الشيك المؤجل الدفع.. المشكلة والبديل
بشار بن عمر المفدى
وافقت مؤسسة خالد للتقسيط على بيع سيارة لمحمد مقسطة على عشر دفعات. وحتى يوثق الأول حقه، طلب من محمد كتابة عشرة شيكات، كل شيك يحمل مبلغ قسط وتاريخ سداده. قام محمد بكتابتها وتسليمها لخالد.

مثال آخر: اشترت مؤسسة محمد من مؤسسة خالد عشر سيارات، على أن يقوم الأول بسداد قيمتها بعد ستة أشهر. وحتى يضمن خالد سداد الدين، طلب من محمد تحرير شيك بتاريخ مستقبلي بموعد السداد. فقام محمد بتحرير هذا الشيك. مثال أخير: طلب محمد من جاره خالد قرضاً يسدده بعد سنة. وافق خالد بشرط أن يقوم محمد بتحرير شيك بتاريخ مستقبلي بعد سنة يتضمن مبلغ القرض. فحرر محمد هذا الشيك وسلمه لخالد. هنا، وقع خالد ومحمد في مخالفات نظامية عدة تترتب عليها عقوبات صارمة وفقاً لنظام الأوراق التجارية السعودي.

ويمكن إيجاز هذه المخالفات والعقوبات في الآتي: المخالفة الأولى: تحرير محمد الشيكات وهو يعلم أنه ليس لها رصيد. فـ “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على 50 ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين” (مادة 118)، كما قد يعاقب بالتشهير (مادة 121).

المخالفة الثانية: قبول خالد الشيكات وهو يعلم أنه ليس لها رصيد. فيعاقب بالعقوبة السابقة.

المخالفة الثالثة: تحرير محمد الشيكات بذكر تاريخ غير صحيح. فيعاقب “بغرامة لا تزيد على عشرة آلاف ريال” (مادة 120)، كما قد يعاقب بالتشهير (مادة 121). وعلى الرغم من هذه المخاطرة، يحق لخالد ــ ولو قبل التاريخ المكتوب على الشيك ــ التوجه إلى المصرف وصرفه. فعرّض محمد وخالد نفسيهما للخطر، ولم يستفد الأول من كتابة التواريخ المستقبلية شيئاً! إذا ما البديل النظامي لضمان الديون؟ البديل النظامي للشيك المؤجل هو “السند لأمر” المعتمد في نظام الأوراق التجارية السعودي.

السند لأمر عبارة عن خطاب مكتوب يتعهد فيه محرر السند (محمد) بدفع مبلغ من المال بمجرد الاطلاع أو في ميعاد محدد لأمر أو لإذن المستفيد (خالد). ويُشترط ــ حتى يحافظ السند لأمر على قوته النظامية ــ أن يحتوي على بيانات محددة منصوص عليها في نظام الأوراق التجارية.

ففي قضيتنا السابقة، يمكن لخالد أن يطلب من محمد تحرير عدة سندات لأمر بناءً على عدد الأقساط، يتعهد بموجبها بدفع مبلغ من المال لخالد في تاريخ معين. فبهذه الورقة، يلتزم محمد بالسداد، كما يضمن خالد حقه في سداد دينه من دون الوقوع في المخالفات النظامية السابقة.

فإذا حل وقت السداد، فلخالد خلال سنة (مادة 39) التوجه إلى محمد مطالباً إياه بوفاء دينه أو قسطه. فإذا امتنع محمد عن الوفاء، فيجب على خالد: الأمر الأول: إثبات امتناع محمد عن الوفاء من خلال تحرير ورقة الاحتجاج من الغرفة التجارية في أحد يومي العمل التاليين ليوم استحقاقها (مادة 55). ويتحمل محمد مصروفات الاحتجاج. ويمكن تجنب هذا الإجراء من خلال نص محمد في السند لأمر على جملة “الرجوع دون احتجاج” (مادة 57).

الأمر الثاني: التوجه إلى قاضي التنفيذ خلال ثلاث سنوات (مادة 84) لإلزام محمد بالوفاء بدينه. ولقاضي التنفيذ إلزام محمد من خلال الحبس، تجميد التعاملات الحكومية والمصرفية، بيع ممتلكاته وغيرها من الوسائل المنصوص عليها في نظام التنفيذ. لكن مما يعيب السند لأمر ــ وكذلك الكمبيالة ــ عدم وجود عقوبات صارمة حال عدم الوفاء بها، كالتي وضعها نظام الأوراق التجارية للشيكات. فلمحرر السند لأمر أو الكمبيالة التلاعب بعدم الوفاء بها عمداً بقصد كسب مدة إضافية لاستثمار أمواله ــ ولو كانت المدة قصيرة في ظل وجود قضاء التنفيذ ــ لكن لن يتضرر المحرر من تلاعبه شيئا! وهذا ــ في نظري ــ سبب عزوف التجار والأفراد عن استعمال السند لأمر والكمبيالة، الذي بدوره أدى إلى نشوء أزمة ائتمان في السوق السعودية، التي تشكل ــ كما ذكره بعض المختصين ــ ما يقارب 50 في المائة من القضايا المالية المنظورة أمام القضاء. وكما هو معلوم أن الكمبيالة والسند لأمر يتفقان مع الشيك في أنهما أداة وفاء.

فلِم جعلت عقوبة على الإخلال بالوفاء بالشيك ولم تجعل على الإخلال بالوفاء بالسند لأمر والكمبيالة؟ ونعلم جميعاً مدى التأثير الإيجابي الناتج عن تطبيق عقوبات الشيكات بدون رصيد على المتلاعبين. لذا أقترح على وزارة التجارة الرفع إلى المقام السامي بتوسيع العقوبات الواردة على الشيكات وجعلها تشمل السندات لأمر والكمبيالات. كما أقترح على مؤسسة النقد السعودي بالتعاون مع وزارة التجارة إلزام المصارف بإصدار كمبيالات لعملائها ــ كالشيكات ــ بحيث يكون المصرف هو المسحوب عليه. وأعتقد جزماً أنه في حال إصدارها من المصارف ستختفي أزمة إصدار الشيكات بتواريخ مستقبلية لأنها ستكون البديل النظامي المطابق لخصائص الشيك المؤجل.

كما أجزم ــ في ظل حرمة الربا وعدم وجود سجل ائتماني فاعل للأفراد والشركات في السعودية ــ أن فرض عقوبات على عدم الوفاء بالسند لأمر والكمبيالة أسوةً بالشيك سيعالج أزمة الائتمان والمماطلة في سداد الديون في السوق السعودي، وسيدفع بدوره عجلة الاستثمار المعتمد في رأسماله على الائتمان التجاري. والله أعلم.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت