أهمية نشرات حقوق الانسان في تقرير الحقائق

قراءة في دور نشرات حقوق الانسان / أ. وائل فاروق

الكلام الآن عن أهمية الإعلام ودوره بالغ الخطورة من باب تقرير الحقائق فما من شخص في اللحظة الراهنة إلا ويدرك الدور الخطير الذي يلعبه الإعلام في بناء المجتمعات والرقى بها أو في استغلالها والهيمنة عليها فلا مراء في ان القوة المؤثرة على الوعي تعد عاملا حاسما في تحديد نظرة الجماعة وطبيعة أهدافها والمسار الذي تسلكه ويكتسب الإعلام قوته المؤثرة من قدرته على الاتصال بالجماهير وقدرته على إقناعهم بالصورة التى يقدمها لهم عن العالم مما دفع فلاسفة نهاية القرن الى تسمية هذه الفترة ” بعالم الصورة ” حيث اختفى العالم الحقيقي خلف الصورة المتدفقة من وسائل الإعلام . ولذلك يسمى د/ محمود علم الدين الإعلام بأنه علم الاتصال الجماهيري .

” فجوهر العملية الاعلامية هو الاتصال وجوهر عملية الاتصال هو المشاركة فى الأفكار والمعاني والمعلومات من خلال الكلمات والكتابة وغيرها من المسائل.
ربما لهذا كان من الضروري تناول نشرات حقوق الانسان بوصفها علاقة تواصل تقوم الوظيفة الاتصالية فيها بدور جوهري يؤثر على مضمون رسالة حقوق الانسان التي تقدمها وفعاليتها ” فالاتصال هو العملية التى يتفاعل بمقتضاها متلقي ومرسل الرسالة في مضامين اجتماعية معينة أو معني أو واقع ويكمن في هذا التعريف لاصطلاح الاتصال عدد من الافتراضات ، فمكونات الاتصال تتفاعل بشكل ديناميكي وهي ليست ثابتة بل ان الاتصال يتغير على نحو يدعو لدراسة جوانبه بصورة منفصلة لكل مكون لأن التغيرات التى تطرأ على جانب واحد من جوانب عملية الاتصال قد تؤدي الى حدوث تعديلات على الجوانب الأخرى ، كما ان الظروف أو الإطار الذي يتم فيه الاتصال هو أيضا أحد المتغيرات التى تؤثر فى عملية الاتصال .

ولا يقتصر بذلك تأثير الاتصال – طبقا للنظريات العلمية فى مجال الاتصال – فقط على مهارات المصدر ووضوح الرسالة واستعدادات المستقبل إنما يرتبط أيضا بالظروف البيئية والعوامل الاجتماعية المحيطة بالموقف الاتصالى فالفرد لا يتلقى الرسالة بمعزل عن الجماعة التى ينتمى إليها بكل ما يحكمها .

ويعتبر نموذج (لا سويل ) نموذجا مناسبا لدراسة عملية الاتصال وتتكون عناصره من : القائم على الاتصال – الرسالة – الوسيلة – المتلقى – التأثير – الظروف التى ترسل الرسالة فى ظلها .
وسنحاول في الصفحات القادمة قراءة دور نشرات حقوق الانسان فى ظل هذا النموذج الاتصالي.

1-المرسل ( منظمات حقوق الانسان )

تحدد طبيعة المرسل أهدافه التى يسعى لتحقيقها من خلال عملية الاتصال ، وأهداف معظم منظمات حقوق الانسان تتلخص في : فضح انتهاكات حقوق الانسان – نشر مبادئ وقيم حقوق الانسان – توثيق تجربة حقوق الانسان للاستفادة منها .
تقوم هذه الأهداف المشتركة بدور الرابط بين النشرات المختلفة التى تصدر عن مؤسسات حقوق الانسان إلا ان هناك فجوة عميقة بين هذه الأهداف التى تفترض الاتصال بقطاع واسع وعريض من الجماهير وبين إمكانيات المنظمات حيث تطبع عدة آلاف من نشراتها . و كذلك يكاد ينعدم التنسيق بين مؤسسات حقوق الانسان مما يضعف الفاعلية الكلية للنشرات التى تصدر عنها ، كذلك تعاني معظم هذه المؤسسات من النقص فى الخبراء المتخصصين فى الشئون الإعلامية ومن ضعف الطاقات الإبداعية مما يؤثر بالسلب على فاعلية هذه النشرات .

2- الرسالة

وتعتمد قواعد صياغة الرسالة على نوع الجمهور المستهدف لكي يتحقق لهذه الرسالة أقصى قدر من الفاعلية والتأثير إذا ما صادفت ظروفا ملائمة عند المتلقي .
فالرسالة التي تصدرها معظم نشرات حقوق الانسان مرتبطة بأهدافها التى رصدناها سابقا . فإذا تأملنا صياغة هذه الرسالة فسنجد أنها بعيدة عن الجمهور المستهدف حيث تتميز بلغة اصطلاحية متعالية بعيدة عن المتلقى العادى . كما ان هناك الكثير من الموضوعات التى تستغرق مساحات كبيرة منها ربما لاتهم هذا الجمهور المستهدف ولا تلبي احتياجاته كما أنها لضعف الإمكانيات لا تستطيع تحصينه ضد الدعاية المضادة ، كما ياتي النقص الشديد في المعلومات فى مجال حقوق الانسان فى قدرة هذه الرسالة على الإقناع وتقديم الحجج والأدلة ، كما تعاني هذه النشرات من النقص في تحليل المعلومات حيث يتصور البعض ان هذا شكل من أشكال التدخل الذي يمس مصداقية المعلومات ، وبالتالي تفتقد ركنا أساسيا من أركان الرسالة الإعلامية.

3- الوسيلة ( النشرة )

وهي القناة التي تحمل الرسالة والتى تتعرض للعديد من المعوقات بدءا من المنافسة الشديدة من وسائل الإعلام الإلكتروني وتأثيرها القوى على الجمهور المستهدف الى جانب ضعف عامل الوقت حيث يتطلب إعدادها وتجهيزها أحيانا اكثر من شهر الى جانب التكاليف المرتفعة التي تجعل توزيعها محدودا وأخيرا الرقابة الصارمة التى تفرض عليها الى جانب منعها أو مصادرتها في أي وقت .

4- الجمهور أو المتلقي

تأخذ عملية الاتصال الفعال في اعتبارها طبيعة الجمهور المستهدف بالاتصال كمحدد أساسي للعملية الاتصالية وتؤكد نظريات الاستقبال والتلقي أن المتلقي في عالم اليوم اصبح يمارس دورا إيجابيا في إنشاء الرسالة التي يتلقاها حيث ينشئ المرسل الرسالة على أساس توقعاته لردود فعل المتلقي وذوقه وخبرته لذلك فان عملية الاتصال الناجحة التي تستهدف جمهورا عريضا لابد وأن تراعى الفئات المختلفة للجمهور من صانع قرار – مثقف – إلي سياسي – إلي شيوخ – شباب وغيرها .

ويؤدى التوزيع المحدود لنشرات حقوق الانسان الى إهدار مثل هذه المبادئ ، فهي توزع داخليا فلا تصل إلا الى نشطاء حقوق الانسان أو المهتمين بقضايا حقوق الانسان فلا يتم اعتبار الفئات المختلفة فى الرسالة الإعلامية وإنما يتم التركيز على فئة محدودة من ألناشطين في هذا المجال وهي فئة ليست مستهدفة بشكل أساسي إذا وضعنا فى اعتبارنا أهداف منظمات حقوق الانسان . هذا الى جانب ضآلة حجم الفهم المشترك بين الرسالة ومرسلها ومتلقيها فى دول العالم الثالث وهو ما يؤدى الى ضعف الرسالة نفسها حيث يكون من العسير قراءة أوضاع حقوق الانسان المختلفة فى هذه المجتمعات دون جدل حي تشترك فيه الفئات المختلفة فذلك الجدل الحقيقي هو فقط القادر على كشف أوضاع حقوق الانسان وما تتميز به من خصوصية .

5- الظرف الاتصالي

ولا تقل حالة الظرف الاتصالى سوءا عن حالة بقية عناصر عملية الاتصال، فوضعية منظمات حقوق الانسان بالغة السوء حيث يحاصر نشاطها ويتم التضييق عليها لدورها في فضح انتهاكات الدولة لحقوق الانسان مما يؤثر على أدائها لوظيفتها الاتصالية . ويذهب الجزء الأكبر من مجهوداتها هباء و يساهم فى سوء الظرف الاتصالي أيضا الدعاية المضادة العنيفة من وسائل الإعلام الحكومى والتوظيف الأيدلوجى المستمر من جانب وسائل الإعلام الحزبية والتى يصعب علي مؤسسات حقوق الانسان مواجهتها فى ضوء إمكانياتها الضعيفة.

ولا شك ان المعلومات ركيزة أساسية في العملية الإعلامية ، ومنظمات حقوق الإنسان تحصل على المعلومات بصعوبة شديدة حيث تضييق عليها الحكومات وتحجب عنها المعلومات ، مما يمثل انتهاكا في حد ذاته ويقول صلاح الدين حافظ ” ان الحرية ليست شعارا والديموقراطية لا تنفع ستارا ولكن جوهر الحرية الديموقراطية، قد اصبح الآن هو حرية المواطن في الحصول على المعلومات الصادقة الكاملة والتي يرتكز عليها في ممارسة حريته لتحديد موقفه عبر صحافة ووسائل إعلام حرة وغير منحازة وهو أمر يكاد يكون مثاليا ان لم نقل انه خياليا في بلادنا.

6- تأثير الاتصال

لا شك ان مفردات حقوق الانسان انتشرت فى الفترة الأخيرة وتخللت خطاب العديد من التيارات السياسية المختلفة ، لكن علينا ان نتساءل هل يعود ذلك للنشاط الإعلامى لمؤسسات حقوق الانسان ؟ وبالطبع لمؤسسات حقوق الانسان دورها إلا ان العامل الأكبر وراء انتشارها هو استغلال بعض الحكومات لها مثل الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق مصالحها الخاصة الأمر الذي جعلها تسخر لها طاقات إعلامية هائلة ساعدت الى حد كبير في نشر مفردات خطاب حقوق الانسان إلا انه يظل دائما خارج سياقه ويظل دائما أسير التوظيف الأيديولوجي .

ولا يمكننا في النهاية ألا أن نقرر ان حركة حقوق الانسان العربية تفتقد آلية إعلامية فعالة ولن تكون فعالة إلا إذا كان هناك شكل من أشكال التنسيق والتعاون بين مؤسسات حقوق الانسان لتوحيد الجهود كذلك لا بد من اعادة النظر فى صياغة الرسالة الإعلامية لحركة حقوق الإنسان بما يتفق وأهدافها فى التواصل مع فئات المجتمع المختلفة وأخيرا لابد من تكاتف كل قوي المجتمع المدنى لمواجهة انتهاكات الدولة لمؤسسات حقوق الإنسان والتضييق عليها حتى تستطيع القيام بالدور المنوط بها فى المجتمع .”البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان”