إنجازات التوثيق حين يسابق العملُ الأمل
اعتاد المواطنون في أداء كثير من الجهات الحكومية – وليس الكل – وجود بون شاسع بين ما يأمله مراجعو تلك الجهة الحكومية من نوعية وأسلوب الخدمات المقدمة لهم، وبين واقعها الذي يواجهونه يومياً.

إلا أن وزارة العدل – ولاسيما في الآونة الأخيرة – عكست هذه النظرة السائدة إلى تحقيق الكثير من الآمال والمقترحات والطموحات التي يتطلع إليها الناس عامة والحقوقيون على وجه الخصوص. في ميادين كثيرة يرتكز أكثرها في جوانب التوثيق وأعمال كتابات العدل، وبعضها في ميدان القضاء وأداء المحاكم.

ولا أظنه يخفى على متخصص أن الإنجاز في ميدان التوثيق وسرعة ظهور النتائج الإيجابية الملموسة، وتأخر ظهور نتائج الإنجازات في ميدان القضاء والمحاكم إنما يعود إلى الفارق الجذري الكبير بين ميداني التوثيق والقضاء في عدة جوانب أساسية تؤثر بلا شك على سرعة استجابة كل منهما للإجراءات والأعمال التطويرية.

إلا أن الأعمال والإجراءات التي نراها دؤوبة ومستمرة في الشأن القضائي، تبعث على الكثير من الآمال بمستقبل مشرق بإذن الله لمرفق القضاء، لا يقل نجاحاً ومستوى إنجاز عن مرفق التوثيق، وكما يقال: (ما يأتي أصعب يكون أقوى وأثبت).

وفي الأيام القليلة الماضية استقبل الحقوقيون والناس عامة نبأ إقرار وزارة العدل لمنح رخصة التوثيق للمحامين التي تتيح لهم مباشرة أعمال توثيق العقود والإقرارات، وإصدار الوكالات، استُقبلَ ذلك بالكثير من الترحيب والتثمين لهذه الخطوة الرائدة الإصلاحية، التي وإن كانت تضاف لسجل حافل من إنجازات وزارة العدل في مرفق التوثيق، إلا أنها أخذت طابعاً خاصاً لما لها من آثار تمس مباشرة حياة الناس وحقوقهم، بما يكفل إتاحة الفرصة لزيادة توثيق الحقوق، وفتح الباب للتيسير على الناس في معاملاتهم، بفتح قنوات أشمل وأوسع مجالاً من قنوات كتابات العدل المتاحة حالياً.

ولي مع هذا المنجز الجديد بعض الوقفات لبيان أوجه أهميته والتعليق عليه وهي:

أولاً: لا تقتصر أهمية قرار الوزارة هذا بمنح صلاحيات التوثيق القائمة حالياً في كتابات العدل والمتمثلة في إصدار الوكالات فقط كما يعتقد الكثير من الناس حتى من بعض المتخصصين؛ إنما تبرز أهمية هذه الخطوة المباركة، في أن رخصة التوثيق التي ستمنحها الوزارة لمن تتوافر فيهم الشروط، تتيح لحاملها صلاحية توثيق كل العقود والإقرارات والتصرفات الشرعية للمكلفين، بما فيها توكيل الغير، وتوثيق عقود بيع المنقولات، وتوثيق الديون والإقرارات، وكافة عقود البيع والتأجير كعقود إيجار العقارات أو المنقولات، وغيرها.

وهذا سيؤدي إلى القضاء على الكثير من المنازعات التي تنشأ عن تطبيق العقود، أو التي تطرأ بين الناس في الحقوق التي سبق توثيقها، لأنه في السابق تتجه هذه النزاعات إلى أروقة المحاكم لنظرها، وتستغرق عدة سنوات قبل أن يفصل فيها القضاء بأحكام قد لا تعترف ببعض العقود أو الإقرارات غير الموثقة، مما يترتب عليه ضياع الحقوق، وطول أمد تحصيلها.

أما الآن فإنه بمجرد توثيق العقد أو الإقرار بالحق، من طرف الموثق المعتمد يصبح هذا العقد أو الإقرار سنداً تنفيذياً صالحاً لأن يفصل فيه قضاء التنفيذ مباشرة، ويلزم به أطرافه، وذلك وفقاً لما نصت عليه المادة التاسعة فقرة (ه) من نظام التنفيذ التي جعلت من أنواع السندات التنفيذية: (العقود والمحررات الموثقة).

ثانياً: يتضح من خلال النجاحات غير المسبوقة التي حققتها وزارة العدل في مرفق التوثيق، والتي جاء مرفق القضاء متأخراً عنها، الفارق الكبير بين أن يكون للمسؤول صلاحية اتخاذ القرار، وتتوافر عنده الإمكانات، والكوادر المؤهلة التي تعينه على ذلك، وبين أن يكون المسؤول مقيداً بالعديد من العوائق، مفتقراً إلى وجود أو تعاون الكوادر البشرية التي تضمها المنظومة الإدارية المستهدفة

بالتطوير. ففي جانب التوثيق لم يواجه وزير العدل – على حد علمي – إشكالات بنفس قوة وشراسة ما واجهه في ميدان القضاء من امتعاض بعض القضاة ومعارضاتهم وعدم تعاونهم، الذي كان واضحاً لي – كمتخصص وملاصق للعمل القضائي في المحاكم – مما أدى لتعطيل وتباطؤ الكثير من الخطوات الإصلاحية التي وإن كانت ما تزال تسير نحو التحقق، إلا أنه ليس بنفس سلاسة وسرعة سير الإصلاحات في مرفق التطوير.

ثالثاً: مما ينبغي أن يُذكر ويُشكر، ويسلط عليه الضوء أيضاً، أهمية ودور الكفاءات المتخصصة في نجاح أي عمل أو مشروع ٍأو منجز، وأنه متى ما أسند الأمر إلى أهله، وأنيط العمل بمن يحسنه، فإن النتائج ستكون على أحسن مستوى، وقد برز ذلك من خلال إنجازات الكوادر المؤهلة المتخصصة الذين أنيط بهم إخراج وإنجاز هذه الإصلاحات داخل أروقة وزارة العدل، من خبرات في كتابات العدل، شاركوا في العديد من اللجان والأعمال الاستشارية والدراسات، أو من خلال تميز وكفاءات مدير مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء المهندس ماجد العدوان، الذي كانت له بصمات واضحة في هذه القفزات النوعية المشكورة، بعد أن حظي بالدعم الكامل، والثقة الكبيرة، من معالي وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء الدكتور محمد العيسى وفقه الله.

وختاماً أسأل الله أن يتمم هذه الجهود الخيرة، وأن يمنّ على وطننا الحبيب بالمزيد من التقدم والإصلاح والإنجاز والأمن والاستقرار. والحمد لله أولاً وآخرا.

الكاتب:
د. محمد بن سعود الجذلاني
إعادة نشر بواسطة محاماة نت