العدالة الاجتماعية في الدولة المدنية الديمقراطية

عماد عبد الكاظم العسكري
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

ان مفهوم العدالة الاجتماعية هو احد المفاهيم السياسية كثيرة التداول في المجتمعات العالمية المتطورة والنامية ونريد ان نفهم معنى العدالة الاجتماعية في منظومة الدولة المدنية الديمقراطية.

فكل الدول تسعى الى تطبيق مفهوم العدالة الاجتماعية في بلدانها وبين افرادها ودائماً مانجد هذا التطلع واضح عند الكثير من الامم والشعوب ولكن الحقيقة مغايرة للواقع اذ ان الكثير من هذه الحكومات يعاني ابنائها من الظلم والاضطهاد والقسوة والقهر وعدم تحقيق ادنى مفهوم للعدالة الاجتماعية او العدل الاجتماعي بين ابناء المجتمع ولكي يتحقق مفهوم العدالة الاجتماعية لابد ان يتحقق مفهوم العدل الاجتماعي.

وعندما يتحقق مفهوم العدالة الاجتماعية والعدل الاجتماعي بالتأكيد ان العدل التبادلي قد تحقق وعندها يصل المجتمع بنفسه الى مستوى من الرقي والتقدم والتطور لانه استطاع ان يحقق مفهوم الانصاف والمساواة بين افراده كمجتمع وحكومة وسياسة قائمة على العدالة الاجتماعية فالعدالة الاجتماعية انطلاقاً مما تقدم هي الاشتراكية او النظام الاشتراكي القائمة على المساواة ومناهضة الغلو والتطرف السياسي والديني والعنصري والمذهبي .

فالعدالة الاجتماعية هي مفهوم سياسي لكنها نظام متكامل يقوم على اساس المساواة والانصاف وتحقيق الرفاه الاقتصادي للاممم والشعوب فهو لايعتمد على الرأسمالية وان كان النظام الرأسمالي هو القائم اليوم في العالم لان جميع الدولة العالمية بأستثناء الدول الاشتراكية هي دول رأسمالية قائمة على اساس رأس المال والسوق الحرة بينما الدول الاشتراكية هي التي تسعى الى تحقيق مفهوم العدالة الاجتماعية في النظام الاشتراكي من خلال قيام اقتصاديات موجهة وعمل مشترك يجعل من الانسان محوره لا من المادة غايته .

فالانسان قيمة وهذه القيمة هي محط اهتمام القائمين عليها في العمل والحقوق والواجبات ولابد من تحقيق الرفاه لهذا الانسان من خلال وجود الحكومات التي تدعي لنفسها القيادة للشعوب ولكن نجد ان مفاهيم العدالة الاجتماعية تتناقص في الكثير من المجتمعات والبلدان تدريجياً ويبقى رأس المال هو المتحكم والمسيطر على هذه الدول والحكومات فالعدالة الاجتماعية اليوم غائبة في الكثير من البلدان ولذلك نجد الفقر والعوز والحاجة والحرمان والتشريد للكثير من ابناء هذه المجتمعات في العالم ومنها العراق ولكي يكون مفهوم العدالة الاجتماعية مفهوماً سياسياً ناجحاً في البناء السياسي والديمقراطية لابد ان يشعر المسؤول بمعاناة الرعية والا لماذا هو مسؤول اصلاً اذا كان رئيس الدولة او رئيس الوزراء او الوزير او اي مسؤول ولابد ان يتحقق الوعي السياسي والاقتصادي لدى اي مسؤول لكي يكون هذا المفهوم الاقتصادي مفهوماً انسانياً .

فالعدالة الاجتماعية اصلاً هي مفهوم انساني قبل ان تكون مفهوم اقتصادي متداول في الفكر الاقتصادي ولان الانسانية تتوجب العدالة بين جميع بني البشر على اساس الانسانية فكانت العدالة الاجتماعية لان الصفة الاجتماعية هي تتعلق بالمجتمعات والمجتمعات هي اساسها الانسان والانسانية فأكيد ان العدالة الاجتماعية هي مفهوم انساني تناوله الفكر الاقتصادي كمفهوم ونظام يحقق المساواة والانصاف بين جميع الطبقات في المجتمع ولايجعل من رأس المال غايته انما الانسان هو الغاية في تحقيق الربح الاقتصادي وصولاً الى الربح الانساني وبالتالي يتحقق مفهوم العدالة الاجتماعية .

اذن من خلال ما تقدم نفهم ان العدالة الاجتماعية هي مجموعة من القيم والثوابت التي تحقق مصالح المجتمع وترتقي به نحو تطويره وازدهاره ولاتتحقق العدالة الاجتماعية مالم يكن هنالك نظام ديمقراطي مدني قائم على اساس ان الجميع متساوون في الحقوق والواجبات وان جميع الافراد يجب ان يتنعمون بخيراتهم لانهم ولدوا في هذه الرقعة الجغرافية من الارض كالعراق مثلاً والعراق يمتلك الكثير من الخيرات والموارد الاقتصادية التي تجعل منه بلداً نموذجاً ورائداً في تحقيق العدالة الاجتماعية لما فيه من عظيم الخيرات والموارد والطاقات ولكن نجد هدر في الطاقات وهدر في منظومة الافكار وهدر في المقدرات مما سبب الفوارق الطبقية من خلال وجود عناصر فاسدة استغلت وجودها في الحكم واسست لمافياتها في النهب والسرقة والقتل والتدمير لكل ماهو قائم في المجتمع ، وغيبت مفاهيم العدل الاجتماعي لان الذين غيبوا هذه المفاهيم هم اساس الانتفاع منها .

ولان العدالة الاجتماعية مفهوم واسع ونقيض هذا المفهوم العنصرية لذا ساد العنصريون على المجتمع وغيبت مفاهيم العدالة وانتكست قيم الاخلاق والمبادى القائمة على اساس التوازن بين جميع الطبقات والفئات في المجتمع واصبح الفقير اكثر فقراً ومعاناةً في حياته ن واصبح الثري يزدادُ ثراءاً بسبب الانتفاع من وجوده في هرم العنصرية التي يتبناها فكراً ومنهجاً وسلوكاً سواء كان هذا التبني في المجتمع او في الحكم ويسخر كل امكانياته لاهدافه العنصرية لتحقيقها وبناء سلطته النفعية والمصلحية القائمة على الانحراف والرذيلة ولذا سادت مفاهيم الفقر والجهل والضلال بين ابناء المجتمع الواحد ولم تعد لمفاهيم العدالة الاجتماعية اي وجود ، فكيف نعيد مفاهيم اندثرت في وجودها وسادت مفاهيم مغايرة عليها وتملكت هذه المفاهيم عقول الادعياء والشواذ من افراد وطبقات حاكمة ومتحكمة في مصير بني البشر ؟.

 الجواب يكون على ذلك من خلال الوقوف بوجه هذه الطغمة الفاسدة المتحكمة بمصير الطبقات الكادحة والمستغلة لخيراتها وثرواتها والايقاع بها في مزابل التاريخ والنهوض بالمجتمع وتأسيس مفاهيم العدالة الاجتماعية الصحيحة القائمة على المشروعية في البناء والتعايش والاستغلال الامثل للموارد والطاقات بما يحقق الرفاه والنمو الاقتصادي والاجتماعي في البلد ، فالعدالة الاجتماعية هي الاساس لقيام النظام الديمقراطي الصحيح المتوازن فلا عدالة اجتماعية من دون حرية للتعبير او الفكر او المطالبة بالحقوق ،اذن العدالة الاجتماعية والديمقراطية هي نظام متكامل لتحقيق السعادة للفرد وللمجتمع على حد السواء ونتحدث برؤى نظرية مثالية نحاول تجسيدها على الواقع المأساوي للمجتمع والذي يعيش افراده الفقر والعوز والحاجة والحرمان ويتنعم فيه من هم في سدة الحكم بالرفاهية والمثالية والشرف والاخلاق لانهم يعتاشون على معاناة الفرد والمجتمع .

ولانهم طبقات فاسدة في المجتمع لذا نحن نسميهم بطبقة الاشراف لانها الطبقة المتحكمة في الشعوب والبلدان والمجتمعات مسيطرة على ثروات الامم وناهبة لخيراتهم والفرد يعاني من التشرد والظلم وقسوة الحياة وهولاء يدعون انهم قيادات ومسؤولين في دولهم فكيف يكون المسؤول متنعماً والفرد المواطن في المجتمع يعاني من الفقر والعوز والحرمان مالم يكن هذا المسؤول من طبقة الاشراف (الفاسدين) لذا على الجميع ان يعي ان مفهوم العدالة الاجتماعية هو مفهوم انساني يحقق التوازن في البناء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والصحي والمعرفي والادبي وصولاً الى تحقيق مجتمع متكامل الفرد فيه هو الاساس كمواطن يعتبر قيمة عليا عند المسؤول في مسؤوليته .

وعلى هذا التأسيس نقول ان العدالة الاجتماعية هي منهج رسالي وسماوي لان الله سبحانه وتعالى عدل وعبر عن نفسه بالعدل وان العديد من الايات القرآنية اشارت الى مفهوم العدل والعدالة الاجتماعية واكثر القائمين على الحكم في الدول هم من المسلمين (يصلون ويصومون ) والفقراء في مجتمعاتهم يعانون من الفقر والعوز والحاجة والحرمان فأين الصلاة وأين الصوم الذي يؤدونه اليست الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ؟ فالذي يؤدونه المنكر بعينه والفحشاء بعينها ولايرعوي البعض عنها ويتقربون الى الله بأفعالهم هذه في صلواتهم وعباداتهم بينما الفقراء لاحول لهم ولاقوة يعانون من الامرين من حكام متسلطين استخدموا الدين كوسيلة للوصول الى غاياتهم الخبيثة ومن مجتمع بائس منقاد الى مايريد هولاء يصفقون خلفهم ويتباكون على سرقاتهم فلا هم منتفعين من ثرواتهم ولاهم غيروا في منظومة افكارهم ونهضوا بمجتمعاتهم اسوة بالدول المتطورة .

فالعدالة الاجتماعية التي تحقق النظام الديمقراطي الصحيح في الدولة المدنية هي العدالة الاجتماعية المستوحاة من قيم السماء ومنهج المسلمين الاوئل الذين اسسوا مجتمع متكامل وبنوا امبراطورية هائلة لاتزال حاضرة في شخوصها واثارها التأريخية بينما مدعي الاسلام والوصوليين هي اللاهثين وراء السلطة الجاعلين من الدين وسيلة لتحقيق اهدافهم في الوصول الى السلطة وسرقة ابناء المجتمع فالدين بأمكانه ان يسيطر على الناس لكنه لايعطي للناس حقوقهم.

وخير مثال لدينا حكومات العراق المتعاقبة بعد عام 2003 كلهم متدينون وسرقة المليارات من خيرات وثروات الشعب كانت من (الطبقة الفاسدة ) لانها طبقة الاشراف في المجتمع ولذلك يتوجب الاطاحة بهكذا نماذج فاشلة وتحقيق مفهوم العدالة الاجتماعية الغائبة عن الاذهان في العيش الرغيد على اساس المساواة لا على اساس انك مسؤول وانا رعية من افراد المجتمع عندما يكون المفهوم بهذا الوصف تتحق العنصرية لاتتحق المساواة والانصاف والعدالة الاجتماعية .

وخير مثال على تحقيق مفهوم العدالة الاجتماعية هو البطاقة التموينية فالمواطن في البصرة على سبيل المثال يتقاضى ما يتقاضاه المواطن في بغداد او النجف هذا موفهوخم العدالة في التوزيع والعدالة في الثروات والعدالة في المسؤولية اذا تحقق هذا الفهم في المساواة والانصاف تحققت مفاهيم العدالة الاجتماعية في البناء والنهوض بالمجتمع وتحقيق النظام الديمقراطي المدني