مقال قانوني عن العلاقة بين القضاء والمحاماة والاحترام الواجب بينهما :

نستعرض فى ايجاز اروع مرافعة فى اشهر محاكمة تأديبية انعقد لواؤها لاكبر عبقريتين قانونيتين انجبتهما مصر هما المستشار عبد العزيز فهمى رئيس محكمة النقض منعقدة بهيئة مجلس تأديب والاستاذ مرقس فهمى المحامى بمناسبة الحكم بالغرامة على عدد من المحامين فى عصرهم وتقديمهم للمحاكمة التأديبية بتهمة اهانة محكمة الجنايات لانسحابهم من المرافعات امامها ــ حيث يمهد الاستاذ مرقس فهمى لمرافعته فى هدوء ليزيل التوتر المعلق ويشيع الالفة فى جو المحاكمة ويصور الواقعة على انها مجرد لبس يعرضه الاشقاء على الاباء لاستجلاء رأيهم فيه ؛
فيقول ” ان الموضوع المطروح ليس خصومة يترافع فيها امام اعلى هيئة لتفصل فى النزاع بل هو مجلس عائلة بحكم سرية المحاكمة التى فرضها القانون للتفاهم حول الحادث الذى عكر صفو التضامن وليقول الاباء الاجلاء حكمكتهم ”
ثم يمضي على هذا النحو فى مرافعته للقضاء على اية شبهة للاستقطاب او التحزب فيدلل على ان القضاء والمحاماة اعضاء اسرة واحدة هي الاسرة القضائية “وقد غلب وضع الاسم لعمل القضاء ، لان كلمته هى الفاصلةلكنها لا توجد ولا يفهم وجودها ولا تؤدى مأموريتها الا بعنصريها ــ القضاء والمحاماة ــ “

وتراه يتعجب فيتساءل ان الخلاف قد قام بين الفريقين عن اصل واحد هو صون الكرامة فكيف يتفق الطرفان على المبدأثم يختلفان عند التنفيذ او بمعنى اخر ما هو معنى الكرامة عند الطرفين ؟

وتظهر عبقرية استاذنا مرقس فهمى واقتداره حين يصل بالتحليل الدقيق الى ان طبيعة عمل المحامى وخبراته المكتسبة من ممارسة المهنة لا يمكن ان تحمله على الاعتداء على القاضى .
بينما طبيعة القاضى الذى يؤدى وظيفته بين احترام الجمهور ووسط الابتسامات المملقة والخضوع المغرى من كل جانب تجعله يعتبر ان اى طلب او مناقشة بينه وبين المحامى فى عملهما المشترك خروجا على كرامة القضاء
ثم يدلل على صحة تعليله بالمقارنة بين طبيعة الاثنين ” فهذا يرجو ويرجو وقد يقبل طلبه يوما ويرفض اياما فتتكون عنده غريزة الصبر بينما الاخر يحكم ويأمر ويحسم فتتكون عنده غريزة الامر واقتضاء الطاعة ” .

وهذا يترافع علنا ويكتب مذكرات يؤكد ثقته بعدالة قاضيه …. بينما طبيعة عمل القاضى السكوت علاوة على انه لايتكلم عن اداب المأمورية المشتركة بينهما بل لعله لا يراها كذلك “.

” ويعمل المحامى جاهدا الى استمالة القاضى تمهيدا لاقناعه بحق موكله والقاضى لا يبغى شيئا من المحامى ومن ثم لا تهمه حالته النفسية وقد يرى ان تكرار الخضوع حقا له ” .
ثم ينتهى من المرافعة في هذا الجزء بنتيجة هى ان الطبيعة تحدثنا بان المحامى بحكم موقعه ولمصلحته الذاتية ومن غرائزه المكتسبة لا يعتدى .
الا ان استاذنا لا ينسى وهو في هذا المقام ان يذكر بالاحترام والتقديس الواجبين لمهنة المحاماة ويتناول بالرد على العبارة التى وجهتها محكمة الجنايات بحكم الغرامة الى المحامين المنسحبين وكانت ” ان واجب المحامى ان يطيع المحكمة وان يعلم الناس طاعتها ” .
ـــ وتهتز لزئيره جنبات محكمة النقض حين يختم هذه الجزئية بقوله ” لا يا سيدى ليس القاضى ذلك الذى يأمر ويقتضى الطاعة ــ وليس من واجبنا ان نطيع احد ولا ان نخضع لاحد ولا ان نعلم الناس الطاعة فلسنا اساتذة الطاعة و الخضوع وانما نحن رسل الحق والهداية الى العدل “

” ان القاضى لا يأمر ولا يحب طاعة ولا خضوعا ولا يقتضى ذلك من احد لكنه يعلن كلمه الحق وفى هذا جلاله اما الطاعة والخضوع فلها جنود ولها منفذون ” .
ــ ان المحامى امام القاضى لا يطيع ولا يخضع بل يبذل وقته ويرشد ويبين طريق العدالة ويهئ للقاضى ان يؤكد باحكامه في اذهان الناس وفي قلوبهم مكانته من الاجلال والاحترام وما ابعد شرف للارشاد وتمكين الجلال من منزلة الطاعة والخضوع وتعليم هذه المنزلةللناس ” .

ـــ فاذا قلنا بالمساواة والاخلاص بين الاثنين فانما نرجو تلك المساواة الداخلية في التقدير والاحترام لا المساواة الخارجية المستمد من خوف الجماهير وتحيات الجنود فذلك مما لا مطمع ولا حاجة لنا به ” .
ـــ وتراه يستدير في تؤده ناحية ممثل النيابة الذى كتب فى مذكراته ان المحامى يترافع واقفا ليصل بذلك تلميحا الى ان المحامى فى مرتبة ادنى من مرتبة القاضى فيقول له بدوره ” انما يقف المحامى امام القاضى وامام جمهور الناس ليشهدهم ويشهد الله قبلهم على انه رسول العدل ” .
ــ ” وانه من طرق العبادة ما تقوم به واقفا وما تقوم به جالسا وكلا الموقفين يستويان فلا تفل للمصلى جالسا انه يأمر المصلي واقفا وهو واحد لا يتجزءان ” .
ـــ ” ويتكلم المحامى واقفا جمعا لقوته ليثور على الباطل فان فى الجلوس فتور وان الفتور جمودا ” .
ـــ ” والوقوف عند الكلام ليس موقف طاعة بل هو موقف تتفق فيه النيابة مع المحامى اذا تكلما ” .
ــ ” بل يقف المحامى فى مكان منخفض مرتديا السواد حزنا ليكون قريبا مع من قهرتهم شهوة الانسان ليسمع انهاتهم فيرسل الى قلب القاضى صرخات المظلومين ” .

وهكذا اوضح الاستاذ مرقس فهمي فى هذه العبارات القوية المتزنة العلاقة بين القضاء والمحاماة.

المصدر / من بحث استاذنا / زكريا ادريس المحامى بالنقض ومقرر معهد المحاماة بنقابة القاهرة سابقا ــ منشور بمجلة المحاماة العدد الثالث عام 2003 ص 435