التوقيف غير النظامي
نصت المادة الحادية والأربعين من نظام الإجراءات الجزائية على أنه لا يجوز لهيئة التحقيق والإدعاء العام إيقاف المتهم لمدة تزيد في مجموعها على ستة أشهر تبدأ من تاريخ القبض على المتهم.

وحينذاك تكون الهيئة أمام خيارين هما : إحالته إلى المحكمة المختصة، أو الإفراج عنه ، على أن تتولى المحكمة المختصة بنظر الدعوى أمر استمرار إيقاف المتهم من عدمه ، وتختص المحكمة الجزائية (الجزئية سابقًا) بأغلب الدعاوى الجزائية فهي تختص بالفصل في قضايا التعزيرات إلا بما يستثنى بنظام ، وفي الحدود التي لا إتلاف فيها ، وأروش الجنايات التي لا تزيد على ثلث الدية ، وعلى أن يكون للمحكمة العامة الاختصاص بنظر الدعاوى الجزائية التي يطالب المدعي العام فيها بالقصاص أو القطع أو الرجم كما ورد بنظام الإجراءات الجزائية في مادتهالتاسعة والعشرين بعد المائة ، كما أن الدوائر الجزائية في ديوان المظالم مكلفة بنظر بعض القضايا الجزائية ومنها الرشوة والتزوير ، وذلك بموجب أنظمة خاصة.

كما أن هيئة التحقيق والإدعاء العام عندما صدر المرسوم الملكي رقم م/56 المؤرخ في 1409/10/24هـ القاضي بإنشاء الهيئة بموجب نظام خاص ، حدد من ضمن أعمال الهيئة الرقابة والتفتيش على السجون ودور التوقيف ، ولذلك نشأت دائرة الرقابة على السجون ودور التوقيف ، وتقوم الدائرة بالإشراف والمتابعة والتطوير لأعمال الرقابة على السجون ودور التوقيف وفقًا لما تضمنه نظام الهيئة آنف الذكر في مادته الثالثة الفقرة الأولى البند (و) وكذلك ما تضمنه نظام الإجراءات الجزائية في مواده (37، 38، 39) ، فقد نصت المادة السابعة والثلاثين من نظام الإجراءات الجزائية “على المختصين من أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام زيارة السجون ودور التوقيف في دوائر اختصاصهم في أي وقت دون التقيد بالدوام الرسمي، والتأكد من عدم وجود مسجون أو موقوف بصفة غير مشروعة، وأن يطلعوا على سجلات السجون ودور التوقيف، وأن يتصلوا بالمسجونين والموقوفين، وأن يسمعوا شكاواهم، وأن يتسلموا ما يقدمونه في هذا الشأن وعلى مأموري السجون ودور التوقيف أن يقدموا لأعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام كل ما يحتاجونه لأداء مهامهم”.

كل ما ورد بعاليه هي ضمانات من المشرع للمتهم ولا يجوز المساس بها بأي حال من الأحوال، وأن حدث ذلك فالمشرع أيضًا منح المتهم ضمانة أخرى وهي حق اللجوء للقضاء الإداري (ديوان المظالم) بطلب التعويض عن فترة إيقافه إن اتضح أنها لم تكن نظامية أو جاوزت ما هو محكوم به ، وتجدر الإشارة إلى أنه في الآونة الأخيرة صدر قرار هيئة التدقيق بديوان المظالم مجتمعة رقم “87” لعام 1432هـ المقرر فيه (عدم إختصاص محاكم الديوان بهيئة قضاء إداري في نظر الدعاوى المتعلقة بأعمال الضبط الجنائي) ، مؤدى ذلك أن قضية المتهم تدخل في اختصاص المحكمة المختصة أصلاً بنظر أصل الدعوى الجزائية التي تم توقيفه بشأنها، وأن كنت اختلف مع القرار لأسباب قانونية تأصيلية بحتة ولكن ليس هذا محل الخوض فيها.

وما يحدث للأسف من تأخر النظر والبت في قضايا الموقوفين لا يمكن أن نعزوه إلى سبب واحد أو إلى جهة واحدة ، فالأسباب متعددة والمسؤولية مشتركة بين جميع الجهات ذات العلاقة ، ولكن هنالك سبب قد يكون هو الأبرز أو الأكثر تأثيراً ألا وهو قلة عدد القضاة في المحاكم ، فلنأخذ مثلاً المحكمة الجزائية بجدة والتي لا يزيد عدد القضاة فيها عن 25 قاضِ لمدينة يبلغ عدد سكانها حوالي أربعة ملايين نسمة ، أي بمعدل قاضِ واحد لكل مائة وستون ألف نسمة ! وهذا معدل مخيف ومرعب مقارنة بأقرب الدول لنا ، فضلاً عن أن القاضي بالمحكمة الجزائية ليس مفرغ لنظر القضايا الجزائية فقط ، بل هو ينظر في قضايا حقوقية أيضًا بموجب نظام المرافعات الشرعية .

وبالنسبة للحلول فيجب تكاتف الجهات ذات العلاقة وأن تسعى إلى حل هذه المعضلة ووفقًا للأنظمة الصادرة في هذا الخصوص ، وأن يتم تفعيل دور دائرة الرقابة على السجون ودور التوقيف بشكل أكبر ، كما يجب البدء بالعمل بنظام القضاء الصادر عام 1428هـ ، والذي نص على إنشاء محاكم جزائية مؤلفة من عدة دوائر داخلية للبت في القضايا الجزائية ، وأن يسعى المجلس الأعلى للقضاء بالتنسيق مع وزارة العدل إلى تعيين قضاة جدد وبشكل موسع حتى يتسنى له البدء في تفعيل نظام القضاء بشكل صريح بدلاً من تفعيل المسميات فقط دون المضمون ، ولا ضيّر له من الاستعانة بالقانونيين كون النظام سمح بذلك وفق شروط معينة ، كما أن هنالك دور لا غنى عنه لهيئة حقوق الانسان وجمعية حقوق الانسان في الرقابة والبحث عن الحالات المشابهة والرفع بها للجهات المختصة ومتابعة ذلك .