتفوق على المرأة في معدل الإجرام بنسبة تزيد عن خمس أمثال , وفي بعض الدول الإسكندنافية تشكل نسبة إجرام المرأة نسبة صغيرة جدا إلى درجة لا يمكن معها المقآرنة مع نسبة إجرام الرجل , و في الولايات المتحدة الأمريكية تبلغ نسبة الرجال المقبوض عليهم عشر أمثال المقبوض عليهن من النساء , أم الذين أودعو سجون الولايات والسجون الفدرالية و الإصلاحيات فتفوق نسبة الرجال نسبة النساء عشرين مثل , وفي بلجيكا فاقت نسبة جرائم الرجال نسبة جرائم النساء 242 مثل , أم في الدول العربية فقد ارتكبت المرأة جريمة واحدة مقابل 2744 جريمة ارتكبها الرجل وفي مصر تبلغ نسبة الجرائم التي تقترفها المرأة 5% من نسبة الجرائم التي يقترفها الرجل( ) . ويعتبر ( كتليه ) أول من تواصل إلى هذه النتيجة , بعد القيام بإحصاء جنائي عام 1835 ثم جاء العالم ( جراينيه ) وأكد هذه النتيجة عام 1902 .
من حيث النوع هناك بعض الجرائم يكثر إرتكابها من النساء وتتفوق المرأة على الرجل فيها, مثل جرائم الإجهاض وقتل الأولاد و هجرهم و تعريضهم للخطر وشهادة الزور و البلاغ الكاذب , وهناك جرائم يكون حظ المرأة في اقترافها أكثر من الرجل مثل جرائم القتل بالسم و السرقات البسيطة وإخفاء الأشياء المسروقة وتحريض الصبيان على الفجور( ) .
وفي المقابل هناك جرائم يقلُّ وقوعها من النساء و يتفوق فيها الرجال , مثل جرائم العنف والسرقة بالإكراه والاعتداء على العرض و جرائم الحريق و الجرائم المضرة بالمصلحة العامّة و الجرائم الواقعة على أمن الدولة .
من حيث وسيلة إقتراف الجريمة و خطورتها دلَّت الإحصاءات أن المرأة أقل خطورة إجرامية من الرجل و يؤكد ذلك الحقائق التالية :
– يغلب على الجرائم التي يقترفها الرجل استخدام العنف والقوّة العضلية , في حين تستخدم المرأة الحيلة و المكر في إقتراف جريمتها وكثيرا ما تلجئ المرأة إلى السم للقتل , في حين يندر إستخدام هذه الوسيلة من قبل الرجل .
– قلّة جسامة الجرائم التي تقترفها المرأة : المرأة أقل خطورة إجرامية من الرجل فجرائم السرقة التي تقترفها النساء هي في الغالب من جرائم السرقات البسيطة يدفعها إليها الفقر و الحاجة و قلمّا تقترف المرأة جرائم السرقات الموصوفة .
– قلّة أهمية جرائم النساء : فأكثر جرائم النساء من الجنح .
– المرأة أقل عود على الإجرام من الرجل كما تأكد ذلك الإحصاءات الجنائية في مختلف دول العالم( ) .

ثالثا – العوامل التي تدفع بالمرأة إلى الجريمة :
إن عوامل إجرام المرأة هي تلك الأسباب التي تقف وراء ارتكابها للجريمة، وبمعنى آخر هي مجموعة من الحالات والوقائع التي تؤثر على المرأة على نحو ما بحيث تدفعها إلى طريق الجريمة . وهذا يعني أنه لا يمكن إرجاع إجرام المرأة إلى سبب معين أو إلى عامل وحيد ، فإجرامها يعود إلى تضافر مجموعة من العوامل، سواءً كانت عوامل داخلية مرتبطة بشخص المرأة ، أي بتكوينها العضوي أو النفسي أو كانت عوامل خارجية متعلقة بالبيئة الاجتماعية التي تعيش فيها. فالجريمة هي نتاج لتفاعل عدة عوامل. ولذا فإننا سنوضَّح أهم هذه العوامل وأثرها في سلوك المرأة الإجرامي

أ – العوامل الذاتية لإجرام المرأة :
وتعني مجموعة من الصفات والخصائص المرتبطة بشخص المرأة، أي بتكوينها العضوي والنفسي والعقلي والتي يؤدي تفاعلها مع العوامل الخارجية المحيطة بها إلى وقوع الجريمة، ومن أهم هذه العوامل الداخلية ما يلي:

1- العوامل الوراثية :
إن المقصود بالوراثة في هذا الموضوع هو انتقال خصائص وصفات معينة ، سواءً كانت عضوية أو نفسية ، كالعاهات الجسمية أو الأمراض العضوية والنفسية أو الإعاقات العقلية…الخ من الأصل إلى الفرع فتلك الصفات والخصائص الوراثية قد تدفع حاملها إلى ارتكاب الجريمة. وهذا يعني أن الوراثة ليس عامل حتمي في خلق السلوك الإجرامي، وإنما تعتبر عامل احتمالي. فهذه الصفات أو الخصائص لا تعني أن من يحملها يكون بالضرورة مجرماً إذا كان سلفه مجرماً، فهي عبارة عن إمكانات لا تولِّد الجريمة نفسها وإنما تولِّد نسبة استعداد إجرامي يهيئ الشخص إذا صادف ظروف بيئية واجتماعية معينة إلى سلوك طريق الجريمة. إلاَّ أن هذه النتيجة لا تعني وجود صلة قطعية للوراثة بارتكاب هؤلاء النساء للجرائم، فالأمر قد يعود إلى البيئة السيئة والظروف المعيشية الصعبة التي نشأ وعاش فيها أفراد تلك الأسر.
ولمعرفة صلة الوراثة بالجريمة، فقد أجريت كثير من الدراسات والأبحاث في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية على بعض الأسر المجرمة، أي تلك الأسر التي أشتهر أفرادها بالإجرام، وذلك لمعرفة مدى انتشار الإجرام بين أفرادها، وخاصة انتقاله من الآباء إلى الأبناء والأحفاد خلال أجيال متعاقبة(1) ، حيث توصلت تلك الدراسات إلى أن الاستعداد الإجرامي هو الذي ينتقل عن طريق الوراثة، فيظل كامناً في نفس حامله إلا أن يصادف الفرد ظروفا بيئية اجتماعية مهيئة، فيتفاعل عندئذ ذلك الاستعداد الإجرامي مع هذه الظروف فيدفع بصاحبه إلى ارتكاب الجريمة.
ويتضح من ذلك أن للاستعداد الإجرامي الذي ينتقل بالوراثة دور كبير في دفع الأشخاص، ومنهم المرأة نحو السلوك الإجرامي متى ما حصل على ظروف اجتماعية مهئية، قد تكون هذه الظروف مشاكل أسرية أو مستوى معيشي متدني، صعوبات مادية، جهل، بطالة، عادات وتقاليد…الخ.

2- التكوين البيولوجي :
ونقصد به التكوين العضوي للمرأة والذي يحتوي على الصفات الخلقية المتعلقة بشكل أعضاء جسمها الخارجية ووظيفة أجهزة الجسم الداخلية.
إن النضوج البدني المبكر للمرأة وما يصاحب ذلك من ظهور علامات الأنوثة عليها وبروز مفاتنها قد يدفع أصحاب النوايا السيئة من المحيطين بها، إما إلى التحرش بها جنسياً وهتك عرضها أو اغتصابها أو استخدامها في مرحلة مبكرة من عمرها في أفعال لا أخلاقية مما تنتج عنها جرائم الزنا والبغاء والدعارة، خاصة وأنها تعاني من قصور في القدرات الذهنية لعدم اكتمال نضوجها النفسي والعقلي في هذه المرحلة وقلة خبرتها في أمور الحياة ، كما قد تقع نتيجة لذلك فريسة سهلة في جرائم هتك العرض والزنا، بحيث تصبح بعدها، وفي فترات لاحقة من عمرها معتادة على ارتكاب الجرائم الأخلاقية كالبغاء والدعارة خاصة في ظل نشأتها وعيشها في ظروف بيئية اجتماعية سيئة.
إضافة إلى ذلك، فإن المرأة تتعرض بحكم تكوينها البيولوجي إلى تغيرات فسيولوجية تؤدي إلى اضطرا بات تؤثر على حالتها النفسية والعصبية كحالة الحيض وانقطاعها عند بلوغها ( سن اليأس ) وحالة الحمل، وحالة الوضع ، وحالة الرضاعة، فهي في هذه المراحل التي تمر بها تكون أكثر انفعالية ومزاجية مما يجعلها أكثر قابلية للإثارة وسهلة الاستجابة للمؤثرات الخارجية، وبالتالي قد تندفع في ظروف معينة إلى ارتكاب الجرائم، مثل السب والقذف والضرب والجرح والسرقات الخفيفة والبلاغ الكاذب.

وبالرغم من قلة الدراسات في الوطن العربي بشكل عام حول ذلك لكن يمكن القول بأن هناك صلة بين التكوين الفسيولوجي للمرأة وبين الجريمة، إلاَّ أنه يمكن التأكيد على هذه الصلة بصورة غير مباشرة من خلال تلك الدراسات التي أجريت على مرتكبات الجرائم في بعض الدول الأوروبية، لكون التكوين الفسيولوجي للمرأة العربية لا يختلف عن مثيلاتها في تلك الدول. فقد أشارت الدراسات العلمية إلى أن 41% من جرائم النساء في إنجلترا قد ارتكبت وهن في حالة حيض ، وأن 63% من النساء اللواتي ارتكبن سرقات من المحلات التجارية في فرنسا كن في حالات حيض(1). كما أن الخلل أو الاضطرابات التي تصيب إفرازات الغدد عند المرأة ، من حيث زيادتها أو نقصانها عن المعدل المألوف قد يدفعها إلى الوقوع في الجريمة ، خاصة الغدة الدرقية ، إذ عند زيادة إفرازاتها تؤدي إلى الإصابة بالأمراض النفسية والعصبية، والتي تعتبر عاملاً مؤدياً إلى ارتكاب الجريمة، كما أن زيادة إفرازات الغدة الكظرية يؤدي إلى تكوَّن شخصية ذات مزاج عنفواني، تميل إلى الشراسة والحدة في الطبع وإلى العدوان والتهور، ونتيجة لذلك قد تقع المرأة في هاوية الجريمة بارتكابها جرائم الإيذاء الجسماني أو القذف والسب(2).
وإلى جانب ذلك، فإن الاضطرابات أو الخلل الذي قد يصاحب إفرازات الغدة التناسلية عند المرأة يؤثر إلى حد كبير في غريزتها الجنسية. فزيادة إفرازاتها، وخاصة في مرحلة المراهقة والشباب قد يدفع المرأة إلى تلبية رغباتها الجنسية بطرق غير مشروعة ، وذلك تحت تأثير قوة غريزتها الجنسية، وفي ظل وجود عوامل اجتماعية مهيأة مثل البيئة الأسرية السيئة و العنوسة ، والعادات والتقاليد التي تكرس دونية النساء ، وبالتالي تنشأ عن ذلك الجرائم الأخلاقية كالزنا والبغاء والدعارة ، وهذه الجرائم يلاحظ ارتكابها بكثرة بين أوساط السجينات المراهقات والشباب منهن في السجون اليمنية كما أشرنا سابقاً.

3- التكوين النفسي :
تتميز المرأة عن الرجل بتكوينها النفسي الخاص. فهي تحمل صفات معينة كالرقة والحنان والعاطفة والأمومة…الخ وإن كانت هذه الصفات وحدها لا تؤدي مباشرة إلى ارتكاب الجرائم ، إلاَّ أن تميز المرأة بها قد يؤدي إلى سرعة استجابتها وتأثرها بالمؤثرات المختلفة المحيطة بها، بحيث يؤثر ذلك على شدة انفعالاتها وعواطفها، مما يؤدي بدوره إلى فقدان توازنها النفسي والعصبي والذي قد يدفعها إلى ارتكاب الجريمة.
فالمرأة أكثر عاطفية من الرجل، ولذا فإن وقوعها في عاطفة الحب الشديد قد يؤدي بها إلى الشعور بالغيرة الجارفة ، والتي بدورها قد تؤدي بها تحت ظروف معينة إلى الانتقام عن طريق ارتكاب الجريمة . كما أن عاطفتها الشديدة قد تجعلها تحمل الكراهية الزائدة لشخص ما أثر فيها أو أساء إليها، وبالتالي قد يدفعها ذلك إلى إيذاء ذلك الشخص بارتكابها أخطر الأفعال الإجرامية مثل القتل والإيذاء البدني الجسيـــــم(1) ، إضافة إلى ذلك، فأن تميُّز المرأة بعاطفة الأمومة قد يجعلها تخاف على كيان أسرتها وأطفالها بشكل غير طبيعي ، وبالتالي قد تندفع نتيجة لذلك للدفاع عن أسرتها وأطفالها ضد أي محاولة للاعتداء عليهم ، عن طريق ارتكاب الأفعال الإجرامية كالسب والقذف والضرب والجرح… الخ.

4- السـن :
ونقصد به المرحلة العمرية التي تمر بها المرأة المرتكبة للجريمة ، سواءً كانت مرحلة الطفولة أو المراهقة أو الشباب أو مرحلة النضوج ، فالسن عامل مساعد في دفع المرأة إلى ارتكاب الجريمة، حيث يؤثر على حجم ونوعية جرائمها ، ويتضح ذلك من حيث أن لكل مرحلة عمرية تمر بها المرأة لها خصائصها ومميزاتها ، سواءً تعلق الأمر بتكوينها العضوي (البدني) والنفسي والعقلي أو اتصل بالبيئة الاجتماعية المحيطة بها.
إن هذه الدراسة تبيِّن أن أكثر الجرائم، وخاصةً الزنا والقتل الخطأ والسرقة ترتكب في مرحلة المراهقة والشباب (15- 25 سنة) ، ويرجع ذلك إلى ما تتميز به المرأة في هذه المرحلة العمرية من صفات وخصائص بدنية ونفسية معينة، وذلك من حيث ظهور علامات الأنوثة لديها وبروزها ، وزيادة غريزتها الجنسية ، مما يجعلها عرضة للإغراءات المختلفة والتحرش الجنسي من قبل الرجال، فهذه الظروف قد توقعها في حالات كثيرة في جرائم الزنا ومن ثم البغاء والدعارة، وخاصةً في ظل عدم نضوجها النفسي والعقلي، كما أن تهورها وعدم مبالاتها وحب المغامرة فيها وتقلب مزاجها وعدوانيتها وقلة خبرتها في الحياة في هذه المرحلة العمرية، إضافة إلى سوء ظروفها المعيشية قد تدفعها في حالات عديدة إلى ارتكاب جرائم القتل الخطأ، والإيذاء الجسماني، والسرقة .
أما المراحل العمرية الأخرى كمرحلة النضوج والشيخوخة التي تمر بها المرأة العربية فتقل فيها الجرائم مقارنة بمرحلة المراهقة والشباب، إلا أنه يلاحظ أن جرائم القتل عند النساء تزداد في مرحلة النضوج (36 سنة وأكثر)، وهذا يعود غالباً إلى محاولة الدفاع عن النفس نتيجة المشاكل الأسرية التي تعانيها المرأة وما يمارس من عنف ضدها، وخاصةً المتزوجة ، إضافة إلى النزاع داخل الأسرة حول الإرث (خاصة الأراضي الزراعية)، وما يترتب عنه من ظلم يقع عليها، بحيث تلجأ المرأة، وخاصة في الأرياف إلى السلاح ومن ثم ارتكاب جرائم القتل أو الشروع فيها .

ب – العوامل الخارجية لإجرام المرأة :
تمهيـد : نقصد بالعوامل الخارجية لإجرام المرأة مجموعة الظروف أو الوقائع التي لا تتصل بشخص المرأة، أي بتكوينها العضوي أو النفسي وإنما ترجع إلى الوسط الذي تعيش فيه أو البيئة الاجتماعية التي تحيط بها. بحيث تدفعها إلى ارتكاب الجريمة. وهذه العوامل مختلفة ومتنوعة منها العوامل الطبيعية كتأثير المناخ أو المكان، ومنها العوامل الاجتماعية كالبيئة الأسرية وبيئة الأصدقاء…الخ، ومنها العوامل الاقتصادية وأهمها الفقر والبطالة، إضافة إلى العوامل الثقافية كمستوى التعليم (الأمية)، وتأثير وسائل الأعلام، والعادات والتقاليد.
وبما إن هذه العوامل متعددة ومختلفة، إلاَّ أننا سنستعرض أهمها، وذلك لتأثيرها الكبير على إجرام المرأة ، وأهم هذه العوامل ما يلي:

أولاً – العوامل الاجتماعية :
وهي عبارة عن مجموعة من العلاقات والروابط والصلات التي تنشأ بين المرأة وبين غيرها من الناس في البيئة الاجتماعية التي تعيش فيها. فالمرأة منذ ولادتها تمر بمجتمعات صغيرة في نطاق مجتمعها الكبير، وذلك خلال مراحل عمرها المختلفة، حيث تختلط بهذه المجتمعات الصغيرة اختلاطاً وثيقاً وتتفاعل مع أفرادها عبر علاقات اجتماعية وطيدة ، فيتأثر سلوكها بها إيجاباً وسلباً. ومن أهم هذه المجتمعات البيئية التي قد يكون لها تأثير سلبي على سلوك المرأة بوجه عام، ومنه السلوك الإجرامي، بيئة الأسرة، وبيئة المدرسة، وبيئة الصديقات، فالبيئة هي التربة التي تنمّي الأفراد وتكسبهم خصائصها والإنسان هو ابن بيئته .

ثانياً – العوامل الاقتصادية :
للعوامل الاقتصادية دوراً كبيراً في الدفع نحو ارتكاب الجريمة وبأي شكل من الأشكال، وأهم هذه العوامل التي لها أثر واضح في دفع المرأة نحو السلوك الإجرامي عامل الفقر وعامل البطالة.
1- الفقـر : يقصد بالفقر قلة الموارد المادية التي تمكن المرء من الاستمرار في الحياة أو عدم وجود هذه الموارد أصلا , والفقر يخلق عند المرأة شعور بانعدام العدالة الاجتماعية فتندفع في السلوك الإجرامي غير آبهةٍ بالقيم الاجتماعية فقد تلجئ إلى السرقة أو إلى ممارسة البِغاء للحصول على المال .
2- البطالــة : نعني بالبطالة هنا فقدان المرأة العاملة لعملها لأي سبب كان أو عدم حصولها على عمل رغم قدرتها على العمل بما تملكه من معارف علمية أو خبرة عملية. فالبطالة لها أثر كبير في الزج بالمرأة في حمأت الجريمة

ثالثاً – العوامل الثقافية:
نقصد بالعوامل الثقافية مجموعة القيم والمبادئ والعقائد والتقاليد والعادات والمعارف السائدة في المجتمع، والتي يمتلكها الفرد أو يتأثر بها.
وبالرغم من إيجابيات العوامل الثقافية كالدين والتعليم ووسائل الإعلام والعادات والتقاليد ، كونها وسيلة فعالة ضد الإجرام ، حيث تعمل على تهذيب الغرائز وضبطها وتزيد من حسن التعامل بين الناس وتساعد على إرشادهم بالأنظمة والقوانين، إلاَّ أن لها تأثير سيئ في حالات معينة، بحيث تدفع بعض الأشخاص ومنهم المرأة إلى ارتكاب الجريمة. وأهم هذه العوامل ما يلي:

1- ضعف الوازع الديني :
أن الدين عبارة عن مجموعة من القيم والمبادئ السامية التي تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وتستمد قوتها من مصدر غيبي هو الله سبحانه وتعالى. وعليه فإن ضعف الوازع الديني عند المرأة يعني غياب أو ضعف قيَمِها الدينية والأخلاقية ومبادئها السامية. فتمَسُّك المرأة بتعاليم دينها يعتبر مانعاً حصيناً يبعدها عن ارتكاب الجريمة، حيث أن الدين يمثل جزءً من المقاومة النفسية التي تعترض الدوافع الإجرامية لدى الشخص فتحد من تأثيرها .

2- التعليم :
إن التعليم يسهم في بناء شخصية المرأة وفي توجيه سلوكها في المجتمع على النحو المطلوب، فالتعليم يهذب المرأة ويغرس في نفسها حب النظام والطاعة وتقدير الأمور وقيمة الحياة الاجتماعية. وهذه العوامل تساعد كثيراً المرأة على الابتعاد عن طريق الجريمة وحل مشاكلها المختلفة بوسائل عقلانية وبطرق مشروعة.
ولذلك سنحاول توضيح العلاقة بين المستوى التعليمي للمرأة (أمية، متعلمة) وبين سلوكها الإجرامي، وذلك على النحو التالي:
الصلة بين أمية المرأة وإجرامها: تشير الإحصائيات الجنائية أن نسبة الأمية ترتفع بين النساء السجينات بشكل واضح، حيث أن عدد الأميات يفوق كثيراً عدد المتعلمات من السجينات حيث تبلغ نسبتهن 63% من إجمالي المبحوثات وهذه الزيادة ربما ترجع إلى الأسباب التالية:
– أن المرأة الأمية تكون قليلة المعرفة لا تدرك عواقب الأمور بالشكل المطلوب، مما يجعلها سهلة الانحراف والوقوع في الجريمة أو سريعة التأثر بالمؤثرات الخارجية والاستجابة لتحريض معين يمارس عليها، مما قد يدفع بها إلى ارتكاب الجريمة.
– أن المرأة الأمية تكون إمكانياتها وخبراتها ومواهبها قليلة، فتكون اقل حظاً في الحياة الاجتماعية، إذ قد لا تجد فرصاً للعمل والكسب الشريف والذي قد يعينها على إشباع حاجاتها الضرورية في الحياة، مما قد يدفعها ذلك إلى ارتكاب الجريمة للحصول على المال.
إن المرأة المتعلمة ليست معصومة من ارتكاب الجريمة فقد يعينها تعليمها العالي أو التخصصي على ارتكاب أنواع معينة من الجرائم تحتاج إلى قدر من الحيلة والدهاء أو معرفة وخبرة معينة مثل جرائم النصب والغش واختلاس المال العام وجرائم التزوير والتزييف والرشوة. فهذه الجرائم إن ارتكبت من قبل النساء فإنها أما أن تقع من موظفة عامة متعلمة أو من امرأة عندها مستوى تعليمي وتخصص علمي معين، إلاَّ أنه يلاحظ ضآلة عدد هذه الجرائم، والمرتكبة من قبل النساء مقارنة بالجرائم الأخرى وفقاً للإحصائيات الجنائية الرسمية بالجرائم السالفة الذكر وإلى ارتفاع مستوى الوعي بمخاطر الجريمة عند النساء الموظفات، والمتعلمات.

3- وسائل الأعلام :
إن لوسائل الأعلام المختلفة تأثير معين على إجرام المرأة فهي تلقن الأفراد أو تنقل لهم عن طريق ما يقدم في وسائلها، وخاصةً المرئية من خلال الأفلام والتمثيليات التي تظهر الأساليب والحيل التي يلجأ إليها المجرمون في ارتكاب الجريمة والفرار بعد تنفيذها وكيفية تضليل العدالة. وهذا يشجع بعض النساء، وخاصة القاصرات منهن ومن لديهن ضعف عقلي أو استعداد إجرامي على تقليد المجرمين أو المجرمات وارتكاب الجرائم المختلفة. كما أن وسائل الإعلام، وخاصة القنوات الفضائية في ظل انتشارها وعدم وجود رقابة توعويَّة ونقدية وتثقيفية عليها تعمل على تحريك وإثارة الغريزة الجنسية عند بعض النساء ، وخاصة المراهقات والشابات منهن عن طريق ما يعرض من قصص رومانسية وأفلام غرامية فاضحة ، مما يكرس لدى البعض بأنها سلوكيات مقبولة ويدفع بهن إلى إرضاء غرائزهن الجنسية بطرق غير مشروعة تنشأ عنها الجرائم الأخلاقية كالزنا وهتك العرض و السحاق، وخاصةً في ظل ضعف تبني التربية ونشر القيم والأخلاق في تلك الوسائل .

4- العادات والتقاليد:
تدفع بعض العادات والتقاليد الاجتماعية المرأة إلى ارتكاب الجريمة، وهذا يبدو واضحاً من خلال جرائم معينة مثل الإجهاض وقتل المولود حديثاً، وذلك حفاظاً على العار والشرف وسمعة الأسرة أو العشيرة أو مثل تحريض المرأة لأحد أقربائها للأخذ بالثأر عن طريق القتل أو قيامها بذلك ، أو من خلال ممارسة بعض النساء، وخاصةً الكبيرات في السن لعمليات ختان الإناث، ، والتي تسبب أضراراً صحية ونفسية مختلفة بالفتيات التي يجري لهن الختان.
كما يتضح ذلك أيضاً من الضغط الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية التي تذهب بعيداً في مراقبة سلوك وتحرك المرأة مما يشعرها بدونيتها وعدم أهليتها ، وبالتالي اللجوء إلى طرق متعددة ومتنوعة لإثبات الذات ومنها ارتكاب الجريمة .
رابعا – العوامل الجغرافية :
يرجع الفضل إلى ابن خلدون في الكشف عن أثر البيئة سواء كانت ريفيةً أو حضريةً أم بدويةً في سلوك الأفراد سوياً كان أم منحرفاً , ويرى العالم (كتليه ) : إنه لكي ترتكب المرأة الجريمة يجب أن تكون لديها إرادة لارتكابها تنشأ من ظروف معينة تساعد على وضعها موضع التنفيذ سواء من حيث القيم السائدة التي لا تستهجن الجريمة ,أو على الأقل تقف موقف اللامبالاة من وقوعها, أو من حيث الظروف التي ترتكب فيها الجريمة وتجعل ارتكابها يتميز بالسهولة و البساطة أو يتيح الفرصة لإخفائها أو التستر عليها , وهي أمور لا تتوافر في الريف حيث تبدو المرأة أشد حماساً بالخجل ,وأكثر حياءً ,و أكثر ضعفاً مما عليه المرأة في الحضر حيث يمنحها استقلالها النسبي إحساساً بالقوة يجعلها أكثر إقداماً على إتيان السلوك المخالف للقانون , فالظروف الاجتماعية التي تعيش فيها المرأة في الريف تحول دون ارتكابها الجريمة بنفس القدر الذي ترتكب فيه المرأة في الحضر , فضلاً عن عدم ارتكابها جرائم معينة .إلا أنه يمكن القول :إن المناطق الحضرية تتميز عن المناطق الريفية في نوع الجرائم التي ترتكب فيها , فبينما يسود الجرائم التي ترتكب في الريف طابع العنف و الدموية , نجد الجرائم التي ترتكب في الحضر يغلب عليها التكسب و الاستغلال و الرغبة في الإثراء كذلك تكثر في الحضر الجرائم الخلقية :كالدعارة والفسق نظراً لتعقّد العلاقات و انعدام الروابط بين الناس الذين جاؤوا من مناطق مختلفة, في حين أن وجود أي شبهة لممارسة خلقي غير قويم يترتب عليها في الريف انتشار الشائعات و تفشي الأقاويل و بالتالي ارتكاب جريمة يكون وقوعها لازماً لحسم الموقف , وربما توجد صور من السلوك الجنسي الذي لا يتفق مع الأخلاق في الريف إلا أنها تمارس في السر, و إذا كُشِفت كان معنى هذا انتهاء حياة طرفيها , أو على الأقل أحدهما و يغلب أن يكون الأنثى. أما في الحضر فقد لوحظ اتجاه النساء إلى ارتكاب صور جديدة من الجريمة كجريمة التهريب وهو نوع من الجرائم لا تعرفه المرأة الريفية , فقد تبين في السنوات الأخيرة أن نسبة النساء اللاتي يرتكبن جرائم تهريب العملة والذهب قد ارتفعت وأوضح ( رشود الخريف ) في دراسة صادرة عن مركز أبحاث الجريمة بوزارة الداخلية السعودية وعنوانها (الجريمة في المدن السعودية، دراسة في جغرافية الجريمة) أن نسبة الإجرام النسائي تتفاوت من مدينة إلى أخرى فتصل إلى أكثر من 10% في بعض المدن الواقعة على ساحل البحر الأحمر أو القريبة منه مثل خيبر والوجه وينبع وجازان وفي المنطقة الغربية على وجه الخصوص مثل المدينة المنورة ومكة المكرمة.من هنا نجد علاقة بين درجة الحضرية و جرائم المرأة فجرائم الريف تختلف عن جرائم المدينة( )

رابعا- النظريات التقليدية في تفسير انخفاض نسبة إجرام المرأة عن نسبة إجرام الرجل :

أ – العوامل البيولوجية في تفسير جرائم النساء :
يفسر لمبروزو انخفاض نسبة جرائم النساء بعوامل بيولوجية و فزيولوجية ترجع إلى وظائف الأعضاء حيث يرى أن السلوك الإجرامي يرجع إلى الحتمية البيولوجية كما أنه حصر السبب الرئيسي للسلوك الجنائي بما سماه بالاندفاع الخلقي الذي يولد عند المجرمين وهو متأصل في تكوينهم لذلك هم يستعصون على التغير مم هم عليه إنه قدرهم الذي ليس لهم من مهرب و يرى لمبروزو أن مرادف الجنوح عند الرجال هو البغي عند النساء ويشرح ذلك فيما يلي :
1) التكوين البيولوجي للأنثى يجعلها هدفا للذكر، لذلك فإنها تترقب وتنتظر بعكس الرجل الذي يسعى ويتحرك نحوها.
2) الدور الجالس للأنثى يرتبط بتكوينها البيولوجي الذي يفرض عليها كثرة الجلوس وملازمة البيت وتوجيه اهتمامها لأولادها.
3) عامل الاختيار والانتقاء حيث يبحث الذكر عن المرأة الجميلة السليمة للزواج بها.
4) النشاط الأقل لقشرة دماغ المرأة بالمقارنة مع قشرة دماغ الرجل حيث إنه من المعروف أن التهاب القشرة الدماغية يؤدي إلى تلف النسيج الدماغي مما يسبب اضطرابات جنسية واندفاع نحو الجريمة
كذلك لاحظ لمبروزو أن التطور الفيزيولوجي للمرأة أي تطور وظائف أعضائها يؤثر دون شك في نسبة الجرائم التي تقترفها فالبلوغ و الحيض و الطمث و انقطاع الطمث في سن اليأس يؤثر في إجرامها .
و ألقى الضوء على حقيقة أن إجرام النساء يبلغ أقصى نسبته في سن الطفولة وفي المراحل العمرية المتقدمة , حيث تكون الخصائص الجنسية في مرحلة الطفولة غير واضحة و تكون في سن الشيخوخة في مرحلة ذبول , وقد لاحظ لمبروزو تأخر ظهور الطمث لدى السارقات و البلوغ المبكر لدى البغايا و النشاط الإجرامي يحدث في مرحلة الطمث .
و يبدو أن ما فعله ” لمبروزو ” كان بمثابة إشارة البدء لغيره من الأطباء و منهم اليبولوجيون و الفسيولوجيون و الأنثروبولوجيون للإدلاء بدلوهم في هذا الموضوع , فتعددت البحوث و الدراسات التي أجروها للوصول إلى تفسير للتباين في السلوك العدواني بين الرجل و المرأة .
و قد انتهى بعضهم إلى القول بأن الشواهد غير المباشرة تدل على عمق خصائص الإنسان المميزة تحدد وراثيا و فسيولوجيا , و نفوا تماما دور العوامل الاجتماعية أو نسبوا إليها دورا ضئيلا و بالذات فيما يخص وجود السلوك العدواني لدى الذكور .
و يدلل هذا الفريق على طغيان تأثير العوامل الفطرية على ما عداها بما لوحظ من النتائج التي أسفر عنها تطبيق منهج التنشئة الموحد للأولاد و البنات في بعض الدول كالسويد , حيث تبين أنه بالرغم من الأولاد و البنات أتيحت لهم تنشئة أكثر تجانسا مما أتيح لغيرهم في كثير من الدول الأخرى , حيث قلم النظام المدرسي كله على أساس التعليم المختلط , كما أن فرص التعليم واحدة أمام الأولاد و البنات و كلهم سواء بالنسبة لممارسة الألعاب البدنية في المناهج الدراسية , كما أنهم في الغالب يقضون إجازاتهم معا , إلا انه لوحظ حدوث تباعد في الأنماط السلوكية بين الجنسين في هذه الفترة و هي المرحلة من العمر دون الخامسة عشرة , و تظهر الأذواق المختلفة إزاء الألعاب و النشاط الرياضي بصفة عامة .
كذلك رجحوا أن يكون ارتفاع نسبة الضحايا من الأولاد في إحصاءات الحوادث راجعا لأسباب بيولوجية أساسا , بعد أن لاحظوا وجود هذه الظاهرة في جميع الثقافات فضلا عن إمكانية ملاحظتها في سلوك الحيوانات العليا .
و ينفون ما يقوله علماء الاجتماع من أن تفسير هذه الاتجاهات يكمن في أنها نتيجة محضة للتثقيف المبكر من قبل الوالدين و الزملاء الأكبر سنا , بل إنهم رجحوا أن يكون إدمان الخمر راجعا إلى عنصر الوراثة أكثر مما هو راجع إلى تأثير البيئة الاجتماعية .
و بناء على التفسير البيولوجي الفسيولوجي للاختلاف بين الذكور و الإناث في معدل الجرائم , يمكن التوصل إلى تفسير للاختلافات بينهما في نوع الجرائم يستند بدوره على الاختلاف في التكوين الجسمي و في وظائف الأعضاء .

ب – العوامل الاجتماعية في تفسير جرائم النساء :
الإجرام سلوك اجتماعي من ناحية و الخارجون على القانون بعض أفراد المجتمع من ناحية أخرى والقانون الذي يخرجون عليه هو من وضع مشرعيه , ويرى أنصار المدرسة الاجتماعية أن العامل الرئيسي في تفسير انخفاض إجرام المرأة عن إجرام الرجل هو الأوضاع الاجتماعية للمرأة و مقارنتها بالأوضاع الاجتماعية للرجل فالبنات يخضعن لإشراف أكثر دقة من الإشراف الذي يخضع له الأولاد ويسلكن أنماط سلوكية تنفر من الجريمة يتم تعليمها لهن, تلعب دورا في تشكيل الصورة النمطية للمرأة في المجتمع , كما أن التنشئة الخاصة بها والعادات والتقاليد السائدة اتجاه المرأة,, كتوليد الشعور أن القوة والغلبة مقياس للأولاد وصبغة الضعف مقياس للنساء/ البنات , وتقول الأديبة الفرنسية سيمون دفرفار : ” الرجال لا يولدون رجال وكذلك النساء لا يولدون نساء إنما يصرون كذلك أثناء عملية التنشئة الاجتماعية وهي التي تحدد الأوضاع النفسية للجنسين كما أنها ترسم الأنماط السلوكية لكل منهما فإن كانت هناك نقيصة بالنساء فالمجتمع هو المسؤول عنها وليس التكوين البيالوجي للأناث.
و يؤيد ذلك الدراسة التي أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية و الجنائية في قرية ( طهواي مركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية ) على طائفة الغجر أن جرائمك الإناث تفوق جرائم الذكور من حيث العدد بل إن النساء هن اللاتي يرتكبن جرائم السرقة و النشل في الأسواق و الأماكن المزدحمة , بينما الرجال يبقون في البيت و يقومون بشؤون السرة إلى حين عودة الزوجات .
و قد تبين أن ذلك الوضع يرجع على التنشئة الاجتماعية و ليس على الوراثة فهم يتوارثون قيم الجريمة و يورثونها لأبنائهم .
أما فيما لاحظه ” لمبروزو ” و غيره من العلماء من وجود ارتباط بين بعض الخصائص البيولوجية أو الفسيولوجية و الجريمة لدى الإناث , تبين من الدراسة الإحصائية التي أجرتها الباحثة الفرنسة ” جالي ” حدوث انخفاض في جرائم القتل التي ارتكبتها نساء تتراوح أعمارهن بين الأربعين و الخامسة و الأربعين , مما يدل على أنه ليس شرطا أن يترتب على بلوغ المرأة ما يسمى بسن اليأس و ما يصاحب ذلك من انقطاع الطمث ارتكابها لهذا النوع من الجرائم .

ج – العوامل النفسية في تفسير جرائم النساء :
يذهب أنصار الاتجاه النفسي عدة مذاهب , كل منها يعزو الإجرام إلى عامل نفسي رئيسي , يجعله مسؤولا عن ظاهرة إجرام النساء . و معنى كون العامل نفسيا , هو أن يكون من فعل النفس التي تختل أو تتأثر بذاتها من ذاتها , و ليس باختلال وظائف بعض أعضاء الجسم , كالمخ أو الغدد الصماء , أو بعاهات يولد بعض الناس بها , أو تكون مكتسبة نتيجة حوادث تترك آثارها فيها . و المعروف أن النفس و إن كانت مفهوما غامضا ذات مظاهر تتبدى في عمليات شعورية يمكن ملاحظتها أو التعرف عليها بوسائل سهلة معينة .
و يعد ” جبراييل تارد ” , الفقيه الفرنسي رائد الاتجاه النفسي الاجتماعي لتفسر الأحلام , فقد عاصر ” لمبروزو ” , و عارض آرائه أشد معارضة . وكان يعتقد أن إجرام النساء ظاهرة نفسية اجتماعية , و يعزو السلوك الخارج على القانون إلى عامل نفسي اجتماعي رئيسي هو المحاكاة . و أكد ذلك في كتابه ” الفلسفة العقابية ” الذي شرح فيه نظريته التي حاول بها تفسير أسباب الإجرام و التي يذهب فيها إلى أن السلوك الإجرامي خلق يتطبع الفرد عليه اجتماعيا منذ الصغر , و يسري هذا الخلق بين بعض أفراد المجتمع متبعا قانون المحاكاة نفسه الذي سبق أن استقرأه من بحوثه , و انتهى إلى انه يقوم عليه انتشار البدع في المجتمع . فالجريمة في رأي ” تارد ” كأية حقيقة اجتماعية أخرى , نشاط اجتماعي كالبدعة من قليلة عليا إلى فئات كبيرة كثيرا دونها .
و ينفي ” السلوكيون ” دور العوامل البيولوجية في انخفاض معدل جرائم المرأة , تبعا لنفيهم كل دور لما يسمى بالغرائز , ونبذهم كل محاولة للاستبطان , و كل رجوع إلى الشعور و يركزون اهتمامهم فقط في التعليم , فالكائن الحي يتعلم بالمحاولة و الخطأ و كلما تكررت المحاولات قلت الأخطاء .
وتلعب العوامل النفسية دوراً في حين أن بعض العلماء يرون أن إجرام النساء ظاهرة نفسية اجتماعية وأن العامل البيولوجي ليس وحده هو المسؤول وبالتالي وجب فهم العامل النفسي في ضوء سياق وجودي اقتصادي، نفسي، اجتماعي، أي الرجوع إلى التربية والبيئة متفاعلين مع التكوين البيولوجي المختلف لكل من المرأة والرجل.

د- الاتجاه التكاملي في تفسير جرائم النساء :
فات أصحاب الآراء السابقة أن يدركوا أنهم في محاولتهم تفسير انخفاض إجرام الإناث اهتموا بجانب واحد أو أكثر من الجوانب أو العناصر التي يتكون منها الإنسان , فالذين اهتموا بالجوانب البيولوجية و الفسيولوجية نسوا أن الإنسان ليس جسما يتكون من أعضاء تقوم بوظائف معينة فقط , كما أنه ليس مجرد كائن اجتماعي يخضع في كل خلجاته و حركاته للمجتمع الذي ينقل إليه قيمه و عاداته و تقاليده و أعرافه من خلال عملية التنشئة الاجتماعية كما اعتبره كذلك علماء المجتمع .
كذلك فإن الإنسان ليس نفسا تعمل بمعزل عن الجسد الذي يحتويها و في استقلال عن البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها صاحبها إنما هو كل هذه مجتمعة , فهو جسد يحتوي على أعضاء و أجهزة تقوم بعمليات و تؤدي وظائف معينة , و في داخل الجسد نفس تتأثر بمؤثرات عديدة بعضها مصدره أعضاء الجسم و أجهزته و البعض الأخر مصدره المجتمع الذي يعيش فيه الشخص.
و هكذا يأخذ هذا الاتجاه في تفسيره لانخفاض معدل جرائم المرأة بتلك العوامل مجتمعة , ففي رأي أنصاره أن العلوم المختلفة التي تستخدم في تفسير السلوك الإنساني لا تنفصل عن بعضها , و إنما الأصح أنها تتصل ببعضها أو بالأحرى يكمل بعضها بعضا بشأن تفسير هذا السلوك , فعلم الاجتماع لا ينفصل عن علم النفس , كذلك لا ينفصل هذان العلمان عن علم البيولوجيا أو علم الفسيولوجيا أو علم الأنثروبولوجيا , و إنما نجد دائما مناطق مشتركة بين هذه العلوم , مما جعل البعض يحاول فصلها أحيانا أو إطلاق أسماء جديدة عليها باعتبارها علوما مستقلة كعلم النفس الفسيولوجي , و علم النفس الاجتماعي , و علم النفس الجنائي و غيرها من العلوم التي لا تعدو أن تكون تلفيقا أو توفيقا علميا متقنا( ) .

خامسا- النظريات الحديثة في تفسير انخفاض نسبة إجرام المرأة عن نسبة إجرام الرجل :

شهد النصف الثاني من القرن العشرين تطور كبير على مختلف الأصعدة العلمية , ولم يكن علم الإجرام بمنأى عن هذه التطورات , فقد ظهرت خلال العقود الثلاث الأخيرة نظريات جديدة تحاول تفسير ظاهرة إجرام النساء بعيدا عن النظريات البيولوجية , والنفسية , والاجتماعية التي أصبحت معروفة , أما الاتجاهات الحديثة في تفسير جرائم النساء , فقد اعتمدت على وجهة نظر الحركات النسائية التي اعتمدت في تفسيراتها مفهوم النوع(الجندر) Gender وظهرت في سبعينيات القرن الماضي بفعل حركات الحقوق المدنية والتعليم وعمل المرأة و تغير الأدوار الاجتماعية،وظهور نظريات اجتماعية مستندة إلى تفسيرات ماركسية.
ومن هذه المحاولات الحديثة ما قامت به الباحثة ( ريتا سيمون ) التي طرحت في كتابها(المرأة المعاصرة والجريمة 1975)( ) تفسيراً قائماً على نظرية (أدلر)التي ترى أن جرائم النساء تمثل نوعاً من الاحتجاج على مجتمع يحكمه ويتحكم به الرجال ، لاسيما في المجالين الاقتصادي والاجتماعي. وبناءً على دراسة جرائم الإناث للأعوام 1953و 1963 و1972م،وجدت سيمون زيادة ملحوظة في جرائم النساء لاسيما الجرائم ذات الطابع الاقتصادي فيما لم تتغير جرائمهن ذات الطبيعة العدوانية.وفسرت ذلك بقولها:إن هنالك فرصاً اقتصادية و حقوقاً أكثر من قبل؛أي أن المرأة أصبحت تتمتع باستقلال أكثر من قبل،وهذا يعود إلى حركة تحرر المرأة. وتبدو أهمية هذه الفرصة وعلاقتها بانحراف المرأة مشجعة في ضوء الأبحاث الميدانية.فقد تبين أن النساء أخذن يرتكبن جرائم اقتصادية مشابهة لتلك التي يرتكبها الرجال.
– وأما الاتجاه الثاني هو ما قامت به الباحثتان ( فينمان ) و ( نافين )
طرحت هاتان الباحثتان نظرية (التهميش الاقتصادي)بعد دراسات ميدانية امتدت من عام 1980 إلى عام 1994.وطرحتا تفسيراً يضاف إلى مدخل (الفرصة)الذي جاءت به ( سيمون ) . وتوصلتا إلى أنه لا توجد فرص حقيقية ودافعة أمام المرأة ،إلا أمام النساء اللواتي يعانين التهميش الاقتصادي والبطالة وتدني الأجور،لاسيما في
الطبقات الفقيرة والأحياء السكنية التي تعاني التهميش.وتعتقد الباحثتان أن الجرائم الاقتصادية التي ترتكبها النساء هي رد عقلاني على الفقر والبطالة وتدني الأجور.

– الاتجاه الثالث ويتمثل بالنظريات الجندرية :
مع ظهور مفهوم (الجندر)Gender ظهرت مجموعة من النظريات التي تفسر جرائم النساء وجرائم الرجال أيضاً،من بينها نظرية (ضبط القوة) التي تنطلق من فرضية أساسية مفادها أنه كلما زادت الأسرة أبوية اتسعت الفجوة الجندرية في ارتكاب الجرائم والسلوك المنحرف بين الذكور والإناث.وان الأسرة البطريركية التسلطية تمارس عكس الأسرة الديمقراطية،ضبطاً قوياً من قبل الآباء،وتفضيلاً للذكور على الإناث،مما يدفعهم إلى الانحراف وارتكاب الجريمة.وان مسألة القوة والصراع في العلاقات الأسرية تكون فيما بعد (مرحلتي الطفولة والمراهقة) انعكاساً لبيئة العمل.وبما أن مساهمة المرأة في سوق العمل تتزايد في معظم المجتمعات فإن تورطها في الانحراف وارتكاب الجريمة يكون أكثر.
وفي عام (1997)،طرح ( شمدت ) نظرية ( توجه القوة ) ، ونظر إلى الجريمة بوصفها فعلاً بنيوياً،وقال إن توجه القوة،والعِرق،والطبقة،هي من نتائج وضاعة البناء الاجتماعي , أي أن الجنس يحدده البناء الاجتماعي،وهو الذي يحدد إدراكنا وتعريفنا هذه المفاهيم الثلاثة في المجتمع.وبعد أن تتم عملية التعريف هذه،يأتي دور هؤلاء الناس في كيفية قيامهم بأدوارهم المعرّفة اجتماعياً.فالطبقة القائمة على المنافسة ، في المجتمعات الرأسمالية،هي التي تحدد الأدوار الاقتصادية،وتضمن تفوق الرجال الذين يرتكبون ما يسمى جرائم ذوي الياقات البيض والجرائم الجنسية ، فيما تضطر النساء إلى ارتكاب جرائم السرقة والإيذاء . الحركات النسوية
في العقدين الماضيين،ظهرت ثلاث حركات نسوية ، قامت الأولى على مفاهيم مثل الجندر والعِرق والطبقة ، والثانية جندرية خالصة ، والثالثة تقوم على الجسم والجنس . ولعل من أبرزها ( الاتجاه الماركسي النسوي ) الذي يرى أن النظام الرأسمالي قائم على استغلال النساء والفقراء بشكل خاص،وتقسيم العمل على أساس الجنس ، حيث تحتل النساء مسؤوليات غير رفيعة ومواقع متدنية في العمل ، أدى إلى أن يكون مصدر الجريمة عند المرأة في هذه المجتمعات ثنائي المصدر:
* أولاً:توزيع الثروة وتقسيم العمل القائم على الجنس،الذي يدفع بالمرأة إلى ارتكاب جرائم ذات طبيعة اقتصادية أو خاصة بالملكية.
* وثانياً:مكانة المرأة في سوق العمل،التي تصل إلى مستوى التهميش الذي يجعلها مضطرة إلى أن تكون تابعة للرجل،مما يفضي إلى شعورها بالغضب والإحباط الذي يؤدي بالنتيجة إلى ارتكابها جرائم تلحق الأذى والضرر بالرجل.
أما الاتجاه الاشتراكي الأنثوي،فيرى أن اضطهاد المرأة هو أحد الصفات المركزية للنظام الأبوي الرأسمالي،وأن الجريمة نتيجة حتمية للوضع الطبقي.ولهذا تكون جرائم النساء ذات طبيعة اقتصادية،لأنها هي الضحية في هذا النوع من المجتمعات.
وبتفسير مشابه ، يرى الاتجاه الليبرالي الأنثوي أن هنالك عدم مساواة في التعامل مع النساء،لاسيما في نظام العدالة الجنائية.وان مفاهيم الشهامة والنخوة هي من مخلفات الماضي.وانه لا بد من إعادة النظر في مساواة المرأة مع الرجل،وأن لا تقتصر قوة المرأة في بيتها،إنما في سوق العمل والوظائف العامة أيضاً،وانه كلما زادت عمليات دمج المرأة في سوق العمل قلت ممارسات التمييز ضدها.
ويلخص لنا (ويليامز) و(مكشين) 1999م التفسيرات المتنوعة التي طرحتها الحركات النسائية بالآتي:
1- إن مفهوم الجندرGender ليس مسألة طبيعية بل نتيجة لعوامل اجتماعية وتاريخية وثقافية،وليس مشتقاً من الفروق البيولوجية الجنسية.
2-إن الجندر وعلاقاته الاجتماعية في المؤسسات الاجتماعية هي طرائق سلوكية أساسية.
3-إن العلاقات الجندرية ومفاهيم الرجولة والأنوثة منظمة من حيث المبدأ على تفوق الرجال ودونية النساء،لاسيما في البناء الاقتصادي والسياسي.
4-إن المعرفة والأنظمة المعرفية هي نتيجة جندرية ، أي أنها تعكس وجهة نظر الرجال في الأمور الاجتماعية والطبيعية.
لقد تطور علم الجريمة الخاص بالمرأة بفعل عدة عوامل أهمها ظهور حركات الحقوق المدنية والحركات النسائية بالرغم من انقسامها على نفسها إيديولوجيا وعرقياً.ولعل الميزة الأساسية للتوجهات الحديثة في هذا الميدان أنها حولت الانتباه من الفروق البيولوجية بين الرجال والنساء إلى متغيرات أخرى لها دورها.فالحركات النسوية الماركسية ترى أن المصدر الرئيس للتمييز بين الذكور والإناث هو النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي يقوم على ثنائية استغلال المرأة في البيت وخضوعها للرجل بسبب عدم الاستقلال الاقتصادي.أما النظريات الراديكالية فترى أن العامل الاقتصادي،وإن كان صحيحاً،فإنه ليس تفسيراً نهائياً،فركزت على الجندر والأبوية حيث الرجال يتخذون من النساء موضوعات جنسية مصحوبة بالعنف والاغتصاب؛فيما تطرح نظريات أخرى تفسيرات أخرى،تجعلنا نخلص إلى القول أنه لا يوجد عامل أو سبب أو متغير واحد يفسر جرائم النساء،الأمر الذي أدى ليس فقط إلى تغيير في مناهج البحث الخاصة بالجريمة وجرائم النساء بشكل خاص،بل إلى إعادة النظر في المفاهيم والمعتقدات التي اعتاد تفكيرنا قبولها كما لو كانت مسلمات( ).

الخاتمة :

مما تقدم يتبين لنا أن جرائم النساء كأحد فروع علم الإجرام يهتم بدراسة الظاهرة الإجرامية للمرأة من حيث اختلافها عن إجرام الرجل , والبحث في العوامل المؤثرة فيها وتفسير هذه الظاهرة بغية الوصول إلى حلول مناسبة لها تكفل القضاء عليها أو التخفيف منها ما أمكن ذلك , وبرغم أن جرائم النساء أقل في نسبتها من جرائم الرجال من حيث الكم والنوع , كما أن المرأة أقل خطورة إجرامية من الرجل في الغالب بالنظر إلى الوسيلة المستخدمة في اقتراف الجرائم , وذلك بفعل عوامل مختلفة سبق شرحها , أسهمت في تدني نسبة جرائم النساء بالمقارنة مع نسبة جرائم الرجال إلا أنه لا بد من اتخاذ بعض الإجراءات التي تكفل المحافظة على مجتمع نقي من العوامل التي تنمي بزور الجريمة كما يلي :
التوصيات والمقترحات :
• التأكيد على دور الأسرة في الاهتمام بأبنائها ، ولاسيما البنات ، لحمايتهن من الوقوع في براثن الجريمة .
• تدعيم قوانين الضمان الاجتماعي التي تدعم حقوق المرأة وتحميها من الاستغلال ومن الوقوع في الجريمة .
• منح مساعدات مادية للأسر الفقيرة لضمان عدم ارتكاب النساء الجريمة .
• نشر الوعي الديني ووضع رقابة على وسائل الإعلام المختلفة .
• توفير قاعدة بيانات عن الجريمة يمكن أن يلجأ إليها الباحثون والدارسون في مجال الإجرام ، وإجرام النساء خاصة ، وذلك بغية تشجيع البحث العلمي .
• التأكيد على تعليم المرأة وتثقيفها .
• ضرورة تركيز أجهزة العدالة الجنائية على تبصير المرأة بحقوقها التي ضمنها لها المجتمع ، والضمانات التي وفرها لها ، ذلك أن الكثير من الجرائم التي تقدم على ارتكابها المرأة تكون بسبب جهلها بتلك الحقوق والضمانات .

شارك المقالة

2 تعليق

  1. كوثر ابراهيم

    17 أبريل، 2018 at 7:04 م

    لا اجد ما اقوله ولكن اشكر كل المحاماة الزين شاركو في هذا العمل القانوني

  2. عبدالرحمن محمود

    21 أبريل، 2018 at 2:58 م

    شكرا جزيلا لكم جميعا وربنا يوفقكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.