التعاكس الضريبي و انعكاساته على النمو الاقتصادي

د. ملحم بن حمد الملحم

يعتبر التعاكس الضريبي إحدى أهم المشكلات التي ربما تواجهها أي دولة لاسيما تلك الدول التي تعتمد بشكل كبير في دخلها على الضريبة ــــ وأعني في هذه المقالة ضريبة الدخل ـــ وخاصة تلك الدول التي تفرض نسبة عالية من الضريبة. التعاكس الضريبي هو أن تقوم شركة ما بتأسيس شركة أو الاستحواذ على شركة في دولة أخرى ومن ثم تغيير جنسية الشركة الأولى إلى جنسية دولة الشركة المؤسسة حديثا أو المستحوذ عليها بغض النظر عن مكان تركز نشاط الشركة الفعلي.

يعتبر القانون الضريبي في الولايات المتحدة من أعقد وأطول وأقدم القوانين الضريبة في العصر الحالي. على الرغم من ذلك، تعتبر الولايات المتحدة إحدى الدول التي عانت وما زالت تعاني موجة أو موجات التعاكس الضريبي التي تتزايد مع مرور الوقت ـــ لا سيما في حين اقتراب بعض الشركات من الاتفاق على صفقات كبيرة ـــ بسبب نسبة الضريبة العالية التي تفرضها الولايات المتحدة على الشركات.

تعتبر نسبة الضريبة على الشركات في الولايات المتحدة من أعلى النسب حول العالم وهي مبنية على نظام تصاعدي منتهية بنسبة 35 في المائة كحد أعلى للشركات التي يكون دخلها الضريبي أعلى من عشرة ملايين دولار أمريكي. في حالة كون الشركة من نوع سي (C)، فإنه علاوة على وجود نسبة الضريبة 35 في المائة التي تفرض على صعيد الشركة، تفرض الولايات المتحدة ضريبة على صعيد الشركاء أو المساهمين بنسبة 20 في المائة، ويشار لهذا المفهوم بالضريبة المزدوجة التي تختلف عما يسمى بالازدواج الضريبي.

يقدم القانونيون والمحاسبون جزءا من خدماتهم فيما يتعلق بمفهومين أساسين في البيئة الضريبة:

1 – عدم وقوع الشركة في التهرب الضريبي الذي يعاقب عليه القانون الذي ربما يحدث من خلال إخفاء حسابات أو أرباح أو تدليس فيما يتعلق بمالية الشركة؛

2 – إيجاد فرص التجنب الضريبي الذي لا يمنع منه القانون من خلال الاستفادة من المنافذ أو المساحات المتروكة أو المهملة في القانون التي تسهم في تقليل العبء الضريبي وتعزز فرص التوفير للشركة.

بناء على ارتفاع نسبة الضريبة في الولايات المتحدة، يقوم عديد من الشركات في الولايات المتحدة بنقل مركزها الرئيس وتغيير جنسية الشركة إلى دولة ذات نسبة ضريبة منخفضة مثل إيرلندا التي تبلغ نسبتها الضريبية 12.5 في المائة، الذي بدوره ـــ أي تغيير الجنسية أو التعاكس الضريبي ـــ يكلف وزارة الخزانة الأمريكية ما يقدر بـ 40 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة وفقا للجنة الكونجرس المشتركة في الضريبة.

وكنتيجة لكثرة التعاكس الضريبي ينشأ النقاش ويشتد بين الأحزاب الأمريكية في كيفية مواجهة هذا الانعكاس الضريبي. فبينما يرى حزب من الأحزاب أن أفضل وسيلة لمواجهة التعاكس الضريبي هي خفض نسبة الضريبة المفروضة على الشركات، يرى الحزب الآخر وضع قواعد وقيود جديدة على القانون الضريبي ما يجعل التعاكس الضريبي غير مجد ماليا للشركة كوضع قيد على الشركة بحيث لا تعتبر الشركة أجنبية حتى يكون مساهموها الأجانب يملكون نسبة 50 في المائة فما فوق. لذلك حاول الرئيس الأمريكي باراك أوباما في نيسان (أبريل) الماضي تسليط الضوء على الحاجة إلى أهمية قيام الكونجرس بإغلاق المنافذ في القانون التي من خلالها تلجأ الشركات لتجنب الضريبة.

رغم طول فلسفات ومفاهيم وسياسات الضريبة في أمريكا وغيرها إلا أن هذه المقالة الشديدة الاختصار إنما هي إشارة لأهمية دقة رسم سياسة الضريبة من خلال الاستفادة من تجارب الدول الأخرى من جهة، ولتجنب الصعوبات التي تتعرض لها تجارب قوانين ضريبية متعددة لتكون متوافقة مع نمو اقتصاد المملكة ولتسهم في إنجاح “رؤية 2030”.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت