تعود بدايات تكوين الرقابة المالية إلى بداية تأسيس الدولة العراقية إذ نص القانون الأساس العراقي لسنة1925 في المادة الرابعة بعد المئة على :” يجب أن يُسن قانون ينص على تأسيس دائرة لتدقيق جميع المصروفات وترفع بياناً إلى مجلس الأمة مرّة في الأقل في كل سنة عما إذا كانت تلك المصروفات طبق المخصصات التي صدقها المجلس وأنفقت بحسب الأصول التي عينها القانون ” (1) . وعلى ذلك صدر قانون دائرة تدقيق الحسابات العامة رقم (17) لسنة 1927 (2) حيث نصت المادة الثانية منه على تأسيس دائرة تدقق جميع مصروفات و مدخولات الدوائر الحكومية وتوابعها تكون تحت رئاسة موظف باسم ” مراقب الحسابات العام ” وتضمن أول تشكيل لهذه الدائرة مراقب الحسابات العام ومعاونه ودائرة للتدقيق وأخرى للحسابات ثم بمرحلة لاحقة تم إلحاق شعبة تدقيق حسابات الميناء في البصرة . وفي عام 1935 عُدل القانون رقم (17) لسنة 1927 بالقانون رقم (45) لسنة 1935 (3) حيث نص التعديل على تعيين مراقب الحسابات العام من قبل رئيس الوزراء بموافقة مجلس الوزراء .

ثم جرى تعديل أخر على القانون سنة 1951 تم بموجبه توسيع اختصاصات دائرة مراقب الحسابات العام لتشمل تدقيق المصروفات والمدخولات والمهمات واللوازم الحسابية وتدقيق التعينات والترفيعات وما يتعلق بخدمات الموظفين في الدوائر الحكومية والمؤسسات التي تديرها من الناحية الحسابية . وبعد ثورة 14 تموز 1958 أعدت وزارة المالية مشروع قانون لتعديل قانون مراقب الحسابات العام إلا أن رئيس الوزراء أعاده إلى وزارة المالية لدراسته مفصلاً . وفي عام 1964 أُعيد تشكيل دائرة مراقب الحسابات العام بحيث أصبحت تضم دوائر عديدة هي – الدائرة المالية والاقتصادية والدائرة الصناعية والزراعية ودائرة الخزائن والواردات ودائرة الخدمات الإدارية والفنية ودائرة البيان والتلخيص ودائرة الخدمة والإدارة ودائرة التفتيش وهيئات الرقابة (4). وفي عام 1965 جرت محاولة أخرى لإعادة تشكيل جهاز يتولى سلطة الأشراف والرقابة المالية حيث شكلت لجنة وزارية لدراسة الموضوع وإعداد قانون جديد يتفق والتوجهات التي قدمتها اللجنة المالية التابعة للتنسيق الاقتصادي بين العراق والجمهورية العربية المتحدة . وفي عام 1968 تأسس ديوان الرقابة المالية بالقانون رقم (42) لسنة 1968(5) حيث نصت المادة الثانية منه على تأسيس ديوان الرقابة المالية يتولى الرقابة المالية على أعمال السلطة التنفيذية وحدد القانون اختصاصه بحيث شملت الإدارات العامة الرئيسية والفرعية الرسمية وسبه الرسمية .

ونص القانون على تأسيس مجلس يطلق عليه مجلس الرقابة المالية يتمتع بالاستقلال ويختص بكل ما يتعلق بالجوانب الفنية والمالية ويتألف من رئيس وأربعة أعضاء يتم تعيينهم بمرسوم جمهوري لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرّة واحدة ويختارون من بين أصحاب الكفاءات العلمية ورئيس المجلس هو الرئيس الأعلى للديوان ويمارس ديوان الرقابة المالية مهامه الرقابية عن طريق المديريات العامة التي يتألف منها وهي مديرية الشؤون المالية والاقتصادية – مديرية الشؤون الفنية العامة مديرية شؤون المخالفات المالية العامة – مديرية شؤون الديوان العامة (6) ومنح المشرع الديوان شخصية معنوية وجعله ينوب عن السلطة التشريعية في الرقابة المالية على أعمال السلطة التنفيذية (7) فقد ورد في دستور 1970 المادة السادسة والأربعون ” تؤسس سلطة للرقابة المالية العليا تتبع مجلس قيادة الثورة وينظم ديوانها وأصول أدارتها بقانون (8) . وقد منح المشرع الديوان صلاحيات واسعة في مباشرة الرقابة المالية بأنواعها المبينة في القانون بما في ذلك التحقيق في الجرائم المالية والتوجيه بتنحية الموظف المخالف أو سحب يده حسب مقتضيات التحقيق . ومن ابرز السلطات التي منحت للديوان هو اختصاص القضاء الإداري ممثلاً بلجنة انضباط خاصة يؤلفها مجلس الرقابة المالية من موظفي الديوان ولرئيس الديوان إحالة الموظف المخالف إلى لجنة انضباط ديوان الرقابة المالية التي تكون قراراتها قابلة للطعن أمام مجلس الرقابة المالية فقط ويكون قرار المجلس قطعياً .

ويلاحظ ان المشرع قد حدد مرجعاً للطعن في قرارات اللجنة الانضباطية المشكلة بديوان الرقابة المالية يختلف عن المرجع الذي حدده قانون انضباط موظفي الدولة رقم 69 لسنة 1936 (الملغي) الذي حدد المرجع في الطعن في قرارات اللجان الانضباطية المشكلة في الوزارات بمجلس الانضباط العام وهذا يدل على أن السلطة الممنوحة لديوان الرقابة المالية هي سلطة مطلقة لكونها تمثل رقابة عليا على الوزارات ودوائر الدولة فلمجلس الرقابة المالية محاكمة الموظف المخالف مخالفة مالية من دون حاجة لاستحصال موافقة الرئيس الإداري (السلطة الرئاسية) للمـوظف والقرار الذي يصدره بحق الموظف الذي نثبت إدانته يبقى نافذا ما لم يقرر الديوان ذاته إلغاءه حيث لا تملك السلطة الرئاسية للموظف إلغاء القرار ، لان هذا الإلغاء يتعارض مع الهدف من تأسيس سلطة الرقابة المالية في رقابة أعمال السلطة التنفيذية . ولسلطة الرقابة المالية أيضا إقامة الدعوى المدنية ضد الموظف الذي يتسبب في خسارة مادية لدائرته وإذا ظهر ان المخالفة المالية تشكل جريمة جنائية فيحال الموظف إلى المدعي العام تخاذ الإجراءات القانوني ضده هاذ والزم المشرع الدوائر الرسمية بتنفيذ الأوامر والقرارات الصادرة عن سلطة الرقابة المالية بمقتضى قانونها واعتبر عدم تنفيذها او عدم تزويدها بالمستندات والأوراق التي تطلبها بمثابة مخالفة مالية يحال الموظف من اجلها إلى لجنة انضباط ديوان الرقابة المالية أو لجنة انضباط الوزارة المعنية (9).

____________________________________

1- د. رعد الجدة : التشريعات الدستورية في العراق ص 51 .

2- منشور بالوقائع العراقية العدد 515 في 23/ شباط 1927 .

3- منشور بالوقائع العراقية العدد 1456 في 16/أيلول /1935 .

4- حبيب الهرمزي : الرقابة على المؤسسات العامة : ص 255 .

5- منشور بالوقائع العراقية العدد 1561 في 27 نيسان 1968 .

6- المادة (8) فقرة (1) من قانون ديوان الرقابة المالية رقم (42) لسنة 1968 .

7- حبيب الهرمزي : الرقابة على المؤسسات العامة ص 26 .

8- قرار مجلس قيادة الثورة رقم 567 لسنة 1973 نص على إضافة النص أعلاه إلى الدستور.

9- كان قانون انضباط موظفي الدولة رقم 69 لسنة 1936 نص على تشكيل لجان انضباط في الوزارات والدوائر غير المرتبطة بوزارة تقوم بأجراء التحقيق مع الموظف الذي يرتكب مخالفة إدارية .. إلا أن قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع الاشتراكي رقم (14) لسنة 1991 قد الغى هذه اللجان وحلت محلها لجان تحقيقية يشكلها الوزير للغرض ذاته.

المؤلف : عبد الحميد عبد المهدي
الكتاب أو المصدر : اثر تطور نشاط الادارة في ممارسة السلطة الرئاسية
الجزء والصفحة : ص184-186

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .