أبحاث قانونية في إفراغ المحلات الوقفية للتماطل

مقال حول: أبحاث قانونية في إفراغ المحلات الوقفية للتماطل

بقلم ذ عبد الله ايت وكريم

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

طالب باحث في ماستر القانون والممارسة القضائية، -كلية الحقوق السويسي
يشكل كراء الأوقاف احد التصرفات الضرورية التي تتوخى من خلالها إدارة الأوقاف الانتفاع بالأملاك الحبسية إلى أن هذا التصرف

قد تنتج عنه بعض المنازعات من ضمنها المنازعة حول أداء الوجيبة الكرائية وقد تصل في بعض الأحيان للمطالبة بالإفراغ وهو موضوع الحكم الذي بين أيدينا و تتلخص أهم وقائع الحكم الصادر بتاريخ 9/06/2015 عن المحكمة الابتدائية بتمارة في أن شركة سيركارت تكتري من نظارة الأوقاف بالرباط محلا بتمارة بسومة كرائية شهرية قدرها 1500 درهم لكن المكترية لم تقم بأداء ما في ذمتها عن مدة تسعة أشهر مما دفع بنظارة الأوقاف إلى إرسال إنذار إلى المكترية من اجل أداء ما بذمتها لكن هذه الأخيرة لم تستجب مما دفع بنظارة أوقاف الرباط إلى رفع دعوى في هذا الإطار تطالب فيها بأداء ما في ذمة المكترية والمطالبة بإفراغ المحل المكترى و التعويض عن التماطل وشمول الحكم بالنفاذ المعجل وتحديد مدة الإكراه البدني في الأقصى و استندت في دلك على نسخة من الاندار و نسخة من عقد الكراء و المدعى عليها في هده النازلة لم تجب رغم توصلها و بناء على دلك اعتمدت المحكمة ما تم تضمينه في المقال الافتتاحي و قضت بالاستجابة لطلب أداء السومة الكرائية و التعويض عن التماطل و الإفراغ مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل ورفضت طلب تحديد مدة الإكراه البدني في الأقصى وبناء على منطوق الحكم يمكن طرح الإشكال التالي:

ما هي الأسباب التي يمكن للإدارة الأوقاف الاستناد عليها للمطالبة بالإفراغ ؟
وإلى أي حد يمكن اعتبار التماطل في أداء الوجيبة الكرائية سببا في المطالبة بفسخ العلاقة الكرائية؟
وللاجابة على هذا الاشكال ارتأينا الاشتغال وفق التصميم الاتي
المطلب الاول: أسباب الافراغ بناءا على ارادة ادارة الاوقاف
المطلب الثاني : الافراغ نتيجة التماطل في اداء الوجيبة الكرائية

المطلب الاول: أسباب الافراغ بناءا على ارادة ادارة الاوقاف
بالرجوع الى المادة 96 من مدونة الأوقاف المتعلقة بكراء الأملاك الوقفية غير الفلاحية نجدها تنص على سببين لامكانية افراغ : المكتري من العين المكتراة ، وتتجلى هذه الأسباب فيما يلي

أولا: احتياج إدارة الأوقاف إلى العين المكتراة لإقامة مؤسسات ذات صيغة دينية أو علمية أو إدارية
اعطى المشرع الحق لادارة الاوقاف في الافراغ للاحتياج وذلك استجابة للهدف الاساسي الذي جاءت مدونة الاوقاف لتكريسه والثمتل في تنمية المؤسسات ذات الصبغة الدينية او العلمية او الادارية. بحيث ان المشرع راعى هنا المصلحة العامة والتي هي الغرض الاساسي من الوقف واعطى الحق باسترداد العين بعد انهاء عقد الكراء.كما نشير في باب المقارنة الافراغ للاحتياج المنصوص عليه في المادة 45 من قانون 12ـ67 في مسألة الاحتياج الشخصي

وفي هذه الحالة فإن المكتري الذي يفرغ من العين المكتراة بسبب احتياجها من قبل إدارة الأوقاف يستحق تعويضا يوازي ثلاثة أشهر السابقة عن الإفراغ (الفقرة الأخيرة من المادة 96 من المدونة) تطبيقا للقاعدة الفقهية الغنم بالغرم

ثانيا: اذا كان الغرض إعادة بناء العين المكراة أو إدخال تغييرات هامة عليها
اذا كان الهدف الاساسي لادارة الاوقاف هو الحفاظ على المال الموقوف وقفا -عاما وصيانتة وتنميته. فالامر يقتضي اعطاءها الحق في ترميم هذه الاملاك او هدمها واعادة البناء .لان هذه الاعمال من شأنها ان تنمية الاموال الموقوفة والرفع من مردوديتها . وما دام ان القيام بهده الدور يمنع معه الاستمرار في شغل العين من قبل المكتري اثناء الاصلاح. فان مسالة الافراغ لهذا السبب هي تحصيل حاصل. و الإفراغ لهذا السبب يمنح الحق للمكتري في كراء العين المعاد بناؤها بالأسبقية (الفقرة 2 من المادة 96 من المدونة )

وفي كلتا الحالتين المنصوص عليهما على التوالي في المادة 96 يستوجب إعلام المكتري به من قبل إدارة الأوقاف بتوجيهها إنذارا بالإفراغ وتصحيحه عند الاقتضاء من قبل رئيس المحكمة الابتدائية يتضمن سبب الإفراغ، ولقد حددت المادة 97 من مدونة الأوقاف مهلة الإفراغ في شهرين اثنين من تاريخ توصل المكتري به

المطلب الثاني : الافراغ نتيجة التماطل في اداء الوجيبة الكرائية
يعتبر الكراء حسب الفصل 727 “عقد بمقتضاه يمنح احد طرفيه للأخر منفعة منقول او عقار خلال مدة معينة في مقابل أجرة محددة يلتزم الطرف الاخر بدفعها له” اذ تعتبر الأجرة إحدى أهم الأركان في هذا العقد، وقد اعتبرها المشرع المغربي أولى الالتزامات الأساسية التي يتحملها المكتري. مع إعطاء الحق للمكري في إمكانية فسخ العقد وطلب إخلاء المكتري من العين المكتراة . فالأجرة هي محل التزام المستأجر وأي إخلال بأداء هذه الوجيبة ولو بشكل متأخر يمس بمبدأ للقوة الملزمة للعقد وتعديا على الملكية العقارية للأوقاف. فالعقد المبرم بكيفية صحيحة يقوم مقام القانون إزاء طرفيه .

وهكذا فإن عدم الوفاء يعتبر سببا خطيرا يبرر فسخ عقد الكراء. لكن من اجل فسخ عقدة الكراء تضل إدارة الأوقاف ملزمة بتوجيه إنذار للمكتري بالأداء قبل اللجوء لدعوى الفسخ، لأن التأخر في أداء الكراء ولو كانت المدة طويلة لا يجعل المكتري في حالة مطل ما دام المكتري لم ينذره بالأداء . مما يعني أنه يجب إثبات التماطل بالنسبة للكراء عن طريق إنذار المكتري بالأداء ومنحه أجلا للقيام بذلك، فإذا انصرم هذا الأجل ولم يقم المكتري بالوفاء اعتبر المطل ثابتا في حقه، وبالرجوع الى المادة 95 من مدونة الأوقاف التت نص على مايلي: «إذا لم يؤذ المكتري كراء ثلاثة أشهر داخل ثمانية أيام من تاريخ توصله بإنذار بالأداء اعتبر في حالة مطل وترتب عنه الحق في فسخ العقد مع التعويض».

وبالرجوع للاجتهادات القضائية نجدها هي الاخرى تكرس هذا المبدأ أثناء نظرها في النزاعات الكرائية الحبسية الناتجة عن عدم أداء السومة الكرائية. وفي هذا الإطار قضت المحكمة الابتدائية بتمارة بما يلي: «وحيث إنه وما دام ان التماطل ثابث في حق المدعى عليها بمقتضى عليها بمقتضى الانذار المشار اليه أعلاه. فان هذا الطلب يكون مبررا طبقا لمقتضيات الفضيات الفصل 255 من ق.ل.ع , وقد ارتأت المحكمة تحديده بما لها من سلطة تقديرية في مبلغ 500 درهم “

وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي لم ينص على طريقة معينة في طريقة توجيه الإنذار، مما يعني أنه يمكن لها أن توجه الإنذار عن طريق البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل أو بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط أو عن طريق المفوضين القضائيين….الخ وتعتبر مسألة التبليغ عن طريق المفوضين القضائيين أنجع وسيلة لتحقيق المبتغى ولتجاوز المشاكل التي تنتج عن باقي وسائل التبليغ المنصوص عليها في المواد 37 و 38 من قانون المسطرة المدنية.

إما فيما يتعلق بشروط الإشعار فيجب إن تتطابق والمادة 95 من مدونة الأوقاف كاشتراط عدم أداء كراء ثلاثة أشهر مع التقيد بضرورة توجيه إنذار إلى المكتري وانتظار ثمانية أيام من تاريخ توصله بإنذر بالأداء، كما أن الإنذار يجب أن يتضمن العديد من البيانات الأساسية. وعلى العموم فاغلبية الانذارات التي يتم توجيهها في هذا الصدد تكون متضمنة لنص المادة 95 . وهو ما تم تاكيده في الحكم الذي بين ايدينا حيث النظارة قد قامت بتوجيه الانذار الى المكترية قصد المطالبة باداء السومة الكرائية الناتجة عن مدة التقاعس, وبعد امتناع هذه الاخيرة للاستجابة لمضمون الانذار تم اللجوء للمسطرة القضائية وبذلك تكون قد احترمت المسطرة الواجبة الاتباع في ما يخص دعوى المطالبة بالاداء و الافراغ المنصوص عليها في المادة 95 من مدونة الاوقاف.

خاتمة
حرصا من المشرع على حماية المصلحة العامة للوقف وحفاظا على الغاية المتطلبة من كراء الاملاك الوقفية فقد سن لهذا التصرف قواعد خاصة لا من حيث الانشاء او من حيث الانهاء. هذه المقتضيات تمنح امتيازات لادارة الاوقاف والتي قد يظهر للبعض انها مجحفة في حق المكتري الا ان ذلك كان من اجل الحفاظ على المنفعة المبتغاة من الاملاك الوقفية,ومحاولة من المشرع لتجنب تعسف الادارة في استعمال هذه الامتيازات فقد قيدها بمجموعة من الاجراءات والمساطر الواجبة الاتباع لاسيما على مستوى فسخ العلاقة الكرائية وهو ما يتضح من خلال الحكم موضوع التحليل والذي يؤكد على ان قبول طلب انهاء العلاقة الكرائية للتماطل في اداء الوجيبة الكرائية رهين باحترام ماجاءت به مقتضيات المادة 95 من مدونة الاوقاف . مما يمكن معه القول بان حكم المحكمة كان صائبا فيما قضى به من افراغ وتعويض لصالح ادارة الاوقاف

بقلم ذ عبد الله ايت وكريم
طالب باحث في ماستر القانون والممارسة القضائية، -كلية الحقوق السويسي

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.