بسم الله الرحمن الرحيم

مجلس القضاء الأعلى

رئاسة محكمة استئناف الرصافة الاتحادية

محكمة الأحوال الشخصية في حي الشعب

رقم الدعوى: 477/اعتراضية/2008 التاريــــخ : 16/10/2008

تشكلت محكمة الأحوال الشخصية في حي الشعب بتاريخ 16/10/2008 برئاسة القاضي السيد سالم روضان الموسوي المأذون بالقضاء باسم الشعب وأصدرت قرارها الآتي :
المعتــــــرض /(ذ ، م)
المعترض عليه/ ( آ ، ط)

القرار
لدعوى المعترض الاعتراضية وللمرافعة الحضورية العلنية، حيث ادعت بان المعترض عليه زوجها الداخل بها شرعا، كان قد استصدر قرار هذه المحكمة الغيابي العدد 447/ش/2008 في 4/6/2008 الذي قضى بتصديق الطلاق الواقع بتاريخ 25/4/2008 واعتباره الطلاق الثالث البائن بينونة كبرى، وبما إنها قد تبلغت بالقرار المذكور بتاريخ 10/8/2008 اعترضت عليه بتاريخ 11/8/2008 وتطلب الحكم بإبطاله، للأسباب الواردة فيه، اطلعت المحكمة على اضبارة الدعوى ولوحظ إن قرار هذه المحكمة كان قد صدر بتاريخ 4/6/2008 ولم تجد المحكمة ما يشير إلى تبليغ المعترضه بقرار الحكم المذكور، لذا فان الاعتراض يكون واقع ضمن المدة القانونية فقرر قبوله شكلا ولدى التدقيق وجد إن المعترضة قد أقرت بان المعترض عليه كان قد تلفظ بصيغة (طالق) في الطلاقين الأول الواقع عام 1996 والثاني الواقع عام 2006 ,إلا ان المعترض عليه كان بحالة عصبية شديدة فقد معها التركيز ولم يعلم عواقب فعله، مما يجعل من الطلاقين المذكورين باطلين، لا يرتبان أثرا شرعيا أو قانونيا، ثم استمعت المحكمة إلى المعترض عليه الذي صادق على أقوال المعترضة من انه لم يكن يقدر مسؤولية فعله بإيقاع الطلاق في حينه ، وكان في حالة من العصبية التي أفقدته القدرة على التمييز عند إيقاعه للطلاق الثاني، لأنه مصاب بأمراض عصبية تؤثر في إرادته وإدراكه عند الانفعال والغضب ، ولغرض التحقق من هذا الدفع المتعلق يكون المعترض عليه مصاب بحالة مرضية تفقده القدرة على التمييز عند إصابته بها، تمت إحالته إلى اللجنة الطبية النفسية الأولية وعرضه عليها لبيان فيما إذا كان يعاني نفسية تؤدي به إلى فقدان تركيزه عندما يكون في حالة من الشد العصبي ، فورد تقرير اللجنة الطبية النفسية الأولية العدد 1310 في 12/10/2008 الذي تضمن ما يلي ((بعد إجراء الفحص الطبي النفسي ,تبين انه مصاب باضطراب الشخصية الاضطهادية مترافقة مع نوبات انفعال قسري قد يفقد التركيز على ما يفعله إثناء النوبة ))

ثم بين المعترض عليه انه في السنوات الثلاثة الأخيرة بدأت تظهر عليه آثار الانفعال وان الطلاق الواقع في هذه الفترة كان تحت هذا التأثير، ولم يكن يدرك معناه أو أثاره، وعلى وفق ما مسطر ضبطا في محضر جلسة يوم 15/10/2008 ولوحظ إن الطلاق الرجعي الأول كان قد وقع عام 1996 والطلاق الرجعي الثاني وقع عام 2006 والطلاق البائن بينونة كبرى وقع عام 2008 ، لذا فان إقرار المعترض عليه بان الأعراض الانفعالية بدأت آثارها في السنوات الثلاث الأخيرة ،فان الطلاق الرجعي الثاني يكون قد وقع ضمن هذه الفترة التي تعززت بالتقرير الطبي النفسي ، وان كان التقرير قد وردت فيه عبارة (( قد قد يفقد التركيز على ما يفعله إثناء النوبة)) فان استخدام اللجنة لكلمة قد مع فعل المضارع يفيد التقليل من احتمالية الوقوع لأنها تسمى قَدْ الحَرْفِيّة: تَختَصُّ بالفِعلِ المُتَصَرَّفِ الخَبَري، المُثبَتِ، المُجَرَّدِ مِنْ ناصِبٍ، وجَازم وحَرفِ تنفيس، على وفق قواعد النحو العربي ، الا ان المحكمة ترى مع وردها بواقعها الاحتمالي ، إنها مفردة تفيد وقوع النوبة لاقترانها بإقرار المعترض عليه ومصادقة المعترضة ،

ومن أهم الشروط الشرعية لصحة الطلاق أن يكون المطلق ذو أهلية تمكنه من إدراك عواقب أفعاله وطبيعة التصرف الذي يقوم به وهذا ما اجمع عليه فقهاء المسلمون ومنهم الفقيه سيد سابق بكتابه فقه السنة ـ ج 2 ـ ص 247 (اتفق العلماء على أن الزوج ، العاقل ، البالغ ، المختار هو الذي يجوز له أن يطلق ، وأن طلاقه يقع ) والشريف المرتضى في كتاب الانتصار ـ ص 304 (طلاق الغضبان الذي لا يملك إختياره لا يقع) وذكر الفقيه البكري الدمياطي في كتاب اعانة الطالبين ـ ج4 ـ ص9 واقعة عرضت على احد فقهاء عصره يدعى الشمس الرملي عن طلاق الغضبان ( سئل الشمس الرملي عن الحلف بالطلاق حال الغضب الشديد المخرج عن الاشعار : هل يقع الطلاق أم لا ؟ وهل يفرق بين التعليق والتنجيز أم لا ؟ وهل يصدق الحالف في دعواه شدة الغضب وعدم الاشعار ؟ . فأجاب : بأنه لا اعتبار بالغضب فيها . نعم : إن كان زائل العقل عذر) كذلك في كتاب حاشية رد المحتار لابن عابدين ج 3 ص268 (قلت : وللحافظ ابن القيم الحنبلي رسالة في طلاق الغضبان قال فيها : إنه على ثلاثة أقسام : أحدها أن يحصل له مبادي الغضب بحيث لا يتغير عقله ويعلم ما يقول ويقصده ، وهذا لا إشكال فيه . الثاني أن يبلغ النهاية فلا يعلم ما يقول ولا يريده ، فهذا لا ريب أنه لا ينفذ شيء من أقواله . الثالث من توسط بين المرتبتين بحيث لم يصر كالمجنون فهذا محل النظر) بالإضافة إلى إن توفر الأهلية الكاملة الواعية تعد من الشروط القانونية لصحة الطلاق وعلى وفق ما أشارت إليه الفقرة (1) من المادة 35 أحوال شخصية التي تنص على ما يأتي (لا يقع طلاق الأشخاص الآتي بيانهم:

 السكران والمجنون والمعتوه والمكره ومن كان فاقد التمييز من غضب أو مصيبة مفاجئة أو كبر أو مرض .) وتجد المحكمة إن المعترض عليه عندما أوقع الطلاق الرجعي الثاني عام 2006 كان في حالة من عدم التمييز، لأنه كان تحت تأثير نوبة الانفعال العصبية القسري وعلى وفق ما ورد في تقرير اللجنة الطبية النفسية، المعزز بإقرار المعترض عليه المسطر ضبطا في محاضر جلسات المرافعة الاعتراضية، الذي عززته المحكمة بتحليف المعترض عليه اليمين المتممة على وفق الصيغة المسطر ضبطا في محضر جلسة يوم 15/10/2008 ، على الرغم من ان المحكمة كانت قد حلفت المعترض عليه اليمين المتممة على وفق الصيغة المسطر ضبطا في محضر الجلسة المؤرخ في 25/8/ 2008 حول الطلاق الثالث الواقع بتاريخ 25/8/2008 وكذلك تم تحليفه اليمين المتممة حول الطلاقين الأول والثاني على وفق ما مسطر ضبطا في محضر جلسة يوم 3/6/2008 ،

وحيث أن فلسفة اليمين المتممة قائمة على أساس وجود أدلة ناقصة ، فان ذلك لا يعصم الادعاء من الطعن به ورده، إذا توفر الدليل على ذلك ، و وتجد المحكمة إن إقرار المعترض عليه بوقعه تحت تأثير النوبة العصبية ، يعد دليلا معتبرا ذا قيمة قانونية على وفق أحكام المواد (59 ـ70) إثبات ، كما إن الإقرار اللاحق إذا كان قد ناقض الإقرار السابق، للمحكمة أن تزيل هذا التناقض ، وترى المحكمة إن الإقرار اللاحق هو الأقرب للحقيقة، كونه قد تعزز بتقرير اللجنة الطبية النفسية الذي يعد فيصلا في بيان صلاحية أهلية المطلق لإيقاع الطلاق ، كونه تقريرا فنيا صادر من جهة رسمية متخصصة .

ومما تقدم فقد ثبت للمحكمة إن الطلاق الثاني الواقع في عام 2006 انعدم فيه ركن الإرادة الصحيحة المشترطة في المطلق ، مما ينعدم معه صحة وقوعه، ويكون بحكم العدم ولا يرتب آثاره الشرعية والقانونية، وان الرجعة الواقعة بعده تكون أيضا غير ذات اثر قانوني، لان من شروطه صحتها وجود طلاق صحيح وانعدامه يؤدي إلى انعدامها حتما ، ومما تقدم ولما جاء بتقرير اللجنة الطبية النفسية وإقرار المعترض عليه وبالطلب قرر الحكم بتأييد الحكم الغيابي العدد 447/ش/2008 في 4/6/2008 تعديلا ، وجعل الحكم بتصديق الطلاق الواقع للمرة الثانية بتاريخ 25/4/2008 بين المعترضة (ذ، م ) والمعترض عليه (أ ، ط ) واعتباره بائن بينونة صغرى لانقضاء فترة العدة الشرعية لا يحق لهم الرجوع إلى بعضهم إلا بعقد ومهر جديدين وليس على المعترضة الالتزام بالعدة الشرعية لانقضائها وليس لها أن تتزوج برجل آخر إلا بعد اكتساب القرار الدرجة القطعية استنادا لأحكام المواد (34, 37, 48, 49احوال شخصية 21, 25, 59, 132, 120اثبات 161, 163, 179, 180، 300 مرافعات حكما حضوريا قابلا للتمييز ، وإرسال اضبارة الدعوى إلى محكمة التمييز الاتحادية لإجراء التدقيقات التمييزية عليها كون أحكام الطلاق من قضايا الحسبة المتعلقة بالحل والحرمة وإنها من النظام وعلى وفق أحكام المادة 309 مرافعات .وافهم علنا في 16/10/2008 الموافق 15/ شوال / 1429هـ.

القاضي

سالم روضان الموسوي