العقارات الوسخة!!
يوسف الفراج
في مقالة العقار والفساد في هذه الزاوية، أشرت إلى أن السوق العقارية لديها قابلية للفساد، وذلك في كل الأسواق العالمية، وأن التشريعات والإجراءات العقارية قد لا تكون كافية بالدرجة المطلوبة لمنع الفساد، وامتداداً لما سبق فما زالت العلاقة بين العقار والفساد مستمرة، وهذه المرة من خلال استغلاله منظفاً وغاسلاً للأموال الوسخة، أو تنظيفه هو ذاته بأموال أخرى، ويُعرّف مصطلح “غسل الأموال”- وليس غسيل الأموال- حسب المادة الأولى من النظام السعودي بـ “أنه ارتكاب أي فعل أو الشروع فيه يقصد من ورائه إخفاء أو تمويه أصل حقيقة أموال مكتسبة خلافاً للشرع أو النظام وجعلها تبدو وكأنها مشروعة “، وجريمة غسل الأموال تستند إلى عناصر أساسية وهي وجود جريمة نتج عنها مالٌ يُسمى في هذه الحالة “مالاً وسخاً” فيحتاج المجرم إلى عملية مشروعة ليُضفي على أموالهِ الشرعيةَ، وبهذا فهو يلجأ إلى تلك العمليات هروباً من متتبعي هذه الجريمة وبالذات موظفي البنوك.

ومن مظان تمرير هذه الأموال: العقار، حيث يُعدّ ملاذاً آمناً لغاسلي الأموال ويُتصور أن يكون العقار وسخاً- الوسخ المعنوي لا الحسي- في صورتين،

الأولى: في شراء العقار بمبلغ ناتج عن جريمة ومن ثم بيعه وبهذا يكون الظاهر في الحسابات والسجلات أن المبالغ ناتجة عن عمليات مشروعة، والصورة الثانية: أن يكون العقار ذاته قيمة جريمة فيكون وسخاً لا بد من غسله فيُباع بقيمةٍ منخفضةٍ للتهرب منه، والجانب المغري في العملية للغير ويدعوهم إلى المشاركة أو السكوت عن الشبهات التي تحوم حول هذه الأموال هو أنهم قد يستفيدون من هذه العمليات من خلال بيع عقاراتهم بمبالغ طائلة، كما في الحالة الأولى، أو شراء العقارات كما في الصورة الثانية بمبالغ زهيدة.

ولا بد من التأكيد على أن هذه الجريمة محرمةٌ شرعاً ومجرمة نظاماً وقد جرى تنظيم أحكامها في نظام مكافحة غسل الأموال الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/36 وتاريخ 25/7/1424هـ ولائحته التنفيذية المعدلة الصادرة بقرار وزير الداخلية رقم25037 وتاريخ28/2/1430 هـ، وتطبيقاً لأحكام النظام فإنه عند إثبات انتقال ملكية العقارات في كتابات العدل فإن كتاب العدل يدققون في هذه البيوع لئلا تكون مجالاً لتمرير هذه الأموال وإذا كان مبلغ العقار يزيد على 100 ألف ريال فلا بد أن يكون تسليم المبلغ بشيك مصرفي لضمان وجود المبلغ في البنك، وبالتالي يُراقب من قبل المختصين، وتقوم وزارة العدل بتدريب منسوبيها في هذا المجال وتنظم البرامج المتخصصة في هذا الشأن، ووفقاً لموقع وزارة العدل، فإن الوزارة نفذت ثلاثة برامج في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية في :” مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب “ويستهدف رؤساء وكتاب العدل، وتأتي هذه البرنامج ضمن خطة وزارة العدل التطويرية التي تستهدف منسوبيها من الكوادر الشرعية والإدارية وتنمية مهاراتهم وخبراتهم في مجال العمل سواء فيما يتعلق بالجانب الشرعي والتوثيقي أو الإداري، كما أن الوزارة أكدّت على المحامين من خلال خطاب وُجّه إليهم على ضرورة الإبلاغ عن أي اشتباه في القضايا المعروضة عليهم من وجود شبهة غسل أموال وذلك من خلال نموذج معتمد.

وفي حين لا إشكال في مساءلة ومعاقبة من يقوم بشيء من الأعمال المجرمة في النظام إلا أن البعض قد يتورط بحسن نية في هذه العمليات مثل قبوله ببيع العقار بمبلغ أكثر من قيمته الفعلية بكثير أو شراء عقار بمبلغ زهيد من غير ظهور موجب لذلك، وبهذا فقد يتعرض البائع أو المشتري للمساءلة، استناداً إلى شبهة التواطؤ، ومع أن النظام نص في المادة الحادية والعشرين على عدم توقيع العقوبات على المخالف حسن النية إلا أن ذلك سيكون أمام القضاء ويُفترض أن ينأى العاقل بنفسه عن مواطن التهم، وأن يُميّز بين الفرصة التجارية والورطة الجنائية.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت