أن للإرادة دوراً في تقييد الملكية في حدود معينة . على ان القيود الارادية (1) لا تتمثل فيما يدعي بشرط المنع من التصرف فقط وانما هناك قيود ارادية اخرى ترد على الملكية فتقرير حق ارتفاق أو حق مساطحه أو حق انتفاع على عقار هو ايضاً من القيود الارادية لحق الملكية. ولكن جرت العادة كما سارت بعض التشريعات على بحث شرط المنع من التصرف مستقلاً . اما القيود الارادية الاخرى فيبحث كل منها في موضعه المناسب.

نبذة عن شرط المنع من التصرف:

ان سلطة التصرف الشيء المملوك هي من اهم ما يمز حق الملكية عن غيره من الحقوق العينية الاخرى. وهذه السلطة هي التي تعطى لحق الملكية قيمة اقتصادية ، لأنها الوسيلة التي تكفل تداول الاموال والتصرف فيها، فهي لذلك تعتبر من اهم الاسس التي تقوم عليها الحياة الاقتصادية لهذا السبب لم يجز القانون المدني الفرنسي حبس الاموال عن التداول عن طريق اشتراط عدم التصرف فيها إلا في احوال استثنائية ، حيث اجاز للوالدين التبرع بأموالهما كلها او بعضها لأولاد هما بطريق الهبة او الوصية مع اشتراط عدم التصرف في هذه الاموال طيلة حياتهم ضماناً لمستقبل احفادهما (2) ، كما اجاز منع التصرف في اموال الزوجة التي تتزوج على اساس نظام الدوطة (3) ، كما ان القضاء الفرنسي كان يذهب في بادئ الامر إلى بطلان المنع من التصرف في غير الاحوال مقررة في القانون باعتباره مخالفاً للنظام العام. غير انه اضطر إلى تعديل موقفه بسبب كثرة ورود شرط المنع من التصرف في الحياة العملية . فحاول مسايرة الحاجات الاجتماعية المستجدة بمعالجة شرط المنع من التصرف معالج مرنة نقوء على أساس التوفيق بين قاعدة حرية التعاقد من جهة. ومنع التصرف من جهة اخرى. ولهذا فقد جرت احكامه . منذ أوسط القرن الماضي، على اجازة شرط المنه من التصرف …. كان المنع مؤثتاً ويقصده حماية مصلحة جدية ومشروعة ولا سيما في التبرعات (4). وقد سار القضاء المصري ، في ظل القانون القديم ، على ما انتهى إليه القضاء الفرنسي ، ثم قنن القانون المصري الحالي ما كان يجري عليه القضاء في هذا الشأن (5). وذلك في المادتين 823 و 824 ويتبين من نصوص هاتين المادتين انه يشترط لصحة المنع من …….. توفر شرطين :

1- ان يكون الباعث مشروعاً : ويراد بذلك ان تكون هناك مصلحة جدية تدعو إلى هذا الشرط . ويستوى ان تكون المصلحة المراد حمايتها هي مصلحة المشترط أو مصلحة المتصرف إليه أو مصلحة الغير. وهذه المصلحة يقدرها القاضي بحيث تنهض في نظره مبرراً كافياً لتقييد سلطة المالك في التصرف .

2- ان يكون المنع من التصرف لمدة معقولة: ويجب ايضاً لصحة الشرط المانع ان يكون لمدة معقولة . وقد تكون هذه المدة معقولة حتى لو استغرقت حياة المتصرف أو المتصرف إليه أو الغير ولكن لا يصح تأييد هذا الشرط ولا جعله لمدة طويلة تجاوز الحجاة التي دعت إليه. ويلاحظ على كل حال ان تقدير المدة المعقولة امر متروك للقاضي . فله ان يعتبر المدة معقولة أو لا يعتبرها كذلك تبعاً لظروف كل حالة (6).

فإذا توفر هذا الشرطان كان شرط المنع من التصرف صحيحاً ، فإن خولف كان التصرف المخالف باطلاً بطلاناً مطلقاً لعدم قابلية المحل للتصرف (7). أما إذا لم يتوفر الشرطان المتقدمان وقع الشرط المانع من التصرف باطلاً ويبطل كذلك التصرف الذي اشتمل على هذا الشرط إذا كان الشرط المانع هو الدافع إلى هذا التصرف . وإذا كان التصرف تبرعاً ، ولم يكن الشرط المانع هو الدافع ، صح التبرع ولغاً الشرط. ولا نجد في القانون المدني العراقي نصاً يمنع ا، يجيز شرط المنع من التصرف بعدم رغبته في تقرير هذا الحجم ، وانما اراد من ذلك ترك هذه المسألة لحكم القواعد العامة. ومن مقتضى هذه القواعد ان كل شرط غير ممنوع بالقانون ولا مخالف للنظام العام ولا للآداب (8) ، شرط صحيح يجب احترامه. وعلى هذا منى كان شرط المنع من التصرف مؤقتاً وكانت للمتصرف أو للمتصرف إليه أو للغير مصلحة جدية ومشروعة يراد حمايتها بهذا الشرط فإنه يكون شرطاً صحيحاً يجب العمل بمقتضاه (9). هذا وقد وردت في القانون المدني العراقي وفي قوانين أخرى تقرر جوار شرط المنع من التصرف في احوال خاصة (10).

تكييف المنع من المتصرف :

لقد أثارت مسألة التكييف القانون للمنع من التصرف خلافاً فقهياً في فرنسا وفي مصر رغم تدخل المشرع المصري في القانون المدني الحالي لتنظيم شرط المنع من التصرف وجزاء مخالفته .

فذهب البعض إلى أن المنع من التصرف يعتبر حداً أو انتفاضاً من أهلية الشخص الممنوع من التصرف (11). وقد تعرض هذا الرأي للنقد من جانب عدد كبير من الفقهاء . ذلك أن احكام الاهلية من النظام العام فلا يجوز لارادة الافراد أن تعدل فيها. ومن عجة أخرى فأن أهلية الاداء . وهي المقصودة هنا ، تدور وجوداً وعندما مع التمييز. وحيث لا يكون الشخص اهلاً لباشرة تصرف معين لنقص في تمييزه فإن المنع ينصرف إليه لا إلى التصرف ذاته. فهذا التصرف يظل ممكناً ولكن شخصاً آخر، هو الولي أو الوصي . يباشره نيابة عنه. اما في حالة المنع من التصرف فأن المنع ينصب على التصرف ذاته وليس على شخص من يقوم به لنقص في تمييز، ولهذا فأن الامر لا يحتاج إلى وجود من ينوب عنه في مباشرة هذا التصرف (12). وذهب البعض الآخر إلى أن المنع من التصرف هو التزام المالك بالامتناع عن عمل هو التصرف في الشيء طوال مدة معينة (13). وقد لوحظ على هذا التكييف أنه يؤدي إلى نتائج غير مقبولة ، ذلك ان من مقتضى القواعد العامة هو ان الاخلال من جانب المالك بما عليه من التزام بالامتناع هو الفسخ مع التعويض ان كان له مقتضي اعادة الشيء إلى المشترط وواضح ان هذه النتيجة تنافي الغرض من اشتراط المنع من التصرف . وكذلك التعويض فإنه لا يجدي في تحقيق ما يهدف إليه الشرط فالغرض من شرط المنع هو ضمان بقاء الشيء على ملك الممنوع من التصرف . وهذا لا يتحقق إلا بابطال التصرف وهوا مر لا تؤدي إليه فكرة الالتزام بامتناع عن عمل (14). اما الاتجاه السائد في افقه. وهو ما يميل إليه. فيذهب إلى ان المنع من التصرف المرتتب على الشرط يجعل الشيء غير قابل للتصرف (15). على أن هذا لا يعني خروج الشيء الممنوع التصرف رفيه من دائرة التعامل ، فهو ما يزال مع ذلك محلاً صالحاً للحقوق المالية. وحيث أن عدم جواز التصرف ينصف على الشيء ذاته فإنه يوصف ، بعدم جواز تصرف عيني ” (Imdisponibitite reelle) (أبو بعبارة اخرى هو ، قيد عيني ” (16).

_______________

1- تسمى هذه القيود أحياناً (بالقيود الاتفاقية ، ولكننا نفضل تسميتها بالقيود الارادية ، لن هذه القيود كما يمكن ان ترد في عقد أو اتفاق فانها يمكن ان تره في تصرف صادر من جانب واحد كالوصية.

2- انظر المواد 1048 وما بعدها من القانون المدني الفرنسي.

3- انظر المواد 1540 وما بعدها من القانون المدني الفرنسي.

4- راجع في ذلك : ريبر وبولانجيه ، جـ2 ، ف2426 وما بعدها.

5- انظر: مجموعة الاعمال التحضيرية للقانون المدني المصري ، جـ 6 ، ص76.

6- انظر: عبد المنعم فرج الصدد ، حق الملكية القاهرة 1964، ف11.

7- ولهذا فقد انقسم الشراح فريقين “فريق يحيز ذلك امتداداً إلى احكام القواعد العامة (قانون ، المرجع السابق ، ف58)، وفريق يرى في شرط المنع من التصرف استثناء خطير لا يثبت إلا بنص صريح ولا يجوز التوسع فيه في الأحوال التي قرر فيها المشرع هذا المنع (شاكر ناصر ، الوجيز ص 138-139 ، صلاح الدين الناهي ، الوجيز في الحقوق العينية الاصلية ، بغداد 1960 ، ص102).

8- انظر المادة 131 ف3 مدني عراقي. وراجع قرار محكمة التمييز رقم 220 / ص/ 954 في 28-7-954.

9- من هذا الرأي : حسن علي الذنون ، الحقوق العينية الاصلية ،بغداد1954 ، ف58.

10- من أمثلة ذلك : المادة 611 المتعلقة بالهبة يشرط العوض التي من احكامها عدم جواز تصرف الموهوب له في اشيء الموهوب ما نام الواهب حياً، والمادة 1070 مدني عراقي إلي تجهز الشركاء البقاء في الشيوخ لمدة لا تتجاوز خمس سنوات ، والمادتان 18 ، 19 من قانون الاصلاح الزراعي لسنة 1970.

11- جوسران ، دروس في القانون المدني الفرنسي ، جـ1 ، ط3 ، باريس 1938 ، ف850.

12- انظر : بودان وقواران ، دروس في القانون المدني الفرنسي ، جـ4 ، طـ2 باريس 1938 ف 272، عبد المنعم البدراوي شرح القانون المدني ، في الحقوق العينية الاصلية ، طـ2 ، القاهرة ، 1956، ف76 عبد المنعم الصدة ، المرجع السابق ف113 ، منصور مصطفى منصور ، حق الملكية او القانون المدني المصري ، القاهرة ، 1965 ، ف47.

13- كولان وكابيتان وجوليودولا مور الندير، المطول في القانون المدني ، ج2 باريس 1959 ، جـ2 ، ف150

14- راجع: منصور مصطفى منصور ، المرجع السابق ف47 ، حسن كيرة ، المرجع السابق .

15- انظر بلانيول وريبر وبيكار ، الطول العملي في القانون المدني الفرنسي ، جـ2، ط2، باريس 1952 ، ف228 ، بودان وفواران ، المرجع السابق ، ف272 محمد لى عرفة حق الملكية جـ1، القاهرة 1954 ، ف281 ، منصور مصطفى منصور ، المرجع السابق ، ف47. وهذا ايضاً ما أشارت إليه المذكرة الايضاحية لمشروع القانون المدني المصري (راجع مجموعة الاعمال التحضيرية القانون المدني المصري ، جـ6 ، ص77).

16- يمر عن هذه الفكرة ، احياناً بالقول بأن شرط المنع من التصرف يجعل الشيء منفعلاً بتكليف عيني وبالنظر إلى ان اصطلاح التكليف اصطلاح واسع ، إذ هو يشمل الحقوق العينية التي ترد بل الشي. ونجد من سلطات المالك ، كما يشمل اي آخر يحد من هذه السلطات ، فإننا نفضل مع بعض الفقهاء . استعمال مصطلح القيد العيني بدلاً من التكليف العيني ” (انظر: منصور ، المرجع السابق ، ف47).

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .