التكييف القانوني لعقد مقاولة الأشغال العامة – فسخ العقد

الطعن 208 لسنة 21 ق جلسة 26 / 4 / 1954 مكتب فني 5 ج 3 ق 119 ص 788 جلسة 22 من إبريل سنة 1954

برئاسة السيد الأستاذ أحمد حلمي وكيل المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: سليمان ثابت وعبد العزيز سليمان وأحمد العروسي ومحمود عياد المستشارين

———————
(119)
القضية رقم 208 سنة 21 القضائية

1 – عقد.
عقد مقاولة أشغال عامة. تكييفه بأنه عقد مدني أو عقد إداري لا يحول دون فسخه إذا أخل المقاول بالتزاماته.
2 – عقد.

عقد الإذعان. خصائص هذا العقد وصفاته. عقد مقاولة أشغال عامة. لا يعتبر من عقود الإذعان.
3 – عقد.

عقد مقاولة أشغال عامة. حكم. تسبيبه. إقراره فسخ عقد المقاولة استناداً إلى نص صريح فيه. لا يعيبه ورود تقريرات أخرى خاطئة فيه.
——————–
1 – العقد الذي تعقده الحكومة مع مقاول رست عليه مناقصة أشغال عامة سواء اعتبر عقداً مدنياً أم عقداً إدارياً فإن وصفه لا يحول دون القضاء بفسخه إذا أخل المقاول بالتزاماته المحددة فيه.
2 – من خصائص عقود الإذعان أنها تتعلق بسلع أو مرافق تعتبر من الضروريات بالنسبة إلى المستهلكين أو المنتفعين، ويكون فيها احتكار الموجب لهذه السلع أو المرافق احتكاراً قانونياً أو فعلياًَ أو تكون سيطرته عليها من شأنها أن تجعل المنافسة فيها محدودة النطاق، وأن يكون صدور الإيجاب إلى الناس كافة وبشروط واحدة ولمدة غير محددة. وإذن فمتى كانت الحكومة قد أشهرت شروط مناقصة في عملية إنشاء طريق وكان من مقتضى هذه الشروط أن يتقدم كل ذي عطاء بشروط العمل وتحديد زمنه وتكاليفه، ولم يكن الإيجاب فيه مستمراً لزمن غير محدد، وكان لكل إنسان حرية القبول أو الرفض بعد تقديم عطائه أصلاً أو بتضمينه الشروط التي يرتضيها وتلك التي لا يقبلها، فإن التعاقد عن هذه العملية لا يعتبر عقداً من عقود الإذعان.
3 – متى كان الحكم المطعون فيه إذ قضى بإقرار فسخ عقد المقاولة أقام قضاءه على ما ثبت للمحكمة من أن المقاول قد عجز عن السير بالعمل سيراً مرضياً فحق للحكومة فسخ العقد استناداً إلى نص صريح فيه يخولها هذا الحق، فإن هذا الذي استند إليه الحكم يكفي لحمله ولا يضيره ما ورد فيه من تقريرات خاطئة أخرى.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير حضرة المستشار المقرر ومرافعة المحاميين عن الطرفين والنيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع – حسبما يبين من الحكم المطعون فيه، وسائر أوراق الطعن، تتحصل في أن الشركة الطاعنة أقامت الدعوى رقم 3385 سنة 1948 القاهرة الابتدائية على المطعون عليها مؤسسة دعواها على أن مصلحة الطرق والكباري أعلنت في شهر سبتمبر سنة 1946 عن مناقصة لرصف الطريق الممتد بين القناطر الخيرية وطنطا على مرحلتين الأولى فيما بين القناطر الخيرية وشبين الكوم والثانية فيما بين شبين الكوم وطنطا مع تشييد استراحتين لمهندس المصلحة إحداهما بالقناطر والأخرى بشبين، وحددت لإتمام هذه الأعمال مدة أربعة عشر شهراً شاملة لفترة الجفاف السنوي، وحددت لفتح المظاريف 21 من أكتوبر سنة 1946، فقدم إلى وزارة المواصلات خمسة عشر عطاءً ثمانية منها على أساس الرصف بالمكدام الأسفلتي وسبعة على أساس الرصف بالخرسانة. وكان عطاء الشركة الطاعنة على أساس الرصف بالمكدام الأسفلتي هو أقل العطاءات المقدمة فرست عليها المناقصة مقابل 246092 جنيه غير أن المختصين بوزارة المواصلات لم يقطعوا برأي في اختبار أصلح الطرق التي تتبعها الشركة في تنفيذ عملها إلا في 23 من ديسمبر سنة 1946 بعد أن حل موسم الجفاف الذي يبدأ من هذا التاريخ وينتهي في الأسبوع الأول من شهر فبراير، وفي هذه الفترة تتعطل وسائل النقل المائي، ولذا لم يتيسر للشركة الابتداء في تنفيذ عملها إلا في الأسبوع الثاني من شهر فبراير سنة 1947، ثم مضت في العمل وفق عقد الاتفاق تحت إشراف مهندس المصلحة، إلا أن العمل أظهر عيوب الطريقة المتفق عليها بالعقد، فرجع مهندسو الشركة إلى الفنيين بالمصلحة، واستعان هؤلاء بخبراء من شركة شل واستغرقت التجارب شهراً كاملاً، وبعد ذلك سارت الشركة في عملها بالطريقة التي استقر عليها الرأي – وفي أغسطس سنة 1947 أرسلت المصلحة كتاباً إلى الطاعنة تأخذ عليها فيه البطء في سير العمل. فردت الطاعنة بأن سبب ذلك هو عدم إخطارها برسو العطاء عليها إلا بعد شهرين تقريباً حتى حل موسم الجفاف وما استغرقته التجارب بعد ذلك من وقت وما اجتاح البلاد من وباء الكوليرا فانقطعت بسببه السبل وتعطلت الأعمال حتى حل موسم الجفاف الثاني. فلما اقتنعت المطعون عليها بهذه الأعذار أمهلت الشركة مدة مساوية لما ضاع عليها من وقت وكتبت إليها في 2 من فبراير سنة 1948 تمنحها شهراً على سبيل الاختبار، على أن ترسل الشركة فيه تقريراً أسبوعياً عن سير العمل، ولكن الوزارة نكثت بعد ذلك عهدها وأعلنت الشركة في إبريل سنة 1948 بفسخ العقد وسحب العمل منها استناداً إلى نص المادة 46 من الشروط العامة، وقد حالت بالقوة دون مواصلة الشركة العمل. فأقامت الدعوى رقم 1415 سنة 1948 مستعجل مصر وطلبت فيها تمكينها من الاستمرار في العمل، وندب خبير لحصر الآلات والأدوات والمهمات التي أحضرتها لتنفيذ الأعمال التي عهدت إليها، وبيان ما تم منها وتقدير المدة التي كان من المستطاع أن تقوم فيها الشركة بإتمام الجزء الباقي، فقضت محكمة الأمور المستعجلة بعدم اختصاصها بنظر الشق الأول من الدعوى الخاص بتمكين الشركة الطاعنة من الاستمرار في العمل، وندبت خبير التنفيذ الشق الآخر منها، فقدم الخبير تقريره. وطلبت الشركة الحكم لها بتعويض مقداره 200000 جنيه مائتا ألف جنيه مقابل الأضرار التي لحقتها مادياً وأدبياً من جراء التعسف في سحب العمل منها دون مبرر قانوني. وفي جلسة 13 من نوفمبر سنة 1949 طلبت وزارة المواصلات الحكم لها بإلزام الشركة الطاعنة بدفع مبلغ 134000 جنيه تعويضاً لها عما ألحقته بها الشركة من إضرار بإخلالها بالتزاماتها – وفي 27 من فبراير سنة 1950 قضت المحكمة أولاً بإلزام المطعون عليها بأن تدفع إلى الشركة الطاعنة مبلغ 30000 جنيه ثلاثين ألف جنيه والمصروفات المناسبة و50 جنيه مقابل أتعاب المحاماة وبرفض ما عدا ذلك من الطلبات وثانياً برفض الدعوى الفرعية قبل الشركة مع إلزام المطعون عليها بمصروفاتها، فاستأنفت المطعون عليها هذا الحكم وقيد استئنافها برقم 598 سنة 67 ق القاهرة كما استأنفته الشركة الطاعنة وقيد استئنافها برقم 644 سنة 67 ق القاهرة. فقضت المحكمة بقبول الاستئنافين شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام الشركة الطاعنة بأن تدفع إلى المطعون عليها مبلغ 39483 جنيه و639 مليم والمصروفات المناسبة ومبلغ ألفي قرش مقابل المحاماة، فقررت الطاعنة الطعن في هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن مقام على ستة أسباب يتحصل السبب الأول في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تكييف طبيعة العقد المبرم بين الطرفين وفي تطبيق حكم القانون عليه وفي تفسير نصوصه، وذلك من الأوجه الآتية: الأول إذ وصف الحكم عقد المقاولة المبرم بين الشركة الطاعنة وبين مصلحة الطرق والكباري بأنه عقد مدني بحت مع أنه من عقود الأشغال العامة لأن موضوعه إنشاء طريق عام فهو مثال للعقد الإداري، وتقضي الطبيعة الإدارية باستئثاره بأحكام خاصة لضمان سير العمل فتعتبر كافة نصوصه وأحكامه تنظيمية، وهي من هذه الناحية تسمح للإدارة وحدها – وبالمخالفة لمبدأ أن العقد شريعة المتعاقدين – أن تعدل فيه وأن تغير في شروطه، ولكن بشرط جوهري هو أن تبقى على التوازن المالي الذي قام عليه العقد، ونص المادة 32 من العقد صريح في تأكيد هذه الآثار إذ انفردت المصلحة بسلطة تعديل الشروط مع تعويض المقاول، فكان لزاماً على المحكمة إنزال حكم القانون على الوقائع المعروضة عليها.
والوجه الثاني إذ نفى الحكم عن العقد المشار إليه أنه من عقود الإذعان أو الانضمام واعتبره من عقود المساومة الحرة التي يتكافأ فيها الطرفان في حين أن نصوص العقد تدل على أنه من عقود الإذعان.
والمسألة في هذه العقود مناطها تفسير الشروط الواردة بها لتبين ما ينطوي فيها على التعسف لاستبعاده وتفسيرها جميعاً لمصلحة الطرف المذعن.
والوجه الثالث إذ لم يراع الحكم عند تطبيق قواعد التفسير – حتى على اعتبار إنه عقد مدني – ما تقضي به العدالة من موجبات حسن النية، فغلب حرفية نصوص جائزة فرضت على الشركة استناداً إلى نص الفقرة الأولى من المادة 147 من القانون المدني الذي يقضي بأن العقد شريعة المتعاقدين دون أن يفطن إلى أن القانون بعد أن أورد هذه القاعدة أجاز للقاضي في القفرة الثانية من هذه المادة أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول في الظروف الواردة بهذه الفقرة، ودون أن يعمل نص المادة 148 التي تقضي بأن تنفيذ العقد يجب أن يكون طبقاً لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية، وقد ترتب على خطأ الحكم في تطبيق قواعد التفسير أن أعمل حرفية النصوص، فلم ير فيما نصت عليه المادة 19 من شروط المقاولة من أن للمدير العام السلطة النهائية في تقدير القوة القاهرة، أو فيما نصت عليه المادة 46 من هذه الشروط من اعتبار قرار المدير العام نهائياً لم ير في هذين النصين بطلاناً أو تعسفاً، بل صرح الحكم بأنه ليس فيهما ما يخالف النظام العام.
والوجه الرابع إذ بينما أخذ الحكم بحرفية الفقرة ج من المادة 46 من شروط العقد التي نصت على ما يترتب على فسخ العقد من نتائج بينتها تباعاً تحت أرقام 1، 2، 3 إذ به قد وقف عند هذا الحد، ولم يتعرض لنص الفقرة الرابعة الذي يخول للحكومة حجز أدوات الشركة ومهماتها دون مسئولية عليها مقرراً حق الشركة في أحد عناصر التعويض الذي طلبته، وكان لزاماً حتى يكون الحكم متفقاً مع مقدماته في هذا الخصوص أن يجرى هذا القضاء أيضاً على جميع عناصر التعويض لأنها كلها تقوم على أساس واحد.
والوجه الخامس إذ قضى الحكم للطاعنة بتعويض عن حجز إدارتها، فقصر مبلغه على ما لحق الشركة من خسارة بسبب هذا الحجز خلال سنة فقط مع أن حجز هذه الأدوات استمر لأكثر من سنة وحتى فصل في الدعوى، وقد تمسكت الطاعنة بذلك لدى محكمة الاستئناف كما أخطأ الحكم في عدد الهراسات إذ اعتبرها أحد عشر هراساً اعتماداً على ما جاء بمحضر أعمال الخبير في حين أنه ثابت في عقد العملية أن عددها تسعة عشر هراساً.
ومن حيث إن هذا السبب مردود في وجهه الأول بأن بحثه غير منتج، ذلك أنه سواء صح اعتبار المحكمة العقد مدنياً بحتاً أم صح ما تقول به الشركة الطاعنة من أنه عقد إداري، فإنه ليس من شأن كلا الاعتبارين أن يقدح في سلامة النتيجة التي انتهى إليها الحكم من أن هذا العقد قد فسخ لتقصير الشركة الطاعنة في تنفيذ التزاماتها وتراخيها في إنجاز العمل تراخياً ينم عن عجزها عن السير به سيراً مرضياً وإنجازه في الوقت المنشود استناداً إلى نص الفقرة الثانية من البند 46 من شروط العقد، ومردود في وجهه الثاني بأن ما قرره الحكم من عدم اعتبار عقد المقاولة المبرم بين الطرفين من عقود الإذعان هو تقرير صحيح، ذلك أن من خصائص هذه العقود أنها تتعلق بسلع أو مرافق تعتبر من الضروريات بالنسبة إلى المستهلكين أو المنتفعين، ويكون فيها احتكاراً لموجب هذه السلع أو المرافق احتكاراً قانونياً أو فعلياً أن تكون سيطرته عليها من شأنها أن تجعل المنافسة فيها محدودة النطاق، وأن يكون صدور الإيجاب إلى الناس كافة وبشروط واحدة وعلى نحو مستمر أي لمدة غير محدودة، وهذه الخصائص لا تنطبق على عقد المقاولة المذكور ذلك أنه عندما أشهرت مصلحة الطرق شروط المناقصة في عملية إنشاء الطريق بين القناطر الخيرية وطنطا كان من مقتضى هذه الشروط أن يتقدم كل ذي عطاء بشروط العمل وبرنامجه وتحديد زمنه وتكاليفه ولم يكن الإيجاب فيه مستمراً لزمن غير محدد، وكان للشركة حرية القبول أو الرفض بعدم تقديم عطائها أصلاً أو بتضمينه الشروط التي ترتضيها وتلك التي لا تقبلها، وقد استدل الحكم على أن الطرفين المتعاقدين كانا على قدم المساواة عند التعاقد بالنص الوارد بالبند الثاني من العقد الذي ورد فيه أن لا يجوز أي تعديل على شروطه بغير اتفاق كتابي يوقعه الطرفان المتعاقدان – على أنه لا يترتب على اعتبار العقد من عقود الإذعان عدم إعمال شرط الفسخ الوارد به في حالة ثبوت عجز الشركة عن النهوض بالعمل الذي التزمت به والسير فيه سيراً حسناً وهو الأساس الذي أقام عليه الحكم قضاءه باعتبار العقد مفسوخاً استناداً إلى البند 46 من شروط العقد. ومردود في وجهه الثالث بأن الحكم المطعون فيه نفى عن المطعون عليها التعسف بأدلة سائغة وانتهى إلى ثبوت توافر حسن النية من جانبها فلا محل للنعي عليه بمخالفة مقتضى المادة 148 من القانون المدني. ومردود في وجهه الرابع بأن ما تعيبه الطاعنة على الحكم من تناقض في تطبيق البند 46 بجميع فقراته في غير محله، وذلك أنه أسس قضاءه في مساءلة الشركة الطاعنة عن التعويض على المسئولية العقدية، وبنى مساءلة المطعون عليها عن حجز أدوات الشركة بعد إعلان فسخ العقد على المسئولية التقصيرية على أنه لا مصلحة للشركة الطاعنة في أن تعيب على الحكم أنه لم يطبق الفقرة ج من البند 46 من شروط المقاولة بحذافيرها وهي التي تخول المصلحة الحق في حجز كل أو بعض الآلات والأدوات والمواد التي استحضرها المقاول واستعمالها في إتمام العمل، وذلك بدون أن تكون مسئولة عن دفع أي مبلغ يستحق عليها للغير أو دفع أي أجر عليها للمقاول أو للغير ذلك أن عدم تطبيق هذا النص كان لمصلحة الشركة الطاعنة. ومردود في وجهه الخامس بأن الطاعنة لم تقدم دليلاً رسمياً على أنها طلبت إلى محكمة الاستئناف الحكم لها بتعويض عن حجز الهراسات في المدة التالية للسنة الأولى لحجزها. أما استنادها في هذا الخصوص إلى صورة مذكرتها المطبوعة التي تقول إنها صورة طبق الأصل من المذكرة المقدمة منها إلى محكمة الاستئناف فغير مجد، لأن هذه الصورة غير مؤشر عليها من الموظف المختص بأنها مطابقة للأصل كما لا يبين من الحكم المطعون فيه أن الطلب المشار إليه كان معروضاً على محكمة الاستئناف – على أن إغفال المحكمة الفصل في طلب من الطلبات المقدمة إليها إنما يخول الطاعنة الحق في تكليف خصمها بالحضور أمامها لنظر هذا الطلب والحكم فيه وفقاً للمادة 368 من قانون المرافعات ولا يعتبر سبباً للطعن في الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم المطعون فيه مشوب بالقصور، ذلك أنه لم يتعرض لما تمسكت به الطاعنة من بطلان الأمر الصادر في 13 من إبريل سنة 1948 بسحب العمل منها، وهو إجراء ينطوي على التعسف في استعمال السلطة، كما لم تلق محكمة الاستئناف بالاً إلى ما تمسكت به الطاعنة من حصول الاتفاق بينها وبين الوزارة على إمهالها سبعة أشهر لتتم فيها تنفيذ أعمال المقاولة بموجب كتاب وكيل الوزارة المؤرخ في 25 من فبراير سنة 1948 الدال على هذا الاتفاق وبدليل مطالبة الشركة بالبرنامج الذي يتم العمل على أساسه خلال هذه المهلة، وقد تقدمت الطاعنة بهذا البرنامج فعلاً إلى المصلحة في 9 من مارس سنة 1948 وصرفت لها المطعون عليها على أساسه جزءاً من المستقطعات في 10 من مارس سنة 1948 وهذا يتعارض مع ما أقام عليه الحكم قضاءه من اعتبار العقد منتهياً في 21 من فبراير سنة 1948 وهو ما لم تذهب إليه المصلحة – كما أن الحكم قد شابه البطلان إذ أغفل إيراد البيانات الجوهرية الواجب ذكرها في الحكم وفقاً للمادة 349 مرافعات. ويتحصل السبب الثالث في أن الحكم مشوب بالقصور في التسبيب من خمسة وجوه الأول إذ تمسكت الطاعنة بأن المطعون عليها تأخرت في الفصل في اعتماد العطاء المقدم منها في 21 من أكتوبر سنة 1946 حتى 23 من ديسمبر سنة 1946، ففوتت على الشركة إمكان البدء في العمل قبل فترة الجفاف السنوية التي تتعطل فيها وسائل النقل المائي وهو المعتبر أساساً بين الطرفين فاستحال بذلك على الشركة أن تباشر التنفيذ حتى بداية الأسبوع الثاني من شهر فبراير سنة 1947 وهو التاريخ الذي أقرت المصلحة بأنه يعتبر بداية التنفيذ بكتابها المؤرخ في 2 من مارس سنة 1947، ولكن الحكم أهدر هذه الواقعة باعتباره 23 من ديسمبر سنة 1946 مبدأ لسريان مدة الأربعة عشرة شهراً المعينة في العقد لانتهاء العملية وبذلك خلط بين تاريخ بدء التعاقد وبين تاريخ بدء التنفيذ. والثاني إذ رد الحكم على ما تمسكت به الطاعنة من تعديل المواصفات بقوله “إذا كانت هناك تعديلات أجريت فقد كان واجباً على الشركة أن تتقدم بها في عطائها من أول الأمر لأن المصلحة أباحت للمقاولين التقدم بمقترحاتهم في التنفيذ”، وأغفل الحكم الاعتداد بجزاء هذا التعديل، لأن المصلحة اعتمدت العطاء على أساس المواصفات التي وردت بالعقد فالتزمت الشركة باتباعها. والثالث إذ أخطأ الحكم في تكييف الحالة المترتبة على انتشار وباء الكوليرا فلم يستبعد من مدة التنفيذ ما يقابل المدة التي استغرقها انتشار هذا الوباء وما ترتب عليه من قيود جعلت تنفيذ الأعمال خلالها مستحيلاً. والرابع إذ تمسكت الطاعنة بأن الثابت من وقائع الدعوى أن تصرفات المصلحة كانت في أغلب الحالات لا تهدف إلا إلى الإضرار بالشركة، ولا تجني منها الحكومة فائدة جدية، لأنه ثابت من أقوال المصلحة في دعواها الفرعية أن فسخ التعاقد وسحب العمل لم يكن من مصلحة الخزانة أو الصالح العام، إلا أن الحكم اكتفى في رده على هذا الوجه بالقول بأن بيان سير العمل والمستخلصات المحررة عنه تدل على عدم تأثر نشاط الشركة فلا محل للقول بتعنت رجال مصلحة الطرق وسوء نيتهم فيما يختص باختيار الشركة للمهندس المقيم كما اكتفى الحكم بالرد على صور العنت التي ذكرتها الطاعنة بقوله “إن ما تقول به الشركة غير سديد ومردود بالأسباب التي أوردتها المصلحة” وفي هذا إجمال وقصور مبطل للحكم. والخامس إذ استند الحكم في تقريره عدم إمكان الطاعنة إتمام العمل خلال المهلة الممنوحة لها وهي سبعة أشهر التي عينت في الاتفاق إلى ما نقله عن التقارير الأسبوعية وهي من صنع المصلحة. كما أغفل اتفاق 25 من فبراير سنة 1948 إذا وقف عند حد كتاب 2 من فبراير سنة 1948 وأشار إلى التقارير الواردة على أثره وإلى تقرير خبير إثبات الحالة مع ما وجه إليه من طعون لم يرد عليها الحكم، ومن هذه الطعون أنه عند احتساب الأعمال التي قامت بها الشركة أخطأ في عملية الجمع إذ قال إن ما أتمته الشركة يقدر بمبلغ 66265 جنيهاً في حين أن مجموعها الصحيح هو 72866 جنيهاً أي بفرق مقداره 6601 جنيهاً كما أخطأ الخبير في احتساب كميات البازالت والدبش وفي احتساب المدة التي استغرقتها الشركة في إنجاز ما أتمته فلم يحسب مدة الشهر الذي استغرقته التجارب التي أجريت وانتهت إلى تعديل طريقة الرصف.
ومن حيث إن ما جاء بالحكم المطعون فيه رداً على ما تضمنه هذان السببان “وحيث إن الشركة تعيب على المصلحة ركونها إلى فسخ العقد قولاً منها بأن استعمال الحق لا يكون مشروعاً إذا لم تكن لصاحبه مصلحة في استعماله أو كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها بالاستناد إلى نص العقد الذي يسمح للمصلحة بإعلان الفسخ فإذا ما جازفت الوزارة باستعماله فإنها تخضع لرقابة القضاء في تقدير ظروفه وتذهب الشركة إلى أن المصلحة أساءت تطبيق حكم ذلك النص أيما إساءة وأهدرت حقوق الشركة وأضرت بها وقالت لو أن المصلحة كانت تسعى حقاً إلى تحقيق الصالح لالتزمت مشورة وكيل الوزارة الذي ضمنها كتابه المؤرخ في 25/ 2/ 1948 وهي أن سحب العمل من الشركة والإعلان عن إتمامه في مناقصة أخرى يستنفد من الوقت مدة أكثر من السبعة الأشهر المطلوبة ولكن الوزارة لم تحفل برأيه وأرست المناقصتين تباعاً على الخواجة روبير شامي بسعر يزيد كثيراً عن عطاء الشركة وحيث إن الشركة تذهب إلى القول بأن الفسخ سلاح خطير ورد بالعقد على خلاف الأصل فيجدر بالقضاء إغفاله وأسست على ذلك ما تقول به من إساءة الوزارة استعمال هذا الحق وخروجها عن مقتضياته ارتكاناً منها إلى تأخر الوزارة في اعتماد العطاء إلى تعديل المواصفات وإلى الخلاف بشأن المهندس المقيم وإلى الفترة التي انتشر فيها وباء الكوليرا كما سبق بيانه وقالت (الشركة) إن هذه الظروف المتلاحقة المتتابعة أقعدتها عن الوفاء بالتزاماتها وترجع هذه الظروف إما إلى عمل المصلحة نفسها وتعسفها مع الشركة وإما إلى قوة قاهرة لا قبل للشركة بالتغلب عليها مما استحال عليها (الشركة) الوفاء بتعهداتها في خلال الميعاد المحدد بالعقد، ولكن ما تقول به الشركة غير سديد ومردود بالأسباب التي أوردتها المصلحة رداً على دفاع الشركة مما يقطع بعدم صحة ما تردده عن تلك الظروف وأن ما يمكن أن يحتج به هي فترة انتشار وباء الكوليرا فقد أسقطت المصلحة في مقابل تلك الفترة تعويضاً عما ضاع على الشركة بسبب هذا الوباء خمسة وسبعين يوماً على أن كتاب وكيل وزارة المواصلات الرقيم 2 من فبراير سنة 1948 فضلاً عن الخطابات المتلاحقة المتواصلة التي أرسلتها المصلحة للشركة سجلت فيها على (الشركة) تقصيرها وعجزها عن السير بالعمل على النحو الذي رسمته لنفسها بالبرنامج الذي تقدمت به للمصلحة – تقول إن كتاب وكيل الوزارة الذي سرد فيه كل الإجراءات السابق اتخاذها مع الشركة وتناول به الخطابات المتبادلة بشأن تقصير الشركة أهاب بها واستنهض همتها ومنحها مهلة شهر تقوم فيه الشركة بإثبات قدرتها على إنجاز العمل على أن ترسل تقريراً أسبوعياً تبين فيه الشركة ما تنجزه من أعمال خلال الأسبوع المرسل عنه التقرير حتى إذا ما ظهر للمصلحة من تلك التقريرات أن العمل يسير سيراً مطمئناً صرحت الوزارة للشركة بالاستمرار في العمل حتى نهايته إذ جاء بهذا الكتاب (وقد اتضح أن ما تم من العمل لغاية 31 ديسمبر سنة 1947 لم يتجاوز 25% من العملية وبما أن مدة العقد على وشك الانتهاء فقد صدرت التعليمات لمصلحة الطرق والكباري بحصر كل ما تم من البنود الثلاثة وهي عملية الرصف وعملية بناء الاستراحتين وأعطينا لجنابكم مهلة قدرها شهر من الآن على أن يأتينا من مصلحة الطرق والكباري تقرير أسبوعي تفصيلي عن حالة سير العمل فإذا كان سائراً بالسرعة الواجبة والنظام المنتظر من شركة جديدة صرحنا لها بالاستمرار في التعاقد وإلا فسنضطر لاتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية لسحب العمل منكم وبطبيعة الحال تتحملون كافة النتائج المترتبة على ذلك ونرجو إرسال برنامج تنفيذ العملية لتعرف المصلحة بالدقة ما يتم من هذا العمل) فالكتاب قاطع الدلالة في قيام حسن نية المصلحة نحو الشركة وحدبها عليها وتغاضيها عن تقصيرات الشركة وعن عجزها عن المضي جدياً نحو إتمامه وكان واجباً أن تسير الشركة بالعمل خلال المهلة بالسرعة الواجبة والنظام المنتظر من شركة جديدة ولو حققت (الشركة) هذا الذي كانت ترتقبه المصلحة منها وترجوه لها لصرحت لها بالاستمرار في العمل حتى نهايته ولقد وضعت الوزارة بهذا الكتاب أمور المقاولة بين يدي الشركة وفتحت لها من جديد باب الوصول في العمل إلى غايته متغاضية من جانبها عن جميع ما سجلته على الشركة من تقصير وكل ذلك مشروط بقيام الدليل من قبل الشركة على كفايتها ومقدرتها على النهوض بالعمل والسير به بالسرعة الواجبة والنظام المنتظر وقد عجزت الشركة وقصرت عن تقديم الدليل على مقدرتها فاستردت المصلحة حريتها في استعمال حقوقها واتخاذ الإجراءات المرسومة بالعقد لفسخه وسحب العمل والمطالبة بالتعويضات ومن أجل هذا يتعين الرجوع إلى التقارير المقدمة للوزارة عن حالة العمل في المدة التالية لكتاب وكيل الوزارة أي ليوم 2 فبراير سنة 1948 الذي حرر فيه حتى يوم 13 إبريل سنة 1948 الذي أخطرت فيه الوزارة الشركة بفسخ العقد وسحب العمل وبيان ما أتمته من أعمال خلال فبراير ومارس والنصف الأول من إبريل سنة 1948، وحيث إن كتاب 2 من فبراير سنة 1948 قد حدد الأعمال التي أنجزتها الشركة حتى يوم 31 من ديسمبر سنة 1947 بخمسة وثلاثين في المائة من العملية، ويظهر من مقارنة هذه النسبة بالنسبة التي قالت التقارير المقدمة من المصلحة للوزارة ببلوغ سير العمل في غضون تلك الفترة الممنوحة للشركة على سبيل الاختيار والتجربة وعن مدى ما بلغته نسبة ما أتمته الشركة من أعمال فعلاً ليبين من هذه المقارنة مقدار استعداد الشركة للنهوض بالعمل، فإن أيد مجهود الشركة قدرتها على السير بالعمل سيراً حسناً ارتبطت المصلحة بتعاقدها بأن تدع الشركة تستمر في العمل حتى نهايته، وإن كان غير ذلك فلا محل للإصغاء إلى ما تدعيه الشركة من أنه كان في استطاعتها إتمام الباقي من العمل في سبعة الأشهر التي تطالب بمنحها إياها عوضاً عما ضاع عليها من وقت بسبب الظروف القاهرة السابق بيانها، وكانت الوزارة غير متجنية ولا متعسفة في استعمال حقها في فسخ العقد ولا محل لمساءلتها بعد ذلك”. ثم أخذ الحكم يورد مضمون تقارير موظفي المصلحة عن حالة سير العمل وهي تدل على تراخي الشركة في إنجازه وعجزها عن النهوض به، وهذا الذي أورده الحكم لا قصور فيه، ويحوي الرد الكافي على ما تمسكت به الطاعنة في هذا الخصوص وليس فيه نقص يستوجب بطلانه وفقاً للمادة 349 من قانون المرافعات، أما ادعاء الطاعنة بأن كتاب 25 من فبراير سنة 1948 يدل على أن المطعون عليها وافقت على إمهالها في تنفيذ العملية سبعة أشهر أخرى فغير صحيح، ذلك أن ما ورد بالصورة غير الرسمية لهذا الكتاب وهي المقدمة من الطاعنة ضمن أوراق الطعن لا يعدو كونه اقتراحاً أبداه وكيل الوزارة لم يثبت أن المطعون عليها أقرته عليه، كما قرر الحكم ذلك. ومن ثم يكون ما رتبته الطاعنة من نتائج على امتداد مدة العقد بسبعة أشهر أخرى هو على غير أساس. وأما ما تقول به الطاعنة من أن التقارير التي استند إليها الحكم إنما هي من عمل موظفي المطعون عليها فقد رد عليه الحكم بأن “التقريرات السابق بيانها وإن كانت صادرة حقاً من مدير المصلحة لوزارة المواصلات مما يمكن القول معه بأنها من عمل المصلحة رغم أنها تؤدي منفعة عامة وأنها أعدتها لخدمة قضيتها… على أن هذا الادعاء ينتفي بما ثبت من تقرير الخبير الذي باشر مأموريته وأجرى معاينته في أغسطس سنة 1948 أي بعد فسخ العقد وسحب العمل في منتصف إبريل سنة 1948 بنحو خمسة شهور في دعوى إثبات الحالة 1415 سنة 1948 مستعجل مصر، وبقوله عن الأعمال التمهيدية بأنها لم تجاوز 29 كيلو و970 متراً من الطريق جميعه لم يعد من هذا القدر إعداداً تاماً سوى 10 كيلو 407 مترات ورصف بعد ذلك منه 3 كيلو و333 متراً تحتاج لدهان وقدر جميع ما أتمته الشركة من أعمال بمبلغ 62865 جنيهاً مع أن قيمة العطاء جميعه مبلغ 246092 جنيهاً وأضاف الخبير أن الشركة استمرت في العمل بمجهود أقل بكثير مما رسمته لنفسها بموجب الديا جرام المقدم منها للمصلحة الذي يبين سير العمل، ويرى الخبير أنه يلزم الشركة اثنا عشر شهراً على أقل تقدير لإتمام الأعمال الباقية على ضوء ما سبق أن قامت به من أعمال وأتمته من توريدات، فمتى ثبت عجز الشركة من إتمام العملية وأصبح واضحاً جلياً حق المصلحة في فسخ العقد فلا جناح عليها بعد ذلك ولا تثريب عليها فيما أتته الوزارة مما لا محل للقول بعده بسوء نيتها ولا بتعسفها إذا ما استعملت حقها وأعملت النص القاضي بالفسخ مراعاة للصالح العام مما لا محل معه لمساءلتها، ومن ثم يكون الحكم المستأنف غير سديد فيما ذهب إليه من القضاء على وزارة المواصلات بمبلغ 14 ألف جنيه قيمة ما ضاع على الشركة من كسب حقيقي بسبب فسخ التعاقد بعد ما ثبت من عجز الشركة عن النهوض بأعباء العملية بل على النقيض، فإن عجز الشركة وتقصيرها وعدم العمل من جانبها على إنجاز العمل يجعلها مسئولة عن تعويض المصلحة بما هو منصوص عنه بالعقد المبرم بين الطرفين إذا كان له محل… وأن المادة 46 فقرة ج من شروط المناقصة تنص على ما يترتب على الفسخ من نتائج…” وأما ما أثارته الطاعنة من طعون وجهتها إلى تقرير خبير إثبات الحالة الذي استند إليه الحكم في قضائه وكذلك ما ورد عدا ذلك في سببي الطعن فإنه لا يعدو كونه جدلاً موضوعياً لا تجوز إثارته لدى هذه المحكمة.
ومن حيث إن السبب الرابع يتحصل في أن الحكم المطعون فيه مشوب بالتضارب في الأساس والقصور في الأسباب من ثلاثة وجوه. الأول: إذ أخطأ في الإسناد إلى المادتين 19 و46 من شروط العقد ذلك أنه فضلاً عن وجوب استبعاد حكم هاتين المادتين لأنهما تحويان شرطاً تعسفياً ورد في عقد إذعاني فإن نص المادة 19 تقرر حق وزير المواصلات في إلغاء العقد في حالة استثنائية وهي عجز الشركة عن تنفيذ التزاماتها، والمادة 46 تنص على حالات فسخ العقد قبل انتهاء مدته، وكلتا المادتين تفترض قيام العقد، ولكن الحكم استند إليهما في اعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه بمجرد عدم إنجاز العمل حتى يوم 21 من فبراير سنة 1948 مؤسساً قضاءه على ذلك لا على عجز الشركة عن إنجاز العمل في فترة المهلة التي منحت لها، مع أن الحكومة زعمت أن الفسخ الذي أعلنته في 13 من إبريل سنة 1948 كان أساسه عجز الشركة عن إتمام الأعمال خلال السبعة الأشهر الباقية. والوجه الثاني: أن المادتين 19 و46 المشار إليهما شرطتا لفسخ العقد إعذار المقاول وإمهاله مدة معينة وثبوت عجزه عن العمل في تلك المدة إلا أن هذا الإجراء لم يتبع مع الشركة، ذلك أنه بعد أن تم الاتفاق بينها وبين المصلحة على تعيين المدة الباقية للتنفيذ بسبعة أشهر لم يوجه إلى الشركة أي إعذار، بل فوجئت في 17 من مارس سنة 1948 بأن المصلحة تطلب من الوزارة الموافقة على سحب العمل منها. والحكم المطعون فيه لم يلق بالاً لذلك واعتبر أن الفسخ يتحقق بمجرد إخطار كتابي موصى عليه بالفسخ يوجه إلى الشركة، وفي هذا قصور يعيبه. والثالث: إذ قال الحكم إن الشركة قد عجزت عن تقديم الدليل على مقدرتها فاستردت المصلحة حريتها في استعمال حقوقها واتخاذ الإجراءات المبينة بالعقد لفسخه مع أن هذا العقد لا يستقيم مع ما قرره الحكم من قبل من أنه لا جناح على الوزارة إذ هي اعتبرت العقد مفسوخاً في 21 من فبراير سنة 1948.
ومن حيث إن هذا السبب مردود في وجهه الأول بأن القول بأن العقد هو من عقود الإذعان وأن ما ورد بالبندين 19 و46 من شروط العقد خاصاً بحق وزير المواصلات في إلغائه هو من الشروط التعسفية، إنما هو ترديد لما ورد بالوجه الثاني من السبب الأول وقد سبق الرد عليه. ومردود كذلك بأنه وإن كان الحكم المطعون فيه قد أشار في أسبابه إلى أن العقد يعتبر مفسوخاً بمجرد انقضاء المدة المتفق عليها لإنهاء العمل في 21 من فبراير سنة 1948 دون إنجازه، إلا أنه لم يقم قضاءه على هذا الأساس وحده، وإنما أقامه على أساس آخر يكفي لحمله وهو عجز الشركة عن النهوض بالعملية وعن السير فيها سيراً مرضياً خلال مهلة الشهر التي منحتها لها المطعون عليها بكتابها المؤرخ في 2 من فبراير سنة 1948 على سبيل الاختبار لتثبت مقدرتها على إنجاز العمل. ومردود في وجهه الثاني بما جاء بالحكم المطعون فيه “من أن الطرفين قد اتفقا بشروط العقد صراحة على إعفاء الدائن من القيام بهذا الإجراء بالنص صراحة على إعمال نصوص العقد في المادتين 19 و46 من غير سابقة إنذار أو تكليف رسمي أو إجراء قضائي”. وهذا الذي قرره الحكم مطابق لما ورد في المادتين المشار إليهما كما تبين من نسخه عقد الاتفاق المقدم من الطاعنة ضمن مستنداتها، أما الادعاء بأن المهلة كانت لمدة سبعة أشهر ابتداء من 25 من فبراير سنة 1948 فقد سبق الرد عليه. ومردود في وجهه الأخير بأن الحكم مقام في أساسه على ثبوت عجز الشركة عن السير بالعمل سيراً مرضياً في مهلة الشهر السابق ذكرها ولا يعيبه تقريره في موطن آخر أن العقد يعتبر مفسوخاً من 21 من فبراير سنة 1948 متى كان الحكم يقوم على الأساس السابق بيانه وهو ثبوت عجز الشركة عن السير في إنجاز العمل سيراً حسناً مما يخوّل لوزير المواصلات فسخ العقد حتى في فترة المهلة التي منحت للطاعنة بموجب كتاب الوزارة المؤرخ في 2 من فبراير سنة 1948 عملاً بالبند 46 من شروط العقد.
ومن حيث إن السبب الخامس يتحصل في أن الحكم المطعون فيه إذ ألغى الحكم الابتدائي فإنه لم يرد على أسانيده ليفندها، ولم يقل فيه إلا قولاً عابراً هو تقريره أن الحكم المستأنف غير سديد فيما ذهب إليه من القضاء على وزارة المواصلات بمبلغ 14000 جنيهاً مقدار ما ضاع على الشركة من كسب حقيقي بسبب فسخ العقد.
ومن حيث إن هذا السبب غير مقبول إذ لم تبين فيه الطاعنة الأوجه التي وردت في الحكم الابتدائي وأغفل الحكم المطعون فيه الرد عليها. على أن المحكمة ليست ملزمة بتتبع الخصوم في جميع مناحي دفاعهم والرد عليها استقلالاً حتى لو كان قد أخذ ببعضها الحكم الابتدائي وبحسبها أن تقيم قضاءها على أسباب تكفي لحمله كما هو الحال في الدعوى.
ومن حيث إن السبب السادس يتحصل في أن الحكم مشوب بالقصور – ذلك أنه لم يعن بتحميص الأقلام التي يتكون فيها المبلغ المحكوم به على الشركة الطاعنة، بل أخذ بالأرقام التي ساقتها المطعون عليها دون التثبت من حقيقتها ومستنداتها، ودون التحقق مما إذا كانت الشركة بحسب العقد ملزمة بتوصيل المياه والنور إلى الاستراحتين وتأثيثهما ومدى ما يصرف في هذا السبيل، وكذلك بالنسبة إلى طرح باقي الأعمال في مناقصتين مستقلتين على خلاف ما كان محظوراً على الشركة من قبل، والانتقال إلى المنطقة الثانية قبل إتمام العمل في المنطقة الأولى، وأثر هذا التصرف في محاسبة الشركة الطاعنة.
ومن حيث إن هذا السبب غير مقبول لأن الطاعنة لم تقدم ما يثبت أنها تمسكت بما ورد فيه لدى محكمة الموضوع، فلا يجوز لها إثارة دفاعها في خصوصه لأول مرة أمام هذه المحكمة.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الطعن بجميع وجوهه على غير أساس، ومن ثم يتعين رفضه.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .