الركن الشرعي للجريمة في التشريع الجنائي الإسلامي

توجب الشريعة الاسلامية لاعتبار الفعل مجرما أم يكون هناك نص شرعي يحرمه و يعاقب على فعله و هذا هو تطبيق مباشر لقاعدة الشرعية

*لا جريمة و لا عقوبة و لا تدبير امن إلا بنص قانوني يقرره المشرع *و هذه القاعدة هي شرعية اكثر منها قانونية فقد ورد النص عليها في الكثير
من المواضع في القران الكريم كقوله تعالى في سورة الاسراء الاية 15 * و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا * و أيضا قوله في سورة القصص
الاية 59 * و ما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا * و قوله أيضا في سورة الإسراء في الاية 16
* لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل *

كما ان هناك العديد من القواعد الشرعية التي تدل على هذه القاعدة كقاعدة* لا حكم لأفعال العقلاء قبل ورود النص * و قاعدة
* الأصل في الاشياء الاباحة إلا ما ورد نص في تحريمه *

و بهذه الأدلة نكتشف نفوق الشريعة الاسلامية على القوانين الوضعية في النص على مبدأ الشرعية حيث عرف هذا المبدا مع
الثورة الفرنسية في اواخر القرن 18 م ثم انتقل هذه القاعدة من التشريع الفرنسى الى تشريعات عالمية اخرى .

أثر هذه القاعدة على جرائم الحدود :

طبقت قاعدة الشرعية على جرائم الحدود و من ابرز الامثلة :

أ – تطبيقها في جريمة الزنا :

نص الله عز و جل على جريمة الزنا في القران الكريم و ذلك في قوله في سورة الاسراء :* و لا تقربوا الزنا *و قوله أيضا :
* و الزاني و الزانية فأجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة * و قوله صل الله عليه و سلم : * البكر بالبكر جلب مائة و تغليب عام*

و روي أن رجلا من قبيلة اسلم جاء الى النبي صل الله عليه و سلم فإعترف بالزنا فأعرض عنه النبي حتى شهد على نفسه 4 مرات
فقال النبي صل الله عليه و سلم ” أبك جنون ؟؟ قال لا , قال أحصنت ؟؟ (تزوجت) قال نعم , فأمر به فرجم. و وري أيضا أن الغامدية جاءت
الى رسول الله صل الله عليه و سلم فقالت : إني زنيت فطهرني . فردها رسول الله , فلما كانت من الغد قالت يا رسول الله لم تردني ؟؟
لعلك تردني كما ردتت ماعزا فوالله إني لحبلى , قال رسول الله صل الله عليه وسلم : اما الان فإذهبي حتى تلدي , فلما ولدته أتته بالصبي في
خرقة , قالت هذا قد ولدته , قال : إذهبي فأرضعيه حتى تفطميه , فلما فطمته أتتت بالصبي و في يده كسرة خبر فقالت هذا يا نبي الله قد فطمته
و قد اكل الطعام فدفع النبي الصبي إلى رجل من المسلمين ثم امر بها فحفر لها إلى صدرها و امر الناس فرجموها فأقبل خالد بن الوليد بحجر
فرمى رأسها فأنفطح الدم على وجهه فسبها فقال رسول الله صل الله عليه و سلم : مهلا يا خالد , فو الذي نفسي بيده لقد كادت توبة لو كادها
صاحب مكس لغفر له ثم امر بها فصلى عليها و دفنت .

ب – تطبيقها في جريمة القذف :

قال الله تعالى :* و الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة و لا تقبلوا لهم شهادة أبدا أولئك هم الفاسقون *
فهذا النص يحرم القذف و يعاقب عليه بعقوبة أصلية و هي الجلد و عقوبة تبعية و هي الحرمان من الشهادة .

ج – تطبيقها في جريمة السرقة :

قال الله تعالى :* و السارق و السارقة فأقطعوا أيديهما جزاءا بما كسبا نكالا من الله *فهذا النص يحرم الرقة و يقرر عقوبتها و هي قطع اليد .

أثر هذه القاعدة على جرائم القصاص و الدية :

طبقت الشريعة الاسلامية القاعدة تطبيقا دقيقا في جرائم القصاص و الدية و من ابرز الامثلة : النص على جريمة القتل العمدي لقوله تعالى :
* و لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق *الإسراء 33 , و قوله أيضا :* و كتبنا عليهم ان النفس بالنفس *المائدة 45 . و قوله أيضا :
* يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر و العبد بالعبد و الأنثى بالأنثى فمن عفي له من اخيه شيء فإتباع بالمعروف و آداء إليه بإحسان *
البقرة 178 .

و يقول صل الله عليه و سلم :* من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين إن احبوا فالقود و إن احبوا فالعقل*
و القود هو القصاص و العقل هو الدية .

أثر هذه القاعدة في جرائم التعازير :

لقد توسعت الشريعة الاسلامية في تطبيف هذه القاعدة في جرائم التعازير لان المصلحة العامة و طبيعة التعزير تقتضي ذلك التوسع على
حساب العقوبة غالبا لانه لا يشترط في جرائم التعازير أن يكون لكل جريمة عقوبة معينة و محددة يتقيد بها القاضي كما في جرائم القصاص
و الدية و جرائم الحدود فللقاضي أن يختار لكل جريمة عقوبة معينة و ملائمة و التي تبدأ بالنصح و تنتهي بالجلد
و الحبس و قد تصل إلى القتل .