قبل استعراض الامثلة عن الأخطاء التشريعية يجب بيان معنى الخطأ المادي من جهة ، والخطأ القانوني من جهة ثانية .

1- الخطأ المادي :

هو:” سهو يقع فيه المشرع وينبغي تصحيحه ، وهو من العيوب التي تلحق النص” (1) .أما في نطاق قانون ضريبة الدخل فقد وقع المشرع في خطأ مادي حين سقط حرف العطف (و) بين عبارة الحارس القضائي وكلمة السنديك مما أخل بمفهوم النص(2). إذ أظهر النص مفهوم السنديك وكأنه مرادف لمعنى الحارس القضائي بالرغم من وجود اختلاف المعنى بينهما(3). أما في نطاق قانون ضريبة العقار فقد وقع المشرع بخطأ مادي عندما عدل المادة الثانية والثلاثين منه ولم ينص على كلمة ” مكررة ” سيما أن عدم النص عليهما قد يعني إلغاء المادة الأصلية ” قبل التعديل ” وسريان المادة الجديدة ” بعد التعديل(4).

2- الخطأ القانوني :

هو عيب في لغة النص التشريعية متعلقة بلفظ فيها أو إضافة شرط أو اختصاص بصورة تتعارض مع الواقع أو المنطق أو السياق العام للقانون .

ففي نطاق قانون ضريبة الدخل فقد وقع المشرع بأخطاء قانونية في مناسبات متفرقة منها :

أ – نص المشرع على أن للسلطة المالية قبول الاستئناف خارج المدة المحددة(5). مما طرح معه أسئلة عدة منها هل يشير النص إلى عدم استقلال اللجان الاستئنافية سيما عدم الاستقلال الاداري خصوصاً أن المشرع أجاز لما سماه ” السلطة المالية ” بقبول الاستئناف في الفصل المخصص للاستئناف ؟ ثم إذا لم يقصد المشرع عدم الاستقلال فهل يجوز للجان الاستئنافية قبـول الاستئناف خارج المدة المحددة ، أم هي صلاحية محصورة بالسلطة المالية ؟

ومن جهتنـا نرى إن تفسير النص وبيان قصـد المشرع يدور بين احتمالين :-

الاحتمال الأول :

أن يكون المشرع قد أقر ضمنا بعدم الاستقلال الاداري للجان الاستئنافية عن السلطة المالية ، فللسلطة المالية قبول الاستئناف خارج المدة ، ونظره من قبل اللجان الاستئنافية مرهون بذلك .

إن هذا الاحتمال مستند إلى سببين :

أما السبب الأول : متعلق بموقع النص الذي أورده المشرع في الفصل الخاص بالاستئناف .

أما السبب الثاني : يعود إلى واقع لجان الاستئناف وارتباطها الاداري أو تشكيلها الذي يتألف في غالبيته من الموظفين الماليين(6).

الاحتمال الثاني :

 ان يكون المشرع قد وقع في خطأ قانوني في الصياغة التشريعية مما أضفى الغموض وطرح موضوع التفسير للتوصل إلى قصد المشرع ، كونه خول السلطة المالية قبول الاستئناف الواقع خارج المدة القانونية في حين أن هذه الصلاحية يجب أن تناط إلى الجهة التي يقدم إليها طلب الاستئناف (اللجان الاستئنافية ) وليس الخصم في الطعن ( السلطة المالية ) ولكن يبقى التساؤل هل تستطيع اللجان الاستئنافية استخدام هذه الصلاحية في ظل النص الحالي ؟ نرى أن الجواب بالايجاب وذلك يعود إلى اتجاه المشرع العام في تحديده لمواعيد الطعن فهو اتجاه مرن وليس جامداً على الرغم من كوننا نميل إلى جعل مدد الطعن من المدد الحتمية.

ب – وقد وقع المشرع في خطأ قانوني في مكان آخر حينما أقر بجواز أن يقدر المكلف بأكثر من فرع ( دائرة مخمن )(7). وهذا يتعارض مع شرط عدم تكرار احتساب السماحات كما في ذلك اضرار بالحصيلة الضريبة بتأثيره في التصاعد مما يعد دون أدنى شك ثغرة بارزة من ثغرات التشريع المؤدية إلى التهرب الضريبي بصورة جزئية .

ج – ويكون الخطأ قانونيا إذا ما اضاف المشرع شرطاً لا يستقيم مع الاتجاه العام للقانون أو الواقع مثلما فعل المشرع حينما جعل وقت فحص التقارير الضريبية المقدمة من المكلفين وتقديره بموجبها يتم بعد انقضاء المدة المعينة لتقديم التقارير وهو ما يتعارض بشكل واضح مع واجب السلطة المالية بتقدير المكلفين وانجاز تحاسبهم عندما يتقدمون بتقارير دخلهم وكذلك واقع الحال المتبع في العمل الضريبي الذي جرى واستقر على عدم انتظار انتهاء مدة تقديم التقارير(8).

3- الألفاظ الغريبة في قوانين الضرائب المباشرة :

أما من ناحية الألفاظ الغريبة التي استخدمها المشرع واثارت الكثير من الغموض والابهام وما برح الفقه المالي يتحرى تحديد معناها هو لفظ ” صبغة تجارية ” الذي أورده المشرع في جملة المصادر الخاضعة لضريبة الدخل(9). إذ انقسم الفقه المالي بشأنها اتجاهين :-

الاتجاه الأول: يرى هذا الاتجاه أن لفظ ” صبغة تجارية ” لم يكن موفقاً وظهر غامضاً وليس له معنى واضح ويثير التأويل والمنازعات الضريبية ، ويقترح هذا الاتجاه تغييره إلى لفظ ” أي عمل تجاري (10).

الاتجاه الثاني: يرى هذا الاتجاه إن لفظ ” صبغة تجارية ” تضمنته المادة حتى يمكن إخضاع الأعمال التي يدعي المكلفون بأنها غير تجارية فضلاً عن أنّ هذا الاتجاه التشريعي مستمد من التشريع الانكليزي(11). ونرى أن لفظ ” الصبغة التجارية ” بكل ما فيه من غموض فان وجوده تزييد لا مبرر له(12).إذ إنّ الأعمال التجارية قد وردت على سبيل الحصر وليس على سبيل المثال(13). وهذا ما أكدته الأسباب الموجبة لقانون التجارة الذي يجب الرجوع إليه لتحديد أنواع الأعمال التجارية(14). لذا فان ما حدده قانون التجارة يعد عملا تجاريا وبالتالي يخضع للضريبة ، أما ما سواها فلا يمكن قياسها على الأعمال التجارية بادعاء أن لها صبغة تجارية هذا من جهة ، ومن جهة ثانية لا تعفى من الضريبة إذ يمكن أن تخضع للضريبة استنادا إلى الفقرة السادسة من المادة الثانية من قانون ضريبة الدخل(15). على أية حال فقد ورد لفظ ” صبغة ” في التشريعات المقارنة ، فقد أورده المشرع الأردني حين نص على إعفاء المؤسسات ذات ” صبغة عامة (16). وكذلك أورد المشرع العماني لفظة ” صبغة مستقرة ” في معرض تعريفه للشركة وبيان أنواعها الخاضعة للضريبة(17).

_____________________________

1- د. توفيق حسن فرج ، مصدر سابق ، ص 223 .

2- نصت المادة (20) من قانون ضريبة الدخل رقم (113) لسنة 1982 المعدل على : ” كل من يتولى إدارة أو مراقبة أموال أو أعمال تعود لشخص آخر كالحارس القضائي ( السنديك ) والامين والولي .. ” .

3- لمزيد من التفصيل بشأن الاختلاف بالمعنى بين الحارس القضائي والسنديك انظر : علي هادي الهلالي . تقدير الدخل وإخضاعه للضريبة في قانون ضريبة الدخل العراقي ، مصدر سابق ، ص 74 – 76 .

4- انظر بيان التصحيح المرقم (43) لسنة 2002 الذي صحح فيه المادة الثانية والثلاثون من قانون تعديل قانون ضريبة العقار المرقم (162) لسنة 1959 وجعلها تقرأ بالمادة الثانية والثلاثين – مكررة – .

5- انظر الفقرة (2) من المادة (35) كمن قانون ضريبة الدخل رقم (113) لسنة 1982 المعدل التي تنص : ” للسلطة المالية ان تقبل طلب الاستئناف بعد مضي المدة القانونية .. ” .

6- السيد حيدر وهاب العنزي . نظرة في القضاء الضريبي . بحث منشور في مجلة المؤتمر العلمي الضريبي الأول ، 2001 ، ص 112 وما بعدها .

7- المادة (31) من قانون ضريبة الدخل رقم (113) لسنة 1982 النافذ التي نصت على :- ” تقدر الضريبة على الشخص الخاضع لها في دائرة مخمن الضريبة الذي يقع فيه محل سكن المكلف أو محل عمله وإذا تعاطى أعمالا في محلات تتبع دوائر مختلفة فتقدر في دائرة مخمن او اكثر حسبما تقرره السلطة المالية … ” .

8- المادة (30) من قانون ضريبة الدخل رقم (113) لسنة 1982 المعدل التي نصت على :- ” بعد انقضاء المدة المعينة لتقديم التقارير وفق المادة السابعة والعشرين تنظر السلطة المالية في التقارير المقدمة لها … ” .

9- تنص الفقرة (1) من المادة (2) من قانون ضريبة الدخل رقم (113) لسنة 1982 المعدل على ” أرباح الأعمال التجارية أو التي لها صبغة تجارية … ” .

10- د . صالح يوسف عجينة ، مصدر سابق ، ص 111 ، ويضيف ان هذا اللفظ مستعار من التشريع الانكليزي حيث يقابله هناك عبارة :

11- الاستاذ هشام محمد صفوت العمري . اتجاهات المشرع العراقي في ضريبة الدخل ، مصدر سابق ، ص 21 .

12- كنا قد بررنا ورود لفظ ” الصبغة التجارية ” على انه مظهر لذاتية القانون الضريبي واستقلاله خصوصاً ازاء القانون التجاري حتى تشمل أحكامه الأعمال التجارية الواردة حصرا في قانون التجارة وغيرها من الأعمال التي لم يرد ذكرها … لمزيد من التفصيل انظر : – علي هادي عطية الهلالي . فرض الضريبة على أعمال غير المقيم التجارية في قانون ضريبة الدخل . بحث منشور في مجلة المؤتمر العلمي الضريبي الأول ، 2001 ، ص 112 .

13- يوجد اختلاف فقهي حول تعداد الأعمال التجارية في قوانين التجارة عموما بين قائل بأنها واردة على سبيل المثال ويجيز القياس عليها وبين قائل أنها واردة على سبيل الحصر … لمزيد من التفصيل انظر :- د . عدنان احمد ولي العزاوي . مفهوم العمل التجاري وأثاره القانونية في ظل قانون التجارة العراقي ، ط 1 ، بغداد – مطبعة الصقر ، 1987 ، ص 10 وما بعدها .

14- جاء في الأسباب الموجبة لقانون التجارة رقم (30) لسنة 1984 المعدل ” لذلك فقد جاء هذا القانون بأحكام جديدة ، فأقام نظرية الأعمال التجارية على أساس من تعداد وارد على سبيل الحصر مراعيا في ذلك إن تشتمل على جميع الأعمال التجارية ” .

15- نصت الفقرة (6) من المادة (2) من قانون ضريبة الدخل رقم (113) لسنة 1982 المعدل على : ” كل مصدر آخر غير معفى بقانون وغير خاضع لأية ضريبة في العراق ” . وبهذا الصدد يصرح جانب من الفقه بان مصطلح التجارة فضلا عن سعته لأغراض ضريبة الدخل فانه يشمل أرباح الشهرة التي ثبته إنها نتيجة التجارة الفعلية وكذلك الموجودات الثابتة المعدة لأغراض الاستعمال أو البيع … لمزيد من التفصيل انظر :

HENRY ، T . OP . CIT ، P 51

16- انظر البند (5) من الفقرة (أ) من المادة (7) من قانون ضريبة الدخل الأردني رقم (57) لسنة 1985 المعدل التي نصت ” دخل أية مؤسسة دينية أو خيرية أو ثقافية أو تربوية أو رياضية أو صحية ذات صبغة عامة … ” .

17- انظر الفقرة (4) من المادة (2) من قانون ضريبة على الشركات العماني لعام 1981 . التي ورد في عجزها ” … وأية منشأة ذات صبغة مستقرة في عمان تدعمها مؤسسة أجنبية … ” .

المؤلف : علي هادي عطية الهلالي.
الكتاب أو المصدر : تفسير قوانين الضرائب في العراق

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .