طبيعة بيع العقار في القانون الوضعي

إن الطبيعة القانونية لبيع العقار يتنازعها اتجاهين، اتجاه يقضي برضائية بيع العقار، واتجاه آخر ينادي بشكلية بيع العقار. وندرس هذين الاتجاهين في فرعين مستقلين.

الفرع الأول: الاتجاه القائل برضائية بيع العقار

يمثل هذا الاتجاه القانون المدني المصري، وقانون الموجبات والعقود اللبناني. ويظهر هذا الاتجاه بوضوح من خلال النصوص الواردة في هذه القوانين.

ففي القانون المدني المصري، تنص المادة ( 204 ) على أن “الإلتزام بنقل الملكية أو أي حق عيني آخر ينقل من تلقاء نفسه هذا الحق، إذا كان محل الإلتزام شيئا معينا بالذات يملكه الملتزم وذلك دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالتسجيل” وتنص المادة ( 932 ) على أنه “تنتقل الملكية وغيرها من الحقوق العينية في المنقول والعقار بالعقد، متى ورد على محل مملوك للمتصرف طبقا للمادة ( 204 ) وذلك مع مراعاة النصوص الآتية”. أما المادة ( 937 ) من نفس القانون فهي تنص على أنه ” 1- في المواد العقارية لا تنتقل الملكية ولا الحقوق العينية الأخرى سواء كان ذلك فيما بين المتعاقدين أم كان في حق الغير، إلا إذا روعيت الأحكام المبينة في قانون تنظيم الشهر العقاري. 2- ويبين قانون الشهر المتقدم الذكر التصرفات والأحكام والسندات التي يجب شهرها سواء كانت ناقلة للملكية أم غير ناقلة، ويقرر الأحكام المتعلقة بهذا الشهر”.

نجد أن المادة 1 وبالرجوع إلى قانون الشهر العقاري المصري رقم ( 114 ) لسنة 1946 التاسعة منه تنص على أن “جميع التصرفات التي من شأنها إنشاء حق من الحقوق العينية العقارية الأصلية أو نقله أو تغييره أو زواله وكذلك الأحكام النهائية المثبتة بشيء من ذلك يجب شهرها بطريق التسجيل ويدخل في هذه التصرفات الوقف والوصية. ويترتب على عدم التسجيل أن الحقوق المشار إليها لا تنشأ ولا تنتقل ولا تتغير ولا تزول لا بين ذوي الشأن ولا بالنسبة إلى غيرهم.

ولا يكون للتصرفات غير المسجلة من الأثر سوى الإلتزام ات الشخصية بين ذوي الشأن”.

من خلال هذه النصوص نستطيع الحكم على بيع العقار بأنه عقد رضائي يترتب عليه جميع آثاره عدا نقل الملكية، وبالتالي فإن بيع العقار غير المسجل في دائرة الشهر العقاري هو الآخر عقدا رضائيا تترتب عليه جميع آثاره، عدا الملكية التي لا تنتقل إلا بالتسجيل في الدائرة المختصة.

وفي هذا الشأن يرى الدكتور سليمان مرقس في عقد البيع عقدا رضائيا وليس شكليا، إذ أن إجراء التسجيل هو شرط لإمكان تنفيذ أحد آثار عقد البيع هو نقل الملكية إلى المشتري، وليس شرطا لانعقاد البيع. ويستند في قوله هذا إلى نص الفقرة الثالثة من المادة الأولى من قانون التسجيل لسنة 1923 التي نصت على أنه “يترتب على عدم التسجيل أن الحقوق المشار إليها وهي الحقوق العينية الأصلية العقارية، لا تنشأ ولا تنتقل ولا تتغير ولا تزول إلا بالتسجيل لا بين ذوي الشأن ولا بالنسبة إلى غيرهم” والمقصود بذلك أن أثر البيع – نقل ملكية العقار المبيع – يتوقف على تسجيل عقد البيع، وأي التزامات أو آثار أخرى ينشئها عقد البيع في ذمة العاقدين لا تتوقف على تسجيل العقد.

لو تفحصنا نصوص القانون المدني المصري وقانون الشهر العقاري، لن نجد نصا واحدا يقضي ببطلان بيع العقار غير المسجل، إذ لا يوجد نص يفيد بأن تسجيل العق د يعتبر شرطا لانعقاد البيع، حتى يمكننا القول بأن جزاء تخلف هذا الشرط هو البطلان.

فضلا عن أن القانون لم يتضمن ما يفيد أن العقد غير المسجل ينشئ التزامات أو آثار أخرى غير الإلتزامات أو الآثار التي تترتب على عقد البيع، حتى يفهم من ذلك أن البيع غير المسجل يقع باطلا، وكل ما في الأمر يترتب على البيع غير المسجل التزامات شخصية تختلف عن الإلتزامات التي تترتب على عقد البيع في العادة.

وقد أكد القضاء المصري في أكثر من حكم قضائي على رضائية عقد بيع العقار، حيث جاء في قرار لمحكمة النقض المصرية “إن قانون تنظيم الشهر العقاري يتطلب لإ مكان نقل الملكية وجوب تسجيل عقد البيع، وأن ذلك لا يضفي على هذا العقد شكلا رسميا معينا، لأن القانون لم يغير شيئا من طبيعة ذلك العقد من حيث كونه من عقود التراضي التي تتم وتنتج آثارها القانونية بمجرد توافق الطرفين، وإنما عدل فقط من آثاره بالنسبة للمتعاقدين وغيرهم، فجعل نقل الملكية وحده غير مترتب على مجرد العقد، بل متراخيا إلى ما بعد حصول التسجيل، أما آثار البيع الأخرى فإنها تترتب على مجرد العقد ذاته ولو لم يسجل.

إذا نخلص في النهاية إلى اعتبار بيع العقار في ظل القانون المدني المصري عقدا رضائيا، وتطلب الشهر في مثل هذا البيع لا يجعل منه عقدا شكليا. كل ما في الأمر أن انتقال الملكية يتراخى إلى أن يتم التسجيل. والى نفس الموقف ذهب قانون الموجبات والعقود اللبناني.

الفرع الثاني: الاتجاه القائل بشكلية بيع العقار

يمثل هذا الاتجاه القانونين المدنيين العراقي والأردني والقوانين السارية المفعول في فلسطين. ويظهر هذا جليا في نصوص هذه القوانين، حيث تنص المادة ( 208 ) من القانون المدني العراقي على أن “بيع العقار لا ينعقد إلا إذا سجل في الدائرة المختصة واستوفى الشكل 2) من القانون ذاته على “والعقد الناقل لملكية / الذي نص عليه القانون” وتنص المادة ( 1126 2) من قانون / عقار لا ينعقد إلا إذا روعيت فيه الطريق المقررة قانونا” كما وتنص المادة ( 3 التسجيل العراقي رقم ( 43 ) لسنة 1971 على أنه “لا ينعقد التصرف العقاري إلا بالتسجيل في دائرة التسجيل العقاري”.

من جملة هذه النصوص يتضح لنا موقف المشرع العراقي من مسألة بيع العقار، حيث يجعل من هذا البيع عقد شكلي، لا ينعقد إلا باستيفاء الشكل الذي تطلبه له القانون وهو تسجيل البيع في دائرة التسجيل.

تأسيسا على ذلك نستطيع القول بأن تخلف التسجيل في البيوع العقارية يترتب عليه بطلان العقد واعتباره كأن لم يكن. ذلك أن المشرع العراقي جعل من تخلف الشكل سبب من أسباب البطلان. حيث تنص المادة ( 137 ) من القانون المدني العراقي على “ويكون باطلا أيضا إذا اختلت بعض أوصافه، كأن يكون المعقود عليه مجهولا جهالة فاحشة، أو يكون العقد غير مستوف للشكل الذي فرضه القانون”.

وهذا هو نفس ما اتجه إليه المشرع الأردني، حيث جعل التسجيل ركنا من أركان انعقاد البيع من قانون تسوية الأراضي والمياه رقم ( 40 ) لسنة 1952 / العقاري. حيث نصت المادة 16 3 على أنه ” في الأماكن التي تمت التسوية فيها لا يعتبر البيع، والمبادلة، والإفراز، والمقاسمة في الأرض، أو الماء صحيحا إلا إذا كانت المعاملة قد جرت في دائرة التسجيل”كما نصت المادة الثانية من قانون التصرف في الأموال غير المنقولة رقم ( 49 ) لسنة 1953 على أنه ” ينحصر إجراء جميع معاملات التصرف… وإعطاء سندات تسجيل بها في دائرة تسجيل الأراضي” كما نصت المادة الثالثة من نظام تسجيل الأراضي رقم ( 1) لسنة 1953 على أن ” (أ) تجرى معاملة بيع الحقوق والمنافع في الأراضي في دائرة تسجيل الأراضي بموجب عقد بيع لكل مشتري، وعندما يتم البيع تشطب أسماء البائعين من صحيفة سجل الأموال غير المنقولة، ويدون فيه اسم المشتري مع رقم وتاريخ عقد البيع”.

وقد أكد القضاء الأردني في أكثر من قرار على موقف قوانينه الخاصة، والتي جعلت من عقد بيع العقار عقد شكليا، أي لابد لإتمامه إجراء معاملة البيع لدى دوائر التسجيل حيث قضت محكمة التمييز بأنه “لا يعتبر البيع والمبادلة والإفراز والقسمة في الأرض أو الماء في المناطق التي تمت فيها التسوية صحيحا ما لم يسجل في دوائر التسجيل” وفي قرار آخر تقول محكمة التمييز “إن عقد بيع فيلا ستقام على أرض معينة هو بيع أموال غير منقولة بموجب عقد عرفي لم يسجل في سجلات دائرة التسجيل ولا يترتب عليه أي أثر، ويترتب على كل من ( 248 ) من القانون المدني”( 3 – المتعاقدين أن يرد ما استولى عليه عملا بالمادتين 168.

هذا وقد أكد ديوان تفسير القوانين في الأردن عند تفسيره الفقرة الثالثة عشرة من المادة الثالثة من قانون رسوم تسجيل الأراضي رقم ( 26 ) لسنة 1958 على شكلية البيوع العق ارية .

يبدو أن المشرع الأردني تأثرا منه بالمشرع المصري قد جاء في عبارات لا تلائم موقفه القانوني، حيث جاء في المذكرات الإيضاحية للقانون المدني الأردني “تنص المادة 1146 ) على أن الملكية في العقار والمنقول على السواء تنتقل بالعقد وان كانت الملكية في العقار لا تنتقل إلا بالتسجيل، إلا أن ذلك لا يمنع من انتقالها بالعقد طبقا للرأي الراجح ولكن أثره يتراخى إلى وقت التسجيل… كما نصت المادة ( 1148 ) على أنه لا تنتقل الملكية ولا الحقوق العينية في المواد العقارية إلا بالتسجيل، ومتى تم التسجيل، تعتبر الملكية منتقلة من وقت العقد لا من وقت التسجيل لأن سبب نقل الملكية هو العقد، وقد ترك تنظيم أحكام التسجيل إلى القوانين الخاصة في الأردن”.

والقول هذا ينطبق في الحقيقة على موقف المشرع المصري الذي جعل من عقد بيع العقار عقدا رضائيا وعلق انتقال الملكية فيه على التسجيل، ولا ينطبق على موقف التشريع الأردني الذي استخدم عبارات تدل على البطلان المطلق لكل عقد بيع عقار غير مسجل في دائرة التسجيل. من هذه العبارات مثلا “لا يعتبر البيع… صحيحا”.

إذا مما تقدم ننتهي إلى أن بيع العقار في القانونين الأردني والعراقي هو عقد شكلي وتخلف الشكلية فيه يؤدي إلى بطلان هذا البيع.

وفي فلسطين فإن حكم بيع العقار طبقا للقوانين المعمول بها، هو عقد شكلي أيضا. حيث تنص المادة الرابعة من قانون انتقال الأراضي رقم ( 39 ) لسنة 1920 على ما يلي:

-1 لا تعتبر معاملة التصرف في الأموال غير المنقولة صحيحة إلا إذا روعيت بشأنها أحكام ” هذا القانون. 2- على كل من يرغب في إجراء معاملة تصرف بمال غير منقول أن يحصل أولا على الموافقة الخطية المطلوبة في الفقرة التالية. 3- للحصول على الموافقة المشار إليها في الفقرة يقتضي تقديم عريضة للمدير بواسطة مكتب تسجيل الأراضي في المكان الواقعة فيه الأرض تبين شروط معاملة التصرف المراد إجراؤها، ويطلب فيها موافقته على المعاملة . -4 ترفق هذه العريضة بما يثبت ملكية الناقل أو مقدم العريضة، وبخارطة للمال غير المنقول المختص من أجل غايات التسجيل إذا طلب المدير ذلك، ويبقى أن تتضمن العريضة طلبا بتسجيل عقد ينظم تنفيذا لشروط معاملة التصرف. 5- ويجوز أن تتضمن العريضة فقرة تعين العطل والضرر الذي يدفعه الفريق المتخلف عن إنهاء معاملة التصرف بعد التصديق عليها”.

واضح من النص السابق أنه يجعل من كل تصرف عقاري غير مسجل ومؤشر عليه من قبل مدير تسجيل الأراضي باطلا. وهو ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف العليا بغزة في الاستئناف القاضي بأن “كل بيع خارج دائرة الطابو للأراضي المسجلة يكون باطلا.

كما وأكد قانون تسوية حقوق ملكية الأراضي رقم ( 9) لسنة 1928 على شكلية بيع العقار من جديد في المواد( 39 ،44 ، 45).

حيث نص القرار على ما يلي “بالرجوع إلى القوانين الخاصة بالأموال غير المنقولة نجد أن الشارع قد اعتبر عقود التصرف بهذه الأموال من العقود الشكلية التي لا يتم العمل القانوني فيها إلا باستيفاء ركنها الشكلي الذي عينه القانون، وهو إجراء المعاملة في دائرة التسجيل والتوقيع عليها من ذوي الشأن أمام المأمور المختص وتسجيلها في السجل الرسمي بعد دفع الرسوم القانونية”.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت