الإتفاق على ضمان المدين خطأ الغير

مقال حول: الإتفاق على ضمان المدين خطأ الغير

الإتفاق على ضمان المدين خطأ الغير

نصت المادة ( 238/2) من المشروع على أنه:” يجوز الاتفاق على أن يتحمل المدين السبب الأجنبي”.

أما نص المادة (217/ 1) مدني مصري فجاءت خالية من ذكر السبب الأجنبي واقتصرت على ذكر القوة القاهرة والحادث المفاجئ. إن نص المشروع على هذا النحو يدخل إلى جانب القوة القاهرة والحادث المفاجئ، يدخل خطأ الغير وخطأ الدائن، وهو أمر بحاجة إلى مراجعة.

أولا: الاتفاق على ضمان المدين خطأ الغير

يقصد بالغير؛ الغير عن العقد وليس الغير الذي يسأل عنه المدين شخصيا بموجب العقد( 1 ).

ويعد الاتفاق على ضمان المدين خطأ الغير جائز، إلا أن مثل هذا الاتفاق يخلف صعوبات من الناحية العملية. فقد يتفق على تحمل المدين الخسائر التي تلحق بالدائن جراء خطأ الغير، ومثل هذا الاتفاق، لا ينتج أثره في مواجهة الغير، فلا يفيد منه ولا يستطيع التمسك به في مواجهة الدائن، وهو ما يثير إشكالية مفادها أن الأضرار التي لحقت بالدائن هي أضرار غير مباشرة، وهي مما لا يعوض عنه، وعليه فان المدين لا يمكنه الرجوع مباشرة على المخطئ (الغير) بالأضرار التي لحقت الدائن جراء عدم التنفيذ أو التنفيذ المعيب بفعل خطأ الغير.

وإنما يستطيع ابتداءً أن يرجع عليه بالأضرار المباشرة التي لحقت به-بالمدين- فقط، أما الأضرار التي لحقت بالمدين جراء اتفاقه على تحمل خطأ الغير فلا يمكن للمدين التمسك بها في مواجهة الغير، ذلك أنه لا أثر للعقد في مواجهة الغير. فالمدين في الواقع ألزم نفسه ولا يستطيع أن يلزم غيره بما اتفق عليه.

كما أن المدين لن يستطيع الرجوع على الغير من خلال الدعوى المذكورة إلا في حدود ما أصابه هو من أضرار مباشرة، أي التي تكون نتيجة طبيعية للخطأ الذي ارتكبه الغير، وفي ذلك نصت المادة ( 186 ) من المشروع: “يقدر التعويض في جميع الأحوال بقدر ما لحق المضرور من ضرر، وما فاته من كسب بشرط أن يكون ذلك نتيجة طبيعية للفعل الضار”(2) أما الأضرار التي لحقت به جراء اتفاقه مع الدائن فهي لا تعد-باعتقادي- مباشرة، فلا يستطيع الرجوع فيها على الغير. وتعد الأضرار المتعلقة بالدائن غير مباشرة –باعتقادي- لأنها جاءت على خلاف الأصل القاضي بعدم مسؤولية المدين تجاه الدائن.

فهذه الأضرار لم تكن نتيجة طبيعية لخطأ الغير. وأضرب على ذلك المثال التالي: لو أن البائع (مدين) اتفق مع المشتري (دائن) و على خلاف الأصل، على تحمل الأول الأضرار التي تلحق بالدائن جراء عدم التسليم للبضاعة حتى وإن صدر خطأ عن الغير أدى لاستحالة التنفيذ.

واتفق البائع نفسه (المدين نفسه) مع مشتر آخر (دائن ثان)، على تسليمه البضاعة بحسب الأصل، أي لم يضمن خطأ الغير.

وحدث أن قام الغير بارتكاب خطأ أدى إلى تلف البضاعة التي يراد تسليم بعضها للدائن الأول وبعضها للدائن الثاني، فانه من غير المعقول أن يعوض الدائن الأول من قبل الغير، ولا يعوض الدائن الثاني لمجرد أن الأول وضع شرط وأن الثاني لم يضع شرط، ولا يرد القول إن التعويض سيتحقق للمدين شاملا الأضرار التي لحقت به بما فيها ما خلفه الشرط في ذمته.

لأن مثل هذا التعويض يمنح للعقد أثرًا في مواجهة الغير الذي لم يكن طرفا فيه، فيكون التعويض قد ارتبط بالضرر من خلال العقد، فيكون غير مباشر، ولا يعوض عنه. يلاحظ أن النتيجة التي يمكن التوصل إليها بمثل هذا الاتفاق لا يجوز أن تمتد في مواجهة الغير، وعليه فان مثل هذا الاتفاق يكون مختلا في جزء منه ولا يرد القول بأنه يستطيع المدين أن يرجع بما أداه على الغير، ذلك أن الضرر الذي أصابه جراء الشرط سيبقى غير مجبور، وعليه أرى أن لا يؤخذ بمثل هذا الشرط ما لم يكن المقابل واضحا ومعقولا.

ومن غير المعقول أيضا تعويض الاثنين (الدائن الأول والدائن الثاني)، لأن التعويض هنا سببه علاقة مباشرة بين المدين (البائع) والغير (محدث الضرر)، أما فيما يتعلق بالعلاقة بين المشتريين والغير فهي غير مباشرة، وترتبط فيه من خلال العقد الذي لا يحتج بأثره في مواجهته. كما أن مثل هذا الاتفاق يخالف القاعدة التي جاءت في المادة ( 3 ) بفقرتيها الثانية والرابعة من المشروع، وهو ما سأدرسه أدناه أثناء تناول الاتفاق على تضمين المدين خطأ الدائن.

ثانيا: تضمين المدين خطأ الدائن

إن تضمين المدين خطأ الدائن، هو أمر يخالف القواعد العامة في المسؤولية، فقد نصت المادة ( 239 ) من المشروع الفلسطيني على أنه: “… ويعتبر الضرر نتيجة طبيعية إذا لم يكن في استطاعة الدائن أن يتوقاه ببذل جهد معقول”.

وتأخذ المادة ( 221/1) مدني مصري بذات الحكم. ويعد النص المصري، الأصل الذي استقي منه حكم المادة ( 239 ) من المشروع. ووجه الإشكالية يكمن في أن نص المادة ( 239 ) يتعارض مع ما جاء من جواز الاتفاق على تحمل المدين السبب الأجنبي بما فيه خطأ الدائن. كما يلاحظ من النص فانه ليس فقط على الدائن أن يقف موقفا سلبيا في الالتزامات، وإنما عليه أن يبادر ويكون موقفه إيجابيًا بحيث يدفع الضرر قدر الإمكان، فمن باب أولى لا يجوز أن يكون هو المتسبب في الضرر بخطئه.

لكن لا يمكن التمسك بهذا الحكم في مواجهة الاتفاق، فيبدو من غرة المادة ( 239 ) من المشروع انه يجوز للأطراف الاتفاق على تقدير التعويض حتى على خلاف هذا الحكم، أي على خلاف ما يعد نتيجة طبيعية أو غير طبيعية، فالاتفاق له الأولوية.

مما يدعونا إلى القول إن الاتفاق الذي يؤدي إلى تغيير تقدير التعويض في هذه الحالة هو مقبول أيضا وإن أدى إلى (تعويض) على خلاف الأصل كنتيجة للاتفاق، ولما كان تحمل المدين خطأ الدائن تقديرا للتعويض على خلاف الأصل عبر تحميل المدين تعويضات اتفاقية تقدر عند تحقق الضرر، فهو من هذه الجهة جائز. إلا أن مثل هذا الاتفاق من جهة أخرى يخالف بشكل صريح نص المادة (241 /2 و 4) التي جاء فيها:”( 2)يجوز للقاضي أن يخفض هذا التعويض، إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغا فيه أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه….( 4) يقع باطلا كل اتفاق يخالف أحكام الفقرات السابقة”( 576 ).

وهنا أرى أنه وعلى هدي هذه المادة، فإن على القاضي أن لا يأخذ بمثل هذا الاتفاق، لأنه طالما يستطيع المدين –بموجب هذا النص الآمر – إثبات أن التعويض مبالغ فيه وبالتالي يبرأ من التعويض الاتفاقي، فانه يستطيع أن يدفع بانقضاء التزامه في مواجهة الدائن وبخطأ من الأخير. ولما كان الالتزام بالضمان الملقى على عاتق المدين، هو في حقيقته التزام بالتعويض مصدره العقد، فان مثل هذا الاتفاق يكون قد خالف قاعدة آمرة في القانون. كما أنه إذا أخذنا النص على إطلاقه، أي نص المادة ( 238/2) الذي جاء فيه : “يجوز الاتفاق على أن يتحمل المدين تبعة السبب الأجنبي”. وهو في الحقيقة مطلق في حكمه، فبموجبه يضمن المدين كل خطأ يصدر عن الدائن، ولما كانت مصلحة الدائن تتعارض -غالبا- مع مصلحة المدين، فان هذا الجواز يكون محل نقد، لأنه حكم مطلق، وأرى أنه حتى يستقيم الحكم يجب أن يقيد بقيدين: الأول ألا يكون خطأ الدائن فاحشا. والثاني ألا يكون الخطأ قد صدر عن غش الدائن.

ذلك أن إجازة خطأ الدائن الجسيم، يعد بالإضافة إلى كونه إعفاء من المسؤولية للدائن (المدين بالخطأ) في حالتي الغش والخطأ الجسيم وهو ما لا يجوز، يعد كذلك مكافأة للدائن (المدين بالخطأ) بتعويضه عما أصابه من أضرار.

كما يثير مثل هذا الاتفاق السؤال حول الأضرار التي تصيب المدين، فهل يشملها الاتفاق أم أنها تبقى على عاتق المسؤول عنها وهو الدائن؟ أرى أن مسؤولية الدائن تبقى قائمة عن خطئه تجاه المدين، ويبقى ملزما بتعويض المدين عما لحق به جراء الخطأ إلا إذا وجد اتفاق صريح على عكس ذلك.

بناء على ما تقدم، أرى عدم الأخذ بنص المادة ( 238/2) من المشروع فيما يتعلق بالسبب الأجنبي، واقتصار الحكم على القوة القاهرة وحدها. ذلك أن الحكمة من وراء تحميل المدين تبعة القوة القاهرة تنبع –باعتقادي- من ضرورة عملية تتعلق بصعوبة الإثبات، ولما كانت هذه الغاية منعدمة في حالتي خطأ الغير وخطأ الدائن فان مثل هذا الاتفاق يكون غير سليم من الناحية القانونية

________________

1- للتفصيل: الفرع الأول من المطلب الأول من المبحث الأول من الفصل التمهيدي، ص 6 .

2- بهذا المعنى المادة ( 221 /1) مدني مصري. ذلك أن المدني المصري لا يوجد فيه مقابل لهذا النص سوى الحكم العام في المادة ( 221 /1) والذي ينطبق على المسؤوليتين العقدية والتقصيرية.

3- قابلها الفقرتين ( 2) و( 3) من المادة ( 224 ) مدني مصري

إعادة نشر بواسطة محاماة نت 

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.