أولاً – المادة (41‏) منه :

‏إن الغرض من بناء الحياة الزوجية تكوين وحدة اجتماعية صالحة قوامها التوافق والتعاطف والتراحم بين الزوجين واستثمارها بالنسل وتربية الأولاد والعناية بهم . ولكن قد تصبح الحياة الزوجية الهانئة بالشقاق والنزاع والخلافات المستمرة ، جحيما وبلاء ، حيث أن بالشقاق أي الخلاف بين الزوجين يؤدي الى الأضرار الكبيرة بهما ويتعداه الى الأولاد ، ويتعذر معه استمرار تلك العلاقة التي وصفها القران بالميثاق الغليظ . ‏ويقرر ، الله سبحانه وتعالى – حكم الشقاق في محكم كتابه الخالد بقوله : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا أن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا أن اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا } (1). ‏وبهذا أخذ القانون العراقي ، فقررت الفقرة (١) من المادة (٤١) أنه يحق لكل من الزوجين طلب التفريق عند قيام خلاف بينها ، بحيث يتعذر معه استمرار دوام العشرة سواء أكان ذلك قبل الدخول أم بعده . ولئن كان الزوج يملك حق الطلاق بإرادته المنفردة ، فإنه لا يصح أن يمنع عنه حق طلب التفريق للشقاق . والخلاف كي لا تتخذه الزوجة وسيلة لإجباره على ‏الطلاق. والحقيقة أن اعطاء الزوج هذا الحق سوف يخفف من تحمل الأعباء المادة كباقي المهر وطلب التعويض فضلا عن خسارة زوجته .

ولما كان الشقاق أو الخلاف : معناه أن الطرفين يشتركان في سبب الخلاف والاساءة والأضرار بالآخر قولا أو فعلا بحيث لا يمكن مع هذه الأضرار استمرار ‏الحياة الزوجية ، أي أن الخلاف قد بلغ حدا من الجسامة والخطورة بحيث لم يعد معه إمكان استمرار بقاء العلاقة الزوجية بينهما . فيتعين على القاضي ، حينما يتقدم إليه أحد الزوجين طالبا التفريق للشقاق والخلاف أن يتحقق أولا من أسباب الخلاف ، ويبذل ‏جهده في اصلاحه ويحاول قدر الامكان ازالتها ، وتأجيل الدعوى مدة مناسبة – حيث لا يصح التسرع في هدم الأسرة – وهذا ما أشارت إليه الفقرة (٢) من المادة (٤١) بقولها (على المحكمة اجراء التحقيق في أسباب الخلاف . . .) ‏بالاستماع الى البينات أو تدقيق أضابير الدعاوي المقامة أو جلب أوراق الشكاوي في محاكم أخرى وهكذا .

‏ومن المعلوم بداهة أنه يقتضي تكليفه المدعي بيان ماهية الشقاق والوقائع التي ‏يتضرر منها ، واعطاء المجال للطرف الآخر للإجابة عنها تصديقا أو نفيا . فاذا ثبت للقاضي استمرار الشقاق وتعذر عليه اصلاح ذات البين وجب على القاضي اتباع الاجراءات التي رسمتها المادة (٤١) للتفريق للشقاق وهي :

أن يطلب القاضي منهما تعين حكمين من أهل الزوجين ، أي حكما من أهل الزوجة وحكما من أهل الزوج – أن وجدا – واذا تعذر تكلف المحكمة الزوجين فانتخاب حكمين من اقاربهما أو من غير الأهل من يتوسم فيه القدرة على الاصلاح ، ‏وقال تعالى : { وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } (2) وان لم يقم الزوجان بانتخاب الحكمين ، انتخبتهما ، فإن اختلف الحكمان في تحديد ‏نسبة التقصير عين لهما القاضي حكماً ثالثاً . وينبغي ملاحظة .أنه يجب حضور الزوجين بالذات أمام المحكمة لانتخاب الحكمين لأنه لا يجوز للوكيل ذلك تطبيقا لنص الفقرة (٢) من المادة (٣٩) من القانون التي نصت على أن لا يعتد بالوكالة في اجراءات التحكيم -وأول هذه الإجراءات انتخاب الحكم . ‏ولا بد من ملاحظة ، أنه للمحكمة تحليف الحكمين اليمين (3) على أن يقوما بمهمتهما بعدل وأمانة ، وتفهم أسباب الخلاف والشقاق وتقصيهما والعمل على ازالتها وضرورة بذل جهودهما من خلال جمع الطرفين في مقابلة عائلية وتقصي الحقائق ويأمرانهما بحسن المعاشرة وتوجيه الحكمين بأن لا يتسرعا في إنهاء مهمتهما ، ولا يماطلا ، وأن يعملا على تقصي أسباب الخلاف وازالته وتحديد من هو المسيء من الزوجين ونسبة التقصير بحياد ، فإن تعذر عليهما ذلك ، رفعا الأمر إلى القاضي موضحين له الطرف الذي يثبت تقصيره من خلال التقارير التي تقدم . وهذه الاجراءات نصت عليها الفقرات (١ ‏و ٢ ‏و ٣) من المادة (٤١) من القانون . وتقوم وحدات البحث الاجتماعي في محاكم الأحوال الشخصية بدورها في حل الخلافات العائلية والتوفيق بين أطراف الدعوى من خلال استنباط العوامل المحركة والدافعة الى ارتكاب السلوك أو التصرف غير المشروع ، والتي يستخلصها الباحث أو الباحثة الاجتماعية من ظروف القضية . ‏وعليه ، فإذا فشلت مساعي الصلح أيضا ، ومساعي الحكمين المعينين والحكم الثالث وثبت للقاضي استمرار الخلاف والشقاق بين الزوجين ، وعجزت المحكمة عن الاصلاح بينهما ، وامتنع الزوج عن التطليق ، حكمت المحكمة بالتفريق بينهما معتمدة التقارير التي حددت مدى التقصير ومصدره . ‏وهذا ما أوضحته الفقرة (٤ ‏/ أ) من المادة ذاتها (إذا ثبت للمحكمة استمرار الخلاف بين الزوجين وعجزت عن الإصلاح بينهما وامتنع الزوج عن تطليق فرقت المحكمة بينهما) . وعالجت الفقرة (4/ب) من المادة (41) الحالات الآتية :

1- إذا كان التقصير من جانب الزوجة ، وتم التفريق بعد الدخول ، يسقط المهر المؤجل (4) ، فإذا كانت الزوجة قد قبضت جميع المهر ، يحكم عليها برد ما لا يزيد على نص المهر للزوج .

2- إذا كان التقصير من جانب الزوج فلها المهر المؤجل كله .

3- إذا كان التقصير واقعاً من الزوجين ، كان التطليق بقسمة المهر المؤجل بينهما ، أن كان الضرر الواقع من كل منهما على الآخر متكافئاً ، وبنسبة التقصير المنسوب لكل منهما (5) إذا كان الضرر متفاوتاً . فلو قال الحكمان أن نسبة التقصير من قبل الزوجة (30%) وتبيين أن مؤجل مهرها ثلاثة آلاف دينار فتسقط المحكمة (900) دينار منه .

4- إذا كان التقصير من جانب الزوجة ، وتم التفريق قبل الدخول ، فإذا تبين للحكمين أن الإساءة والتقصير من جانب الزوجة ألزمت برد ما قبضته من المهر المعجل .

5- إذا كان التقصير من جانب الزوج فلها نصف مهرها .

ثانياً : المادة (42) منه :

إن المادة (42) من القانون نصت على أنه (إذا ردت دعوى التفريق لأحد الأسباب المذكورة في المادة الأربعين من هذا القانون لعدم ثبوته واكتسب قرار الرد درجة البتات ، ثم أقيمت دعوى ثانية بالتفريق لنفس السبب ، فعلى المحكمة أن تلجأ إلى التحكيم ، وفقا لما ورد في المادة الحادية والأربعين ” . ‏هذا ويلاحظ وجود ارتباط وتكامل بين هذه المادة والمادة التي سبقتها ، حيث أنه من حق أحد الزوجين إقامة دعوى ثانية بالتفريق للضرر بعد أن ردت دعوى التفريق المقامة وفقا للمادة (٤٠) من قانون الأحوال الشخصية . . . وهنا لا يتعين على القاضي أن يتحقق من أسباب الخلاف ولا يكلف المدعي بتقديم ما يؤيد ثبوت الضرر أو الخلاف . وانما يجب على القاضي القيام بإجراءات التحكيم وعلى النحو المفصل في المادة (41) . ‏إن تكرار إقامة الدعوى وللسبب نفسه ، يؤكد على وجود الخلاف والضرر وللشقاق الذي يهدد استمرار الحياة الزوجية . ونرى انه كان من الأجدر ترك فترة زمنية كافية لا تقل عن سنة مثلا بين اكتساب الدرجة القطعية لحكم رد الدعوى واقامة الدعوى الثانية لإعطاء فرصة للتفكير وعدم استغلال نص المادتين بإقامة الدعوى الأولى على نحو شكلي وتعمد ردها بعدم الإثبات ورفض التحليف وصولا إلى إقامة الدعوى الثانية .

___________________

1- سورة النساء ، الآية (3٥) .

2- سورة البقرة ، الآية (369) .

3- لم ينص قانون الأحوال الشخصية ولا قانون المرافعات المدنية على وجوب تحليف الحكمين اليمين إلا أن قانون الأحوال الشخصية المصري رقم (١٠٠) لسنة ١٩٨٥ ‏نص على ذلك ، وبهذا أخذ بعض القضاة في العراق ولا مانع من ذلك.

4- وعالج قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم (61) لسنة 1976 ، أفضل معالجة بأن يعطي تعويض للزوج ويؤمن دفعه قبل التفريق ما لم يرضى الزوج بتأجيله . وذلك في (م/132/ز) (إذا حكم على الزوجة بأي عوض وكانت هي طالبة التفريق فعليها أن تؤمن دفعه قبل قرار الحكمين بالتفريق ما لم يرضى الزوج بتأجيله وفي حالة موافقة الزوج عن التأجيل يقرر الحكمان التفريق على البدل ويحكم القاضي بذلك ، أما إذا كان الزوج هو طالب التفريق وقرر الحكمان أن تدفع الزوجة عوضاً فيحكم القاضي بالتفريق والعوض وفق قرار الحكمين) .

5- قرار 1700/ شخصية / 83-1984 في 7/2/1984 ، مجموعة الأحكام العدلية الأعداد (1 و 2 و 3 و4) لسنة 1984 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .