استيفاء الحاجز للدين :

المرحلة الأخيرة من مراحل حجز ما للمدين لدى الغير هى مرحلة استيفاء الحاجز لدينه الذى حجز بمقتضاه والذى يعتبر هو سبب الحجز وأساسه. وهذه هى المرحلة التنفيذية بالمعنى الصحيح في حجز ما للمدين لدى الغير. ذلك بأن مصير هذا الحجز يبقى معلقاً إلى أن تنهى المنازعات المتعلقة به. وسنعرض لهذه المنازعات فيما بعد بشيء من التفصيل في القسم الخاص بمنازعات التنفيذ – أي في موضعها المناسب من هذه المذكرات. غير أن استعراض هذه المنازعات على نحو سريع موجز، يمكن أن يعطينا صورة شاملة وعامة لما يمكن أن ينتهى إليه حجز ما للمدين لدى الغير في مختلف الحالات.

فإذا كان الدائن قد حجز بغير سندى تنفيذي وقام برفع دعوى صحة الحجز:

فإنه لا يستطيع أن ينفذ أي أن يقبض دينه أو يستوفيه إلا إذا حكم لمصلحته في دعوى صحة الحجز فعندئذ يتحول الحجز من تحفظي إلى تنفيذي. أما إذا كان الحجز قد سقط أو بطل فإن الحكم في دعوى صحة الحجز بثبوت المديونية يزود الدائن بالسند التنفيذي الذى كان يفتقر إليه في البداية فيستطيع في هذه الحالة أن يتخذ اجراءات حجز جديدة مبتدأه ولكن الحجز في هذه الحالة يكون تنفيذياً فلا يحتاج إلى اجراءات أكثر من الإعلان والابلاغ. ويكلف المحجوز لديه في هذه الحالة بالتقرير بما في الذمة فإذا امتنع أو انحرف جاز رفع دعوى الالزام الشخصي عليه.

وإذا كان المدين قد أقام دعوى بطلب رفع الحجز فإن هذه المنازعة تحول دون التنفيذ إلا إذا فصل في دعوى رفع برفضها. ويلاحظ أنه إذا لم يقم المحجوز لديه بالتقرير بما في ذمته ورفعت عليه دعوى الالزام الشخصي بعد حصول الدائن على سند تنفيذي – فإن الدائن لا يستطيع أن يقوم بالتنفيذ الفعلي في هذه الحالة لأن محل التنفيذ لا يزال غي معين – فيجب عليه أن ينتظر إلى أن تنتهى دعوى الالزام الشخصي وينفذ بمقتضاها على المحجوز لديه.

وإذا قرر المحجوز لديه بما في ذمته تقريراً ثارت بشأنه منازعة فإن الدائن لا يستطيع أن ينفذ إلا في حدود المتيقن – أي الذى تم الاقرار به – أما بالنسبة للقدر المتنازع فيه فإنه يجب أن يتربص حتى يفصل لمصلحته في دعوى المنازعة في التقرير. أما أن كان التقرير سلبياً فلابد من انتظار الفصل في دعوى المنازعة بما يفيد مديونية المحجوز لديه للمحجوز عليه. وسنعرض لهذه المنازعات عند تناول منازعات التنفيذ. غير أننا نبادر هنا إلى القول بأنه متى تمت تصفية المنازعات فإن هذه التصفية قد تكون في غير مصلحة الحاجز كما لو حكم برفض دعوى صحة الحجز أو حكم بقبول دعوى رفع الحجز – وببطلان الحجز – أو برفض دعوى المنازعة (مع كون التقرير سلبياً) فعندئذ لا يصل الحجز إلى غايته بل يزول وتزول آثاره معه.

أما إذا تمت تصفية المنازعات بما فيه مصلحة الحاجز، فإننا نصل بذلك إلى مرحلة القبض، إذ لا يبقى الا أن يستوفى الحاجز حقه، وهذا هو الغرض الأساسي من الحجز، وهذه هى المرحلة التنفيذية الحقيقية فيه، أما المرحلة السابقة فإنها لا تعدو أن تكون مرحلة تحفظية تهدف إلى وضع ما للمدين لدى الغير تحت يد القضاء تمهيداً لاقتضاء الحاجز حقه منه، وقد يقف الحجز عند هذه المرحلة ويزول. لذلك حق القول بأن الحجز بذاته ليس تنفيذاً. ولكن لا يجوز للحاجز أن يقتضى حقه من المحجوز لديه، كما لا يحق لهذا الأخير أن يقوم بالوفاء باختياره للحاجز، إلا إذا حصل الحاجز – أو كان من الأصل حاصلاً – على سند تنفيذي بدينه.

ولما كان التنفيذ لا يتحقق إلا في هذه المرحلة، فإنه يجب عندها إعلان السند التنفيذي لنفس المدين أو لموطنه الأصلي تطبيقاً للحكم العام الوارد في المادة 281 – مع أن هذا الإعلان غير لازم وقت ايقاع الحجز. كما يشترط لا مكان التنفيذ في هذه الحالة، قيد زمنى يتلخص في ضرورة مضى 15 يوماً على التقرير بما في الذمة (مادة 344) ومضى ثمانية أيام على إعلان المحجوز عليه بالعزم على هذا التنفيذ (مادة 385) ويجوز أن تتداخل الثمانية أيام في الخمسة عشر يوماً، لأنه ليس ثمة ما يمنع من اتخاذ الإجراءات المقررة في المادة 385 خلال الـ 15 يوماً التالية للتقرير.

على أن المحجوز لديه قد يتلكأ رغم ذلك في الوفاء للحاجز وقد قرر المشرع للحاجز في هذه الحالة حماية مزدوجة: فقرر تخصيصه بالمبلغ المحجوز متى انقضت 15 يوماً على التقرير بما في الذمة (مادة 469)، فإذا وقع حجز جديد فلا يكون له أثره في حق الحاجز، كما قرر من ناحية أخرى أنه يكون للحاجز أن ينفذ على أموال المحجوز لديه بموجب سنده التنفيذي مرفقاً به صورة رسمية من تقرير المحجوز لديه (مادة 346). الا أنه يلاحظ عند تعدد الحاجزين وعدم كفاية المبلغ (الذى في ذمة المحجوز لديه) للوفاء بحقوقهم جميعاً أنه يجب على المحجوز لديه ايداع المبلغ في خزينة المحكمة التي يتبعها لتقسيمه بين الدائنين طبقاً لإجراءات التوزيع المقررة في الباب الرابع من كتاب التنفيذ (تراجع المادة 471 مرافعات جديد).

وتنص المادة 348 على أنه إذا كان الدين الذى في ذمة المحجوز لديه مؤجلاً لم يجز اجباره على دفعة قبل حلول موعد استحقاقه – وإنما يباع ويستوفى الحاجز حقه من ثمنه، ويحصل بيع الدين المؤجل بالإجراءات الخاصة المقررة لبيع الأسهم والسندات (مادة 400) – على أن للحاجز – إذا كان هو الحاجز الوحيد – الحق في طلب اختصاصه بذلك الدين بدعوى خاصة ترفع امام قاضى التنفيذ التابع له المحجوز لديه ويكون الحكم فيها نهائياً وغير قابل للطعن فيه بأي طريق، وبمقتضى هذا الحكم يصبح الحاجز هو الدائن المباشر للمحجوز لديه ويقتضى منه الدين عند حلول أجله (تراجع المادة 348).

وان كان المال الذى في يد المحجوز لديه أعياناً منقولة فإن الدائن الحاجز يعمل إلى بيعها، ولكنه لا يحتاج في ذلك إلى تحرير محضر جديد بحجزها أو جردها، بل يقتصر على اجراء اللصق والنشر عنها مع بيان مفرداتها من واقع التقرير بما في الذمة، ويحدد يوماً للبيع ويجرى البيع طبقاً للمقرر في بيع المنقولات (انظر المادة 347). أي أن حجز ما للمدين لدى الغير ينقلب أو يتحول في هذه الحالة إلى حجز منقول ويعتبر إعلان حجز ما للمدين لدى الغير مضافاً إليه التقرير بما في الذمة (إذ تسحب منه صورة طبق الأصل وتضم إلى إعلان حجز ما للمدين) بمثابة محضر حجز منقول تستكمل اجراءاته باللصق والنشر وبيع المنقولات بالمزاد في اليوم الذى يحدد لذلك.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .