إستشارة إيجارية

استعمال العين المؤجرة في الغرض الذي استأجرت من أجله

عدم تصريح الجهة الإدارية باستعمال العين في نشاط خاص وإبطال العقد للتدليس – وكل ذلك طبقاُ للقانون الكويتي

السؤال المطروح هو: طبيب أسنان أستأجر شقة لغرض افتتاح مركز علاجي لعلاج الأسنان في بناية مرخصة “إداري وتجاري” دون العيادات الطبية والمراكز العلاجية، ولكن المؤجر أخفى عنه هذه المعلومة عند إبرامه لعقد الإيجار مع طبيب الأسنان ( على الرغم من كونها الباعث على التعاقد، وبما أوقع المستأجر في غلط جوهري في صفة جوهرية من صفات العين المتعاقد عليها ).

وبعد تحرير عقد الإيجار حاول الطبيب استخراج رخصة لإنشاء مركزه الطبي، إلا أن الجهة الإدارية رفضت ذلك تماماً استناداً إلى إنه غير مرخص لافتتاح عيادات طبية أو مراكز علاجية في تلك البناية المرخصة فقط للأنشطة “الإدارية” و “التجارية”.

فحاول الطبيب مع مالك ومؤجر الشقة لفسخ عقد الإيجار ورد مبلغ التأمين الذي حصل عليه عند تحرير العقد، إلا أن مالك العقار رفض ذلك محتجاً بأن قانون إيجار العقارات في صفه وهدد المستأجر بالرجوع عليه قضائياً مطالباً بالأجرة المستحقة للعين المؤجرة وبالتعويضات المناسبة.

فيسأل الطبيب: هل صحيح أن قانون إيجار العقارات في صف المالك المؤجر، وعما إذا كانت هناك أي طريقة لفسخ عقد الإيجار واسترداد قيمة مبلغ التأمين، والأسانيد القانونية لكل ذلك.

الجواب: فنقول – بتوفيق الله وعونه – أن:

تطبيق القانون المدني الشريعة العامة للمعاملات على ما لم يرد فيه نص خاص:

حيث قضت محكمة النقض بأنه:

“لما كان المشرع قد نظم الأحكام العامة لعقد الإيجار في القانون المدني وهى واجبة التطبيق ما لم يرد في تشريعات إيجار الأماكن الاستثنائية نص خاص يتعارض وأحكامها لتعلق أحكام التشريعات الأخيرة بالنظام العام. فإذا خلا التشريع الاستثنائي من تنظيم حالة معينة تعين الرجوع فيها إلى أحكام القانون المدني باعتبارها القواعد الأساسية والشريعة العامة للمعاملات”.

(نقض مدني في الطعن رقم 1829 لسنة 56 قضائية – جلسة 9/1/1992 مجموعة المكتب الفني – السنة 43 – الجزء الأول – صـ 142).

وقد تواتر قضاء محكمة التمييز على أنه:

“من المقرر أنه مع وجود قانون خاص فإنه لا يرجع إلى أحكام القانون العام إلا فيما لم ينظمه القانون الخاص من أحكام، إذ القاعدة القانونية الخاصة لا تلغي القواعد العامة بل تستثنى منها، فيظل كل من التشريعين: العام والخاص يعملان معاً كل في نطاقه، والقول بغير ذلك فيه مجافاة للغرض الذي من أجله وضع القانون الخاص”.

(الطعن بالتمييز رقم 761 لسنة 2002 إداري – جلسة 3/11/2003).

ومن ثم، فلما كان قانون إيجار العقارات قد خلا من أي تنظيم لمسألة استغلال العين المؤجرة وامتناع الجهة الإدارية عن إصدار ترخيص بمزاولة النشاط الذي من أجله تم تأجير العين، وعليه: فيتعين الرجوع إلى القواعد العامة في القانون المدني باعتباره الشريعة العامة للمعاملات المدنية في البلاد.

الغرض من الإيجار:

ولما كان مقتضى عقد الإيجار: التزام المؤجر بأن يمكن المستأجر من الانتفاع بالمأجور (المادة 561 مدني والمادة 4 من قانون إيجار العقارات).

كما يلتزم المؤجر بتسليم المأجور وملحقاته في حالة يصلح معها لاستيفاء المنفعة المقصودة (المادة 569 مدني).

فإذا كان المأجور لا يصلح لاستيفاء المنفعة المقصودة، جاز للمستأجر أن يطلب فسخ العقد مع التعويض (المادة 570 والمادة 7 من قانون إيجار العقارات).

كما إن النص في عقد الإيجار على الغرض من استعمال العين المؤجرة “كمركز طب أسنان تخصصي” ولا يجوز تغيير الغرض من الإيجار إلا بموافقة كتابية من المؤجر، تفيد أن المؤجر كفل للمستأجر انتفاعه بالعين المؤجرة في الغرض الذي استأجره من أجله

(البند الرابع من العقد).

فإذا لم يتوافر في المأجور وقت التسليم الصفات التي كفل المؤجر للمستأجر وجودها فيه، كان للمستأجر أن يطلب فسخ الإيجار مع التعويض (المادة 585 مدني).

ضمان العيوب بكافة أنواعها:

فضلا عن أن المؤجر يضمن للمستأجر براءة المأجور من العيوب التي تحول دون الانتفاع به (المادة 582). فإذا ظهر بالمأجور عيب يتحقق معه الضمان، جاز فسخ الإيجار مع التعويض (المادة 583 مدني).

عمل السلطة العامة:

وإذا ترتب على عمل صدر من السلطة العامة – في حدود القانون – نقص كبير في انتفاع المستأجر، جاز له أن يطلب فسخ العقد (المادة 581).

وقد تواتر قضاء محكمة التمييز على أن:

“النص في المادة 581 من القانون المدني على أنه “إذا ترتب على عمل صدر من السلطة العامة – في حدود القانون – نقص كبير في انتفاع المستأجر، جاز له أن يطلب فسخ العقد، أو إنقاص الأجرة، ما لم يكن عمل السلطة لسبب يعزى إليه … وكل ما سبق ما لم يقضي الاتفاق بغيره”، مؤداه – وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لذات القانون – أن الأعمال الصادرة من السلطات العامة ومنها القرارات الصادرة من جهة الإدارة والتي يترتب عليها حرمان المستأجر من انتفاعه بالمأجور أو الإخلال بالانتفاع به تعتبر من قبيل القوة القاهرة التي لا يكون المؤجر ملتزما بضمانها ولكنه يتحمل تبعتها فيكون للمستأجر تبعا لجسامة الإخلال بالانتفاع أن يطلب فسخ الإيجار أو إنقاص الأجرة ولكن بشرط ألا يكون عمل السلطة ناجماً عن عمل يعزى إلى المستأجر أو أن يكون عدم انتفاع المستأجر بالعين راجعا إلى خطئه أو إلى سبب يتعلق بشخصه أو نتيجة استعماله العين بالمخالفة لشروط عقد الإيجار وكل هذا ما لم يتم الاتفاق بين الطرفين على غيره”.

(الطعن بالتمييز رقم 1099 لسنة 2004 تجاري/3 – جلسة 21/1/2006).

يترتب على الفسخ إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد:

وإذا فسخ العقد، أعتبر كأن لم يكن، وأعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها عند إبرامه (المادة 211 مدني).
ومن ثم ففي عقد الإيجار الذي لم ينفذ، يسترد المؤجر منفعة العين المؤجرة، ويسترد المستأجر ما يكون قد عجله من أجرة أو تأمينات أو خلافه.

إبطال العقد للتدليس:

وفضلا عما تقدم، فإنه يمكن طلب إبطال عقد الإيجار للتدليس استنادا إلى ما تنص عليه المادة 152 من القانون المدني من أنه:
“يعتبر بمثابة الحيل المكونة للتدليس الكذب في الإدلاء بالمعلومات بوقائع التعاقد وملابساته، أو السكوت عن ذكرها، إذا كان ذلك إخلالا بواجب الصدق أو المصارحة يفرضه القانون أو الاتفاق أو طبيعة المعاملة …”

ومن المقرر في قضاء النقض أنه:

“يُعتبر تدليساً السكوت عمداً عن واقعة أو ملابسة، إذا ثبت أن المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة”.

(نقض مدني في الطعن رقم 8240 لسنـــة 65 قضائية – بجلسة 23/6/1997 مجموعة المكتب الفني – السنة 48 – الجزء الثاني – صـ 952 ).

كما تواتر قضاء محكمة التمييز على أن:

“النص في المادة 152 من القانون المدني على أن “تعتبر بمثابة الحيل المكونة للتدليس الكذب في الإدلاء بالمعلومات بوقائع التعاقد وملابساته أو السكوت عن ذكرها، إذا كان ذلك إخلالا بواجب في الصدق أو المصارحة، يفرضه القانون أو الاتفاق أو طبيعة المعاملة أو الثقة الخاصة التي يكون من شأن ظروف الحال أن تجعل للمدلس عليه الحق في أن يضعها فيمن غرر به” يدل – بصريحه وما ورد بمذكرته الإيضاحية – على أن التدليس المفسد للرضاء هو استعمال حيل تحفز المتعاقد إلى عقد، ما كان ليرتضيه على نحو ما وقع، لولا انخداعه بحيل، منها الكذب في الإخبار بوقائع التعاقد وملابساته ومنها كتمها والإمساك عن ذكرها، إخلالا بواجب التصريح بها، تفرضه حتى الثقة الخاصة التي يوليها المتعاقد لمن غرر به. وأن استخلاص عناصر التدليس وتقدير ما يثبت به وما لا يثبت ذلك وغيره من عيوب الرضا من مسائل الواقع التي يستقل قاضي الموضوع بتقدير الأدلة فيها بغير معقب عليه متى أقام تقديره لهذا الواقع على ما ينتجه”.

(الطعن بالتمييز رقم 238 لسنة 2002 تجاري/3 – جلسة 10/5/2003

والطعن بالتمييز رقم 918 و 921 لسنة 2004 تجاري/3 – جلسة 8/10/2005).

لما كان ذلك، وكان المؤجر يعلم يقينا، بناء على الترخيص الصادر له بالبناء، أن تأجير وحدات مبناه سيكون قاصر فقط على “المكاتب التجارية” (من دون العيادات الطبية أو المراكز العلاجية). فيعد سكوته عمدا عن تلك الواقعة وعدم إبلاغها إلى المستأجرة عند تحرير عقد الإيجار لاستغلال الوحدة المؤجرة لها لتكون “مركز طبي” يعد ذلك السكوت منه “تدليسا” يبطل العقد، لا سيما وأن الدافع الجوهري لإبرامه هو افتتاح ذلك المركز الطبي به.

لا سيما وأن الالتزام بالإخطار في حالتنا الماثلة هو من مقتضيات العقد تمليه حسن النية وشرف التعامل طبقا لنص المادة 195 من القانون المدني التي تنص على أنه:

“لا يقصر العقد على ما يرد فيه من شروط أو يسري عليه من أحكام القانون، وإنما يتضمن كذلك ما يعتبر من مستلزماته، وفقا لما تجري عليه العادة وما تمليه العدالة، ومع مراعاة طبيعة التعامل وما يقتضيه حسن النية وشرف التعامل”.

كما تنص المادة 197 من القانون المدني على أنه:

“يجب تنفيذ العقد طبقا لما يتضمنه من أحكام، وبطريقة تتفق مع ما يقتضيه حسن النية وشرف التعامل”.

إبطال العقد يجعله كأن لم يكن أصلا:

عند القضاء بإبطال العقد يعتبر العقد كأن لم يكن أصلا (المادة 179 مدني).

ومن ثم يتعين إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد وذلك في حالتنا الماثلة بأن يسترد المؤجرة حيازة ومنفعة العين المؤجرة ويسترد المستأجر ما أداه من أجرة أو تأمينات أو خلافه.

وبتطبيق كل تلك القواعد القانونية المتقدم على السؤال المطروح يتضح جلياً أنه لا حقيقة لما يزعمه المؤجر من أن قانون إيجار العقارات في صفه وعدم أحقية المؤجر في المطالبة بتنفيذ العقد وسداد أجرة العين المؤجرة، بل يحق للمستأجر المطالبة بفسخ عقد الإيجار واسترداد قيمة مبلغ التأمين السابق سداده، فضلاً عن المطالبة بالتعويضات عن جميع الأضرار التي لحقت به من جراء تدليس المؤجر (من قبيل نفقات تجهيز العين المؤجرة وتأثيثها والديكورات التي تمت فيها وحرمان المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة في الغرض الذي أجرت من أجله …الخ).

هذا، والله أعلى وأعلم،،،

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .