قيد الشارع حق الدفاع الشرعي من وجهتين هما من حيث مباشرته، حيث منعه ضد أفراد السلطة العامة أثناء قيامهم بواجبات الوظيفة. وفي ذلك تقول المادة (46) من قانون العقوبات العراقي (لا يبيح حق الدفاع الشرعي مقاومة احد أفراد السلطة العامة أثناء قيامه بعمل تنفيذ الواجبات وظيفته ولوتخطى حدود وظيفته، ان كان حسن النية، الا اذ خيف ان ينشأ عن فعله موت او جراح بالغة وكان لهذا التخوف سبب معقول) ومن حيث القوة التي يلجأ اليها المدافع، فلا يبيح القتل العمد الا في حالات خاصة. وفي ذلك تقول المادة (43) من نفس القانون : (حق الدفاع الشرعي عن النفس لا يبيح القتل عمدا الا اذا اريد به دفع احد الأمور التالية :

1.فعل يتخوف ان يحدث منه الموت او جراح بالغة، اذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة.

2.مواقعه امرأة واللواطة بها او بذكر كرها.

3.خطف إنسان.

كما تقول المادة (44) منه أيضاً : (حق الدفاع الشرعي عن المال لا يبيح القتل عمدا الا اذا اريد به دفع احد الأمور التالية :

4.الحرق عمدا.

5.جنايات السرقة.

6.الدخول ليلا في منزل مسكون او في احد ملحقاته.

7.فعل يتخوف ان يحدث عنه الموت او جرح بالغة اذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة).

1.القيد على مباشرة حق الدفاع الشرعي :

قيد قانون العقوبات العراقي مباشرة حق الدفاع الشرعي بمنعه لها ضد أفراد السلطة العامة أثناء قيامهم بواجبات الوظيفة ذلك لان ما يقوم به أفراد السلطة العامة تنفيذا لاعمال الوظيفة وفقا للقانون لا يعد جريمة وبالتالي فلا يقوم في شانه حق الدفاع الشرعي لتخلف شرط جوهري من شروطه وهو صفة العمل غير المشروع (الجريمة) في الفعل الواقع. ولكن ما الحكم فيما اذا تخطى رجل السلطة العامة حدود وظيفته؟ ان القواعد العامة في هذه الحالة تبيح الدفاع الشرعي ضد أعماله ولكن قانون العقوبات استثنى هذه الحالة أيضاً من القواعد العامة ولم يسمح بالنسبة لها قيام حالة الدفاع الشرعي، صيانة واحتراما لرجل السلطة ولأعماله بشرط ان يتوافر لرجل السلطة حسن النية عند تخطيه حدود الوظيفة وان لا يخشى من فعله حصول الموت او الجراح البالغة مما يعني ان تخطي رجل السلطة حدود الوظيفة او الواجب المكلف به بسوء نية منه يبيح حق الدفاع الشرعي تجاهه وكذلك يباح هذا الحق حتى ولو كان حسن النية فيما اذا خيف ان ينشأ عن فعله موت او جراح بالغة وكان لهذا التخوف سبب معقول. فلو قبض شرطي على شخص بموجب امر قبض غير مستوف شروطه وهو يعتقد بصحته او انه ألقى القبض على إنسان غير مذكور في امر القبض وهو يعتقد ان المقبوض عليه هو الشخص المقصود فانه لا يجوز الدفاع ضده لحسن نيته ولان فعله لا يتخوف منه بانه ينشأ عنه موت او جراح بالغة اما اذا قصر رجل السلطة على شخص وهو يعلم انه برئ بقصد الانتقام منه فانه يجوز للمقبوض عليه او لغيره ممارسة حق الدفاع الشرعي بسبب عدم توفر حسن النية. ويكون اثبات سوء النية في هذه الحالة على عاتق المدافع والفصل في ذلك يتعلق بوقائع الدعوى ولذلك هو يخضع لتقدير محكمة الموضوع.

2.القيد على قوة حق الدفاع :

للمدافع في حالة الدفاع الشرعي ان يستعمل من القوة ما يلزم لرد التعدي الواقع عليه ما دامت شروط الدفاع الشرعي متوافرة على ان الشارع رأي ان يقيد حق المدافع في ذلك في شأن القتل العمد فلم يبح الالتجاء إليه كوسيلة لدفع التعدي الا في حالات معينة ذكرها على سبيل الحصر في المادتين (43و44) من قانون العقوبات مما يعني انه ليس ان يلجأ الى القتل في غير هذه الحالات حتى ولو كان القتل هي الوسيلة الوحيدة لرد التعدي في الظروف التي وقع فيها. ولكن ليس معنى ذلك ان للمدافع ان يلجأ الى القتل في هذه الحالات دائما بل ان كل ماله هو ان حقه في استعمال القوة في هذه الحالات مطلق ولو وصل الى حد القتل بشرط ان يكون الدافع يقتضيه فاذا كان دفع الخطر مستطاعا بوسيلة دونه فعليه ان يلجأ الى هذه الوسيلة وان كان متجاوزا حقه. والحالات التي جوز فيها القانون القتل دفاعا عن النفس او دفاعا عن المال هي :

أ – حالات القتل دفاعا عن النفس :

أجاز قانون العقوبات العراقي ان يصل فعل الدفاع، في حالة الدفاع الشرعي عن النفس، الى القتل في الحالات الثلاثة التالية :

1.فعل يتخوف ان يحدث منه الموت او جراح بالغة وكان لهذا التخوف أسباب معقولة : من المتصور ان يتعرض الأسنان الى خطر اعتداء ويخشى ان يناله الموت منه او يصاب بجراح بالغة ولا يجد بدا من دفعه الا باستعمال القتل كما لو فوجيء بعدو يشهر مسدسه عليه فيسبقه هو بأطلاق الرصاص وقتله. وتقدير ما اذا كان الفعل من شانه ان يحدث منه الموت او جراح بالغة يعود الى المحكمة تقدره وفق ما كان يحيط بالمدافع من ظروف وكذلك بالنسبة لتقدير معقولية أسباب التخوف. ولا يشترط في الجراح البالغة التي أشار اليها النص ان يكون من شانها تهديد الحياة والا دخلت في معنى ما يخشى منه الموت.

2.مواقعة امرأة او اللواطة بها او بذكر كرها : ان فعل الاعتداء في هذه الحالة شنيع حيث يتناول العرض ولذلك اباح المشرع للمدافع حتى القتل للتخلص من هذا الاعتداء. وليس ضروريا ان يكون خطر الاعتداء على العرض موجها ضد المدافع نفسه فقد يكون المدافع شخصا آخر غير المعتدى عليه.

3.خطف إنسان : اباح القانون القتل دفاعا فيما اذا كان موضوع الاعتداء خطف إنسان، لخطورة هذه الجريمة. ولا يهم جنس المراد خطفه سواء كان رجلا او امراءة طفلا او كبيرا بشرط ان لا توجد في هذه الحالة والحالات السابقة وسيلة أخرى للحيلولة دون الجريمة غير القتل.

ب – حالات القتل دفاعا عن المال :

اجاز قانون العقوبات العراقي ان يصل فعل الدفاع، في حالة الدفاع الشرعي عن المال، الى القتل في الحالات الأربعة التالية :

1.الحريق عمدا : حيث اباح القانون استعمال القوة حتى ولو استلزم الأمر ارتكاب القتل العمد لدفع خطر الحريق. ومع ذلك فاذا وجدت وسيلة أخرى غير القتل يمكن استعمالها لرد الخطر المذكور فيجب استعمالها دون اللجوء الى القتل.

2.جنايات السرقة : والمقصود بجنايات السرقة هي السرقات المقترفة بظرف مشدد أي ان عقوبتها تتجاوز الخمس سنوات سجن. وقد اباح القانون اللجوء الى القتل العمد دفاعا لمنع السارق فيها من ارتكاب جناية السرقة لخطورة هذه الجريمة. مما يترتب عليه ان السرقة غير المقترنة بظرف مشدد وتكون عادة جنحة، لا يجوز اللجوء الى القتل لمنع وقوعها دفاعا انما لما هو اقل من القتل فان لجأ يكون مسئولا عما ارتكب لتجاوز حدود حق الدفاع الشرعي.

3.الدخول ليلا في منزل مسكون او احد ملحقاته : وهذه الحالة لا تشير الى جريمة معينة فقد اباح القانون فيها القتل بغير حاجة الى ان يتبين المدافع ان الداخل يقصد جريمة بعينها. حيث اعتبر من دخول المنازل المسكونة ليلا قرينة على ان الداخل يريد سوءا ويقصد جريمة وقدر ان للقتل ما يبرره من ضرورات الدفاع لصعوبة معرفة نية المعتدي وقصده من دخول المنزل ومدى خطره مع صعوبة الاغاثة في هذا الوقت. ويكون فعل الدفاع هذا مباحا ولو ثبت ان الداخل لم يكن يقصد ارتكاب الجريمة، وانما يشترط في هذه الحالة ان يكون المدافع معتقدا حقيقة وقت ان استعمل القوة انه كان يقصد ارتكاب الجريمة وكانت الظروف تبرر اعتقاده (1).فاذا ثبت ان القاتل كان يعلم ان الداخل ليلا لم يكن يقصد سوءا فلا يكون في هذه الحالة في حالة دفاع شرعي. ويجب لتحقق هذه الحالة ان يكون الدخول في منزل مسكون او احد ملحقاته وان يكون قد حصل ليلا. اما المنزل فيقصد به السكن الخاص وبالتالي فلا يشمل المحالات العامة او الفنادق والمستشفيات اما ملحقات المنزل فيقصد بها كل ما يتبعه كالحديقة والمخزن والكراج وحظائر الحيوانات وابراج الطيور. ويجب ان يكون المنزل مسكونا فعلا فلا يكفي ان يكون معدا للسكن ولكن لا يشترط ان يكون فيه سكانه فعلا وقت دخول الجاني فيه وفي هذه الحالة يكون المدافع شرطي الحراسة او الجيران او حتى المرأة من الناس لانه لا يشترط ان يكون المدافع هو صاحب المنزل. وأما الليل فيراد به الفترة التي يحيم فيها الظلام وهي الفترة التي تلي غياب الشفق وتمتد الى ما بعد الفجر بقليل، وهو في الواقع مسألة موضوعية يترك تقديرها لمحكمة الموضع (2)

4.فعل يتخوف ان يحدث عنه الموت او جراح بالغة اذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة والواقع ان هذه الحالة هي نفس الحالة الأولى التي يشير اليها نص المادة (43) الخاصة بإباحة القتل العمد دفاعا عن النفس حتى ولو قيل انها تشير الى عدوان على المال من شانه ان يهدد بخطر الموت او جراح بالغة (3).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-انظر الدكتور السعيد مصطفى السعيد، المرجع السابق ص207.

2-ويرى الدكتور حميد السعدي انه الفترة بين غروب الشمس وشروقها وهو الرأي الذي أخذت به محكمة النقض المصرية حديثا، الدكتور السعيد مصطفى السعيد ص209.

3-انظر الدكتور علي احمد راشد، المرجع السابق ص 585.

المؤلف : علي حسين خلف + سلطان عبد القادر الشاوي
الكتاب أو المصدر : المبادئ العامة في قانون العقوبات

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .