تمت إعادة النشر بواسطة محاماه نت

يتم إبرام اتفاق التحكيم وفقا للقانون الواجب التطبيق، واحترامه لإرادة أطرافه السليمة ورغبتهم إخضاع نزاعاتهم القائمة أو المحتملة بصدد علاقة قانونية محددة للتحكيم. وإذا نشب النزاع بين أطرافه بخصوص تفسير العقد الأصلي أو تنفيذه، ما هي الآثار التي ستترتب على وجود هذا الاتفاق؟. تتطلب دراسة آثار اتفاق التحكيم ضرورة الوقوف على أمرين:
أولهما: أثر اتفاق التحكيم من حيث الأشخاص.
ثانيهما: أثر اتفاق التحكيم من حيث الموضوع.

أولا: أثر اتفاق التحكيم من حيث الأشخاص

لا يظهر أثر اتفاق التحكيم إلا بالنسبة لأطرافه سواء أكانوا اثنين أو أكثر. ولا يجوز الاحتجاج به على من لم يكن طرفا في الاتفاق[1].
إن العقد يلزم الخلف العام لكل من المتعاقدين حيث يأخذ الخلف حكم الطرف بالنسبة للتصرف الذي أبرمه سلفه، فإذا توفي أحد المتعاقدين انتقلت الحقوق الناشئة له عن العقود التي يكون قد أبرمها قبل وفاته إلى ورثته وإلى من أوصى لهم بحصة في تركته وانتقلت إليهم، كذلك الالتزامات التي تكون قد نشأت على عاتقه. إذا كانت القاعدة أن الالتزامات لا تنتقل إلى الخلف العام إلا في حدود ما آل إليه من التركة إلا أن هذا القيد ليس له من أثر على انتقال آثار اتفاق التحكيم إلى الخلف العام. لأن موضوع هذا الاتفاق هو حقوق والتزامات إجرائية، وليس مالية تدخل في مفهوم التركة وتتحدد بحدودها[2]. وأما عن انتقال آثار اتفاق التحكيم إلى الخلف الخاص فإن انتقالها إليه يفترض بالضرورة انتقال آثار العقد الأصلي إليه سواء بمقتضى الاتفاق أو بمقتضى القانون[3].

ثانيا: أثر اتفاق التحكيم من حيث الموضوع

يترتب على اتفاق التحكيم أثر هام يتمثل في سلب النزاع من ولاية القضاء العادي ونقله إلى هيئة التحكيم ويحدث اتفاق التحكيم هذا الأثر سواء أكان سابقا على وقوع النزاع أو لاحقا له، ولا يعني سلب النزاع من ولاية القضاء العادي أن المحكمة ترفع يدها كلية عن التحكيم، إذ تظل تقدم له بعض خدمات لازمة لسير الإجراءات أو لفاعلية قرار التحكيم كالحكم على من يتخلف من الشهود عن الحضور ويمتنع عن الإجابة بالجزاء المنصوص عليه في القانون، وإيداع قرار التحكيم بقلم الكتاب والأمر بوضع صيغة تنفيذية عليه، إذا كان القانون الوطني يستلزم ذلك[4].

ولكن ما هو الوضع في حال رفع النزاع أمام القضاء العادي على الرغم من وجود اتفاق التحكيم؟ إن للخصم الحق في التمسك باتفاق التحكيم والدفع بوجود اتفاق على التحكيم، ويذهب الرأي في الفقه المصري[5] إلى أن الدفع بالاتفاق على التحكيم ليس دفعا بعدم الاختصاص، وإنما هو دفع بعدم قبول الدعوى استنادا إلى الاتفاق على التحكيم ويستهدف مجرد إقامة مانع مؤقت من سماع الدعوى أمام القضاء رغم كونه مختصا بها في الأصل، ورغم استمرار اختصاصاته بها أثناء سير عملية التحكيم وبعد انتهائها. إن الهدف من إقامة هذا المانع يكمن في تقييد حق الطرفين في الالتجاء إلى القضاء، أو في حق كل منهما في الدعوى ويترتب على ذلك بقاء المانع طالما بقي السبب ويزول بزواله.

إن هذا الدفع بعدم قبول الدعوى لوجود اتفاق التحكيم يجب أن يدفع به المدعى عليه ولا يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها وأيضا أن يدفع المدعى عليه بوجود اتفاق بإحالة النزاع للتحكيم قبل تقديمه أي طلب أو دفاع في جوهر الدعوى.
وبالتالي فلا يجوز إبداء هذا الدفع أثناء نظر الدعوى بل يجب الدفع به في أول جلسة وقبل الكلام في موضوع النزاع، وإلا سقط الحق فيه استنادا إلى أن الخوض في موضوع الدعوى دون إثارة هذا الدفع يعني نزول المدعى عليه نزولا لا يعتد به القانون نظرا إلى أن مضمون مصدره الاتفاق[6]. وهذا ما أخذ به المشرع المغربي في الفصل 327 من قانون المسطرة المدنية (انظر هذا الفصل في الملحق رقم 1 آخر البحث).
وهنا يثور سؤال هام وهو هل يجوز اللجوء إلى قاضي الأمور المستعجلة ليقضي بصفة مؤقتة دون المساس بأصل الحق في مسألة يخشى عليها من فوات الوقت[7]؟ ينبغي التنويه إلى أن القضاء الوقتي هو صورة من صور الحماية القضائية التي تصدر عن قضاء الدولة وتصدر الحماية الوقتية إما في صورة حكم مستعجل، وإما في صورة أمر وقتي[8] وحسن فعل المشرع المغربي الذي أجاز اللجوء إلى قاضي الأمور المستعجلة سواء قبل البدء في إجراءات التحكيم أو أثناء سريانها لطلب اتخاذ أي إجراء وقتي أو تحفظي ولا يمنع اتفاق التحكيم الأطراف من القيام بذلك (الفصل 1/327 من ق.م.م).

[1] – د. نادية محمد معوض، التحكيم التجاري الدولي، مرجع سابق، ص 94.
[2] – د. مصطفى الجمال، ود. عكاشة عبد العال، التحكيم في العلاقات الخاصة الدولية والداخلية، مرجع سابق، ص 468-469.
[3] – د. نادية محمد معوض، التحكيم التجاري الدولي، مرجع سابق، ص 94-95.
[4] – د. محسن شفيق، التحكيم التجاري الدولي، مرجع سابق، ص 198.
[5] – منهم د. أحمد أبو الوفا، التحكيم الاختياري والإجباري، مرجع سابق، ص 125، ود. فتحي والي، الوسيط في القضاء المدني، مرجع سابق، ص 902، د. نبيل عمر، الدفع بعدم القبول ونطاقه القانوني، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1981، ص 221.
[6] – انظر المادة (13/1) من قانون التحكيم المصري في المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994، وكذلك المادة (1/8) من القانون النموذجي.
[7] – د. محسن شفيق، التحكيم التجاري الدولي، مرجع سابق، ص 201.
[8] – د. عبد المنعم الشرقاوي و د. عبد الباسط جميعي، شرح قانون المرافعات الجديد، دار الفكر العربي، القاهرة، 1976، ص 368.