ومضات قانونية حول القانون الليبي الغير مفعل

إذا كان السعي‮ ‬للحصول على المال من الصفات التي‮ ‬يتصف بها جل البشر،‮ ‬إلا الزهاد،‮ ‬فإن ما قد‮ ‬يهذب من هذه الغريزة اختيار السبل الخيرة والابتعاد عن ولوج دروب شائكة قد‮ ‬يحصل من خلالها الفرد على أموال طائلة لكن نهايتها حزينة في‮ ‬الدنيا أو في‮ ‬الآخرة معاً،‮ ‬وتبدو معالم هذا القول في‮ ‬آكلي‮ ‬النيران وهو موضوع تجنبنا الحديث عنه والكتابة حوله،‮ ‬حتى رأينا الأمر قد استشرى فصار ظاهرة في‮ ‬العديد من المجتمعات الإسلامية‮.‬

والغريب في‮ ‬الأمر أن ما نريد الحديث عنه والذي‮ ‬انبري‮ ‬للدفاع عنه نفر من الأشخاص‮ ‬يعللون الأخذ به ويوجدون أسانيد له ما أنزل الله بها من سلطان ـ هذا الأمر قد فصله القرآن الكريم بشكل لا‮ ‬يحتاج إلى أقول أو اجتهاد،‮ ‬فكانت لغة الأرقام دليلاً‮ ‬ومؤشراً‮ ‬وهادياً‮ ‬إلى حلول كانت لولا هذا التفصيل لسارت عصية عن الإدراك وإيجاد الحلول ـ هذا‮ ‬الموضوع هو الميراث‮.‬
وبالرغم من الوضوح فإن نفراً‮ ‬من الأشخاص دعوا ظلماً‮ ‬وبهتاناً‮ ‬إلى حرمان الأنثى من الميراث،‮ ‬وإن كان هذا الأمر قد اختفى رسمه إلا أنه لا‮ ‬يزال حقيقة ظاهرة من خلال حرمان الإناث من العقارات‮ (‬الأراضي‮ ‬والمباني‮) ‬بحجج واهية قد نتعرض لها والكثير منا‮ ‬يعرفها‮.‬
ولكن ما قد‮ ‬يحزن أن جيلاً‮ ‬من المتعلمين والمثقفين قد ساروا على هذا النهج وزينوا الأخذ به،‮ ‬لتكون الأنثى بين القبول المكره أو الرفض مع فقد الإخوة وكذلك في‮ ‬كثير من الأحيان الأم‮.‬
وتبدو المسألة هنا معقدة،‮ ‬لها جذور من الجاهلية عندما كانت البنت عاراً‮ ‬حتى وصل الأمر إلى حد وأدها ـ‮ ‬غير أن هذا الأمر قد انتهى ـ كما‮ ‬يبدو ـ ليظهر شيء آخر هو أبشع في‮ ‬أعتى صوره وأبشع أشكاله،‮ ‬عندما دافع عن ذلك ـ ولو خلف الستارـ‮ ‬بعض المتعلمين من هذا الجيل‮.‬

ما وراء حرمان الإناث من الإرث

القانون الليبي رقم‮ ‬6 لسنة‮ ‬1959 بشأن حماية حق النساء في‮ ‬الإرث ـ نشر بعدد الجريدة الرسمية رقم‮ (‬10) السنة التاسعة،‮ ‬الصادر في‮ ‬1959/5/10 ـ أي‮ ‬منذ ما‮ ‬يزيد عن نصف قرن من الزمن،‮ ‬وقد تكون دواع كانت موجودة في‮ ‬ذلك الوقت حتمت صدور هذا القانون ـ وهي‮ ‬ظروف لايزال‮ ‬يذكرها جيل لايزال على قيد الحياة،‮ ‬ولم‮ ‬يكن الأمر محصوراً‮ ‬في‮ ‬العقارات‮ (‬الأراضي‮ ‬والمنازل‮) ‬بل‮ ‬امتد الأمر إلى الأموال الأخرى‮ (‬المنقولة‮) ‬ـ وللأسف الشديد لايزال نسمع صدى هذا القول حتى من بعض المتعلمين ـ الذين‮ ‬يرون في‮ ‬المال‮ ‬غاية تبرر كل الوسائل للحصول عليها وبلوغها ـ ولذلك فإنهم‮ ‬يحتجون بأن المرأة تنقل المال إلى زوجها والذي‮ ‬قد‮ ‬يكون‮ ‬غريباً‮ ‬عن أسرتهم‮.‬

والغريب في‮ ‬الأمر أن هذا الغريب ـ وفقاً‮ ‬لمنطقهم ـ‮ ‬يصاهرونه فيزوجونه بناتهم ويخلقون الأعذار كي‮ ‬لا تنتقل الأموال إلى أخواتهم بحكم أنها ستنتقل إليهم ـ فالمال هنا ارفع درجة من الشخص‮ (‬البنت‮)!!‬

وتبدو المسألة أكثر‮ ‬غرابة ـ حتى إنني‮ ‬كنت في‮ ‬كل مرة أقول أنت لست أكثر عدالة من الله،‮ ‬فالله قد قسم الإرث بشكل دقيق وتفصيلي‮ ‬ـ لذلك ارحل عن هذه الدنيا ونم هنيئاً‮ ‬فقد تكفل الشرع الحكيم بأحكام الميراث ولا تقترف ذنباً‮ ‬قد لا تستطيع إصلاحه بل قد تخلق شقاقاً‮ ‬ومشكلات بين أولادك بعد رحيلك،‮ ‬وقد‮ ‬يصيبك شيء من الدعوات السيئة أو المقالة السيئة وإن كانت في‮ ‬بعض الأوقات مستترة‮.‬

وإذا ما كان هذا حال الراحلين،‮ ‬فإن الخلف قد‮ ‬يأخذ سيرة الراحل ـ فيحرم أخته أو أي‮ ‬شخص آخر من الإرث‮.‬
وتبدو هذه الظاهرة للأسف الشديد في‮ ‬ازدياد وقد‮ ‬يكون وراء هذه الزيادة حب الناس المفرط للمال بشكل فاق كل وصف وتصور حتى كأننا نرى اليوم الأشخاص في‮ ‬سباق محموم نحو الحصول إلى أكبر قدر منه مع ما في‮ ‬ذلك من بعد عن الجوانب الأدبية والمعنوية‮.‬

مقدمة لقانون قابع في‮ ‬الأدراج

قد‮ ‬يكون هذا الموضوع مقدمة لقانون قابع في‮ ‬الأدراج‮ ‬غير مفعل،‮ ‬لكن ليس بسبب عدم جديته ولكن بسبب عدم لجوء الناس إلى المحاكم لتطبيق أحكامه ألا وهو القانون رقم‮ ‬6 ‮ ‬لسنة‮ ‬1959 ‮ ‬بشأن حماية حق النساء في‮ ‬الإرث والذي‮ ‬أرى أنه قد آن الوقت ليفعل،‮ ‬وقد‮ ‬يكون السبب وراء عدم تفعيله خشية الناس من استعماله تجاه الأقارب،‮ ‬ولكن ما قد‮ ‬يبرر الاستعانة به هذا القول الكامن في‮ ‬صدور الكثيرين والمتعلق بحب المال لدرجة كبيرة وبشكل بشع وخطير‮ ‬يتزايد مع الأيام‮.‬

بل وإن الأغرب أنه حتى الأشخاص الأغنياء قد سلكوا طريق آكلي‮ ‬النار ولم‮ ‬يمنعهم‮ ‬غناهم الفاحش من حرمان أخواتهم والإناث بشكل عام من حقهم في‮ ‬الإرث،‮ ‬كما أن العصر الحديث بالرغم مما شهده من تقدم ومعرفة بشؤون الدين فإنه لم‮ ‬يسهم إلا بقدر قليل في‮ ‬إبعاد العديد من الأشخاص عن ولوج هذا الطريق الحرام‮.‬

اعادة نشر بواسطة محاماة نت