الطعن في القرار البات في الاعتراض على طلب تسجيل

تؤدي الرغبة أحيانا لدى بعض التجار والصناع ومقدمي الخدمات من أجل تحقيق التميز واستمالة المستهلك، إلى سلوك طرق غير شريفة لبلوغ ذلك الهدف، مثل اختيار شارات تكون مستوحاة من علامات تعود ملكيتها للغير. ويتبلور هذا الاختيار عمليا، إما في استعمال العلامة على المنتجات والخدمات دون تسجيلها، مما يجعلهم تحت طائلة المساءلة إداريا ومدنيا وجزائيا، لعدم التوفر على سند للحماية، وإما المطالبة بتسجيل العلامة عن طريق إيداع ملف لدى المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية.

ويضبط تسجيل العلامة لدى هذا المكتب، سواء أكانت علامة تجارية أو علامة صناعية أو علامة خدمة حكم المادتين 148و149 من القانون 17.97 المتعلق بحماية الملكية الصناعية.
وكان تسجيل العلامة، يتم بمجرد إرفاق طلب التسجيل بالوثائق الضرورية، داخل الأجل المسموح به، دون أي حق لمكتب الإيداع في إجراء فحص سابق لموضوع الطلب، ما لم يكن مخالفا للمادة 135 من القانون المذكور، التي تنص على حالات منع اعتبار شارة ما علامة أو عنصر علامة، مثل المساس بالنظام العام أو الأخلاق الحميدة.
غير أنه ابتداء من 20 فبراير 2006، إثر نشر تعديل القانون 17.97 بموجب القانون رقم 31.05 أدخلت المواد المضافة إليه (م1.148 إلى 5.148 ) نظام التعرض على طلب تسجيل العلامة، الذي احتوى على بنود مؤثرة وذات أهمية على المستوى النظري وكذا على المستوى التطبيقي.

وقد نتج عن الأخذ بنظام التعرض ـ الاعتراض ـ تحول مسار طبيعة المنازعة في تسجيل العلامة(1) الناتج عن خصوصية مسطرة التعرض وإصدار القرار البات فيه والطعن فيه (2) والدور المنوط بالقضاء لرسم حدود لمراقبته للقرارات التي تصدر عن المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية في هذا الباب (3)، وهي نقط سيتم تناولها في هذا العرض.
وفي عرض لاحق سيتم بسط التساؤلات التي تطرحها تلك النقط مع تحميلها ومناقشتها.

I – تحول مسار طبيعة المنازعة في تسجيل العلامة.

يشكل تسجيل العلامة، الركيزة الأساسية لكل مطالبة بالحماية القانونية للحق المترتب عن اكتساب سند الملكية على العلامة ـ مدنيا أو زجريا ـ وفق قانون الملكية الصناعية المغربي الذي تخلى بذلك مبدئيا عن الحماية المترتبة عن مجرد الاستعمال (ظهير 1916)، لذا يصبح من واجب التاجر، تسجيل الشارة التي يقتنع بقدرتها على تمييز معروضاته عن غيرها، في حالة اقتناعه باتخاذ علامة، لأن هذا التسجيل يخوله سند ملكية، يسمح له بمنع الغير من استعمال واستغلال نفس علامته أو ما يماثلها إلا بإذنه.
وبينما كان تسجيل العلامة قبل تعديل القانون 17.97 مباشرا يفضي إلى الاستفادة من منافعه في أسرع وقت، وحيث المنازعة بشأنه تأتي في زمن لاحق للتسجيل وأمام القضاء فقط، فإنه في الوضع القانوني الحالي، أدى إدخال مسطرة التعرض على طلب تسجيل العلامة، إلى تأجيل عملية تسجيلها أو استبعاد تسجيلها نهائيا، فاستبق المشرع بذلك المنازعة القضائية، لكون بعض عناصرها يفصل فيه أمام الإدارة، كهيئة خولها القانون سلطة الحسم في التسجيل من عدمه، في إطار مسطرة تواجهية شمولية، لما للأطراف من حق، حتى على مستوى القرار المزمع اتخاذه من طرف المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، في مناقشة تعليلات مشروع ذلك القرار قبل الحسم النهائي.
وهكذا يتأجل الحسم في طلب تسجيل العلامة، في ظل الوضع القانوني الحالي، إلى حين إجراء مسطرة اطلاع الأغيار على وجود الطلب، مع حقهم في الاعتراض عليه، حيث تنص المادة 1.148 على أن طلب تسجيل علامة مودعة بصفة قانونية يتم نشره، كما تنص المادة 2.148 على إمكانية التعرض على طلب تسجيل العلامة من طرف:”……مالك علامة محمية أو مودعة في تاريخ سابق للطلب أو المتمتع بتاريخ أولوية سابقة أو صاحب علامة سابقة مشهورة….” أو مالك بيان جغرافي محمى أو صاحب تسمية منشأ محمية. وبالطبع فإن صاحب حق الاستغلال ألاستئثاري المستمد من إحدى الصفات المذكورة، له بدوره حق التعرض، ما لم يكن عقد الاستغلال يتضمن شرطا يمنعه.وتكمن الفائدة العملية لمسطرة التعرض، في التعرف على المنازعين المحتملين في طلب تسجيل العلامة، قبل استعمالها بصورة فعلية، فلا مصلحة للمستعمل في تمييز معروضاته بشارة غير محمية، تؤدي إلى تعرضه للجزاءات القانونية، إضافة إلى الخسائر المادية. ففي الوضع القانوني السابق لإقرار مسطرة التعرض، كانت المنازعة تتم بعد تسجيل العلامة، وبعد بذل مجهود مادي ومعنوي للتعرف بها، ليفاجأ صاحبها بالغير، ينازعه الأحقية في العلامة، التي اختارها كما أن صاحب الحق السابق يتعرض وضعه في السوق، لاضطراب لدخول منافس يستعمل آليات تؤدي إلى خلق لبس في ذهن الجمهور والزبناء. وفي ذلك تكون مسطرة التعرض ذات طابع حمائي بالنسبة لمن يملك حقا سابقا ومرحلة ترو ووقاية بالنسبة للراغب في تسجيل العلامة، لخلق وضع جديد في السوق، سواء لأول مرة أو بتوسيع مجال نشاطه فيه، تفاديا لأضرار تكون نتائجها غير سليمة.
فإذا قدم تعرض لمنع ترتيب طلب تسجيل العلامة لآثاره، فإن سلطة الفصل فيه منحها القانون لجهة إدارية، مع حق الطعن أمام جهة قضائية كما سيرد في النقطة بعده.

II – إصدار القرار البات في التعرض والطعن فيه.

أوكل المشرع المغربي للهيئة المكلفة بالملكية الصناعية مهمة نشر طلب تسجيل العلامة المودعة بصفة قانونية، وفي حالة اعتراض الغير على هذا الطلب المنشور، تبت الهيئة بقرار معلل بقبوله أو رفضه. فإن قبلت الاعتراض لا مجال لتسجيل العلامة وإن رفض تم تسجيل العلامة وترتب عن ذلك، حصول صاحب طلب التسجيل على سند ملكية يخوله حق استعمال واستغلال مثله في ذلك مثل المعترض كل منهما على الشارة التي يتخذها علامة.
وبين مرحلة إيداع طلب تسجيل العلامة، واتخاذ القرار بقبول الاعتراض أو رفضه،تتخذ الهيئة المكلفة بالملكية الصناعية، قرارات عديدة تختلف في طبيعتها وفي آثارها.
فالمادة 148 من القانون 17.97 تنص على أن الإيداع غير المكتمل من حيث وثائقه وغير المتمم داخل الآجال القانونية، يؤدي إلى رفض طلب تسجيل العلامة، على أن الرفض قد يكون تلقائيا ودون حاجة إلى تدخل الغير، في حالة طلب التسجيل المخالف لأحكام المادة 135(أ) المانعة من قبول الطلب إلا بإذن من الجهة المختصة..و135(ب) المرتبطة بمخالفة النظام العام أو الآداب العامة، أو منع القانون لاستعمالها. وبذلك فإن القرارات التي تتخذ في هذا الباب وفي حدود هذه المرحلة تخضع لما تخضع له كل القرارات الإدارية، من حق في المطالبة بإلغائها في إطار القضاء الإداري عملا بالمادة 15 من نفس القانون.
أما المرحلة التي تلي الإيداع القانوني لطلب تسجيل العلامة، فتتخللها محطات تتخذ فيها الهيئة المكلفة بالملكية الصناعية عدة قرارات، مثل قفل مسطرة التعرض أو وقف الأجل الأولي إلى حين الفصل النهائي في الطلب، يخضع من بينها على سبيل الاستثناء لمراقبة القضاء التجاري وفي شخص محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء دون غيرها قرار البت في التعرض لوحده حسب المادة 5.148 من القانون 17.97، وذلك خلافا للقاعدة العامة المستفادة من مضمون المادة 15 من نفس القانون التي تعتبر كل ما يصدر عن تلك الهيئة من قرارات إدارية، يفصل في منازعاتها من طرف القضاء الإداري.

وخول المشرع حق الطعن في القرار البات في التعرض، لكل من طرفي مسطرة الاعتراض حسب الفقرة 1 من المادة 3.148، وذلك انطلاقا من المصلحة في الطعن حسبما إذا تعلق بقرار قبول الاعتراض أو بقرار رفضه وكذا بأي من القرارين إن قضى بجزء فقط من المطالب ورفض الباقي، كما في حالة قبول التعرض على فئات معينة من المنتجات أو الخدمات، مقابل قبول تسجيل العلامة بالنسبة لفئة أخرى رغم تشابه العلامة. وفي هذه الحالة يمكن تصور حصول طعن من طرفي المنازعة في نفس الوقت كل منهما من الجانب الذي يعتبره ماسا بمصالحه.