إن الحق في سلامة جسم الإنسان هو مصلحة للفرد يحميها القانون من اجل أن يبقى مؤدياً لكل وظائف الحياة وعلى النحو الطبيعي، فله الحق في أن تظل أعضاء الجسم وأجهزته تؤدي وظائفها بصورة كاملة مع الاحتفاظ بكل أعضاء الجسم دون أينقص يذكر، فكل فعل يؤدي إلى الانتقاص من هذه الأعضاء يعد ماساً بسلامة الجسم وتكامله، لكن هناك بعض الأشخاص المصابين بعلة وحياتهم مهددة بالموت ولا تجدي معهم وسائل العلاج التقليدية، لذلك لم يكن أمام الأطباء والاختصاصيين سوى اللجوء إلى عمليات نقل الأعضاء البشرية وزرعها لإنقاذ حياة هؤلاء المرضى، إلا أنه على الرغم من أهمية هذه العمليات في إنقاذ حياة الإنسان تنطوي على مخاطر جمة خصوصاً بالنسبة إلى الشخص المعطي للأعضاء لأن ذلك لا يحقق له أية فائدة علاجية، ولخطورة هذه العمليات ولأنها لا تهدف إلى أغراض شفائية بالنسبة إلى المعطي لابد من تسليط الضوء على التزام الطبيب بتبصير المعطي تبصيراً وافياً مشدداً من أجل احترام إرادته، ومن ثم الحصول على رضاه المستنير، فبالنسبة لموقف المشرع العراقي، فقد أضفى المشروعية على عمليات زرع الأعضاء البشرية وذلك في المادة الأولى من قانون عمليات زرع الأعضاء البشرية ذي الرقم (85) لسنة 1986(1). إذ نصت على أنه: (يجوز إجراء عمليات زرع الأعضاء للمرضى بهدف تحقيق مصلحة علاجية …) فالمشرع العراقي أجاز عمليات زرع الأعضاء البشرية، إلا أن ذلك مقيد بشروط وهي أن تكون هناك مصلحة علاجية للمريض وان تجرى العملية من قبل الطبيب الجراح الاختصاصي وبرضاء المعطي المكتوب بعد موافقة ثلاثة أطباء اختصاصيين(2).

وقابله بالموقف ذاته المشرع المصري عندما أصدر القانون الخاص ببنك العيون ذي الرقم (103) لسنة 1962 إلا أنه لم يصدر قانونا آخر يشمل باقي أعضاء جسم الإنسان، في حين أن الاتجاه الغالب بين الشراح يذهب إلى إباحة هذه العمليات بشروط معينة إما بالقياس على بعض النصوص أو بالاستناد إلى فكرة المصلحة الاجتماعية أو الضرورة(3). فقد نصت المادة الثانية من القانون المذكور على ما يأتي:(بنك العيون يتلقى رصيده من مصدرين هما: أ. عيون الأشخاص الذين يوصون أو يتبرعون بها. ب. عيون الأشخاص التي يتقرر استئصالها). فالمشرع المصري بهذا النص أجاز الايصاء والتبرع بالعين ويترتب على هذا نتيجة مهمة وهي أن نقل الأعضاء البشرية بين الأحياء أمر جائز فالمشرع عندما أجاز التبرع بالعين وهي الجزء المهم في الجسم في أثناء الحياة فانه يمكن اعمال القياس هنا على بقية أعضاء الجسم، وهذا ما أيده الفقه(4).، لكن بعد توافر شروط معينة وهي رضاء المعطي الصريح والكتابي وان يكون ذلك لغاية علاجية مشروعة دون الاضرار بالمعطي ،فضلا عن ذلك فانه يشترط في الانسجة او العضو المستقطع ان يكون من النوع المتجدد والمزدوج.

كما ان المشرع الأردني أجاز هذه العمليات باصداره قانون الانتفاع بأعضاء جسم الإنسان رقم (23) لسنة 1977(5). فقد نصت المادة (4/ ف أ) منه على أن: (للأطباء الاختصاصيين في المستشفيات المعتمدة من الوزير نقل العضو من إنسان حي إلى آخر بحاجة إليه……………..). فالعبارة التي جاء بها النص تدل على مشروعية عمليات نقل الأعضاء البشرية وزرعها ولكن على وفق شروط معينة، إذ يجب أن لا يقع النقل على عضو أساسي للحياة وأن تقرر لجنة طبية مكونة من ثلاثة أطباء عدم وجود خطر على حياة المتبرع، فضلاً عن موافقة المتبرع الخطية(6). كما أجاز المشرع الجزائري في قانون حماية الصحة وترقيتها في المواد (161-167) عمليات نزع الأعضاء البشرية وزرعها مادامت تهدف إلى إنقاذ حياة الإنسان وتخلصه من آلام المرض، فقد اشترط هذا القانون الرضاء الصريح المكتوب من المريض المستفيد من العلاج وذلك بحضور رئيس المصحة الطبية وحضور شاهدين لما للعملية من مخاطر قد يتعرض لها المريض(7).

كما أن المشرع اليمني هو الآخر أجاز هذه العمليات على وفق ضوابط محددة بموجب قانون مزاولة المهن الصحية ذي الرقم (32) لسنة 1992 في الفصل السادس منه في المادة (25) إذ نصت على أنه: (يسمح بنقل وزراعة أعضاء وأنسجة من جسم إنسان لآخر بهدف العلاج مع الأخذ بعين الاعتبار ما يلي: أ. إقرار لجنة من الأطباء الأخصائيين كتابياً بأن شروط زراعة العضو متوفرة وأن حالة المريض تؤكد ضرورة زراعة العضو وأن حالة الشخص المانح تسمح بذلك. ب. أن يكون الطبيب الذي سيقوم بالعملية قد شرح للمتطوع بالعضو كل الأخطار المترتبة على العملية ونقل العضو وكذلك النتائج المحتملة. ج. أن يوقع المتبرع بالعضو في سجل خاص بعد إطلاعه على كل المعلومات أنه برغبته وبدون أي تأثير يوافق على نقل العضو من جسمه. د. أن يكون العضو المنقول سليماً). والمادة (29) إذ نصت على أنه: (يتم إجراء عمليات نقل وزراعة الأعضاء والأنسجة في المستشفيات المتخصصة التي تتوفر فيها الإمكانيات اللازمة لذلك من قبل الأخصائيين المؤهلين لذلك)(8). كما أجاز المشرع الفرنسي هو الآخر هذه العمليات بموجب القانون ذي الرقم (94- 654) الصادر في 29 يوليو 1994، كما نصت المادة (665/ف12) من قانون الصحة العامة الفرنسي على أنه: (لايمكن تطبيق استقطاع عناصر الجسم البشري أو التبرع به إلا بعد الموافقة المسبقة من المتبرع …) فاشترط المشرع الفرنسي رضاء المعطي المسبق وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مشروعية هذه العمليات. ففي عمليات استقطاع الأعضاء البشرية وزرعها نقف أمام شخصين الأول وهو المعطي الذي يتمتع بصحة جيدة، والثاني هو المتلقي الذي تدهورت صحته، فهذه المسألة تفرض على الطبيب التزاماً بالتبصير لكن ثمة أسئلة تثار في هذا المجال هي:

لمَنْ يكون التبصير للمعطي أم للمتلقي ؟!

وتجاه مَنْ يشدد في التبصير تجاه المعطي أم المتلقي؟!

وما الصيغة التي يتم فيها التبصير؟! أيكفي أن يكون التبصير شفهياً؟! أم تشترط فيه الكتابة؟!

للإجابة عن ذلك يمكن القول بأن الطبيب يلتزم بتبصير كلٍ من المعطي والمتلقي، فلا يجوز أن يُّبصر أحدهما دون الآخر، فهو يلتزم تجاه المتلقي باخطاره بالمخاطر الممكنة والمتوقعة وإعلامه بالخطوط العريضة لحالته وطبيعة التدخل الجراحي دون الدخول في التفاصيل الفنية الدقيقة وذلك باعطائه معلومات مبسطة وواضحة بحيث يستطيع في ضوئها اتخاذ قراره عن بينة وتبصر وعلم تام بواقع الحال. كما يلتزم الطبيب باعلام المعطي بالنصيحة أيضاً والمخاطر التي يتحملها بسبب استئصال عضو من جسمه. إذا، فالالتزام بتبصير المريض في مجال زرع الأعضاء يتطلب التوافق بين أمرين الأول احترام إرادته وحريته ، والثاني المحافظة على صحته، فاحترام ارادته في التصرف في تكامله الجسدي يفرض إخطاره بالمخاطر التي قد يتعرض لها، في حين أن المحافظة على صحته؛ تفرض على الطبيب اتخاذ الحذر اللازم بعدم إدخال الرعب في نفس المريض وذلك بتبصيره حتى بالمخاطر المحتملة والنادرة الوقوع بطريقة تتلاءم والحالة النفسية للمريض نفسه(9).

ويلتزم الطبيب أيضاً بتبصير المعطي إلا أن هذا الالتزام له خصوصيته وذلك لأسباب أن هذا الشخص لا يعاني من أي مرض وصحته جيدة فلابد من أن يتوسع الطبيب في تبصيره لأن استقطاع العضو من جسده لا يحقق له أية فائدة تذكر، بل قد يؤدي ذلك إلى الإضرار به، فيجب إحاطته علماً بالمخاطر المحتملة والمؤكدة الحدوث التي قد تصيبه جراء العملية وإحاطته بالتعقيدات التي يمكن أن تقع مستقبلاً فضلاً عن الآثار الجانبية لإجراء العملية كتأثيراتها في حياته الاجتماعية وحتى الاقتصادية كمدى تأثير إجراء هذه العملية في طاقته في وأداء عمله وقدرته على الإنتاج في المستقبل(10). وبهذا نجد أن الطبيب ملزم بتبصير كل من المعطي والمتلقي مع الأخذ بنظر الاعتبار بتشديد التبصير تجاه المعطي دون المتلقي لأن العمل الطبي هنا لا يتضمن أية فائدة علاجية له مما يتطلب الحرص الوافي من أجل الحصول على رضائه المستنير ولا يكون ذلك إلا بتشديد الالتزام بالاعلام تجاهه.

ومما يؤكد ذلك النصوص القانونية التي عالجت عمليات استقطاع الأعضاء وزرعها في اشتراطها لأخذ الموافقة الكتابية للمعطي، فمثل هذا الاشتراط يقودنا إلى نتيجة مفادها هي تشديد الالتزام بالتبصير بالنسبة إلى المعطي دون المتلقي ويقودنا في الوقت نفسه إلى ضرورة اتخاذ التبصير إطاراً شكلياً ألا وهو الكتابة، إذ نصت المادة (2/ف أ) من قانون عمليات زرع الأعضاء البشرية العراقي على ما يأتي: (أ. مَنْ يتبرع بها أو يوصي بها حال حياته شريطة أن يكون كامل الأهلية عند التبرع أو الايصاء وباقرار كتابي). كما جاء في المادة (12) من مشروع القانون المصري ما يأتي: (تشكل لجنة من ثلاثة أطباء متخصصين يكون من واجبها إحاطة المعطي بطبيعة عملية استئصال عضو منه أو جزء من هذا العضو ومخاطرها وكافة نتائجها المؤكدة والمحتملة وتتم هذه الإحاطة كتابةً)(11). كما نصت المادة (الرابعة/ف أ/3) من قانون الانتفاع بأعضاء جسم الإنسان الأردني ذي الرقم (23) لسنة 1977(12). على: (أن يوافق المتبرع خطياً وهو بكامل إرادته وأهليته على نقل العضو من جسمه …) ونصت المادة (25/ ف ج) من قانون مزاولة المهن الصحية اليمني(13).على: (أن يوقع المتبرع بالعضو في سجل خاص بعد إطلاعه على كل المعلومات …) ويعود الفضل للمشرع الفرنسي الذي يُّعد أول القوانين المقارنة التي دعت إلى تشديد الالتزام بالتبصير تجاه المعطي وإفراغه بشكل كتابي(14).

_____________________________

[1]- نشر قانون زرع الأعضاء البشرية ذو الرقم (85) لسنة 1986 في الوقائع العراقية العدد (3115) في 15/9/1986 الذي ألغى بصدوره قانون عمليات زرع الكلى رقم (60) لسنة 1981.

2- ينظر في تفصيل هذه الشروط: د. حسن علي الذنون، المبسوط في المسؤولية المدنية، الخطأ، ج2، مطبعة العزة، بغداد، 2001، ص546.

3- د. أحمد شوقي عمر أبو خطوة، القانون الجنائي والطب الحديث، المطبعة العربية الحديثة، القاهرة، 1986، ص33 ومابعدها؛ هيثم المصاروة، التنظيم القانوني لعمليات زرع الأعضاء البشرية، دار المناهج للنشر والتوزيع، ط1، عمان، الأردن، 2000، ص138 ومابعدها.

4- د. حسام الدين كامل الأهواني، المشاكل القانونية التي تثيرها عمليات زرع الأعضاء البشرية، مطبعة جامعة عين شمس، 1975، ص63 وما بعدها؛ د. أسامة نهاد رفعت، د. عبد اللطيف هميم، د. عبد القادر العاني، د. ضاري خليل محمود، د. جابر مهنا شبل، نقل الأعضاء البشرية بين الطب والشريعة والقانون، بيت الحكمة، بغداد، العراق، 2000، ص131؛ د. أسامة عبدالله قايد، المصدر السابق، ص414 ومابعدها.

5- هيثم المصاروة، عبد المهدي عضاب بواعتة، مجموعة التشريعات الصحية في المملكة الأردنية الهاشمية، ط1، دار الحامد للنشر والتوزيع، عمان- الأردن، 2000، ص179.

لم نشر في هذا المجال إلى قانون الانتفاع بعيون الموتى الأردني ذي الرقم (23) لسنة 1956 لأنها مسألة لا تثير الحديث عن التبصير.

6- ينظر في تفصيل هذه الشروط: نائل عبد الرحمن صالح، المسؤولية الجزائية للطبيب في القانون الأردني، بحث منشور في مجلة دراسات، المجلد 26، العدد 1، 1999، ص155.

7- ينظر: المستشار بداوي علي، الالتزامات المهنية للطبيب في نظر القانون الجزائري، بحث منشور في موسوعة الفكر القانوني، ج1، المصدر السابق، ص34 ومابعدها.

8- كما أن القانون الكويتي هو الآخر أجاز عمليات استقطاع الأعضاء وزرعها وأضفى عليها الشرعية بموجب القانون ذي الرقم (55) لسنة 1987 والذي نصت المادة الأولى منه على أنه: (لا يجوز إجراء عمليات استئصال الأعضاء من جسم شخص حي …).

9- د. أحمد شوقي عمر أبو خطوة، المصدر السابق، ص118.

0[1]-فرج صالح الهريش، موقف القانون من التطبيقات الطبية الحديثة، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع، دون مكان طبع، 1996، ص91.

[1]1- ينظر: د. حسام الدين كامل الأهواني، المصدر السابق، ص115؛ وبنفس المعنى تقريباً: ما جاء في مؤتمر تقنين ووضع الأسس التشريعية لنقل وزرع الأعضاء البشرية نظمته كلية الحقوق، جامعة المنصورة، 1996، منشور في مجلة البحوث القانونية والاقتصادية الصادرة عن كلية الحقوق، العدد 18، السنة 1995، ص226.

2[1]- تجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري لم يشر إلى ذلك في مدونة أخلاقيات الطب، إلا أن هذا لا يعني أنه لا يشترط التبصير الكتابي مطلقاً، فقد جاء في قانون حماية الصحة وترقيتها في المواد (161-167) اشتراط الرضاء الصريح المكتوب.

3[1]- كما نصت المادة (45) من قانون عمليات استقطاع وزرع الأعضاء الكويتي ذي الرقم (55) لسنة 1987 على أنه:

(إحاطة المتبرع بكافة النتائج الصحية المترتبة على استئصال العضو المتبرع به، وتتم الإحاطة كتابةً من قبل فريق طبي متخصص وذلك بعد إجراء فحص شامل).

4[1]- ينظر: المادة (671/3) من قانون الصحة الفرنسي ؛

– Jean Penneau، Op.Cit.، P.41.

المؤلف : زينة غانم يونس العبيدي
الكتاب أو المصدر : ارادة المريض في العقد الطبي

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .