التعاقدات الإلكترونية والتحديات القانونية 

الكاتب : عادل شمران الشمري
باحث مشارك في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية

المقدمة:
يثير التعاقد عبر الانترنت الكثير من التحديات القانونية، ولعل أهم وأبرز هذهِ التحديات، هي التحديات الناشئة عن الوفاء بالتعاقدات الالكترونية عبر الانترنت، وكذلك التحديات الناشئة عن إثبات العقود الالكترونية، ولأجل بحث هذهِ التحديات لابد من تقسيم هذا الموضوع إلى فقرتين، نبين في الأولى التحديات الناشئة عن الوفاء بالتعاقدات الالكترونية ووسائل تجاوزها، بينما سنخصص الثانية لبيان التحديات الناشئة عن إثبات العقود الالكترونية وكيفية تجاوزها.

التحديات الناشئة عن الوفاء بالتعاقدات الالكترونية
العقد الالكتروني، هو العقد الذي يتم إبرامهُ عن طريق وسائط الكترونية وذلك باستخدام تقنيات الاتصال الحديثة، ومن أبرزها وأكثرها تطوراً شبكة المعلومات الدولية “الانترنت” ولما كان العقد الالكتروني يبرم عبر وسائط الكترونية ويتميز بالسرعة في إبرامه، لذلك كان من الضروري إيجاد وسيلة يتم من خلالها الوفاء بالثمن بصورة تتلائم مع طبيعة هذا العقد والوسائل المستخدمة في إبرامه، ولذلك ظهرت طريقة الوفاء أو الدفع الالكتروني ، إن الوفاء الالكتروني يحصل من خلال استعمال النقود الالكترونية “Electronic Money” والتي تعرف بأنها “قيمة نقدية مخزونة على وسيلة الكترونية تستعمل كأداة للدفع ولتحقيق أغراض مختلفة

ويلاحظ بأن اللجوء إلى الوفاء بالتعاقدات الالكترونية عن طريق النقود الالكترونية يسبب الكثير من التحديات والمخاطر، فقد تتعرض البطاقات الالكترونية التي يملكها المستهلك أو التاجر والمخزونة عليها القيمة النقدية إلى خطر السرقة أو التزييف، ويتم معاملتها باعتبارها نقوداً الكترونية أصلية، وقد يحدث أن يتم التزوير عن طريق تعديل البيانات المخزونة على البطاقات الالكترونية أو على البرمجيات أو على القرص الصلب للكمبيوتر الشخصي. كما تسبب النقود الالكترونية الكثير من المخاطر والتحديات القانونية، والتي تحدث من خلال انتهاك القوانين والأنظمة مثل جرائم غسيل الأموال، وإفشاء أسرار العميل، وقد تحدث هذه المخاطر نتيجة تقنين حقوق والتزامات الأطراف المتعاقدة المتعاملة بالنقود الالكترونية بطريقه غير دقيقة.

فضلا عن ذلك، فان استعمال النقود الالكترونية يزيد من جرائم التهرب الضريبي، إذ يكون من الصعب على الجهات الحكومية المكلفة بجمع الضرائب القيام بربط الضريبة على الصفقات والعقود المبرمة عبر شبكة الانترنت نظراً إلى أن تلك الصفقات والعقود تتم خفية عبر هذه الشبكة.

ولتجاوز التحديات والصعوبات في مجال الوفاء الالكتروني، يجب على السلطة التشريعية إصدار تشريع يتعلق بالمعاملات الالكترونية وخاصة الوفاء أو الدفع الالكتروني، على أن يتضمن هذا التشريع تعريف دقيق للنقود الالكترونية، وبيان التزامات وحقوق الأطراف المتعاملة بالنقود الالكترونية فضلاً على ذلك فإن التعامل بالنقود الالكترونية قد يكون عابراً للحدود وبالتالي يستلزم أن يتضمن التشريع المتعلق بالمعاملات الالكترونية على النصوص الكفيلة بمعالجة المشكلات التي تنشأ بسبب تدويل التعامل بالنقود الالكترونية وخاصة مشكلة المسؤولية القانونية لكل طرف والمحكمة المختصة بنظر المنازعات التي تثيرها النقود الالكترونية.
ولتجاوز التحديات أعلاه يستلزم الأمر خضوع الجهة المصدرة للنقود الالكترونية للإشراف والرقابة الدقيقة.

التحديات الناشئة عن إثبات العقود الالكترونية

يعرف الإثبات، بأنهُ إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق المحددة في القانون على صحة واقعة قانونية يترتب على ثبوتها ضرورة الاعتراف بالحق الناشئ عنها.

وللإثبات أهمية كبيرة، إذ إن الحق لا يكون لهُ أي قيمة إذا لم يقم الدليل على الواقعة التي يستند عليها، فالدليل قوام الحق ومعقد النفع فيهِ، حتى صدق القول بأن الحق مجرداً من دليله يصبح عند المنازعة فيهِ هو والعدم سواء. ومن الجدير بالذكر، إن مسألة الإثبات في نطاق العقود التقليدية قد تواجه بعض التحديات أو الصعوبات التي تتعلق بإثبات هذهِ العقود وهذهِ التحديات أخذت بعداً خاصاً في نطاق العقود الالكترونية المبرمة عبر الانترنت، وذلك بسبب غياب الوسيط المادي الذي يتم تحرير العقد عليهِ، واتخاذه شكلاً آخر هو الدعائم الالكترونية، مما يثير إشكالية إعطاء وسائل التخزين التقني للمعلومات حجية وسائل التخزين العادي في الإثبات.

فضلاً عن ذلك، فإن المحرر الالكتروني لا يتضمن التوقيع بخط اليد، إذ اتخذ التوقيع شكلاً آخر هو التوقيع الالكتروني، وبذلك يظهر تحدي يتمثل بمدى مساواة التوقيع الالكتروني للتوقيع العادي، خاصة إن اتخاذ التوقيع الشكل الالكتروني وانفصالهُ عن شخصية صاحبهِ يساعد القراصنة والمتسللين عبر شبكة الانترنت على اختراق أنظمة المعلومات واكتشاف التوقيع أو فك شفرتهِ والاستيلاء عليهِ، مما يؤدي إلى استخدامهِ دون علم أو موافقة صاحبهِ، وقد يقومون بإطلاق الفيروسات عبر شبكة الانترنت والتي تؤدي إلى إتلاف الملفات، مما يؤدي إلى التقليل من قيمة التوقيع الالكتروني كدليل للإثبات.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التعاقد عبر الانترنت يثير إشكالية تتمثل باصطناع الخصم دليلاً لنفسهِ وهذا يتعارض مع مبادئ الإثبات التي تقضي بأن الشخص لا يجوز أن يصطنع دليلاً لنفسهِ، فمن المعلوم إن السند الموقع الكترونياً يكون من صنع من أصدرهُ وبالتالي لا يعتد بهِ ولا يعتبر دليلاً للإثبات لأن الخصم لا يجوز لهُ أن يصطنع دليلاً لنفسهِ.

ولتجاوز هذهِ التحديات والصعوبات الناشئة عن إثبات العقود الالكترونية، يتطلب الأمر إجراء تعديل تشريعي على قانون الإثبات العراقي من أجل جعل هذا القانون قادراً على مواكبة التطور التقني في مجال إبرام العقود وإثباتها بالطرق الالكترونية، على أن يتضمن هذا التعديل التشريعي بيان مفهوم الإثبات الالكتروني ومدى جواز استعمال المحررات الالكترونية كدليل في الإثبات مع الإشارة إلى جواز الإثبات بالوسائل أو الدعائم الالكترونية من عدمهِ، وذلك أسوة بالكثير من التشريعات العربية والتي أصدرت قوانين لمعاملات الالكترونية بهذا الخصوص.

من خلال ما تقدم، يمكن التواصل إلى عدد من النتائج والمقترحات وهي:-

أولاً:- إن المشرع العراقي لم يصدر لحد الآن تشريعاً بشأن المعاملات الالكترونية على الرغم من أهميتها في الوقت الحاضر، ولذلك ندعوه إلى ضرورة إصدار هذا التشريع وذلك أسوة ببعض الدول العربية التي أصدرت تشريعات بشأن المعاملات الالكترونية.

ثانياً:- أن التعاقد عبر الانترنت يثير الكثير من التحديات ومن أهمها، التحديات في مجال الوفاء بالعقود الالكترونية، وهذا الأمر يتطلب من المشرع التدخل لمعالجة هذهِ التحديات من خلال إصدار التشريعات في مجال المعاملات الالكترونية وكذلك من خلال تعديل التشريعات القائمة لكي يجعلها تتلائم مع العقود الالكترونية وبما يواكب التطورات الحاصلة في مجال الوفاء وإثبات العقود الالكترونية.

ثالثاً:- تقترح من أجل نشر الوعي المعلوماتي لدى أفراد المجتمع إقامة مناهج تدريبية تعمل على تشجيع الأفراد على استخدام وسائل الاتصال الحديثة في إبرام العقود المختلفة.