تمت إعادة النشر بواسطة محاماه نت

القاعدة في إطار التحكيم التجاري هي سيطرة قانون الإرادة وهيمنته على تعيين القانون المطبق على العقد[1]، ولكن الوصول إلى تطبيق القانون الذي يختاره سلطان الإرادة لم يكن بالأمر السهل، فقد مر بطريق طويل وما تزال هذه الخطوة على صعيد الفقه والاجتهاد وتشريع الاتفاقيات الدولية، موضع إثارة للجدل، وان كان قد أصبح للإرادة سلطان كامل في اختيار القانون الذي يطبق في التحكيم التجاري الدولي، وأصبح بالإمكان إجراء التحكيم في بلد وتطبيق قانون بلد أخر. وبالتالي تقاس عيوب الإرادة في العقد الأصلي وفقا لقانون معين وتقاس عيوب الإرادة في العقد التحكيمي “أي الشرط التحكيمي الوارد في العقد”على أساس قانون أخر، وإن خلا العقد التحكيمي من اختيار قانون يطبق على التحكيم الأمر الذي أكدته اتفاقية جنيف الأوروبية 1961 حيث أن الأطراف في هذه الاتفاقية أحرار في تحديد الحقوق القانونية التي يجب أن يطبقها المحكمون على أساس النزاع. وفي حالة غياب الدلائل عن الأطراف على الحقوق القانونية المطبقة فإن المحكمين يطبقون القانون الذي تعينه قاعدة الإسناد عند تنازع القوانين والتي يجدها المحكمون أكثر ملاءمة بالنسبة للنزاع. وفي الحالتين فان المحكمين يأخذون بالعادات وبالأعراف التجارية[2]. والملاحظ أن اتفاقية جنيف قد فرقت بين القانون المطبق على أساس النزاع، والقانون المطبق على التحكيم فالمحكمة التحكيمية الباثة في صحة العقد التحكيمي تطبق قانون إجراءات المحاكمة التحكيمية الذي اختاره الطرفان، أو أطراف العقد وإلا وفقا لقانون إجراءات المحاكمة التحكيمية في مكان التحكيم، أو تبحث من خلال قواعد الإسناد المطبقة لديها عند تنازع القوانين عن قانون إجراءات المحكمة التحكيمية المطبق. وإذا حصل هذا التصادم بين قانون إجراءات المحاكمة المطبق الذي تحدده المادة السادسة من الاتفاقية والقانون المطبق على أساس النزاع الذي تحدده المادة السابعة من الاتفاقية فإن الفقه[3] يرى أن نصوص نظام المادة السادسة من” قانون إجراءات المحاكمة المطبق”لايتبع، إلا إذا جرت مراجعة المحاكم القضائية بالأساس قبل بدئ إجراءات التحكيم. أما إذا كان التحكيم قد بدأ فإن مراجعة المحكمة القضائية تكون أما للمراقبة أو للتنفيذ، وفي الحالتين تطبق المحكمة نظام المادة السابعة “أي القانون المطبق على النزاع” ومن ذلك يبقى أن الاتفاقية كرست مبادئ أساسية بالنسبة للقانون المطبق باعطائها الاولوية لكل من

§ سلطان الإرادة.

باعتبار أن الأطراف أحرار في اختيار القانون الذي يتوقفون على تطبيقه على العقد، وهم غير مقيدين في اختيارهم بأي إعتبار سوى مصلحتهم المشتركة، وهذا تأكيدا وتكرار للقاعدة التي وضعتها اتفاقية نيويورك. مغلبة انتصار قانون إرادة الطرفين على قانون مكان التحكيم وجعله ضابطا احتياطيا.

§ القانون المطبق.

الملاحظ أن اتفاقية جنيف الأوروبية جاءت بأمر جديد، وهو أنها أعطت الأطراف حرية اختيار ” القانون المطبق” رغم أنها لم تنص على هذا القانون، بل نصت على مسألة “الالتزامات والحقوق القانونية ” التي يعود للأطراف اختيارها وعلى المحكمين تطبيقها، وهي قواعد ومبادئ قانونية مأخوذة من قوانين بعض البلدان أو من قانون بلد ما يتفق الأطراف على تطبيقها، وهي أوسع من نص ” القانون” أيا كان بلد هذا القانون، ويبدو من خلال النصوص التي وردت في اتفاقية جنيف أنها شئ مميز عن القوانين.
إذ أن الاتفاقية تنص على حرية الأطراف في اختيار” مجموعة الالتزامات والحقوق القانونية le droit لتطبيقها على أساس أنه وفي حال غياب مثل هذا الاتفاق عليها، يطبق المحكمون القانونla loi [4] الذي نعتته قاعدة الإسناد التي يجدونها أكثر ملائمة بالنسبة للنزاع.
وهكذا يتبين أن < مجموعة الموجبات والحقوق القانونية > هي بديل على الأقل إذا لم تكن عكس <القانون> فهي على الأقل مختلفة عنه.
باعتبار أن < مجموعة الالتزامات والحقوق القانونية le droit> واسعة جدا، وتعطي حرية كبيرة لم تجد اتفاقية جنيف بالإمكان إعطائها لغير أطراف العقد التحكيمي، بينما حدت من حرية المحكمين في اختيار < القانون la loi> الذي يتوصلون إليه بحرية ولكن على ضوء قاعدة الإسناد التي يجدونها ملائمة للنزاع.

حرية المحكمين في اختيار القانون المطبق:

إذا كان الجديد الذي جاءت به اتفاقية نيويورك هو تكريس سلطان الإرادة في اختيار القانون المطبق. فإن الجديد الذي جاءت به اتفاقية جنيف الأوروبية، هو إعطاء المحكمين حرية تعيين القانون المطبق، على ضوء قاعدة الإسناد التي يجدونها ملائمة، وذلك طبعا في حال غياب الاتفاق بين الأطراف على <التزامات وحقوق قانونيةle droit> يجرى تطبيقها على العقد فتكون قد عهدت للمحكمين بمهمتين:
المهمة الأولى: عينتهم وكلاء عن الأطراف في إيجاد قانون يطبق على العقد، في حال تخلف الأطراف عن اختيار هذا القانون، فتكون قد نقلت سلطان الإرادة من يد أطراف النزاع إلى يد المحكمين.
ولكن الأطراف يملكون اختيار نظام <التزامات وحقوق قانونيةle droit > يجدونه كما يشاؤون، أما المحكمون فلا يملكون سوى إيجاد قانون أضيق من <مجموعة الالتزامات والحقوق القانونية > يطبقونها على العقد .
المهمة الثانية : عينتهم محكمين لحسم النزاع على ضوء القانون الأكثر ملائمة مع طبيعة النزاع ، الذي وجدوا قاعدة إسناد تقود إليه.

§ تطبيق أعراف التجارة الدولية

انفردت اتفاقية جنيف بأنها دعت المحكمين لأخذ أعراف التجارة الدولية[5] بعين الاعتبار إلى جانب القانون المطبق، سواء الذي توصل إليه المحكمون، أم الذي اختاره الأطراف حيث يذهب الاستاد الأحدب إلى القول بالحرف في كتابه السابق الإشارة إليه ” بحيث تأتي أعراف التجارة الدولية متممة للقانون المطبق ” في حين يمكن القول أنه قد بات من العسير على قضاء التحكيم بوصفه قضاء أصيلا للعولمة وبالتبعية لمجتمع التجارة الدولية الذي أصبح واقعا لايمكن إنكاره أن يتجاهل عادات وأعراف التجارة الدولية والتي نشأت بطريقة تلقائية بين المتعاملين على المسرح الدولي، والتي تشكل منهجا قانونيا متله مثل باقي المناهج الأخرى [6]. فالمحكمون سيجدون أن عادات وأعراف التجارة الدولية هي وحدها القادرة على أن تحكم هذه الروابط الخاصة الدولية بل تفرض نفسها على المحكم في تطبيقها دائما، دون أن يكون هناك اتفاقا بين الأفراد على تطبيقها كونها وبامتياز قانون اختصاص المحكم lex. arbitre على غرار lex. fori الذي هو أساس اختصاص القاضي الوطني.
فالمحكم الدولي، إما أن يطبق هذه العادات نزولا عند إرادة المتعاقدين، أو بالتطبيق المباشر حيث يصعب على المحكم تجاهلها بوصفها القانون الواجب التطبيق على علاقات التجارة الدولية [7].

[1] ولكن هده السيطرة بثلاث تحفظات أساسية:
أ ) حتى في حالة اختبار سلطان الإرادة قانون فان هدا القانون يجب ان يكون فاعلا وكافيا .
ب ) أن يكون القانون المختار لا يتناقض وقواعد تتعلق بالنظام العام مثل بيع الرقيق او استئجار النساء .
ج ) أن يكون القانون المطبق على العقد الأصلي مثلا هو القانون الجزائري ويكون قانون التحكيم هو القانون المغربي
[2] عبد الحميد الأحدب المرجع السابق ص 239 وما يليها
[3] عبد الحميد الأحدب المرجع السابق ص 241 ومايليها
[4] إن وسيلة القانون لتحقيق أغراضه تتجسد في تحديد نطاق لكل فرد أو عدة أفراد يستطيعون في حدوده أن يمارسوا نشاطهم وحرياتهم ، ويمنع على غيره أو غيرهم المساس به أو التعدي عليه هدا النطاق يشكل ميزة لصاحبه يحميها القانون ، وهو مايطلق عليه الحق هدا الأخير تقابله قيود على حريات الأفراد الآخرين تلزمهم باحترامه وعدم المساس به وإلا تعرضوا للجزاء وهي مايطلق عليها الواجبات
للمزيد من التوسع في مفهوم القانون والحق والفرق بينهما يرجى الرجوع إلى كتاب مدخل لدراسة القانون، نجاة بضراني الطبعة الثانية 2001 ص 7 ومايليها .
[5] باستقراء متأن لكتابات الفقه ونصوصه التشريعات الوطنية وأيضا القضاء الوطني والدولي وتنظيمات ولوائح الهيئات الخاصة الدولية ، نجد أن هناك خلطا بين المفاهيم وصعوبة في التميز بين العادة والعرف وما شابهها ، رغم بعض المحاولات لإيجاد معيار للتفرقة لكن الغالب عليها التعميم والإطلاق، فأحيانا يطلق على العادات أعراف والأعراف عادات وأحيانا أخرى يطلق على السلوك الشائع والممارسة الفردية في المجتمع الدولي أعراف وعادات ، فضلا عن عدم التميز أحيانا أخرى بين المبادئ العامة للقانون وعادات وأعراف التجارة الدولية و صعوبة التفرقة بين العادة و العرف في هذا المجال دفعت بالمشرع الفرنسي ومحكمة النقض الفرنسية أيضا إلى إطلاق اصطلاح العادات التجارية على ما يسمى بالأعراف التجارية على أساس أن تعبير العادة يطلق على كل أنواع العرف ونفس الشئ بالنسبة لتشريعات الدولية .
للمزيد من التوسع في هده النقطة يرجى الرجوع الى :
Y .Derains – Le Statut des usage de commerce international devant les juridictions arbitrales – Rev .arb n1 . 1973 p 122 et s spec p132
[6] على أساس أن هناك اتجاهين اتجاه منكر للصفة القانونية للعادات وأعراف التجارة الدولية واتجاه مقر بحقيقة وجود هدا المنهج وهو الذي نؤيده .
[7] Y . DERAINS – l’application cumulative par l’arbitre des systèmes de conflit lois intéresses du litige Rev .arb n1 ; 1972 p 29