المشرع ينظم المجتمع بالقواعد الآمرة في زمن الكورونا

ليس هناك حديث فى هذه الأيام سوى عن كوفيد 19 – فيرس كورونا – ذلك الوباء الذى أصاب العالم أدى معه إلى تطبيق نظرية قانونية قلما يتم تطبيقها ألا وهى نظرية القوة القاهرة وهي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية، “الفيضان والجفاف والعواصف والحرائق والجراد، وغارات العدو وفعل السلطة”، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا، وقد سبق لنا الحديث عن نظرية القوة القاهرة.

كوفيدا 19 – أصاب العالم بشلل تام لم يحدث من قبل ونتمنى من الله أن يرفع عن عالمنا هذه الغمة – وألا تعود مرة أخرى – عملية التوقف فى سير العمل طالت المحاكم عقب تعليق العمل بمحاكم مصر لمدة 15 يوما – قابلة للزيادة – طبقا لقرار الجهات المختصة؛ وذلك فى غضون 15 مارس الماضى بسبب فيرس كورونا للحفاظ على صحة المواطنين والحد من انتشاره، وذلك بالاستناد لنظرية “القوة القاهرة”، وهنا تظهر إشكالية فى غاية الخطورة لدى بعض المخالفين لاستغلال مثل هذه الظروف للإضرار بالأخر مثل فسخ العقود وعدم الالتزام بالاتفاق على الرغم من أن نظرية – القوة القاهرة – فى مثل هذه اللحظات أصبحت قانوناَ سارياَ لا يجوز التلاعب به.

قاعدة عدم جواز الاتفاق على ما يخالف القانون
فى التقرير التالى، يلقى “اليوم السابع” يتصدى لأزمة تهم الملايين فى هذه الظروف الاستثنائية التى تطبق فيها نظرية “القوة القاهرة” من خلال عدم جواز الاتفاق على ما يخالف القانون، وفى الحقيقة فإن انتشار وباء صحي كواقعة مادية قد تكون قوة قاهرة كلما كان لها تأثير مباشر على عدم تنفيذ الالتزام إذا ما توفر لها شرطان أساسيان وهما عدم التوقع واستحالة الدفع، وعليه فإن الظروف المحيطة بانتشار فيروس كورونا أو تلك المتولدة عنه بصفة مباشرة أو غير مباشرة تمثل حالة من حالات القوة القاهرة، لأنها واقعة تحققت بشأنها الشروط وجعلت تنفيذ اي التزام مستحيلا فعدت حالة من حالات القوة القاهرة على سبيل اليقين لا الشك والاحتمال – بحسب الخبير القانونى والمحاضر بجامعة حلوان سها حمادة عمران.

تنظيم سلوك الأفراد فى المجتمع بالقواعد الآمرة
فى البداية – تأتى القاعدة القانونية لتنظيم سلوك الأفراد في المجتمع، وقد يقتضى التنظيم أن توضع القاعدة حكماً لا يجوز للأفراد الاتفاق على ما يخالفه، وذلك نظراً لارتباطه بمصلحة عامة للجماعة، وفى هذه الحالة توصف القاعدة القانونية بأنها “قاعدة آمرة”، كما هو الحال الآن فى تطبيق نظرية “القوة القاهرة” لمواجهة – كوفيد 19 – ووصف القاعدة القانونية بأنها آمرة لا يفيد أنها تأمر أو تنهى كما يظن البعض، فكل القواعد القانونية تأمر أو تنهى، وإنما وصف القاعدة بأنها آمرة يعنى أنه لا يمكن للأفراد أن يتفقوا على مخالفة حكم القاعدة عند توافر شروط انطباقها، وعلى ذلك فكل الموضوعات التي تتعلق بكيان المجتمع ومصلحته تنظمها قواعد أمرة بحيث لا يجوز الاتفاق على استبعاد حكمها – وفقا لـ”عمران”.

وهناك العديد والعديد من الأمثلة على عدم جواز الاتفاق على ما يخالف القانون مثال ذلك القواعد التي تحرم القتل ولو بدافع الشفقة، كذلك قواعد الأحوال الشخصية التي تحدد شروط الزواج، وتوضح أثار الزواج من نفقة ونسب وحضانة، وأيضا قواعد القانون الدستوري والقانون الإداري والقانون المالي كلها قواعد أمرة لا يجوز الاتفاق على مخالفة حكمها.

وعلى ذلك فكل القواعد التي تتعلق بكيان المجتمع وأسسه تكون من النظام العام وتعتبر قواعد آمرة، لا يجوز للأفراد الاتفاق على ما يخالف حكمها، وجميع قواعد القانون العام وقواعد القانون الدستوري تتعلق بالنظام العام، فلا يجوز الاتفاق على أن تتنازل إحدى السلطات عن بعض اختصاصاتها لسلطة أخرى، وتعتبر قواعد القانون الإداري متعلقة بالنظام العام، فلا يجوز لموظف عام أن يتنازل عن وظيفته أو عن ترقيته لموظف آخر، وأيضا تعتبر قواعد القانون المالي من النظام العام، فلا يجوز الاتفاق على الإعفاء من ضريبة معينة.

رأى محكمة النقض فى عدم جواز الاتفاق على ما يخالف القانون
وفي تأكيدها على عدم جواز الاتفاق على ما يخالف القانون ذهبت محكمة النقض إلى: “إن القواعد القانونية التي تعتبر من النظام العام هي قواعد يقصد بها تحقيق مصلحة عامة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية تتعلق بنظام المجتمع الأعلى وتعلو على مصلحة الأفراد، فيجب على جميع الأفراد مراعاة هذه المصلحة وتحقيقها، ولا يجوز لهم أن يناهضوها باتفاقات فيما بينهم حتى لو حققت هذه الاتفاقات لهم مصالح فردية، باعتبار أن المصلحة الفردية لا تقوم أمام المصلحة العامة وسواء ورد في القانون نص يجرمها أو لم يرد”، وذلك طبقا للطعن المقيد برقم طعن 494 لسنة 55 ق جلسة 14/3/1991.

رأى المحكمة الدستورية فى عدم جواز الاتفاق على ما يخالف القانون
وحرصاً من المحكمة الدستورية العليا على حظر المساس بحق التقاضي وحق الطعن في أي عمل أو قرار إداري قضت المحكمة الدستورية العليا :حيث إن المادة 68 من الدستور تنص على أن: “التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي ويحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء”، وظاهر من هذا النص أن الدستور لم يقف عند حد تقرير حق التقاضي للناس كافة كمبدأ دستوري أصيل بل جاوز ذلك إلى تقرير مبدأ حظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء.

وقد خص الدستور هذا المبدأ بالذكر رغم أنه يدخل في عموم المبدأ الأول الذي يقرر حق التقاضي للناس كافة، وذلك رغبة من المشرع الدستوري في توكيد الرقابة القضائية على القرارات الإدارية وحسماً لما ثار من خلاف في شأن عدم دستورية التشريعات التي تحظر حق الطعن في هذه القرارات، وقد ردد النص المشار إليه ما قررته الدساتير السابقة ضمناً من كفالة حق التقاضي للأفراد، وذلك حين خولهم حقوقاً لا تقوم ولا تؤتى ثمارها إلا بقيام هذا الحق باعتباره الوسيلة التي تكفل حمايتها والتمتع بها ورد العدوان عليها “، الطعن رقم 38 لسنة 11ق دستورية جلسة 28/7/1990.

ومفاد ما تقدم جميعه أن الحقوق المكتسبة قانوناً ومن بينها الاستفادة من تطبيق نظرية القوة القاهرة لمحاربة فيروس كورونا وفي مقام الصدارة أيضاَ منها حق التقاضي لا يجوز التنازل عنها، كما إنه لا يجوز لأي جهة أو سلطة إكراه أي موظف على التوقيع على إقرار بتنازله عن حق وظيفي منحه إياه المشرع، سواء قبل أو أثناء تعيينه بالجهة، وحتى لو تم توقيع هذا الإقرار بالتنازل فإنه يعد غير مشروع، ويصبح هو والعدم سواء بسواء للأسباب الموضحة بعاليه.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت