تمت إعادة النشر بواسطة محاماه نت

تثير جرائم التشرد والاشتباه في التطبيق العملي لكثرتها بعض الصعوبات رأينا أن نتناولها بالتعليق في كلمتين موجزتين حول سريان أحكام التشرد على الأحداث والنساء وحول جريمة العود للاشتباه.

أولاً: جريمة التشرد:

تنص المادة الأولى من المرسوم بقانون (98) سنة 1945 على أنه يعد متشردًا من لم تكن له وسيلة مشروعة للتعيش, وتنص المادة الرابعة منه على أن أحكام التشرد لا تسري على الأشخاص الذين تقل سنهم عن خمس عشرة سنة ميلادية ولا على النساء إلا إذا اتخذت للتعيش وسيلة غير مشروعة.

فالأحداث المشردون الذين تقل سنهم عن خمس عشرة سنة لا تسري عليهم أحكام التشرد وفقًا للمرسوم بقانون (98) سنة 1945, لأنه كان ينتظم حالهم القانون رقم (2) سنة 1908, ولما ألغي هذا القانون حل محله القانون رقم (124) سنة 1949 الخاص بالأحداث المشردين الذي صدر في 8 أغسطس سنة 1949 واعتبر حدثًا متشردًا كل ذكر أو أنثى لم يبلغ سنه ثماني عشرة سنة ميلادية إذا وجد متسولاً أو يمارس أعمال جمع السجائر أو أعمال الدعارة أو مخالطة المتشردين والمشتبه فيهم أو إذا كان سيئ السيرة والسلوك أو ليس له محل إقامة مستقر أو لم يكن له وسيلة مشروعة للتعيش (م (1) و (2) من ق (124) سنة 1949), فرفع القانون (124) سنة 1949, سن الحدث المتشرد إلى ثماني عشرة سنة فإذا بلغها سرت عليه أحكام قانون التشرد رقم (98) سنة 1945, ويكون نص المادة الأولى من ق (124) سنة 1949, قد ألغي نص المادة الرابعة من م ق (98) سنة 1945, فيما يختص بالسن التي يعد فيها الشخص حدثًا متشردًا وذلك لصدور ق (124) سنة 1949, لاحقًا لقانون التشرد ولما نصت عليه المادة (14) فقرة ثانية من القانون (124) سنة 1949, من أنه (يلغى كل نص في القوانين الأخرى يتعارض مع أحكام هذا القانون).

أما النساء فيخرجن من حكم قانون التشرد إذا لم يتخذن وسيلة مشروعة للتعيش لأن المرأة لها دائمًا من يعولها, وإنما يسري عليهن أحكام قانون التشرد إذا اتخذن بالفعل وسيلة غير مشروعة للتعيش (م (4) من ق 98 سنة 1945) بينما كان نص المادة (31) من قانون المتشردين والأشخاص المشتبه فيهم رقم (24) سنة 1923, مطلقًا في عدم سريان أحكام التشرد والاشتباه إطلاقًا على النساء, فلم يكن النسوة متشردات حتى لو اتخذن وسيلة غير مشروعة وفاقًا لأحكام القانون القديم بينما أصبحن متشردات في حكم المادة الرابعة من القانون الجديد رقم (98) سنة 1945, إذا اتخذن للتعيش وسيلة غير مشروعة على أن محكمة النقض قد قضت بتاريخ 17/ 2/ 1943 في القضية، (44) سنة 17 قضائية بأن إباحة المرأة نفسها لمن يطلبها مع قبح ذلك وبشاعته لا يجعلها متشردة في حكم المادة الرابعة من قانون التشرد على أساس أن هذا الفعل لا يعاقب عليه القانون, ولكن صدر بعد هذا الحكم القانون رقم (68) سنة 1951, لمكافحة الدعارة وقضى باعتبار التحريض على الفجور والدعارة واستخدام الأشخاص وإغوائهم بقصد ارتكاب الفجور والدعارة وإدارة محال الفجور والدعارة والمعاونة على ذلك بأية طريقة كانت جرائم معاقبًا عليها وكذلك نص فيه على عقاب كل من اعتاد ممارسة الفجور أو الدعارة وكل من يستغل بأية وسيلة بغاء شخص أو فجوره, ومؤدى نصوص هذا القانون أن البغاء والفجور غير مشروعين وأن اتخاذه وسيلة للتعيش يعد عملاً غير مشروع قانونًا وأصبحت المرأة التي تتعيش من البغاء والفجور وتتخذه وسيلة للتعيش متشردة وتخضع لأحكام قانون التشرد رقم (98) سنة 1945.

ثانيًا: جريمة العود للاشتباه:

ونصت المادتان (6) و (7) من م ق (98) سنة 1945, على أنه إذا عاد المشتبه فيه بعد سبق الحكم عليه بالمراقبة لمدة لا تقل عن ستة شهور ولا تزيد على خمس سنين يعاقب بالحبس والوضع تحت مراقبة البوليس [(1)] مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين, ويجوز للقاضي بدلاً من توقيع عقوبة المراقبة في جريمة الاشتباه أن يصدر حكمًا غير قابل للطعن بإنذار المشتبه فيه بأن يسلك سلوكًا مستقيمًا فإذا وقع من المشتبه فيه بعد ذلك أي عمل من شأنه تأييد حالة الاشتباه فيه في خلال الثلاث السنوات التالية للحكم وجب الحكم عليه بعقوبة المراقبة لمدة لا تقل عن ستة شهور ولا تزيد على خمس سنين.

ونريد أن نعالج هنا أمرين:

1 – الركن المادي لجريمة العود للاشتباه.

2 – هل جريمة العود للاشتباه وقتية أم مستمرة.

عن الأمر الأول: كانت المادة التاسعة من قانون الاشتباه القديم رقم (24) سنة 1923, تنص على أن جريمة العود للاشتباه تتوافر بعد إنذار الشخص من البوليس بأن يسلك سلوكًا مستقيمًا إذا حدث أحد الأمور الآتية:

( أ ) حكم عليه مرة أخرى بالإدانة بعد سبق الحكم عليه أكثر من مرة في جرائم التهديد أو الخطف أو الحريق العمد أو تعطيل المواصلات أو السرقة أو النصب وتزييف النقود وإتلاف المزروعات وقتل المواشي وانتهاك حرمة المساكن أو سبق الحكم عليه في جريمة قتل عمد.

(ب) إذا قدم ضده بلاغ جديد عن ارتكاب جريمة من الجرائم سالفة الذكر أو شروع فيها بعد سبق تحقيق النيابة معه أكثر من مرة في هذه الجرائم وحفظ التحقيق.

(ج) أو إذا وجد بعد غروب الشمس وشروقها جالسًا أو مختبئًا في مكان لا يكون لوجوده فيه مبرر وذلك بعد إنذار من البوليس لوجوده أكثر من مرة في هذه الحالة.

(د) أو إذا كان لدى البوليس من الأسباب الجدية ما يؤيد ظنونه عن ميول المشتبه فيه وأعماله الجنائية وذلك بعد إنذاره من البوليس للاشتهار عنه الاعتياد على الاعتداء على النفس أو المال أو إعادة الأشخاص المخطوفين والأشياء المسروقة, ويكون الحكم في جريمة العود بالمراقبة فقط.

ولكن قانون الاشتباه الجديد رقم (98) سنة 1945, قد اشترط لتوافر جريمة العود للاشتباه أن يقع من المشتبه فيه أي عمل من شأنه تأييد حالة الاشتباه بعد الحكم عليه بالإنذار بأن يسلك سلوكًا مستقيمًا أو بالمراقبة في جريمة الاشتباه التي تتوافر بسبق الحكم على الشخص أكثر من مرة في جرائم الاعتداء على النفس أو المال أو التهديد بذلك أو الوساطة في إعادة الأشخاص المخطوفين أو الأشياء المسروقة أو تعطيل المواصلات ذات المنفعة العامة أو الاتجار في المخدرات أو تقديمها للغير أو تزييف النقود وتزوير أوراق النقد, واشترط أن يقع الفعل الذي يؤيد حالة الاشتباه في خلال الثلاث السنوات التالية للحكم بالإنذار وذلك في حالة الحكم بالإنذار في جريمة الاشتباه ولم يشترط ذلك في حالة الحكم بالمراقبة في جريمة الاشتباه ويكون الحكم في جريمة العود للاشتباه في القانون الجديد بالحبس والمراقبة معًا.

ويستفاد من هذا العرض لأحكام القانون القديم والجديد أن جريمة العود للاشتباه في القانون الجديد لا تتوافر إلا بوقوع أي عمل من شأنه تأييد حالة الاشتباه أي لا بد أن يأتي المشتبه فيه عملاً إيجابيًا فلا يشترط – كما كان الحال في القانون القديم – أن يصدر حكم على المشتبه فيه في جرائم الاعتداء على المال وما شابهها، وإنما يكفي – كما قضت بذلك محكمة النقض- أن يرتكب المشتبه فيه إحدى هذه الجرائم أو يتهم في ارتكابها اتهامًا جديًا لتوافر جريمة العود للاشتباه سواء بعد الحكم بالإنذار أو بالمراقبة وجاء في هذا الحكم أنه يبين من مقارنة نص المادتين (6) و (7) (من قانون الاشتباه رقم (98) سنة 1945) أن المراد بما ذكرته الفقرة الثانية من المادة السادسة من عبارة حالة العود لا يعني العود الوارد في المادة (49) عقوبات إذ القول بذلك يترتب عليه أنه إذا وجد شخص في حالة الاشتباه وحكم عليه بمقتضى الفقرة الأولى من هذه المادة فإنه لا يمكن اعتباره عائدًا إلا إذا توافرت جميع ظروف الاشتباه بوقائع جديدة وقعت بعد الحكم عليه في أول مرة حتى يتحقق معنى العود كما يعرفه قانون العقوبات، وإنما المراد هنا أن يقع من المشتبه فيه بعد الحكم عليه بالاشتباه أي عمل من شأنه تأييد حالة الاشتباه السابق الحكم بها عليه وفقًا لما جاء في الفقرة الثانية من المادة السابقة إذ لا يوجد أي مبرر للقول باختلاف معنى العود في حالة سبق الحكم بالإنذار وحالة سبق الحكم بالمراقبة وإذن فلا يلزم في حالة الحكم بالعود أن تتوافر جريمة الاشتباه من جديد بناءً على وقائع أخرى لاحقة على الوقائع التي بنى عليها حكم الاشتباه الأول بل كل ما يلزم هو أن يقع من المتهم بعد الحكم عليه بالمراقبة للاشتباه أي فعل من شأنه تأييد حالة الاشتباه الثابتة بالحكم الأول في حقه.

(راجع نقض (7) مايو سنة 1949 محاماة س 30 ص (150)).

وقضت محكمة النقض في قضية أخرى أن قيد القضية ضد المتهم بمعرفة النيابة لا يفيد جدية الاتهام فقد تقيد قضية ضد متهم ثم تنتهي بالحفظ لعدم الصحة أو لعدم وجود جناية والقيد ليس إلا مجرد إجراء إداري لرصد القضايا في الجداول الخاصة لها والقانون يوجب للإدانة في جريمة العود للاشتباه أن يبين الحكم سنده الذي يبرر القول بأن المشتبه فيه قد وقع منه عمل من شأنه تأييد حالة الاشتباه (راجع نقض (7) مارس سنة 1949 محاماة س 30 ص (58)).

وعلى ذلك فلا تتكون جريمة العود للاشتباه لشخص حكم عليه بالإنذار أو المراقبة إذا لم يرتكب شيئًا من جرائم المادة الخامسة من قانون المتشردين والمشتبه فيهم أو يتهم اتهامًا جديًا في ارتكابها ويشهد رجال الحفظ بأن المشبوه سيئ السير والسلوك إذ لم يصدر من المشتبه فيه عمل يؤيد حالة الاشتباه ولم يعد كافيًا لتوافر جريمة العود للاشتباه قيام أسباب جدية تؤيد ظنون البوليس عن ميل المشبوه لارتكاب الجرائم إذ يجب أن يصدر من المشبوه أي عمل من شأنه تأييد حالة الاشتباه بأن يتهم المشبوه اتهامًا جديًا في ارتكاب الجرائم المحددة بالمادة الخامسة من قانون الاشتباه.

وغني عن البيان أن قانون الاشتباه قد اشترط أن يقع الفعل الذي من شأنه تأييد حالة الاشتباه في خلال الثلاث السنوات التالية للحكم بالإنذار ولم يشترط ذلك في حالة الحكم على المشبوه بالمراقبة للاشتباه, وعلة ذلك أن المشرع أراد ألا يجعل الإنذار- وهو ليس عقوبة بالمعنى الحقيقي- سيفًا مسلطًا على المشتبه فيه إلى الأبد بل أراد أن يظل أثره قائمًا ثلاث سنوات فقط يزول بعدها, أما المراقبة فهي عقوبة كباقي العقوبات المقيدة للحرية وقد نصت المادة العاشرة من المرسوم بقانون (98) سنة 1945, على أن عقوبة الوضع تحت مراقبة البوليس المحكوم بها طبقًا لأحكام هذا المرسوم بقانون (قانون الاشتباه) مماثلة لعقوبة الحبس فيما يتعلق بتطبيق أحكام قانون العقوبات وقانون تحقيق الجنايات أو أي قانون آخر, ولا يزول أثر الحكم بالمراقبة عند البحث في توافر جريمة العود للاشتباه إلا إذا رد اعتبار المحكوم بها عليه قضائيًا أو قانونًا [(2)] وفقًا للمادتين (537)، (550) من قانون الإجراءات الجنائية كأية عقوبة أخرى بالحبس.

عن الأمر الثاني: أما وقد رأينا أن جريمة العود للاشتباه تتوافر بالعمل الذي يصدر من المشبوه مؤيدًا لحالة الاشتباه فإنه يتضح أن جريمة العود للاشتباه جريمة وقتية غير مستمرة تنشأ بالفعل الذي يؤيد حالة الاشتباه والذي يأتيه المشبوه وتنتهي بمجرد إتيانه وعلى ذلك إذا ارتكب المشتبه فيه جريمة سرقة أو اتهم فيها اتهامًا جديًا فجريمة العود تنشأ من تاريخ ارتكاب الجريمة واتهامه فيها اتهامًا جديًا لا من تاريخ الحكم عليه فيها, وقد قضت محكمة النقض بأنه (إذا لم تعن المحكمة ببيان تاريخ ارتكاب الجرائم التي قالت بقيام حالة العود معها فإن حكمها يكون قاصرًا ومعيبًا مما يستوجب

نقضه وذلك لأن العبرة في إثبات العود في حالة الاشتباه بناءً على أحكام الإدانة هي بتاريخ وقوع الجرائم لا بيوم الحكم فيها).

(نقض 18/ 5/ 1948 مج رسمية س 49 ع (9) ص (477)).

ويترتب على كون جريمة العود للاشتباه وقتية أن مدة سقوطها بالتقادم تبدأ من تاريخ وقوع العمل الذي يؤيد حالة الاشتباه أي بانقضاء ثلاث سنوات من تاريخ وقوع الفعل المؤيد لحالة الاشتباه تنقضي الدعوى الجنائية في جريمة العود للاشتباه ما لم تنقطع المدة بأحد أسباب الانقطاع.

ولسنا في حاجة إلى القول بأنه وإن كان إتيان المشتبه فيه لفعل يؤيد حالة الاشتباه تتوافر به جريمة العود للاشتباه ويكون جريمة أخرى أيضًا كجريمة السرقة أو النصب.. إلخ وقد يحاكم عنها المشتبه فيه عند توافر الأدلة قبله إلا أن جريمة العود للاشتباه جريمة مستقلة عن الجريمة الأخرى في أركانها ولا يجوز تطبيق المادة (32) عقوبات وقد قضت محكمة النقض بتاريخ 22 مايو سنة 1930, بالحكم الآتي (إنه وإن كان فعل السرقة قد دخل على نوع ما في تكوين أركان جريمة العود للاشتباه (طبقًا للمادتين الثانية والتاسعة من قانون المشتبه فيهم) إلا أن جريمة العود للاشتباه لا تزال في باقي أركانها مستقلة عن جريمة السرقة بحيث يتعذر اعتبارهما فعلاً واحدًا يمكن وصفه قانونًا بوصف قانوني واحد أو عدة أفعال تكون جميعها جريمة واحدة وعلى ذلك لا يجوز تطبيق المادة (32) عقوبات في حالة العائد للاشتباه الذي ارتكب جريمة أخرى).

(الفهرس العشري الرابع للمجموعة الرسمية بند (1245) ص (181))، كما يترتب على استقلال جريمة العود للاشتباه عن جريمة السرقة التي عاد لحالة الاشتباه بارتكابها أن المحكوم عليه في السرقة بمراقبة البوليس التبعية وفقًا للمادة (320) عقوبات يجوز محاكمته أيضًا عن جريمة العود للاشتباه بالمراقبة أو بالمراقبة والحبس حسب الأحوال إذ المراقبة في هذه الجريمة عقوبة رسمية رتبها القانون وأوجب تطبيقها (التشريع المصري للمتشردين والمشتبه فيهم للأستاذ حسن جاد الطبعة الأولى ص (193) وما بعدها).