الإثبات بالكتابة .. وتقليل المنازعات
يوسف الفراج
من الأركان الأساسية في العملية القضائية: وسائل الإثبات, ومن العناصر المهمة والمؤثرة في هذا الركن ما يتعلق بتعدادها, وهل هي محصورة بعدد معين أم لا؟ وهو موضوع مرتبط بالنظرية العامة للإثبات, فأحد الاتجاهات في الفقه الإسلامي يشدد على أن وسائل الإثبات توقيفية تستمد من النص, ويمكن التعبير عن ذلك حسب التعبير القانوني بأنها من “النظام العام”, وعليه فلا بد من الالتزام بما ورد في النص لفظياً من حيث عددها وأنواعها والشروط الواردة حولها, وذهب بعض المحققين ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم إلى القول إن وسائل الإثبات غير محصورة بعدد معين, تأسيسا على أن البينة كل ما يبين الحق ويظهره, وبهذا فقد اختارا جواز القضاء بشهادة الواحد في بعض الصور, بل والقضاء بشهادة المرأة الواحدة عند الحاجة فيما لا يتوقف على التذكر ويكون عرضة للنسيان, ومستند ذلك تعليل قوله تعالى:”… فتذكر أحداهما الأخرى”, بأن ما لا يكون عرضة للنسيان فيقبل فيه قول المرأة الواحدة.

وأما ما يستدل به الجمهور من نصوص من الكتاب والسنة من مثل قوله تعالى: “وأشهدوا ذوي عدل منكم” وغيرها, فحملها شيخ الإسلام على أن ذلك توجيه من الشارع للناس في كيفية حفظ الحقوق, وأما عند الإثبات والقضاء فكل ما يبين الحق فهو دليل إثبات, وقد شرح الشيخان نظريتهما في وسائل الإثبات في عدد من كتاباتهما, ومنها لابن تيمية: “السياسة الشرعية “, ولابن القيم “إعلام الموقعين” و “الطرق الحكمية”.

في هذا الإطار يرد الحديث عن مدى مشروعية تحييد بعض وسائل الإثبات والاتفاق على حصر البينة في عقد أو تعامل معين بواحد أو أكثر من وسائل الإثبات دون غيرها, وهي مسألة مقابلة للمسألة السابقة, والمشهور في العقود المدنية حصر الإثبات في الكتابة بعد بلوغ قيمة العقد مبلغاً معيناً, والسؤال هنا فيما لو اتفق اثنان على أنه في حال اختلفا وذهبا إلى القضاء فإنه لا يقبل في البينات إلا ما كان مكتوبا فقط, وما كان غير ذلك فيرد, فهل يقال إن الإثبات ووسائله من حقوقهما وقد اتفقا عليه ومن ثم نُعمل مبدأ الرضائية في العقود التي يتصف بها الفقه الإسلامي ونعمل بما اتفقا عليه ونحصر الإثباتات في الخلافات بينهما على الكتابة فقط ؟ أم أن وسائل الثبات من النظام العام فلا يجوز ذلك إلا بعد النص عليه في نظام الإثبات, موضوع يحتاج إلى بحث طويل وهو جزء من مشروع تدوين الفقه الإسلامي وتقنينه, ولكن لا أرى ما يمنع من الأخذ بذلك في بعض الصور من مثل تجديد عقود الإيجار مثلا بحيث لا يصح التمديد إلا بخطاب كتابي والقبول كذلك.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت