حكم تصرفات المحجور عليه للجنون فقهاً و قانوناً

تمهيد
المبحث الأول: الأهلية
المبحث الثاني: عوارض الأهلية
المبحث الثالث: الجنون كعارض من عوارض الاهلية
المراجع
تمهيد
تثبت الشخصية القانونية لكل إنسان فيكون صالحا لأسناد الحقوق له و ثبوت الالتزامات عليه، على أن مباشرة الشخص لبعض السلطات التى تخولها له حقوقه أو قيامه بالواجبات يقتضيان توفر قدر من التميز و الادراك لديه ليكون له ارادة يعتد بها القانون.
ومن الطبيعى أن يتاثر تمييز الشخص بسنه فتمييزه يتدرج بتدرج سنه، كما إنه يتاثر بحالته العقلية أو الصحية فقد يبلغ الشخص سن الرشد – الذى يتوافر عنده كمال التمييز فى العادة أو هكذا يفترض القانون – و لكن يلحقه عارض عقلى أو صحى يؤثر على تمييزه و هذه هى عوارض الأهلية. وقد يكتمل تمييز الشخص ولكن يلحقه مانع يمنعه من القيام بنفسه بالتصرفات و هذه هى موانع الأهلية.

المبحث الأول: الأهلية

أولاً: تعريف الاهلية لغةً واصطلاحاً:

لغةً : الأهلية في اللغة هي الصلاحية والجدارة والكفاية لأمر من الأمور، فالأهلية للأمر هي الصلاحية له، ومنه قوله تعالى في حق المؤمنين “وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهله ” (سورة الفتح آية 26) وأيضا قوله تعالى: “هو أهل التقوى وأهل المغفرة ” (سورة المدثر56).

اصطلاحاً : هي صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق والتحمل بالإلتزامات، ومباشرة التصرفات القانونية التي يكون من شأنها إن تكسبه حقاً، أو تحمله التزاما على وجه يعتد به قانوناً.

ثانياً: أنواع الأهلية:

وتنقسم الأهلية إلى: أهلية وجوب ،وأهلية أداء. وكل منهما إما ناقص ، وإما كامل ، فالأقسام أربعة:

(أ) أهلية الوجوب الناقصة: وهى صلاحية الإنسان لأن تكون له حقوق ، ولكن لا يصلح لثبوت الواجب عليه، مثل أهلية الجنين، فهى ثابتة له فى بطن أمه، وبها يكون أهلاً لاستحقاق الإرث والوصية.

(ب) أهلية الوجوب الكاملة: وهى صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق له ، وثبوت الواجب عليه. وهذه الأهلية تثبت للإنسان من ولادته إلى موته ، فيرث ويورث ، وتجب له النفقة كما تجب في ماله.

(ج) أهلية الأداء الناقصة: وهى صلاحية الإنسان لصدور بعض التصرفات دون بعض ، ومناط هذه الأهلية هو التمييز حتى يبلغ الانسان عاقلا.

(د) أهلية الأداء الكاملة: وهى صلاحية الإنسان لصدور الأفعال منه على وجه يُعتَدّ به شرعا ، وتثبت هذه الأهلية للبالغ الرشيد؛ فيكون صالحا لإبرام جميع التصرفات من غير توقف على إجازة غيره.

المبحث الثاني: عوارض الأهلية
أولاً : تعريف عوارض الأهلية لغة و اصطلاحا:
لغة : العوارض جمع عارض والعارض بالفتح ما يعرض للإنسان من مرض ويقال اعترض الشيء دون الشيء أيحال دونه.
اصطلاحا : العوارض هي أمور تطرأ على الإنسان فتؤثر في أهليته بالزوال أو بالنقصان,وهي ليست من الصفات الذاتية له.
ثانياً: تقسيمات عوارض الأهلية:
فالعوارض هي الأمور المنافية للأهلية,وهي ليست من لوازم الإنسان,ولا يتسنى لنا الوقوف على طبيعة عوارض الأهلية إلا على أساس معرفة الأهلية ذاتها,ولما كانت الأهلية صفة يتصف بها الشخص تجعله صالحا لأن يباشر تصرفاته على وجه يعتد بها شرعاً نظراً لاكتمال تمييزه عن عقل ورشد لذلك يلزم أن يكون العارض مؤثراً في هذه الصلاحية ولذلك يلحق بالشخص وصف انعداما لأهلية أو نقصها بسبب هذا الأمر الذي أثر في تمييزه ورشده.
قسم يؤثر على الأهلية بنوعيها ( الوجوب والأداء ). فيزيلها كالموت فإنه يقضي على خاصية الإنسان,أي يقضي على أهليته.
وقسم لا تأثير له على أهلية الوجوب,وإنما يؤثر على أهلية الأداء بالعدم أو بالنقصان مثل الجنون والسكر,وكل من المجنون والسكران معدوم أهلية الأداء,وقد يؤدي العارض إلى نقص أهلية الأداء كما في الصبي المميز والسفيه.
ونسرد فيما يلي أحكام تصرفات عديم الأهلية للجنون.

المبحث الثالث: الجنون كعارض من عوارض الأهلية
أولا : تعريف الجنون:

حيث يعرف الجنون بأنه آفة تصيب العقل فتذهب به، ويؤدي الجنون إلى فقد التمييز

ثانيا حكم تصرفات المجنون:
(أ‌) الوضع فى الشريعة الإسلامية:
يقول رسول الله صلى الله علية وسلم “رفع القلم عن ثلاثة : الصبي حتى يحتلم، والنائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق “. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

ومعنى رفع القلم أى رفع الإثم عن هؤلاء الثلاثة فلا يؤاخذون ما داموا في هذه الحالة لأنهم غير مكلفين فإذا ارتكبوا شيئاً فيه اعتداء على الآخرين كإتلاف المال وإتلاف شيء من الأنفس فإنهم يغرمون المال الذي أتلفوه وكذلك لو قتلوا نفساً في هذه الحالة فإنه يعتبر هذا من قتل الخطأ فتجب عليهم الكفارة والدية على العاقلة لأن حقول الآدميين لا تسقط بذلك لأن مبناها على المشاحة، وأما حقوق الله سبحانه وتعالى فمبناها على المسامحة.

ويرى الحنفية أن: المجنون هو الذي سلب عقله فلا يعقل شيئا أصلا ولا يفيق بحال. أما الذي يعقل بعض الأشياء دون بعض ويكون قليل الفهم مختلط الكلام فاسد التدبير إلا أنه لا يشتم ولا يضرب فإنه يسمى معتوها أما المجنون الذي يفيق أحيانا بحيث يزول ما به بالكلية فإنه في حال إفاقته يكون كالبالغ العاقل فلا يحجر عليه وينفذ تصرفه في هذه الحالة

حكم المجنون الذي لا يعقل أصلا هو كحكم الصبي الذي لا يميز في جميع ما تقدم فكل تصرفاته تقع باطلة سواء كانت نافعة أو ضارة أو غيرهما أما المعتوه فإنه كالصبي المميز في تصرفاته وقد عرفت أنه إن تصرف تصرفا نافعا محضا كقبول هبة من الغير نفذ تصرفه بدون توقف على إجازة الولي وإن تصرف تصرفا ضارا محضا كطلاقه لامرأته وإقراضه ماله أو هبته لغيره لا ينفذ ولو أجازه الولي وإن تصرف في شيء يحتمل النفع والضرر عادة كالبيع والشراء فإنه ينعقد موقوفا على إجازة الولي فللولي أن يجيزه وله أن يرده.

(ب‌) الوضع في القانون المصري:

نصت المادة 114 من القانون المدني المصري على أنه... “يقع باطلاً تصرف المجنون والمعتوه إذا صدر التصرف بعد تسجيل قرار الحجر، أما إذا صدر التصرف قبل تسجيل قرار الحجر، فلا يكون باطلاً إلا إذا كانت حالة الجنون أو العته شائعة وقت التعاقد أو كان الطرف الآخر على بينة منها.

ويؤخذ من ذلك وجوب تسجيل قرار الحجر، وبطلان ما يقع بعد ذلك من تصرفات من المجنون أو المعتوه ولا فرق في ذلك بين ما إذا كانت حالة الجنون أو العته شائعة وقت التعاقد أو غير شائعة، معلومة للطرف الآخر أو غير معلومة، ولا بين ما إذا كان العته يذهب التمييز أو لا يذهب به مادام قرار الحجر لم يبين ذلك، وقد أجازت المواد 1026 وما بعدها من قانون المرافعات المصري طلب الحجر ورتبت عليه إمكان الاحتجاج على الغير بقرار الحجر من وقت تسجيل الطلب– حيث قضت محكمة النقض فى الطعن رقم 13 لسنة 45 ق بما يتفق و نصوص هذه المواد – ، أم التصرفات السابقة على تسجيل قرار الحجر، أو على تسجيل طلب الحجر إن كان قد سجل، فيشترط في بطلانها ثبوت حالة الجنون أو العته الذي يذهب بالتمييز وقت التعاقد وذيوع هذه الحالة أو علم الطرف الآخر بها، ويكتفي بثبوت أحد هذين الأمرين لإبطال التصرف، ولا يشترط ـ كما هو الحال بالنسبة للسفيه وذي الغفلة ـ كون التصرف نتيجة استغلال أو تواطؤ.

المراجع

1. المدخل لدراسة القانون الجزء الثانى – نظرية الحق – (د/ احمد شرف الدين).

2. المدخل للعلوم القانونية – الجزء الثانى – نظرية الحق (د/ رجب كريم عبد اللاه).

3. حكم التصرفات القانونية لفاقد الاهلية (أ/ محمد على عبد الله الشرفى) –دار النهضة 30/12/1998

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أستاذة / يارا محمد الشربيني “باحثة قانونية “

مؤسسة قوانين الشرق لتطوير الممارس القانوني العربي