يتفق جميع الفقهاء المسلمين على أن الطلاق حق للزوج ولكنه رخصة أبيحت للضرورة (1) قال الكمال بن الهمام (وإنما أبيح (الطلاق) للحاجة ) وعلى أن الأصل في هذه الرخصة الحظر ، ولا يكون إلا لسبب يدعو إليه ، كسوء سلوك الزوجة أو إيذائها للزوج أو الجيران بالقول أو بالفعل. ‏ومع أن حقيقة الطلاق وطبيعته أنه تصرف انفرادي ويقع بمجرد صدوره من الزوج سواء أعلمت الزوجة بذلك أم لم تعلم . فأن الأحاديث النبوية في هذا المجال متواترة لعل أشهرها قوله عليه الصلاة والسلام ) ‏أبغض الحلال إلى الله الطلاق) وأشدها قوله (لا تطلق النساء إلا من ريبة) وفقهاء الشريعة الإسلامية قد قيدوا حق الزوج في إيقاع الطلاق بما يتفق والحكمة التي دعت لتشريعه ، وربما فيه منع الإضرار بالمطلقة غير ما يصيبها من مجرد الطلاق . لذا فإن من طلق زوجته دون حاجة ماسة أو طلقها في مرض الموت ، فرارا وهرباً من ميراثها ، فإنه ارتكب معصية لما في ذلك من تعد لحدود الله وأضرار بالزوجة ناهيك عن الأضرار بالأولاد والأهل والأقارب وبكيان المجتمع ، وقد اتفق فقهاء الشريعة الاسلامية على أن من طلق لغير حاجة أو بغير الحدود المعروفة شرعا يعد أثما ديانة .

‏لذا فقد اتجه الفقه من زمن طويل إلى تعويض الزوجة مثل هذا الطلاق (2) ووجد بعض الفقهاء في فكرة المتعة في الطلاق أساساً شرعياً للحكم بالتعويض عد الإساءة في استعمال حق إيقاع الطلاق ، وللقاضي معاقبة من يسيء استعمال حق إيقاع الطلاق بتعويض المرأة بقدر مالي ، سواء ، اكان دفعة واحدة أم على أقساط حتى تزوج أو تموت (3) زجرا لأمثاله عن إساءة استعمال ما خوله اشرع له . ‏والأصل في مشروعيتها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } (4) وقال تعالى : {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} (5) وأن اختلف الفقهاء فقال قسم منهم أن هذه الآية منسوخة وعارضهم اخرون ، وقوله تعالى {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} (6) . وقال عليه الصلاة والسلام : (وما زال جبريل يوصيني بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها الا في فاحشة مبينة ) (7) .

‏والتعويض المقصود هنا لا يمكن أن يسد وجوه الضرر المادية أو المعنوية كافة فليس بالإمكان ذلك ، أنما المقصود به الاشعار بأن الزوجة المطلقة هنا طلقت دون تقصير منها وأنها لألك امتحقت التعويض ازالة لبعض الاثار التي تلحق بسمعة المطلقة ، ويكون هذا التعويض (المتاع الحسن) ‏بمنزلة الشهادة لنزاهتها وفضلها وجبر خاطر المطلقة ، لأن مواساتها من المرؤة التي تطلبتها الشريعة الاسلامية والاعتراف بأن الطلاق كان من قبله لعذر يختص به لا من قبلها . ‏وبعضهم لا يرى من المقبول شرعا وقانونا فرض التعويض على المطلق لأنه استعمل حقا مقررا له شرعا ، حيث جعلت الشريعة الإسلامية الطلاق بيد الرجل يستعمله كيفما يشاء ، فليس لمن تتزوج به وهي عالمة بذاك أن تطلب تعويضا عنه بعد وقوعه ، وأن التعويض الوحيد الذي تستحقه الزوجة المطلقة هو مؤخر صداقها ونفقة عدتها – وقالوا أن في البحث لغرض فرض التعويض كشفا لأسرار عائلية لا يكون من المستحسن البحث فيها – ويراعى في تقديرها حالة المطلق المالية .

‏والجواب ، عن هذا أن الشريعة الإسلامية وأن قررت ذلك إلا أنها وضعت للطلاق حدودا ورسمت له اجراءات (الموعظة ، الهجر في الفراش ، الضرب الخفيف ، ثم التحكيم ) لو اتبعت لما أنتهى المسلمون إلى إيقاع طلاق بلا ضرورة تستدعي إيقاعه . ‏وحيث أن الطلاق شأنه شأن سائر الحقوق يخضع لإشراف القضاء . فأن تبين أن استعماله كان لغرض غير مشروع ولم يقصد منه سوى الإضرار بالغير قضى بالتعويض طبقا للمادتين (٦‏و٧) من القانون المدني العراقي (8) ومن الفقه الإسلامي ومن التطبيقات القضائية أن الحقوق الشرعية المترتبة على عقد الزواج (كالمهر والنفقة) لا تدخل في التعويض الذي يقضي به الطلاق التعسفي . ‏وقد أخذت بعض القوانين العربية (9) بفكرة التعويض عن الطلاق التعسفي وأن اختلفت النصوص القانونية في بعض التفاصيل. أما المشرع العراقي فقصد حماية الزوجة المطلقة من تعسف بعض الأزواج في إيقاع الطلاق لما يلحق بين من ضرر ينجم عن إيقاع الزوج الطلاق دون سبب من الزوجة أن يُعد تعسفاً في استعمال الحق ، وهذا التعسف يبيح للقضاء التدخل في حماية الزوجة التي وقع عليها الضرر المادي والمعنوي وتعويضها ، من هنا جاء قرار مجلس قيادة الثورة رقم ٦٩٤ ‏في ١٢ ‏/ ٦ ‏/ ١٩٨٥ ‏بقانون تعديل الأحوال الشخصية رقم ٥١ ‏لسنة ١٩٨٥ ‏(10) ينص أن على المحكمة أن تحكم للزوجة المطلقة تعسفاً بتعويض يتناسب وحالة الزوج المالية ودرجة تعسفه . . . وهذا التعويض يقدر جملة على أن لا يتجاوز نفقة الزوجة لمدة سنتين فضلاً عن حقوقها الأخرى ، المهر المؤجل ونفقة العدة . ‏

وهذا القرار يمثل خطوة في الحد من تسرع الأزواج لإيقاع الطلاق أو الادعاء بإيقاعه خارج المحكمة تخلصا من النفقة . وأضيف فقرة ثالثة إلى المادة (٣٩) ونصها كما يلي (إذا طلق الزوج زوجته وتبين للمحكمة أن الزوج متعسف في طلاقها وأن الزوجة أصابها ضرر من جراء ذلك ، تحكم المحكمة بطلب منها على مطلقها بتعويض يتناسب وحالته المالية ودرجة تعسفه ، يقدر جملة على أن لا يتجاوز نفقتها لمدة سنتين علاوة على حقوقها الثابتة الأخرى) . ‏وهنا يثار السؤال عن إثبات التعسف ، وهل تكلف الزوجة بإثبات أن الزوج متعسف في إيقاع الطلاق ؟ أن النص لا يشير إلى شيء ، من ذلك وعلى هذا فأننا نرى أن التعسف هنا مفترض وعلى من يدعي أنه غير متعسف أن يورد أسباب الطلاق . كما أن للمحكمة أن تستنتج من ظروف القضية ومن تقرير البحث الاجتماعي أو من البينات التي يقدمها الزوج أو الزوجة أن كان الزوج متعسفا أم لا ، ويقدر مبلغ التعويض من قبل خبير على أن يلاحظ درجة التعسف . وهذا يعرف من ظروف القضية – وما أصاب الزوجة من ضرر نفسي أو اجتماعي أو مادي – كما يلاحظ اقتدار الزوج وفي كل الأحوال لا يتجاوز مقدار التعويض نفقة الزوجة لمدة سنتين ، وقد تحكم المحكمة بما يعادل نفقتها لأقل من هذه المدة (سنة واحدة أو أقل أو أكثر) تبعا لظروف القضية وما إذا كأن الطلاق قبل الدخول أو بعده وعدد أولاد ومكانة الزوجة اجتماعيا وصغر سنها . ‏هذا ويلاحظ أن المشرع العراقي ، قد أظهر اهتمامه بنظرية التعسف في استعمال الحق حين نص عليها في الباب التمهيدي من القانون المدني العراقي لتكون من المبادئ الجوهرية الهامة التي تسود جميع نواحي القانون ، وأساسها القانوني هو الخطأ التقصيري الذي نصت عليه المادتان (٦‏و٧) من القانون المدني العراقي ، ونظرية التعسف في استعمال الحق استمدها القانون الوضعي من الشريعة الإسلامية وأقوى الأسس وأصحها لبناء التعويض للزوجة عن الطلاق التعسفي ولذلك اعتمد عليها قانون الأحوال الشخصية في الفقرة (٣) من المادة (٣٩) أعلاه .

‏بيد أن التعديل لم يتطرق إلى ضوابط ومعايير لتوضيح صورة التعسف كما أن القانون سكت عن أمر آخر ، إذا طلق الزوج زوجته وقضت المحكمة بإلزامه بالتعويض ثم رجع الزوج بزوجته خلال العدة وبعد اكتساب حكم الطلاق والتعويض الدرجة القطعية . فهل يبقى حكم التعويض قائما على الرغم من الرجوع بالزوجية أم أنه يجب أبطاله لعودة الحياة الزوجية . لا نعلم أنه صدر بذلك حكم أو قرار من محكمة التمييز ، ولكننا نرى أنه بالإمكان إقامة الدعوى لإلغاء التعويض أو تعديله قياسا على دعوى أبطال حكم النفقة أو زيادتها أو أنقاصها ، وللمحكمة في هذه الدعوى أن تقور إلغاء حكم التعويض لزوال الأثار النفسية أو الاجتماعية بسبب الرجوع بالزوجية أو تقرر عدم إلغائه بسبب أن الطلاق أنتج هذه الآثار وأنقص عل د الطلقات حيث أن الرجوع بالزوجية وأن أعاد الحياة الزوجية إلا أنه لم يلغ حكم الطلاق الرجعي الأول أو الثاني كما أن للمحكمة أن تعدل من مبلغ التعويض للأسباب نفسها (11) . ‏والتعويض الذي تحكم به المحكمة ليس نفقة وأن قدرة القانون العراقي لنفقة سنتين وإنما هو تعويض عن ضرر وقع بالطلاق . لذا فأنه يجب أن يرد الحكم به مجموعا ويستحصل مبلغ التعويض تنفيذيا بوصفه دينا ، لذا فهو يستطيع من الباقي من خمس راتب الموظف كما يجوز أن يستحصل بالطرق التنفيذية الأخرى بوصفه دينا مستحقا فيجوز الحجز على أموال المدين وأن لم يمر على الطلاق مدة السنتين المذكورة في النص . ‏

كما أن طلب التعويض يمكن المطالبة به في دعوى الطلاق أو بإقامة دعوى مستقلة حيث أنه لا يسقط عند عدم المطالبة في دعوى الطلاق هذا وأن مبدأ التعويض ‏عن استعمال حق الطلاق ينتفي في حالة إذا كانت الزوجة هي التي دفعت بفعلها الزوج إلى تطليقها – كما لو أعوج سيرها أو ساء سلوكها حتى ألجأت الزوج إلى طلاقها ‏كالزنا ونحوه – أو أن الطلاق حصل بطلب الزوجة أو بناء على فعل من ‏جانبها كاختيارها نفسها بالبلوغ . وهذه من الأمور الموضوعية التي تقدرها المحكمة من ظروف دعوى الطلاق التعسفي وملابساتها . ‏ولكن متى يسقط هذا الحق ؟ لم يصرح القانون بذلك ، وحيث أن الأساس الذي بنى عليه هذا التعويض في رأي بعضهم قائم على أساس التعسف في استعمال الحق (م /٧ ‏من القانون المدني) فأن المطالبة بالتعويض تنتهي بمرور مدة ثلاث سنوات عملا ‏بأحكام المادة (٣٢١ مدني) (لا تسمع دعوى التعويض الناشئة عن العمل غير المشروع أيا كان بعد انقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه المتضرر بحدوث الضرر وبالشخص الذي أحدثه . ولا تسمع الدعوى في جميع الأحوال بعد انقضاء خمس عشرة سنة من يوم وقوع العمل غير المشروع) ‏.

___________________

1- قرار 1856/شخصية/ ١٩٧٨ ‏في ١٧ ‏/ ٠ ١ ‏/ ١٩٧٨ ‏. مجموعة الأحكام العدلية ، العدد الرابع السنة التاسعة ، ١٩٧٨ ‏.

‏2- قضت المحاكم الفرنسية في عام ١٩٤٢ ‏ ، بالحكم بالتعويض عما يحدث من ضرر مادي أو أدبي بسبب الطلاق ، وأن هذا التعويض هو غير ما قرره القانون المدني الفرنسي من النفقة . اشار اليه أنور العمروسي ، أصول المرافعات الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية ، بند 254 ، 622 .

‏3- نص القانون التونسي ، في المادة 31 ‏.

4- سورة الأحزاب ، الآية (٢٨) .

‏5- سورة البقرة ، الآية (٢٤1) .

‏6- سورة البقرة ، الآية (٢3٦) .

‏7- ذكره أنور العمروسي – أصول المرافعات الشرعية ، المرجع السابق ص 610 .

8- تنص المادة (٦) على أنه (الجواز الشرعي ينافي الضمان ، فمن استعمل حقه استعمالا جائزا لم يضمن ما ينشأ عن ذلك من الضرر).

‏والمادة (٧) تنص على (1. من استعمل حقه استعمالا غير جائز وجب عليه الضمان . ٢. ويصبح استعمال الحق غير جائز في الأحوال الآتية :

‏أ – اذا لم يقصد بهذا الاستعمال سوى الاضرار بالغير.

‏ب – اذا كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال الى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب ‏مطلقا مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها .

‏جـ- إذا كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال إلى تحقيقها غير مشروعة).

‏9- تنص المادة (١١٧) من قانون الأحوال الشخصية السوري رقم ٥٩ ‏لسنة ١٩٥٣ ‏بقولها (إذا طلق الرجل زوجته ، وتبين للقاضي أن الزوج متعسف في طلاقها دون ما سبب معقول ، وأن الزوجة سيصيبها بذلك بؤس وفاقة ، جاز للقاضي أن يحكم على مطلقها بحسب حالة ودرجة تعسفه بتعويض لا يتجاوز مبلغ نفقة سنة ، فوق نفقة العدة وللقاضي أن يجعل دفع هذا التعويض جملة أو شهريا بحسب مقتضى الحال ).

‏والمادة (١3٤) من قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم ٦١ ‏لسنة ١٩٧٦ ‏على أنه (إذا طلق الزوج زوجته تعسفا ك ن طلقها لغير سبب معقول وطلبت من القاضي تعويضا حكم لها على مطلقها بالتعويض الذي يراه مناسبا بشرط أن لا يتجاوز مقدار نفقتها على سنة ويدفع هذا التعويض جملة أو مقسطا حسب مقتضى الحال ويراعى في ذلك حالة الزوج يسرا وعسرا ولا يؤثر ذلك على باقي ‏الحقوق الزوجية الأخرى للمطلقة بما فيها نفقة العدة ) .

‏وفي القانون التونسي لسنة 1962 المعدل سنة 1181 حيث أوجبت المادتان (الفصلان) 31 ، 32 تعويضاً هو جراية (غرامة نقدية) تدفع لها شهرياً الى أن تتوفى المطلقة أو تتزوج ويتغير حالها الى يسار ، كما أجاز الاتفاق على أن يكون الإنفاق على مبلغ معين .

‏أما القانون المصري رقم ١٠٠ ‏لسنة ١٩٨٥ ‏فقد نصت المارة (١٨) مكرر على تعويض المطلقة تعسفا بنفقة سنتين على الأقل) ‏.

‏كما نص على ذلك مشروع قانون الأحوال الشخصية العربي الموحد في المادة (٩٦) ‏على أنه لم يحدد مقدار التعويض بقولها (أ – تستحق المطلقة المدخول بها المتعة حسب يسر المطلق وحال المطلقة) ‏.

‏ب- للمطلقة طلب التعويض إذا تعسف المطلق في استعمال حقه في الطلاق.

10- الوقائع العراقية العدد ٣٠٥٢ ‏في ١ ‏/ ٧ ‏/ ١٩٨٥ ‏.

11- خلال الطبع صدر قرار محكمة التمييز الرقم ٢٢٧ ‏/ شخصية/ ١٩٩١ ‏في ٢٤ ‏/4/١٩٩١ والمتضمن : (لدى التحقيق والمداولة وجد أن الحكم المميز بالنظر للأسباب المبينة فيه صحيح وموافق للشرع والقانون. حيث أن نص المادة ٣٩ ‏في ٣ ‏من قانون الأحوال الشخصية أوجب الحكم بالتعويض للزوجة المضررة من الطلاق إذا تعسف زوجها في طلاقها وأن هذا التعويض عن الضرر ليس نفقة لتسقط بإرجاع الزوج المطلق زوجته وإنما هو تعويض عن ضرر وقع بالطلاق. لذا قرر تصديقه ورد الاعتراضات التمييزية وتحميل المميز رسم التمييز وصدر القرار بالأنفاق في ٩ ‏/ شوال/ ٤١١ ‏ا – الموافق 3١ ‏/ ٤ ‏/ ١٩٩١ ‏.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .