العيوب التي تحول دون التحقيق الهدف من الزواج كسبب للتطليق في قانون الأسرة الجزائري

هو ثاني الأسباب التي عددتها المادة 53 ، و بقراءة متمعنة لنص المادة يمكن ان نقسم هذا السبب إلى قسمين كل قسم تساؤلا.

ما المقصود بالعيوب؟ و ما هي أهداف الزواج التي تقصدها المادة ؟

لغة : العيب هو الوصمة التي تنقص من قيمة الشيء أو فعاليته، فقوله تعالى في سورة الكهف” فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا” أي اجعلها ذات عيب.
و العيب هو نقص مادي أو معنوي يعتري أحد الزوجين أو كلاهما معا فيسبب ضيقا للزوج الآخر من جراء حرمانه من الحصول على ثمرة الزواج .

أما أهداف الزواج فهي الأهداف التي أرادها الشارع الحكيم من تقرير هذا الميثاق، يقول المصطفى صلى الله عليه و سلم” يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر و أحصن للفرج، و من لام يستطع فليصم فإن الصوم له رجاء” متفق عليه.
من الحديث يتضح جليا أن هدف الزواج الرئيسي ناهيك عن تكوين (عائلة) أسرة أساسها المودة و الرحمة ، و إنجاب الأولاد يكون النواة لتأسيس مجتمع صالح،هو إحصان الزوجين فمتى شاب أحد الزوجين عيب يحول دون تلك يكون عيبا يحول دون تحقيق أهداف الزواج.

و قد قسم الفقهاء هذه العيوب إلى ثلاثة أنواع من العيوب هي:
-إما ان تكون عيوبا تناسلية خاصة بالرجال و هي العنة ، الجب و الخصاء.
-و ما تكون عيوب تناسلية خاصة بالنساء و هي الرنق و القرن.
-أو عيوب مشتركة بين الرجال و النساء كالجنون و الجذام و البرص.

و قد اختلف الفقهاء حول من يثبت له حق طلب التطليق؟

فذهب المذهب الحنفي إلى أنه حق ثابت للزوجة دون الزوج ذلك أن هذا الأخير يملك عقدة الزواج، و له أن يفكها متى أراد (العصمة) ، و إن تبين ان الزوجة معيبة بأحد العيوب السالفة الذكر فله أن يدفع الضرر بالطلاق، أما الزوجة فلا يمكنها دفع الضرر عن نفسها بإعطائها الحق في طلب التطليق من القاضي لأنها لا تملك أن تطلق نفسها.
فيما ذهب الأئمة الثلاث إلى جواز طلب التفريق للعيب لكل من الزوجين ذلك أن كلا منهما متضرر من الآخر.

كما اختلف الفقه في مدى اطلاق جواز تطليق الزوجة للعيب؟

فأبو حنيفة و أبو يوسف يريان أنه إذا كان العيوب التناسلية يمكن الشفاء منها، فليس للزوجة طلب التطليق،غير أنه يجوز لها طلب التطليق للعيب في حالة ما إذا توافرت الشروط التالية:
1-أن يكون العيب شاب الزوج قبل زواجه و استمر إلى ما بعده.
2-آلا تكون الزوجة عالمة بالعيب وقت النكاح فإن علمت سقط حقها في طلب التطليق
3-آلا ترضى بالعيب بعد علمها، فإن علمت و رضيت ليس لها طلب التطليق بشرط أن تعلن عن رضاها صراحة و يعد سكوتها قبولا أو رضا(.

و دليلهم في ذلك ما روي عن عمر رضي الله اعنه أن امرأته أتته فأخبرته أن زوجها لا يصل إليها فأجله حولا، فلما انقضى الحول فيصل إليها خيرها،اختارت نفسها ففرق بينهما عمر و جعلها تطليقة بائنة، فعمر لم يفصل بينهما مباشرة بل أمهله مهلة حول كامل.
أما الحنابلة و الشافعية فان للمرأة أن تطلب التفريق إن تبين لها أن لها عيب من هذه العيوب في زوجها ، غير ان هذين المذهبين يعتبران هذا التفريق فسخا و ليس طلاقا.
أما المالكية فذهبوا مذهب احمد و الشافعي غير أنهم يعتبرون هذا التفريق طلاقا لا فسخا، ذلك أن الفسخ يقضي إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه من قبل و عليه الفسخ يكون قبل الدخول لا بعده .

أما المشرع الجزائري فقد أخذ – و هذا ما ظهر من نص المادة – بالمذهب المالكي ذلك أنه جعل طلب الزوجة للتفريق بسبب عيب طلاقا، لأن المادة 53 وردت في باب الطلاق غير أنه تطرح مسألة أخرى، و هي مسألة إثبات العيب أي ما هي الوسائل التي يمكن بها للقاضي التأكد من عيب من عدمه، و هنا علينا ان نفصل بين أمرين

أولا: بالنسبة للعيوب التناسلية:
فيمكن للقاضي أن يلجأ غلى الخبرة الطبية للتأكد من وجود العيب الذي تدعيه الزوجة ، لكن من خلال بحثنا توجهنا لطبيب خبير معتمد لدى إحدى المحاكم الجزائرية( ). من أجل الاستفسار عن الأمر فبين لنا الخبير أن هناك نوعين من العيوب التناسلية أو الأمراض التناسلية.

النوع الأول، يتعلق بالقدرة الجنسية لدى الزواج.
النوع الثاني يتعلق بقدرة الزوج على الإنجاب.

•العيوب التي تتعلق بالقدرة الجنسية لدى الزوج: ان إحصان الزوجين كما سبق ذكره هو أحد أهداف الزواج ، لذا فأي عيب يمكن ان يكون سببا للتطليق طبقا لما جاء في المادة 53 من قانون الأسرة، و هذه العيوب في حد ذاتها هي نوعين منها ما هو عضوي و منها ما هو نفسي ، و دائما استنادا لرأي الطبيب الشرعي الخبير فإن النوع الأول أي العيوب التي تكون من النوع العضوي(Organique) مثل عدم الانتصاب أو ضمور الخصيتين يمكن للطبيب أن يتأكد من وجودها بناءا على خبرته طبيا بعد فحص تقني يجرى للزوج، فلقاضي الأحوال الشخصية أن يلجأ لهذه الوسيلة العملية لإثبات هذا النوع من العيوب إذا ما إدعت به الزوجة و جعلته سببا لطلب الطلاق.
أما النوع الثاني و هو ما يتعلق بالجانب النفسي كالبرودة الجنسية، أو الشذوذ الجنسي فأكد لنا الخبير أنه لا يمكن للوسائل العلمية إثباته إن لم يصرح به الزوج بملئ إرادته، و هنا ما يبقى للقاضي إلا أن يرجح كفة العقل و يعمل ميزان الفراسة للتوصل الى صحة ما تدعيه الزوجة.

•العيوب التي تتعلق بقدرة الزوج على الإنجاب: : من أهداف الزواج الأكثر أهمية هو إنجاب نشئ صالحا يملأ حياة الزوجين سعادة و يستخلفهما في الدنيا لقوله تعالى”الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا”، الآية 46 من سورة الكهف، و عليه إن تبين عجز أحد الزوجين على الإنجاب جاز للطرف الآخر أن يطلب الطلاق لتضرره، بالنسبة للزوج إذا ما تأكد من عقم زوجته فلا يطرح الإشكال ذلك أنه هو من يملك عقدة النكاح و له أن يطلقها متى أراد ذلك،أما الزوجة فقد حفظ الشارع الحكيم و المشرع حقها عن طريق منحها الحق في طلب التطليق إذا ما شاب الزوج عيب قد يحرمها من نعمة الأبناء.
و الأمراض التي تحد من قدرة الرجل على الإنجاب أو تعدمها أو ما يسمى العقم (La stérilité) هي نوعان ، عقم لا يرجا شفاءه ، و عقم يمكن الشفاء منه و في كلتا الحالتين أكد لنا الخبير أنه يمكن التأكد من وجود مرض عن طريق التحاليل و كما يمكن للطبيب الخبير أن يحدد ما إن كان العقم من النوع الذي يرجى شفاءه أم لا، و ما على القاضي إلا بخبرة طبي آن يحدد مهمة خبير هنا بدقة فإن أكد القاضي أن العقم لا يمكن الشفاء منه ، فله آن يحكم للزوجة بالتطليق، و هذا رأي لا خلاف فيه، أما إن أفادت الخبرة أن عقم الزوج يمكن الشفاء منه فهنا يمكن للقاضي آن يمنح للزوجة مهلة للعلاج و هذا اقتداء بما روي عن عم رضي الله عنه عندما جاءته إمراة تشكو آن زوجها لا يصل إليها، فأجلها أي أعطاه مهلة سنة ، و لما انقضى الحول و لم يصلها ، خير المرآة بين آن تبقى أو تطلق فاختارت نفسها ففرق بينهما، و قياسا عليه يمكن للقاضي آن يمهل الزوج هذه المهلة على آن يكون تقديره لهذه المدة معقول لأن إنجاب المرآة أيضا مسالة مربوطة بالزمن.

ثانيا : بالنسبة العيوب المشتركة أو الأمراض الأخرى:
اتفق فقهاء المذاهب الأربعة تقريبا على ثلاث أمراض عرفت في زمانهم و هي الجنون و الجذام والبرص،فأما الجنون فلا يطرح أي إشكال في إثباته ذلك انه سهل إثباته عن طريق خبرة طبية ، في حين ان الجذام (La peste)، فهو مرض لم يعد له وجود هذا الزمن ، لذا الحديث عنه يبقى مسألة نظرية فقط ، في حين أن البرص مرض عرف منذ عصور بعيدة ولا يزال إلى يومنا هذا ، كما أنه من الأمراض التي لم يجد لها الطب الحديث علاجا،و استنادا للإشارة التي قدمها لنا الطبيب الخبير المذكور فإن البرص مرض يظهر على شكل طفح جلدي أبيض الون، هو غير معد لكنه يغير من خليقة الإنسان و أحيانا يكون بشكل كبير قد ينفر من صاحبه، و على هذا السبب جعله الفقهاء سببا يجيز للزوجة طلب الطلاق ، مستندين في ذلك لما روي عن الرسول صلى الله عليه و سلم في مسند أحمد أن تزوج امرأة من بني غفار فلما دخل عليها و وضع ثوبه على الفراش أبصر على كشحها بياضا فإنحاز عن الفراش ثم قال” خذي ثيابك و لم يأخذ مما أتاها شيئا”.

غير أن العصر الحديث يعرف أمراضا غير معهودة فيما مضى و مثل ذلك مرض الإيدز(H1N2)، و هو مرض ينتقل عبر العلاقات الجنسية فأن جاز للزوجة أن تطلب التطليق لسبب البرص فمن باب أولى أن تطلبه من أجل مرض الإيدز الذي يشكل تهديدا على حياتها.
غير ان هناك أمراض أخرى تنتقل عبر الإتصال الجنسي لكن الطبي الشرعي المستشار اكد لنا أنها أمراض يمكن معالجتها، فعلى القاضي كما سبق القول أن يمنح الزوج مدة يعالج فيها ، غير أن المشرع حاول التخفيف من الضرر الواقع على أحد الزوجين جراء هذه العيوب بإضافة المادة 7 مكرر التي تشترط على طالبي الزواج شهادة طبية تبين خلوهما من الأمراض.