الإعدام.. عقوبة تتناقض مع المجتمع المدني!

القتل باسم “العدالة والردع” سلوك شائع منذ وجد البشر في تنظيمات اجتماعية مقنونة. فهو منصوص عليه بأشكال مختلفة في شريعة حمورابي. وقد تضمن أشكالاً مختلفة أشهرها الشنق وقطع الرأس بالسيف والرمي بالرصاص والكرسي الكهربائي..
ورغم أن همجية هذا السلوك لا يخفيها الادعاء أنها إنما تجري باسم المجتمع أو لمصلحته، إلا أن المدافعين عنها ما زالوا يشيرون إليها بصفتها تقوم على تخفيف الجريمة في المجتمع. رغم أنه لا توجد دراسة واحدة تؤكد أن الجرائم قد ارتفعت في البلدان التي ألغت عقوبة الإعدام، بعد إلغائها. ولا دراسة تؤكد أن البلدان التي تمارس عقوبة الإعدام قد تمكنت من تخفيض عدد الجرائم المعاقب عليها بالإعدام. ولنا في بلدنا خير مثال على أن عقوبة الإعدام لم تؤد إلى أي نتائج “ردعية”.
إضافة إلى ذلك، فإنه من غير الصحيح أن نعطي لأي جهة كانت الحق بأن تهدر حياة إنسان لأي سبب كان، بما في ذلك “ردع” الآخرين عن الجريمة، أو “عقاب” الذي ارتكبها. فالحياة هي حق مقدس لكل إنسان بغض النظر عن أي اعتبار آخر، ولا يحق لأحد هدرها حتى باسم العدالة.

والإعدام ليس إلا قتلاً اتخذ اسماً آخر لأن القاتل فيه هو حكم ناتج عن اجتماع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية . بل إنه يتفوق على القتل الذي يقوم بها الأفراد في همجيته لأن المقتول هنا هو أعزل بالمطلق وعاجز بالمطلق عن التصرف، لا الدفاع عن نفسه ولا الهرب من القتل. وحتى حين يبرر القتل بما فعله المتهم، فإن ذلك لا يعبر عن العدالة إلا بمعناها البدائي المعبر عنه بقاعدة: العين بالعين والسن بالسن. ومن جهة أخرى برهنت الكثير من الأحداث في العالم عن أن الخطأ القضائي وارد حتى في أفضل المحاكمات وأكثرها نزاهة. والمشكلة من هذه الناحية أن القتل باسم الإعدام هو فعل لا يمكن التراجع عنه حين قد ينكشف خطأ القضاء في القرار الذي اتخذه بالإعدام.

ومن هذه الناحية لا يختلف قتل أي سلطة تستخدم قوانينها لإعدام الفرد باسم العدالة عن قتل أي فرد لفرد آخر بالذريعة نفسها. لأن الحياة هي خارج كل اعتبار أخلاقي أو ديني أو تنظيمي. فالقتل هو سلوك همجي بامتياز مهما كانت مبرراته وصفاته.
وتقديس حق الحياة ليس جديداً، فقد أكدت عليه جميع المعتقدات السامية، والأديان جميعا، رغم أن الأديان أيدت أيضاً عقوبة الإعدام بأسماء مختلفة. إلا أن تأييد الأديان لهذه العقوبة مفهوم في السياق التاريخي الذي تواجدت فيه. حيث لم تكن البشرية قد وصلت بعد إلى مستوى فهم أن حق الإنسان بالحياة هو حق أساسي غير قابل للنقاش والمساومة.
وتشكل المادة (3) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان آخر الصياغات التي تؤكد هذا الحق: “لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه”.
أما من ناحية المتهم (الجاني)، فالإعدام عادة ما يكون هو أسهل الطرق لتعامل القضاء معه. بينما لو أتخذ القضاء آخر مكتشفات علمي النفس والاجتماع والعلوم الجنائية المتطورة.. الخ، لوجدنا أن هذا الجاني هو أصلا ضحية بشكل أو بآخر. ولا يعني ذلك بالضرورة أن يعفى من العقوبة كما يحلو للذين يرمون العقل جانبا لصالح العواطف البدائية التي تقرر ردود الأفعال الأولى على الجرائم البشعة، بل أن لا يعتبر المجرم كما لو أنه ولد كمجرم. إذ لا توجد جينات جرمية حتى يمكن لأحد أن يقول ذلك. بل حتى في هذه الحالة فإن القتل باسم المجتمع والدولة والعدالة يبقى سلوك انتقامي همجي.
بل إن الكثير جداً من ضحايا القتل باسم المجتمع (الإعدام) كانوا أصحاب مبادئ وآراء لا تتفق مع السلطات القائمة (السياسية أو الدينية أو المجتمعية)، والتاريخ يعج بمثل هذه الأسماء مثل اسبارتاكوس والسيد المسيح وأبي ذر الغفاري وأنطون سعادة.

الإعدام في النصوص القانونية:
ذكرت “عقوبة الإعدام” في القانون السوري على النحو التالي:
في قانون العقوبات:
المادة /37/ من قانون العقوبات- عام:
إن العقوبات الجنائية العادية هي: 1- الإعدام.
المادة/535/ من قانون العقوبات- عام:
يعاقب بالإعدام على القتل إذا
1- أرتكب القتل عمدا.
2-تمهيدا لجناية أو تسهيلا أو تنفيذا لها أو تسهيلا لفرار المحرضين على تلك الجناية أو فاعليها أو المتدخلين بها أو للحيلولة بينهم وبين العقاب.
3- على احد أصول المجرم أو فروعه.
وكذلك تحدثت المواد (248-263-264-265-266-305-321) من قانون العقوبات- عام عن الإعدام وشرعته.
أمافي قانون العقوبات العسكري، فقد ذكر الإعدام في المواد التالية:
المادة /102/: 1- يعاقب بالإعدام كل عسكري ارتكب جريمة الفرار إلى العدو.
المادة /103/: الفقرة/5/: زمن الحرب يعاقب بالإعدام:
آ- الذي يفر بمؤامرة أمام العدو.
ب- رئيس المؤامرة على الفرار إلى الخارج.
المادة / 137/: يعاقب بالإعدام كل عسكري يقدم قصدا وبأي وسيلة كانت على حرق أو هدم أو إتلاف أبنية أو إنشاءات أو مستودعات أو مجاري الماء أو خطوط حديدية أو خطوط ومراكز البرق والهاتف أو مراكز الطيران أو سفن وبواخر ومراكب أو شيء غير منقول من أشياء الجيش أو من الأشياء التي تستعمل في الدفاع الوطني.
وكذلك المواد:
(132-142-144-146-152-153-154-155-156-158 -160)
يذكر أن جميع أحكام الإعدام في سورية لا تسري المفعول إلا بعد تصديق الحكم من قبل رئيس الجمهورية.
أشكال الإعدام في سورية:
في الإعدام العسكري:
يجرد المحكوم من كافة شاراته العسكرية ويقرأ عليه حكم المحكمة العسكرية، تعصب عيناه ومن ثم يربط إلى عمود ويقوم بمهمة رميه بالرصاص اثنا عشر جنديا ويتم التنفيذ في الصبا ح الباكر.

في قانون العقوبات السوري:
– يشنق المحكوم عليه بالإعدام في داخل بناية السجن، أو في محل آخر يعينه المرسوم القاضي بتنفيذ العقوبة. وقد يكون هذا المكان مكاناً عاماً كما حصل في العديد من أحكام الإعدام التي نفذت في المدن السورية على مرأى من كافة الناس! والإعدام في الأماكن العامة هذا يشكل انتهاكاً إضافياً لحقوق الإنسان لأنه يتضمن التشهير بالمحكوم عليه بالإعدام من ناحية، ولأن القتل على مرأى من العامة هو أيضاً انتهاك لحقوق العامة!
– يؤجل تنفيذ الإعدام بالحامل إلى أن تضع حملها.
– وعادة، في كلا تنفيذ العقوبتين، لا تسلم جثة المحكوم عليه بالإعدام إلى أهله.

ناقشنا أعلاه خطأ الفكرة القائلة بأن الإعدام يساهم في انخفاض مستوى الجريمة، والذرائع الأخرى لممارسة هذه العقوبة الانتقامية. والواقع أن استبدال الإعدام بالسجن مدى الحياة، وربما بعقوبات أخرى معززة، هو أدعى للإنسانية وللعدالة. بل يجب أيضاً أن تأخذ الأحكام بالحسبان:
ا- الوصول إلى الأسباب الحقيقية الاجتماعية والنفسية التي جعلت الفاعل يصل إلى مستوى الإجرام ومعالجتها من السبب الرئيسي لنشوئها، وبالتالي السعي إلى اجتثاث أسباب وعوامل الجريمة في المجتمع بشكل تام.
ب- أن تكون السجون عبارة عن مؤسسات حقيقية، وليست فقط مكانا للاحتفاظ بالسجناء بعيدا عن المجتمع، وتكون مهمتها الأخذ على عاتقها العناية بشؤون السجين لإعادة تأهيله وإصلاحه من جديد ليكون قادرا على الائتلاف مع المجتمع حتى في حال وجود الحكم المؤبد الصادر بحقه، وتعليمه حرفة أو عمل يستطيع مزاولته ليكون على الأقل قادرا على تحمل مصاريفه في السجن.
توزيع الدول حسب تبنيها لعقوبة الإعدام:
وصل عدد الدول التي ألغت العقوبة في القانون والممارسة إلى /137/ دولة. وكانت أخر دولتين ألغتا عقوبة الإعدام لديها هما كازاخستان وأوزبكستان. كما ألغتها دول الإتحاد الأوربي وجعلت إلغاءها واحداً من شروط الانضمام إلى الاتحاد..
بينما بقيت /60/ دولة تأخذ بهده العقوبة، بينها أغلب الدول العربية. إلا أن بعض الدول العربية (الجزائر، تونس، موريتانيا، المغرب) لم تلغ العقوبة رغم مرور أكثر من عشرة سنوات دون تنفيذ أية عقوبة إعدام.
العمل ضد عقوبة الإعدام:
مؤخرا قامت حملة تصويت مناهضة للإعدام في الأمم المتحدة، في تشرين الأول لعام / 2007/ حيث تم التصويت بـ/ 99/ صوت مقابل /52/ صوت للتصويت على قرار لوقف تنفيذ عمليات الإعدام وصولا إلى إلغائها نهائيا من قوانين الدول.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها المجتمع الدولي بصوت واضح ضد عقوبة الإعدام.
برغم أن القرار ليس ملزما للدول للأخذ به، إلا انه كان وسيلة إقناع لبعض الدول لإجراء حوار وطني بخصوص عقوبات الإعدام ودراسة إمكانية إلغائها، تمهيدا لمنع عقوبة الإعدام بشكل عالمي.
وقد دعت منظمة العفو الدولية مؤخرا إلى:
– تعليق تنفيذ عمليات الإعدام في العالم بأسره.
– إلغاء عقوبة الإعدام على جميع الجرائم.
– المصادقة العالمية على المعاهدات التي تنص على إلغاء عقوبة الإعدام، ومنها (البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية).
– تقيُّد جميع البلدان التي أبقت على عقوبة الإعدام بالتزاماتها الدولية المتعلقة بعدم استخدام العقوبة ضد الأحداث.
وفي فلسطين بدأ العمل الجاد على إلغاء عقوبة الإعدام منذ تنفيذ السلطة الوطنية الفلسطينية لأول عقوبة إعدام في الأراضي الفلسطينية في العام/ 96/ حيث باشرت مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية في إطلاق حملة لمناهضة حكم الإعدام. وأصدر تقرير متخصص بهذا الشأن في عام 1996، كما شنت حملة واسعة مناهضة عام 2005، ونظمت حملة مركزة لمنع تنفيذ الإعدام بحق 15 مواطناً فلسطينياً. كما أحال الرئيس الفلسطيني محمود عباس ملفات العديد ممن صدرت بحقهم أحكام إعدام صادرة عن محكمة أمن الدولة إلى القضاء العادي لإعادة النظر فيها.
وفي الأردن تم تأسيس التحالف الأردني لمناهضة عقوبة الإعدام في شهر آذار 2008، وفي تموز منه تم تشكيل التحالف الإقليمي لمناهضة عقوبة الإعدام.
ورأى المشاركين في التحالف ضرورة العمل والسعي على كافة الصعد من أجل إيصال صوتهم كتحالف أردني مناهض لعقوبة الإعدام من خلال وسائل الإعلام والهيئة التشريعية (البرلمان) ومناشدة الحكومة بالعمل على إلغاء هذه العقوبة واستبدالها إن أمكن بعقوبة السجن مدى الحياة لإمكانية أن الإنسان الذي يحكم بهذه العقوبة تبقى أمامه وأمام القضاء فرصة العودة عن هذا الحكم في حالة تم التوصل إلى براءته، على العكس من عقوبة الإعدام التي إذا نفذت تكون هي بمثابة القرار الأخير الذي لا رجعة عنه.
ومما يذكر أن التحالف الأردني لمناهضة عقوبة الإعدام يضم في عضويته ما يزيد عن (50) منظمة مجتمع مدني، وأكاديمي، ومثقف، وحزبي، ونقابي، وحقوقي.
أما في المغرب، فقد برزت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، ومنظمة العفو الدولية – فرع المغرب، وغيرها من الهيئات الأخرى، التي أصدرت في 2006 برنامجاً مناهضا لعقوبة الإعدام نس على:
– إصدار بلاغ بمناسبة اليوم العلمي لمناهضة عقوبة الإعدام 10 كانون الأول.
– تنظيم وقفة أمام البرلمان في 10 ك1 2006 لتجديد مطالبة الدولة المغربية بالمصادقة على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام.
– عرض شريط حول عقوبة الإعدام بالمغرب.
– تنظيم يوم دراسي حول عقوبة الإعدام بالمغرب.
وفي سورية لا توجد حركة واضحة المعالم مناهضة للإعدام. إلا أن منظمات حقوق الإنسان عموماً تتجه إلى مناهضة هذه العقوبة دون أن يبدو لديها برنامج ورؤية واضحة لذلك.

ولا بد من الإشارة في هذا السياق إلى أن بعض منظمات حقوق الإنسان العربية كانت قد أصدرت بيانات تحت مسمى “قنونة” الإعدام، وطالبت فيه بالحد من الحكم به إلا في بعض الحالات. والواقع أن عقوبة الإعدام كانت مقننة دائما في كل الشرائع والقوانين في العالم كله. وبالتالي فإن المطالبة بتقنينها هي مطالبة نافلة. ولا معنى للقول أن هناك جريمة “تستحق” الحكم بالإعدام. لأن مجرد القول بذلك يفتح الباب ليكون هناك اجتهادات أخرى لدى شرائع أخرى باعتبار جرائم أخرى تستحق الإعدام! وهي الدائرة المغلقة التي وقعت فيها كل محاولات زيادة التقنين على هذه العقوبة. فبينما نجد في بلد ما سلوكاً معيناً هو جريمة يعاقب عليها بالإعدام، نرى في بلد آخر انه لا يعاقب عليها هكذا، بينما يعاقب على جريمة أخرى بالإعدام!

وبالتالي فإنه لا يوجد واقعياً سوى موقفين تجاه عقوبة الإعدام: إما مع، أو ضد. وكل المحاولات الأخرى لإيجاد مساحة بينهما هي نوع من التحايل على حقيقة أن الإعدام هو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان مهما كان مبرراته ومسوغاته ودوافعه.
يذكر أن إحصائية قامت بها مؤخراً منظمة العفو الدولية بخصوص عدد الأشخاص الذين نفذ بحقهم حكم الإعدام، أشارت إلى: أن 1252 شخصاً وثق إعدامهم في 31 عام 2007، وتشير المنظمة إلى أن الرقم الحقيقي أكبر من ذلك بكثير لكن هناك صعوبة في الوصول إلى معلومات دقيقة في العديد من البلدان.
وتأتي إيران في المرتبة الثانية عالمياً من حيث تنفيذ الإعدام بواقع 139 شخصاً أعدموا عام 2001، والسعودية في المرتبة الثالثة (79) شخصاً، وأمريكا في المرتبة الرابعة (66) شخصاً.