تدبير ملف الهجرة غير الشرعية العلاقات المغربية الإفريقية نموذجا

نبيل سديري

باحث في سلك الدكتوراه القانون العام والعلوم الساسية

جامعة الحسن الأول ،كلية الحقوق سطات

مختبر الحكامة والتنمية المستدامة

[email protected] البريد الالكتروني

مقدمة:

الهجرة ظاهرة اجتماعية عرفها الإنسان والحيوان والطير منذ بدء الخليقة ، ومعناها لغويا الترك والانتقال، واصطلاحا ترك الموطن الأصلي إلى غيره من المواطن ، وعلى المستوى الإنساني هي انتقال البشر من موطن إلى آخر ، وتستخدم في العلوم الاجتماعية بمعنى التحركات الجغرافية للأفراد والجماعات[1]، وفي التشريعات الدولية ،هناك الهجرة الشرعية وغير الشرعية، في ضوء اتفاقيات الشراكة الاورومتوسطية وسياسات الجوار ، فمن الضروري تعميق الحوار والتشاور بين البلدان المصدرة للعمالة والبلدان المستقبلة لها حول أسباب ودوافع الهجرة وليس فقط من أجل القضاء على تيارات الهجرة غير الشرعية [2]،وإنما وفق رؤية شمولية واضحة المعالم تساعد في اتخاذ إجراءات تنموية حقيقية تفتح المجال لشراكة حقيقية تأخذ بعين الاعتبار تشابك وتبادل المنافع بشكل متوازن بين الطرفين الأوربي والإفريقي.

وتعد الهجرة ظاهرة قديمة ـ حديثة ـ على مر التاريخ ، حيث تتضمن أهم عنصر من عناصر المواطنة بين الإنسان وموارد الثروة الكونية ، فإذا ما شحت الثروة أو نفذت في مكان ، هاجر الإنسان إلى منطقة أخرى حيث يتوافر رغد العيش، وعلى أساس تلك الحقيقة المبسطة انتشر الإنسان عبر التاريخ في أنحاء الأرض حاملا معه جذور حضارات ومدنيات متنوعة [3]

وتعتبر الهجرة غير الشرعية إحدى أبرز المشاكل التي تواجهها دول العالم نظرا لما تصاحبها من إفرازات ومشاكل أمنية تؤثر سلبا على أمن الدول المستقبلة والمصدرة للمهاجرين ، فالهجرة غير الشرعية تشكل تهديدا أمنيا ليس من السهل تدبيره بالرغم من وجود الكثير من الآليات التنسيقية والتعاون الدولي لمحاولة التعامل معها ، وهذا ما تسعى إليه الدول المتوسطية التي تشكل إحدى مراكز المهاجرين في العالم نظرا للموقع الاستراتيجي الذي تتواجد به ، بالإضافة إلى كونها نقطة وصل بين دول الشمال ودول الجنوب[4] ، ويعتبر المغرب من أهم نقط العبور التي يفضلها المهاجرين نظرا للموقع الاستراتيجي والقرب من الضفة الأوربية عبر جبل طارق ، كما أنه لم يعد أي المغرب مجرد مصدر للمهاجرين بل منطقة عبور واستقرار للمهاجرين جنوب الصحراء .

والهجرة بصفة عامة لا تعرف اتجاها جغرافيا معينا ، وإن كانت في السنوات الأخيرة تتجه من الجنوب نحو الشمال ومن الشرق إلى الغرب . لكنها تخضع أساسا لقانون واضح هو الانتقال من مناطق الفقر واللاستقرار إلى الأماكن الغنية والأكثر أمنا [5].

ونظرا لحدة الظاهرة التي أثقلت كاهل الدول المستقبلة ، تم وضع مجموعة من الاستراتيجيات بتعاون مع الدول الأوربية من أجل الحد منها ، والمتمثلة في تسوية وضعيتهم قانونيا ، ووضع تدابير تنموية لامتصاص سيل المهاجرين نحو دول الشمال ، وتجنب التدابير الكلاسيكية التي تعتمد التدابير الأمنية كترحيل المهاجرين إلى الحدود والاعتقال ، بل اعتماد إستراتيجية معتمدة على حقوق الإنسان . واعتبار الهجرة آلية أساسية في التنمية الاقتصادية للدولة المستقبلة ، وعدم اعتبارها جريمة يتم التعامل معها بترسانة قانونية محملة بالمقتضيات الزجرية والقمعية [6].

والمغرب ينهج المقاربة الحقوقية، بحيث تمت تسوية وضعية بعض المهاجرين جنوب الصحراء ، والعمل على إدماجهم في المجتمع ، ووضع مؤسسات تهتم بشؤون الهجرة .

من خلال ما سبق سنتحدث عن إشكالية تدبير الهجرة غير الشرعية في العلاقات المغربية الإفريقية، وذلك في محورين :

المحور الأول :التوجهات الملكية في مجال الهجرة
المحور الثاني: تسوية وضعية المهاجرين جنوب الصحراء

المحور الأول :التوجهات الملكية في مجال الهجرة

يحتل رئيس الدولة في بلدان العالم الثالث مركز الصدارة في صناعة القرار، من خلال امتلاكه لمصادر القوة الأمر الذي يضفي على شخصيته الطابع الكاريزمي ، مما يجعل عملية صنع السياسة الخارجية متوقفة بشكل مطلق على العقائد الذاتية والمكونات الشخصية لصانع القرار، عكس ماهو سائد في الدول الديمقراطية ، التي وإن كانت تتوفر فيها مؤسسة رئاسة الدولة على امتيازات دستورية واسعة ، فإن هناك مراقبة من قبل السلطة التشريعية وحتى القضائية عن كيفية التصرف في الامتيازات والصلاحيات المخولة لرئيس الدولة بنص الدستور ، الذي لا نجد له مثيلا في بلدان العالم الثالث[7] .

أصبحت القارة الإفريقية، في السنين الأخيرة، بفعل عدد من العوامل السياسية (مسلسل الانفتاح الديمقراطي وظهور طبقة متوسطة جديدة) والاقتصادية (تحسن أسعار المواد الأولية وتحسن مناخ الأعمال)، تعرف نموا اقتصاديا قويا جعلها في قلب المعترك الاقتصادي الدولي وأرضية للتسابق بين الدول الأوربية وأمريكا والصين والمغرب بحكم موقعه في مفترق طرق الأسواق العالمية، وفي علاقاته مع دول القارة ينطلق من منظور استراتيجي متجدد و متكامل حدده جلالة الملك في أكثر من مناسبة، مبني من جهة على تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية جنوب-جنوب، عبر اعتماد إفريقيا على مقوماتها وقدراتها الذاتية، والسعي من جهة أخرى إلى ترسيخ علاقاته التاريخية مع بلدان القارة عبر مبادرات تشمل الحقل الديني والإنساني والتنموي . في إطار التعاون الاقتصادي والتجاري الثنائي الذي يشكل رافعة مهمة في إستراتيجية المغرب بإفريقيا، عقد المغرب ومنذ الستينات من القرن الماضي أكثر من 500 اتفاق للتعاون مع دول إفريقيا. كما سمحت زيارات جلالة الملك لعدد من دول القارة بوضع الإطار القانوني الملائم لتطوير علاقات الاستثمار والأعمال بين المغرب ومختلف شركائه الإفريقيين، ومن تنويع مجالات التعاون[8] .

كما ساهمت التغيرات السياسية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط ، بالإضافة إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية التي شهدتها أوربا ، والسياسات الجديدة للاتحاد الأوربي بشكل كبير في تغيير سياق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأجانب في المنطقة الأورومتوسطية .

لا يتمتع العديد من المهاجرين واللاجئين بهذه الحقوق في معظم بلدان المنطقة ، علما بأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1949 يعترف بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية باعتبارها حقوق أساسية ، كما أن ورودها في وقت لاحق في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 منحها قيمة قانونية ، وبالتالي فإن احترام هذه الحقوق واجب على المجتمع الدولي [9].

لطالما كان المغرب بلدا مصدرا للمهاجرين ، وقد وقع وصادق على عدد من الاتفاقيات والاتفاقات الثنائية بهدف حماية مصالح رعاياه في الخارج ، علاوة على ذلك فإن الفصل 31 من الدستور المغربي يتضمن قائمة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي تكفلها الدولة ، إلا أنه يحصرها بالمواطنين المغاربة .

وقد كانت ظاهرة الهجرة غير الشرعية الآتية من دول جنوب الصحراء واردة في الخطب الملكية ومنها خطاب 6نونبر 2013 بمناسبة الذكرى 38 للمسيرة الخضراء ، حيث أكد الملك على أن العلاقات المتميزة التي تجمع المغرب بدول إفريقيا جنوب الصحراء ليس سياسية واقتصادية فقط ، وإنما هي في العمق روابط إنسانية وروحية عريقة .

واعتبارا للأوضاع التي تعرفها بعض الدول ،فإن عددا من مواطنيها يهاجرون إلى المغرب بصفة قانونية أوغير قانونية ، حيث كان يشكل محطة عبور إلى أوربا قبل أن يتحول إلى وجهة للإقامة .

وأمام التزايد الملحوظ لعدد المهاجرين ، سواء من إفريقيا أو من أوربا ، وقد دعى جلالته الحكومة لبلورة سياسة شاملة جديدة لقضايا الهجرة واللجوء وفق مقاربة إنسانية تحترم الالتزامات الدولية للبلاد وتراعي حقوق المهاجرين .

وتجسيدا للاهتمام الخاص الذي يوليه الملك لهذا المجال فقد حرص على تكليف قطاع وزاري بقضايا الهجرة.

ومما يكرس مصداقية المغرب في مجال حقوق الإنسان ، التجاوب الواسع الذي لقيته هذه المبادرة من الأطراف المعنية مباشرة بهذه الإشكالية ، خاصة الدول الشقيقة جنوب الصحراء،ودول الاتحاد الأوربي ومختلف الفعاليات والمنظمات الأممية والجهوية والدولية المعنية بظاهرة الهجرة وحقوق الإنسان .

وتعزيزا لهذا التوجه ، فقد قدم المغرب على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة لسنة 2013 مبادرة “التحالف الإفريقي للهجرة والتنمية ” ، وهي مبادرة تقوم على منظور إفريقي مشترك ، وعلى مبادئ إنسانية لقضايا الهجرة ، وعلى المسؤولية المشتركة بين الدول المصدرة والعبور والاستقبال ، وكذا على الترابط الوثيق بين الهجرة والتنمية .

ولأن إشكالية الهجرة تهم كل الدول والشعوب فقد ناشد جلالته المنتظم الدولي للانخراط القوي في معالجة هذه الظاهرة ، لتفادي ما تسببه من كوارث إنسانية [10].

كما وجه جلالة الملك رسالة إلى الدورة العادية 30 لقمة رؤساء دول حكومات الاتحاد الإفريقي، التي جرت أشغالها بمقر المنظمة القارية بأديس أبابا .

وقال جلالته ” يسعدنا أن المغرب قد ساهم في المبادرات والمشاريع التي أطلقت برعاية منظمتنا ، وفي الاجتماعات التي عقدت في إطارها . وستواصل المملكة المغربية الدفاع عن القضايا الإفريقية النبيلة ، ولن تدخر جهدا في سبيل تعزيز السلم والاستقرار والتنمية في إفريقيا”.

كما أكد جلالته أنه “: خلال القمة 28 تفضلتم باختياري “رائدا للاتحاد الإفريقي في موضوع الهجرة “.وهو تشريف لي وعربون تقدير من لدن إخواني وأخواتي القادة .

” وفي يوليوز 2017 ، قدم جلالته اللبنات الأولى لرؤية افريقية مشتركة حول الهجرة من خلال المذكرة الأولية التي تم عرضها على فخامة الرئيس الفاكوندي “.

” واليوم يطيب لي أن أقدم لكم وثيقة هي بمثابة ” الأجندة الإفريقية حول الهجرة “، والتي تم إعدادها وفق مقاربة شمولية وتشاركية [11]:

ـ “هي ثمرة للتشاور الدائم مع العديد من رؤساء الدول خلال المحادثاث والاتصالات المختلفة التي تمت بيننا”.

ـ تعكس انخراطا واسعا للفاعلين المعنيين ، لاسيما من خلال عقد لقائين مهمين بالمغرب وهما:

1ـ الخلوة الإقليمية المنظمة بتاريخ 2 نونبر 2017 بالصخيرات ، بمشاركة أزيد من 120 من أصحاب القرار وممثلي المنظمات الدولية ، والباحثين وأعضاء المجتمع المدني .

2ـ المؤتمر الوزاري المنعقد بالرباط في 9 يناير 2018 ، بمشاركة أزيد من 20 وزيرا ، يمثلون الأقاليم الفرعية للوزارة للقارة ، ومفوضية الإتحاد الإفريقي ، والتجمعات الاقتصادية والإقليمية .

ـ وتتضمن هذه الوثيقة أيضا الأفكار والمقترحات والرؤى المقدمة من قبل المؤسسات الرسمية، والمجتمع المدني والباحثين في إفريقيا.

ـ كما تتميز بمرونتها وقابليتها للتطور ، وعدم الزاميتها من الناحية القانونية ، حيث يتعين اعتبارها في المقام الأول مرجعا نهتدي به في عملنا المستقبلي في معالجة هذا الموضوع .

وقال جلالة الملك في الرسالة السامية إن ” الأجندة الإفريقية حول الهجرة تنطلق من ضرورة الإلمام بظاهرة الهجرة في مختلف أبعادها من أجل فهمها بشكل أفضل،” مضيفا أنه “قد آن الأوان لتصحيح المغالطات التالية، المرتبطة بقضايا الهجرة.”

وأوردت الرسالة الملكية السامية 4 مغالطات وجب تصحيحها، إذ قال جلالته:

أولا، لا وجود لتدفق للهجرة ما دام المهاجرون لا يمثلون سوى 3.4% من سكان العالم.

ثانيا، إن الهجرة الإفريقية هي قبل كل شيء هجرة بين بلدان إفريقيا، فعلى المستوى العالمي، يمثل المهاجرون أقل من 14% من السكان. أما على الصعيد الإفريقي، فإن أربعة من بين كل خمسة مهاجرين أفارقة يبقون داخل القارة.”

ثالثا، يضيف جلالة الملك، إن الهجرة “لا تسبب الفقر لبلدان الاستقبال: لأن 85 بالمائة من عائدات المهاجرين ت صرف داخل هذه الدول.

ورابعا، إن الهجرة ظاهرة طبيعية تمثل حلا لا مشكلة . ومن ثم، ينبغي علينا اعتماد منظور إيجابي بشأن مسألة الهجرة، مع تغليب المنطق الإنساني للمسؤولية المشتركة والتضامن.”

وعبر جلالة الملك عن ثقته في المشاركين بالقمة بمشاطرتهم لجلالته الرأي، مشددا على “أن الهجرة، إذا تم وضعها في نطاق أبعادها الحقيقية، بعيدا من المغالطات التي شوهت صورتها بشكل مشين، تظل تحديا عالميا وحاسما بالنسبة لقارتنا. فهي تستحق مقاربة جديدة تتمحور حول إفريقيا، وتجمع بين الواقعية والتسامح، وتغليب العقل على المخاوف.”

وذكر جلالة الملك أن الأجندة الإفريقية حول الهجرة تعتبر ” مرة للتشاور الدائم مع العديد من رؤساء الدول خلال المحادثات والاتصالات المختلفة التي تمت بيننا.”[12]

المحور الثاني : تسوية الأوضاع القانونية للمهاجرين جنوب الصحراء

تحول المغرب في السنوات العشر الأخيرة 2004/2014 من بلد مصدر للهجرة وبلد عبور للمهاجرين في اتجاه أوربا إلى بلد استقرار مفضل لدى العديد من مواطني الدول الأوربية والإفريقية والأسيوية ، فقد أصبح وجود الأجانب وخصوصا الأوربيين والأفارقة أكثر عيانية في بعض المدن المغربية ، مثل طنجة ، الرباط ،الدار البيضاء ،مراكش وأكادير …، غير أن البحث في هذا الموضوع انصب أكثر حول المهاجرين الأفارقة من دول جنوب الصحراء دون الأوربيين والعرب وباقي الجنسيات[13] .

وتتراوح نسبة الأجانب بالمغرب خلال الفترة 1982/2004 مابين 50و60 ألفا ، غير أن معطيات الإحصاء العام للسكان والسكنى الأخير لسنة 2014 كشف ازدياد عدد الأجانب بنسبة 59 بالمائة مقارنة بالفترة الممتدة مابين 1994/2000، ورغم التطور الحاصل في هذا العدد ، إلا أن نسبتهم الإجمالية لا تشكل سوى 0.2 بالمائة من مجموع السكان بالمغرب [14].

ويشكل ارتفاع نسبة الأجانب بأكثر من النصف في السنوات العشر الأخيرة تطورا ملحوظا يفرض بذل جهد علمي وأكاديمي لفهم هذا الموضوع.

جاء في بيان للوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة ، أن العملية التي ستتم بتعاون مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان ستمس أيضا الأجانب المتزوجين من مغاربة والذين يمتلكون ما يتبث ما لا يقل عن سنتين من الحياة المشتركة ، وكذا الأجانب المتزوجين من أجانب آخرين مقيمين بصفة قانونية بالمغرب ، والذين يمتلكون ما يتبث مدة لا تقل عن أربع سنوات من الحياة المشتركة .

كما ستشمل الأطفال المولودين بإطار حالتي الزواج ، والأجانب الذين يملكون ما يتبث إقامتهم بالمغرب لمدة لا تقل عن خمس سنوات متواصلة ، فضلا عن الأجانب المصابين بأمراض خطيرة والموجودين فوق التراب الوطني قبل 31 دجنبر 2013 [15].

كما أعلنت السلطات أنه سيتم لهذا الغرض إنشاء ” مكاتب للأجانب” تتوفر على الوسائل البشرية والمادية الملائمة على صعيد كل عمالة من أجل تسلم والتأشير على طلبات تسوية الأوضاع القانونية .

واعتبر ذ. العجلاوي ، المتخصص في الشؤون الإفريقية أن الإجراءات الجديدة تأتي استجابة لواقع يفرض نفسه ، ومطالبات عديدة من الحقوقيين بالمغرب لوضع سياسة رسمية لمعالج إشكالية الهجرة في البلاد.

بالإضافة إلى توجه السياسة المغربية نحو إفريقيا ونزاع الصحراء المفتعل ، الذي أصبح يدخل سياقا “حقوقيا إنسانيا” عجل بمعالجة المغرب لهذه الإشكالية من “جوانب حقوقية وسياسية وإنسانية “.

وإذا كانت نسبة البلدان المصدرة للهجرة تتراوح ما بين 50و90 بالمائة ، بلدان إفريقيا الغربية لماذا لا يستفيد المغرب من هذه الطاقات الإفريقية في كافة المجالات العلمية والرياضية ؟

انطلقت الحملة الأولى سنة 2014،وبعد ذلك انطلقت المرحلة الثانية سنة 2016 ، لتسجيل الأجانب الموجودين في المغرب بطريقة غير قانونية من جنسيات مختلفة ، يقيمون في البلاد منذ سنوات بطريقة غير شرعية ولمهاجرين سوريين وأسيويين .

في المرحلة الأولى مكنت 25 ألف مهاجرا إفريقيا من تسوية أوضاعهم القانونية وحصولهم على بطاقات الإقامة [16].

وفق ما أعلنته منظمة هيومن رايتس ووتش ، تواصل الحكومة المغربية تنفيذ خطة 2013 بشأن إصلاح السياسات الوطنية المعنية باللاجئين وطالبي اللجوء ، كما منحت الوكالة الوطنية للاجئين تصاريح إقامة لعام واحد قابلة للتجديد لأكثر من 500 لاجئ تعترف بهم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين .

ومع ذلك لايزال ينتظر تحديد المغرب للوضع القانوني الذي ستمنحه لأكثر من 1700 سوري تعترف بهم المفوضية بوصفهم لاجئين نظاميين [17].

بالنسبة للمحطات الأساسية لتسوية وضعية المهاجرين فتمثلت فيما يلي :

ـ 9 شتنبر 2013: اطلاع الملك محمد السادس على التقرير الموضوعاتي حول وضعية المهاجرين واللاجئين بالمغرب ، المنجز من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان .

ـ 10 شتنبر 2013: ترؤس جلالة الملك لجلسة عمل وإعطاء توجيهاته السامية للحكومة ” للإسراع بوضع وتفعيل إستراتيجية ومخطط عمل ملائمين بهدف بلورة سياسة شاملة ومتعددة الأبعاد لقضايا الهجرة ببلادنا “.

ـ 6 نونبر 2013: تجديد جلالته في الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 38 للمسير الخضراء ، الدعوة للحكومة إلى وضع سياسة شاملة حول قضايا الهجرة واللاجئين وفق مقاربة إنسانية تتوافق مع الالتزامات الدولية للمغرب وتحترم حقوق الإنسان .

ـ 10 أكتوبر 2013: إحداث قطاع لشؤون الهجرة تم إسناده للوزارة المكلفة بالمغربة المقيمين بالخارج .

ـ 11نونبر 2013 : الإعلان الرسمي لعملية تسوية الوضعية الإدارية للأجانب المقيمين بشكل غير قانوني بالمغرب .

ـ 24 دجنبر 2013 :تسليم الدفعة الأولى من بطائق اللجوء والإقامة للاجئين وأفراد أسرهم بالمغرب .

ـ 2يناير 2014 : الانطلاق الفعلي لعملية تسوية الوضعية الإدارية للأجانب المقيمين بشكل غير قانوني بالمغرب .

ـ 18 دجنبر 2014 : تقديم الإستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء أمام مجلس الحكومة والمصادقة عليها [18].

سمحت الحملة الأولى بتسوية وضعية أكثر من 25 ألف مهاجر من أصل 28 ألف طلب ، وبالرغم من ارتفاع نسبة قبول الطلبات 86 بالمائة ، فقد انتقد الحقوقيون الذين واكبو العملية ، بعدم مرونة الشروط الموضوعة وكذا اختلاف التعامل الإداري مع الملفات من مدينة لأخرى .

السياسة الوطنية للهجرة واللجوء .

تتمثل السياسة الوطنية للهجرة واللجوء ،في تقديم مجموعة من الحلول الجديدة للرهانات الإستراتيجية لقضايا الهجرة وتتمثل أساسا في :

1ـ الرهان الإنساني : والذي يقتضي احترام حقوق الإنسان في مجال الهجرة ، وكذا محاربة الميز العنصري بسبب اللون أو الجنس أو الدين ، بالإضافة إلى تدبير تدفقات المهاجرين من خلال الآليات القانونية والمؤسساتية ، وكذا محاربة الاتجار بالبشر من خلال محاربة مافيا التهريب البشري التي تغتني على حساب الفئة الفقيرة التي تعيش ظروف اقتصادية اجتماعية وساسية هشة.

2ـ رهان الاندماج : ويتجلى في تسهيل ولوج المهاجرين جنوب الصحراء للنظام الصحي والتطبيب الجيد ، وكذا الاستفادة من خدمات التربية والتكوين بالنسبة لأطفال المهاجرين دون تمييز عنصري داخل المدرسة ، وكذلك الولوج إلى السكن اللائق والشغل ، والقيام بدورات التواص والتحسيس بالمهاجر .

3ـ رهان السياسة الخارجية والحكامة : وتتمظهر في المسؤولية المشتركة لجميع الفاعلين داخل المجتمع وخارجه في التعريف بقضية المهاجر وإشراكه في السياسات العمومية المتعلقة بالحكامة والتنمية ، على المستويين الوطني والدولي ، وعزيز التعاون بين الأخيرين .

4ـ الرهانات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية : وذلك باعتبار الهجرة كفرصة ودعامة أساسية للتنمية الجهوية والوطنية لبلد الاستقبال ، وليس عائق أمام التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، وذلك بإشراك المهاجرين في المجالات السالفة الذكر لإبراز مواهبهم وتنميتها والاستفادة منها في التنمية.

كما تشمل السياسة الوطنية 4 أهداف إستراتيجية ،لضمان إدماج أسهل للمهاجرين وتدبير أفضل لتدفقات الهجرة في إطار سياسة منسجمة شاملة ذات بعد إنساني ومسؤول وهي كالتالي :

1 ـ تسهيل اندماج المهاجرين الشرعيين .

2ـ تأهيل الإطار القانوني .

3 ـ وضع إطار مؤسساتي ملائم .

4ـ تدبير تدفق المهاجرين في إطار احترام حقوق الإنسان [19] .

كما تعتمد الرؤية على 6 مبادئ موجهة :

1ـ مقاربة إنسانية .

2ـ مقاربة شاملة .

3 ـ احترام حقوق الإنسان.

4 ـ مطابقة القانون الدولي.

5 ـ تعاون متجدد مع مختلف الأطراف .

6 ـ مسؤولية مشتركة .

وبالتالي فالاستراتيجة الوطنية للمهاجرين اعتمدت مقاربة إنسانية وحقوقية من اجل اندماج المهاجرين الوافدين إليه المغرب بطريقة غير شرعية ، نظرا تربط المغرب من علاقات تاريخية وروحية بدول جنوب الصحراء ، ويتأكد ذلك من خلال الزيارات المنتظمة للملك محمد السادس وإطلاقه للمشاريع التنموية هناك باعتبار المغرب رائدا في القارة الإفريقية نظرا للموقع الاستراتيجي الموارد المتوفر عليها ، بالإضافة إلى الدفاع عن الحوزة الترابية من خلال التسويق لها في المحافل الدولية .

وفقا لإحصاء الأمم المتحدة لعام 2015 ، كان ما يقرب من 244 مليون شخص في أنحاء العالم يعيشون خارج بلدانهم الأصلية ، بما يشمل حوالي 20 مليون لاجئ ، وعلى الرغم من زيادة نسبتها 14 في المائة مقارنة بخمس عشر سنة ماضية ، فان هذا الرقم لا يمثل سوى 2.8 بالمائة في عام 2000.

وقد تباطأ معدل الهجرة في واقع الأمر خلال الفترة من 2010إلى 2015، بخلاف ما شهدته فترة الخمس سنوات السابقة ، وفي فترة ما بين عامي 2000و2015 ، كانت أسيا هي المنطقة التي استقبلت أكبر عدد من المهاجرين الإضافيين بما مجموعه 26 مليون شخص [20].

خاتمة:

أخذت ظاهرة الهجرة غير الشرعية أبعاد خطيرة بعد ظهور شبكات منظمة للجريمة وسط المهاجرين غير الشرعيين ما يتطلب تكثيف الجهود بين دول الإرسال والعبور والاستقبال للمهاجرين غير الشرعيين ، لتحمل مسؤولية اتخاذ تدابير مشتركة وغير انفرادية ، من أجل إيجاد الحلول الملائمة لهذه المشكلات . وقد أصبح في حكم اليقين أن الحلول الجزئية أصبحت غير فعالة رغم أن المقاربة الأمنية ساهمت في تخفيض عدد المهاجرين غير القانونيين إلا أنها لم تعد وحدها كافية نظرا لمحدوديتها ، وأصبح لزاما إيجاد حلول التوافق بين البعدين الأمني والتنموي واتخاذ تدابير جماعية من أجل تحقيق نمو اقتصادي واجتماعي للبلدان المرسلة للمهاجرين عن طريق معالجة الأسباب العميق والحقيقية وراء الإقبال على الهجرة غير الشرعية .

كما أنها أثرت على البنى البشرية والاقتصادية والاجتماعية وأفرغت دول المصدر من قدراتها المادية دون استغلال وتطوير ، وعليه فإن دول المصدر كان عليها اتخاذ جملة من التدابير والسياسات الناجعة من أجل الحد منها ، خاصة عن طريق إحداث تنمية اقتصادية واجتماعية من شأنها استقطاب الشباب وإدماجهم في الحياة الاقتصادية والسياسية للدولة ، خاصة عن طريق برامج ناجعة ذات بعد تطويري تنموي ، وهذا لا مناص من الانفتاح على القوى السياسية والمجتمع المدني وأيضا لابد من التحكم في أساليب الرقابة والإدارة .

أما من جانب الدول المتقدمة فلابد لها من أن تلعب دورا أكثر انسجاما مع مصالح الدول المختلفة ،عن طريق مساعدتها على إحداث برامج تنموية واقتصادية واستثمارية تستطيع استقبال جموع الشباب ، التي تعاني التهميش والبطالة والإقصاء . كما يجب عليها أيضا الكف عن استغلال هذه الدول والتدخل في سياساتها الوطنية من أجل خدمة مصالحها ودعم الأنظمة الفاسدة التي غذت هذه الوضعية المأساوية ، حيث من شأن هذه الإجراءات أن تؤدي إلى تخفيف حدة تحديات هذه الظاهرة الخطيرة والآفة الفتاكة بقوة المجتمعات وبناة مستقبلها .

لائحة المراجع :

سحر مصطفى حافظ ، الهجرة غير الشرعية المفهوم والحجم والمواجهة التشريعية ، مجلة هرمس ، المجلد الثاني ، العدد 2 ، 2013.
شوقي ذبات ـ صبرين بوعكاز ، البعد الأمني للهجرة غير الشرعية في منطقة غرب المتوسط ، دراسة حالة المغرب نموذجا، رسالة الماستر ، قانون عام ، جامعة العربي التبسي ، كلية الحقوق،2016.
صايش عبد المالك ، التعاون الأورومغاربي في مجال مكافحة الهجرة غير القانونية ، رسالة الماستر ، قانون عام ، جامعة باجي مختار عنابة ، كلية الحقوق ، 2006/2007.
سعيد الصديقي ، صنع السياسة الخارجية المغربية ، أطروحة لنيل الدكتوراه ، قانون عام ، جامعة محمد الأول ، كلية الحقوق وجدة ، سنة 2002.
رشيد بن بيه ، الأجانب في المغرب دراسة ببليوغرافية وتحليلية لسياقات التوافد ، مجلة إضافات ، العدد 33/34،شتاء /ربيع 2016.
مركز الهجرة المختلطة ، تقرير توجهات الهجرة المختلطة ، يناير 2016.
تقرير الوزارة المكلفة بالمغربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، الإستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء ،2014.
الجمعية العامة للأمم المتحدة ، مجلس حقوق الإنسان ، الدورة 35،6/23 يناير 2017.
حمدي شعبان ، مركز الإعلام الأمني ، الهجرة غير الشرعية .
مجلة المالية لوزارة الاقتصاد والمالية ، العدد 28،2015.
الشبكة الأوربية المتوسطية لحقوق الإنسان ، المغرب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمهاجرين واللاجئين .
الخطاب الملكي 6 نونبر 2013، بمناسبة الذكرى 38 للمسيرة الخضراء .
الرسالة الملكية الموجهة إلى الدورة العادية ال30 لقمة الاتحاد الإفريقي ، يناير 2018.
جريدة ma ، الاثنين 29 يناير 2018.
الجريدة الالكترونية ، الجزيرة نت ،12/11/2018.
جريدة الجديد العربي، 15/12/2016.

[1] ـ د. حمدي شعبان ، مركز الإعلام الأمني ، الهجرة غير الشرعية ، ص 4.

[2] ـ سحر مصطفى حافظ ، الهجرة غير الشرعية المفهوم والحجم والمواجهة التشريعية ، مجلة هرمس ، الجلد الثاني ، العدد 2،2013 ، ص 45.

[3] ـ سحر مصطفى حافظ ، مرجع سابق ، ص6.

[4] ـ شوقي ذياب ـ صبرين بوعكاز ، البعد الأمني للهجرة غير الشرعية في منطقة غرب المتوسـط دراسة حالة المغرب انوذجا ، رسالة الماستر ، جامعة العربي التبسي ، كلية الحقوق والعلوم السياسية ،ص1، سنة 2016.

[5] ـ صايش عبد المالك ، التعاون الاورومغربي في مجال مكافحة الهجرة غير القانونية ، رسالة لنيل دبوم الماستر ، تخصص قانون عام ، جامعة باجي مختار ،عنابة ، كلية الحقوق ،ص 5، السنة الجامعية 2006/2007.

[6] ـ نفس المرجع ، ص6.

[7] ـ سعيد الصديقي ، صنع السياسة الخارجية المغربية ، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ، جامعة محمد الاول ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة ، ص 11، سنة 2002.

[8] ـ مجلة المالية لوزارة الاقتصاد والمالية ، العدد 28، ص3، غشت 2015.

[9] ـ الشبكة الأوربية المتوسطية لحقوق الإنسان ، المغرب : الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمهاجرين واللاجئين .

[10] ـ الخطاب الملكي ل 6 نونبر 2013 بمناسبة الذكرى 38 للمسيرة الخضراء .

[11] ـ الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى الدورة العادية الـ30 لقمة الاتحاد الإفريقي، يناير 2018.

[12] ـ جريدة 2m.ma ، الاتنين 29 يناير 2018، تاريخ الدخول 16/3/2018.

[13] ـ رشيد بن بيه ، الأجانب في المغرب ـ دراسة ببليوغرافية وتحليلية لسياقات التوافد ، مجلة إضافات ، العددان 33/34 ، شتاء /ربيع 2016، ص 202.

[14] ـ رشيد بن بيه ، مرجع سابق ،ص202.

[15] ـ الجريدة الالكترونية ، الجزيرة نت ، 12/11/2013.

[16] ، جريدة الجديد العربي 15/12/2016 الرباط .

[17] ـ مركز الهجرة المختلطة ، تقرير توجهات الهجرة المختلطة لشهر يناير 2016، ص5،سنة 2016.

[18] ـ تقرير الوزارة المكلفة بالمغربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة ، الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء، 2014،ص 4.

[19] ـ مرجع سابق ، الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء ، ص5.

[20] ـ الجمعية العامة للامم المتحدة ، مجلس حقوق الانسان ، الدورة 35 ، 6/23 يونيو 2017 ، البنذ 3 من جدول الاعمال ، تقرير المقرر الخاص المعني بحقوق الانسان للمهاجرين بشأن خطة لتسيير التنقل البشري لعام 2035 ، ص 6 ، سنة 2017.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت