مفهوم الإيجاب والقبول في العقد
كثيرا ما تستعمل المصطلحات القانونية دون معرفة معناها الحقيقي، وتثير بالتالي تساؤلات حول هذا المعنى، ومن هذه المصطلحات: الإيجاب والقبول. وفيما يلي بيان لمعناهما القانوني السليم.

نشير بداية إلى أن العقد لا يمكن أن ينعقد صحيحا إلا بتوافر ثلاثة أركان عامة هي: التراضي أو «الرضا»، والمحل، والسبب. وبعض العقود يشترط لانعقادها ركـــن رابع «خاص» يطلق عليه «الشكل أو الشكلية». وكل ركن من هذه الأركان يثير الكثير من المسائل القانونية. وفي هذه المقالة نتوقف عند مسألة واحدة من المسائل التي يثيرها ركن التراضي، وتتعلق بتحديد المفهوم القانوني الصحيح لمصطلحي القبول والإيجاب اللذين يشترط التطابق بينهما لتحقق ركن التراضي. والحقيقة أن كل مصطلح من هذين المصطلحين إنما يمثل إرادة أحد المتعاقدين في إبرام العقد.

أولا: الإيجاب:

تُعرِّف المادة 37 من القانون المدني البحريني الإيجاب بأنه «العرض الذي يقدمه شخص لآخر بعزمه على إبرام عقد معين بمجرد أن يقبله الموجب له. ويلزم أن يتضمن على الأقل طبيعة العقد المراد إبرامه وشروطه الأساسية».

من الواضح أن العرض الذي يقدمه أحد الأشخاص أولا لغيره عارضا فيه إبرام عقد هو الإيجاب في العقد. ويمكن أن يصدر الإيجاب عن أي شخص بغض النظر عن صفته المستقبلية في العقد، فلا يشترط لاعتبار العرض إيجابا في عقد البيع مثلا أن يكون صادرا عن الشخص الذي سيأخذ صفة البائع أو صفة المشتري في العقد بعد إبرامه. بل المهم هو ترتيب العرضين، فالعرض الأول سواء صدر عن المشتري «المستقبلي» أو عن البائع هو الذي يعتبر إيجابا، بينما الرد التالي المتضمن الموافقة على الإيجاب المقدم فهو القبول. والإيجاب إما أن يكون ملزما أو غير ملزم.

والإيجاب الملزم هو الذي يحدد فيه الموجب فترة زمنية يترك خلالها لمن وُجِّـه إليه الإيجاب أن يقبله خلالها، كأن يقدم أحد الأشخاص لغيره إيجابا ببيع سلعة ويمنحه ثلاثة أيام للقبول «م 39 مدني».

وفي هذا الإيجاب لا يجوز للموجب التراجع عنه خلال المدة التي حددها للموجَــب له إلا إذا رفضه الأخير خلالها.

ثانيا: القبول:

ويقصد به الموافقة الصادرة من المـُــوجَــب له على العرض الذي قدمه الموجب في إيجابه. ويشترط لانعقاد العقد أن يأتي القبول مطابقا للإيجاب دون زيادة أو نقص أو تعديل، أما إذا تضمن شيئا من ذلك فإنه يعتبر حينئذ رفضا للإيجاب ويغدو ما تضمنه القبول المعدَّل إيجابا جديدا يحتاج لقبول الموجب الأول لينعقد العقد على ما تقدم به القابل. أما إذا لم يتحقق القبول على هذا النحو فلا ينعقد العقد «م 41 مدني».

ومن حيث الأصل فلا يعتبر السكوت ممن وُجِّـــه إليه الإيجاب قبولا، فلا ينعقد به العقد. ومع ذلك يمكن اعتبار السكوت قبولا على سبيل الاستثناء في الحالات التالية:

* إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين وكان الإيجاب متصلا بهذا التعامل.

* إذا جاء الإيجاب لمنفعة مَـن وُجـِّــه إليه، حيث يعتبر سكوت الأخير في هذه الحالة قبولا بما تضمنه الإيجاب، كما لو عرض المؤجر على المستأجر تخفيض الأجرة فسكت الأخير، ففي هذه الحالة يُـحمل سكوتـُه على أنه قبول بعرض المؤجر «م 42 مدني».

* إذا جاء السكوت من المرأة البـِكْــــر في عقد الزواج.

ثالثا: بعض الأحكام المشتركة في الإيجاب والقبول:

يمثل الإيجاب والقبول تعبيرا عن إرادة كل من المتعاقدين، فالإيجاب هو تعبير عن إرادة الموجب بينما القبول هو تعبير عن إرادة القابل.

ووفقا للقانون فإنه يمكن التعبير عن الإرادة سواء في صورة الإيجاب او القبول باللفظ أوالكتابة أو الإشارة الشائعة الاستعمال أو بالمبادلة الفعلية الدالة على التراضي «المعاطاة أو التعاطي»، أو باتخاذ موقف لا تترك ظروف الحال مجالا للشك في دلالته على إرادة الموجب أو القابل.

غير أنه إذا تطلب القانون شكلا معينا للتعبير عن الإرادة كأن تكون مكتوبة فلا بد من أن يأخذ الإيجاب والقبول هذا الشكل حتى ينعقد العقد.

كما إن التعبير عن الإرادة بالإيجاب أو القبول يمكن أن يكون ضمنيا ما لم يستلزم القانون أو الاتفاق أو طبيعة المعاملة أن يتم هذا التعبير صراحة «م32 مدني».
د. خليل مصطفى
إعادة نشر بواسطة محاماة نت