جريمة التصــــاريح الديوانية المغلوطة

الأستاذة جميلة الشريـــــفي

تقوم إدارة الديوانة داخل المجتمعات البشرية بدور هام على مستوى حماية الاقتصاد الوطني فهي تسهر على تطبيق السياسة الاقتصادية في ميدان التجارة الخارجية والصرف بالإضافة إلى حماية الثروات الوطنية الأثرية والحيوانية والنباتية من التهريب.

كما تسهر إدارة الديوانة على حماية الإنتاج الداخلي من منافسة المنتوجات الأجنبية والمراقبة الصحية للبضائع.

وسعيا من المشرّع التونسي كغيره من التشريعات المقارنة إلى تنظيم مجال إدارة الديوانة وبيان حقوقها وواجباتها أصدر مجلة الديوانة بتاريخ 29 ديسمبر 1955 وعديد القرارات التطبيقية لها.

في هذا الإطار نظمت أحكام المجلة العلاقة بين إدارة الديوانة والمتعاملين معها بصفتهم في علاقة مباشرة معها من خلال العمليات التجارية التي يقومون بها والمتمثلة في توريد وتصدير البضائع.

ومن أوجه هذا التنظيم نجد أن التشريع الديواني ينبني خاصة على واجب التصريح المفصل لدى مكتب الديوانة بالبضائع لدى إدخالها أو إخراجها من التراب الديواني ويفترض أن يكون التصريح صحيحا ومفصّلا عند أو بعد وصول البضائع إلى مكتب الديوانة وذلك تطبيقا لما ورد بالفصل 99 من مجلة الديوانة أنه :”يجب تقديم تصريح مفصل في جميع البضائع الموردة أو المصدرة يبين النظام الديواني المسند لها”.

إلا أن الفصل 100 من مجلة الديوانة أضفى البعض من المرونة على الصبغة الإجبارية للتصريح المفصل تماشيا مع مقتضيات السوق و خصوصيات بعض البضائع القابلة للاحتراق أو للفساد أو البضائع الخطرة أو الثقيلة الحجم أو الموردة و ذلك بأن خول للمدير العام للديوانة أن يرخص في إيداع التصاريح المفصلة قبل وصول البضائع إلى المكتب الديواني أو الأماكن المحددة من قبل إدارة الديوانة و ذلك خاصة مباشرة من قبل الإدارات أو المؤسسات المتمتعة بإمكانية خلاص المعاليم الديوانية بموجب سندات الالتزام الإداري.

وحيث أن التصاريح المفصّلة يجب أن تقدّم كتابيا أو باستعمال وسائل الإعلامية أو الإلكترونية ويجب أن تتضمن جميع البيانات اللازمة لتطبيق التدابير الديوانية وقد تمّ ضبط شكل محدّد للتصاريح وتحديد البيانات التي يجب أن تدرج بها في إطار الفصل111 و ذلك كما يلي :”

يجب أن تقدم التصاريح المفصلة كتابيا أو باستعمال الوسائل الإعلامية أو الإلكترونية حسب المنوال المضبوط بالتشريع و التراتيب الجاري بها العمل .
يجب أن تتضمن هذه التصاريح جميع البيانات اللازمة لتطبيق التدابير الديوانية و إعداد الإحصائيات.

يجب أن تكون ممضاة من قبل المصرح.
يشكل التصريح المفصل و الوثائق الملحقة به سندا وحيدا لا يتجزأ.
يحدد وزير المالية بمقتضى قرار شكل التصاريح و البيانات التي يجب أن تتضمنها و كذلك الوثائق التي يجب أن ترفق بها، و يمكن له أن يرخص في بعض الحالات بتعويض التصريح الكتابي بتصريح شفاهي.
ويتم تقديم التصاريح المفصلة من طرف أصحابها أو الأشخاص أو المصالح الموافق عليهم بصفة سماسرة في الديوانة أو اللذين لهم رخصة للقيام بعمليات الإخراج من الديوانة حسب منطوق الفصل 101 م.د

إلا أن الإعلام المفصّل سواء تم تقديمه من طرف صاحب البضاعة أو من طرف شخص آخر يترتب عنه المسؤولية الجزائية للمعلم الذي يكون بالتالي الفاعل الأصلي في الجرائم المرفوعة بمناسبة تقديم الإعلام المفصّل.

و قد وقع تكريس مصطلح “الإعلام المفصل” أو “التصريح المفصّل” في النصوص اللاحقة وخاصة منها قرارات وزير المالية مثل القرار الصادر في 28 ديسمبر 1976 الذي يضبط شكل التصريح الديواني والقرار الصادر في 24 ديسمبر 1982 المتعلق بضبط الطريقة المبسطة بواسطة النظام الآلي الديواني “سند” أو « SINDA » كما وقع تنقيحه بالقرار المؤرخ في 15 جانفي 2001.

ومنذ أن تمّ تجهيز الإدارة العامة للديوانة بالنظام الآلي “سند” أصبح التصريح المفصّل يعدّ عن طريق إدخال البيانات ضمن المنظومة الإعلامية من طرف المصرّح والمصادقة عليه ثم يطبع التصريح آليا على الورق.

فالتصريح المفصّل عبارة عن وثيقة يتم من خلالها إعطاء البضائع الموّردة نظاما ديوانيا محدّدا وكذلك دفع المعاليم المستوجبة لذلك ضبطت النصوص كل التراتيب المتعلقة به خاصة إلزامية إيداعه في آجال محددة وكذلك مكان الإيداع والأشخاص المؤهلون لذلك.

يسعى المشرّع من خلال هذا الإجراء إلى تبسيط الإجراءات للمتعاملين مع إدارة الديوانة وتسهيلها قصد ربح الوقت وتلافي ما يمكن أن يوقع في الخطأ عند التنصيص على البيانات التي يجب أن يتضمنها التصريح المفصّل.

وكتكريس لهذا التوجه أدخل المشرع المزيد من المرونة في تعامل إدارة الديوانة مع منظوريها حيث نصّ ضمن الفصل 117 على إمكانية إصلاح الإعلامات بالتفصيل من حيث الوزن والعدد والكيل أو القيمة من طرف المعلمين بشرط أن يتم ذلك قبل بداية المراجعة وشرط تقديم نفس عدد الطرود التي عليها نفس العلامات ونفس الأعداد المبيّنة منذ البداية وكذلك نفس أنواع البضائع.

إضافة إلى ذلك أقّر المشرّع في الفصل 118 من مجلة الديوانة إمكانية تقديم تصاريح تكميلية تحتوي على ما جاء في التصاريح المبسطة وبيانات أخرى لازمة للتصاريح المفصلة تكتسي هذه التصاريح التكميلية صبغة إجمالية أو دورية أو حوصلية.

إن كل مخالفة يتضمنها الإعلام المفصّل تكون موضوع عقاب ذلك أن التصاريح المفصلة لا بدّ أن تكون كاملة وسليمة فكل نقص أو خطأ في البيانات يقع تكييفه قانونا بالتصاريح المغلوطة التي يترتب عليها عقاب جزائي سوف نتولى بيانه عند دراستنا للجزاء المترتب على جريمة التصاريح المغلوطة.

رغم ذلك يعمد المتعاملون مع إدارة الديوانة إلى استنباط طرق احتيالية[1] تمكنهم من تمرير البضائع أو إخراجها دون دفع الأداءات والمعاليم المستوجبة أو دفع أداءات ومعاليم أقلّ مستغلين في ذلك الانفتاح الذي شهدته عديد الأسواق و الاتفاقات المبرمة بين الدول مثل اتفاقية ״GATT״ والتسهيلات التي تمنح للاقتصاديين في إطار ثنائي أو جماعي لتطبيق التعريفة التفاضلية بالنسبة للبضائع التي يقع توريدها من بلد معيّن.

فيعمدون إلى إدخال بيانات خاطئة تؤثر في تحديد الأداءات والمعاليم المستوجبة واحتسابها أو يستعملون وثائق مدلّسة للوصول إلى نفس الهدف خاصة وأننا نعلم أن التصريح المفصّل لدى الديوانة يكون مصحوبا بوثائق أخرى كالفواتير والرخص وكل الشهادات والوثائق المنصوص عليها بالتراتيب المتعلقة بالتحجيرات ومراقبة التجارة الخارجية والصرف وكل الوثائق التي تفرضها الديوانة لتطبيق القوانين والتراتيب الديوانية (شهادة المنشأ، شهادة جولان، رخصة القبول المؤقت، تبرير الخروج…)، كل الوثائق الضرورية لتطبيق القوانين و التراتيب الخاصة من قبل مصالح الديوانة (نظام الصيد، الوقاية، الصحة، حماية الحيوانات والنباتات من الأمراض ومراقبة الجودة…).

وقد اهتمت القوانين و التشاريع بجرائم التدليس كظاهرة خطيرة تأخذ أشكالها في التطوّر. حيث تحدّث القانون الفرنسي في المجلة الجنائية الصادرة سنة 1810 تحت عنوان “التدليس” عن تزييف العملة وتقليد طوابع الدولة وأوراق البنوك المالية والأوراق العمومية والعلامات وتدليس الكتائب العمومية والعرفية ونفس الشيء نجده لدى المشرّع التونسي .

واتسع مجال تدليس الكتائب فأصبحت هذه الأخيرة تضمّ بالإضافة إلى الكتائب العمومية والحجج الرسمية وثائق أخرى كرخص الصيد والشهادات الطبية والوثائق المصرفية والبنكية.

وفي المادة الديوانية اتسعت صيغ التدليس حيث نجد التدليس بالحذف والتدليس بالإضافة أو التغيير حين يتعلق الأمر بأرقام لها وقع في احتساب الأداءات والمعاليم. وتتعلق هذه الوسائل المستعملة للتدليس بتدليس الأختام أو الإمضاءات.

انطلاقا من خطورة هذه الأفعال وآثارها السلبية على خزينة الدولة خاصة وهيبتها عامة وقع زجرها بشدة في القانون الديواني فالهدف الأساسي من كل تحريم لفعل معين ومن كل تنصيص على عقوبة ما هو حماية لحقوق يحميها القانون وتكريس لسياسة تشريعية معينة.

فمثل هذه الجرائم يعدّ بمثابة العدوان على الصالح العام للبلاد وعلى مصالح حيوية للمجموعة البشرية المكوّنة للمجتمع داخل أي دولة معينة. فجريمة التصاريح المغلوطة وإن بدت في الظاهر لا تمسّ سوى بمصالح أطراف معينة أي إدارة الديوانة والمتعامل معها فإن نظرة مدققة في أبعادها ونتائجها يلاحظ أنها تمسّ بصفة مباشرة بذات الدولة وبهيبتها أي بالصالح العام نظرا لتسلطها على وثائق وأشياء تعتبر من متعلقات الدولة.

بالاستناد إلى هذه المعطيات ولتفادي هذه الأخطار وسعيا لحماية الصالح العام داخل البلاد وحفاظا على هيبة الدولة واعتبارها وفي إطار السعي لدعم الثقة التي لدى العموم تجاه أعمال ووثائق السلطة العامة والذي يمثل التصريح الديواني المفصّل شكلا من أشكالها اهتم المشرع بظاهرة جريمة التصاريح المغلوطة فقام بإدراج مجموعة من العقوبات الصارمة للتقليص من حدّة هذه الجريمة.

وانطلاقا من كل ما وقع بسطه وشرحه تتبين لنا أهمية التطرق لموضوع جريمة التصاريح المغلوطة في المجلة الديوانية التونسية وأحقيتها بالاهتمام وجدارتها بأن تكون موضوع دراسة تحدد تصانيفها وتوضح ملامحها وتمكن القارئ في نفس الوقت من الإلمام بهذه النوعية من الجرائم التي تتميز بخطورتها وكثرتها.

فما هي الخصائص القانونية لجريمة التصاريح المغلوطة في المجلة الديوانية؟

وهو ما سأسعى إلى بيانه من خلال هذا البحث المتواضع الذي سأخصص الجزء الأول منه لدراسة أحكام التتبع في جريمة التصاريح المغلوطة في حين سأخصصّ الجزء الثاني من هذا البحث للحديث عن الجزاء القانوني المترتب عن جريمة التصاريح المغلوطة.

الـــجزء الأول: أحكــام التتبع في جريمة التصاريح المغلوطة

ينص الفصل الأول من مجلة الإجراءات الجزائية على أنه :”يترتب على كل جريمة دعوى عمومية تهدف إلى تطبيق العقوبات”. وتقع ممارسة الدعوى العمومية عادة من طرف النيابة العمومية و ذلك حسب منطوق الفصل 20 من مجلة الإجراءات الجزائية، ذلك أن النيابة العمومية تثير الدعوى العمومية و تمارسها كما تطلب تطبيق القانون و تتولى تنفيذ الأحكام.

غير أنه و في المادة الديوانية، تستأثر الإدارة العامة للديوانة بحق إثارة الدعوى فتقوم بتتبع المخالفين بشان الأفعال التي اقترفوها. و يجد هذا الامتياز الممنوح لإدارة الديوانة أساسه صراحة صلب الفصل 318 من المجلة الديوانية الذي ينص على أنه “:يتولى وزير المالية أو من فوض له وزير المالية في ذلك ممن له الصفة مدير إدارة مركزية أو جهوية للديوانة إثارة الدعوى العمومية و إحالة المحاضر مستوفاة الشروط مصحوبة بطلبات إدارة الديوانة إلى وكيل الجمهورية لدى المحكمة المختصة”.[2]

و نلاحظ في هذا الإطار أنه قبل صدور القانون عدد 34 لسنة 2008 المؤرخ في 02/06/2008 ، كانت النيابة العمومية هي من تتولى إثارة الدعوى العمومية بالدرجة الأولى إلى جانب إدارة الديوانة عملا بأحكام الفصل الثاني من مجلة الإجراءات الجزائية التي تنص أن:”إثارة الدعوى العمومية وممارستها من خصائص الحكام و الموظفين الذين أناطها القانون بعهدتهم”.

بهذا يكون المشرّع التونسي قد خول لإدارة الديوانة حق إثارة الدعوى و حق ممارستها وذلك على غرار ما نص عليه المشرع الجزائري الذي أعطى حقا مطلقا لإدارة الديوانة في إثارة وممارسة الدعوى العمومية طبقا للفصل 252 من مجلة الديوانة الجزائرية الذي ينص على أنه “فيما يتعلق بقمع المخالفات الجمركية تمارس إدارة الجمارك الدعوى الجبائية مباشرة بالدرجة الأولى بواسطة المدير العام للجمارك أو بناء على طلبه و يمكن للنيابة أن تمارس الدعوى العمومية بالتبعية.”

و حيث تتجه الملاحظة أنه بعد صدور القانون المذكور اعتبر المشرع التونسي إدارة الديوانة السلطة الوحيدة المخولة لإثارة الدعوى العمومية دون سواها وهو ما يعتبر تجديد على ما كان عليه الحال في ظل القانون القديم و يفرض على المشرع التونسي التدخل و تنقيح مجال تطبيق الفصل 20 م إ ج الذي يخول للنيابة العمومية إثارة الدعوى العمومية و ممارستها بصفة عامة وحتى لا يصبح هناك تضارب و تناقض بين النص العام و النص الخاص المتعلق بالقانون الديواني.

هذا وحدد المشرع ضمن الفصل من 329 إلى 331 م.د اختصاص المحاكم الابتدائية للبتّ في المادة الجنائية وكذلك حكام النواحي الذين لهم أهلية البت في الجنح التي تفرض أمامهم المخالفات الديوانية بما فيها جريمة التصاريح المغلوطة عندما يقع تكييفها كمخالفة.

رغم خطورة الجرائم الديوانية على الاقتصاد الوطني خاصة فإن النظرة الاجتماعية إليها مازالت تتسم باللامبالاة وعدم الاهتمام بل أن المهربين غالبا ما يجدون الإعانة السلبية أو الإيجابية من قبل العامة لممارسة أعمال التهريب.

فكانت إذا أعمال التهريب لا ينظر إليها كجرائم طبيعية من قبل المجتمع مما حدا بالمشرع التونسي قدوة بنظيره الفرنسي إلى ترك المبادئ العامة للقانون الجنائي جانبا و سن تشريع خاص بالمادة الديوانية[3] يتميز بالصرامة والقسوة أحيانا للبحث عن النجاعة اللازمة لحماية الاقتصاد الوطني و ضمان حقوق الخزينة. وتبدو هذه الصرامة بصفة خاصة على مستوى المسؤولية الجزائية الديوانية إلى جانب المسؤولية المدنية.

كما انه و تأسيسا لقيام مسؤولية المخالف تسلط عليه عقوبات مختلفة حددتها مجلة الديوانة وضبطت أحكامها. إذ يثير القانون الدّيواني نزاعات مختلفة بعضها يرفع للمحاكم للبتّ فيها لتصدر العقوبة المناسبة بشأن كلّ مخالفة ديوانية وفق التكييف القانوني لها .

و من المبادئ الأصولية في القانون التونسي أنّه لا يجوز توقيع العقوبات المقرّرة للجنايات والجنح والمخالفات إلاّ بمقتضى حكم صادر من المحكمة المختصة بذلك فيجب إذا رفع الدّعوى على الجاني أمام المحكمة المختصّة بتوقيع العقوبة، وتسمّى هذه الدّعوى بالدّعوى العمومية أو الجنائية ״Action publique ou pénale ״.

تفترض الدّعوى التي ترفعها إدارة الديوانة في جريمة التصاريح المغلوطة إذا، قيام مسؤولية مرتكبها (مبحث 1) وبالتالي تحريك دعوى جريمة التصاريح المغلوطة (مبحث 2).

المبحث الأول: قيــام المسؤولية في جريمة التصاريح المغلوطة

لكي يقع التتبع ينبغي تحديد المسؤول سواء جزائيا (فقرة1) أم مدنيا (فقرة2).

فقرة 1: المسـؤولية الجــزائية في جريمة التصاريح المغلوطة

إن الأشخاص المسئولون مسؤولية جزائية هم الذين ساهموا بصفة مباشرة في الجريمة بصفتهم فاعلين أصليين وفاعل الجريمة هو من أبرز إلى حيز الوجود العناصر التي تؤلف الجريمة وساهم مباشرة في تنفيذها فهو إذا من نسب إليه القيام بفعل مادي أو معنوي سلبي أو إيجابي يحرمه القانون[4] والفاعل الأصلي في جريمة التصاريح المغلوطة هم كما يلي ذكرهم:

أ‌- الماسكون للبضائع:

يعتبر الماسكون للبضائع مسؤولون مسؤولية جزائية عن التصاريح المغلوطة على البضائع التي في حوزتهم ذلك أن الفصل 364 م د ينص على أن :”يعتبر ماسك البضائع موضوع الغش مسؤولا عن الغش” و يستثني الفصل المذكور من الأحكام المسؤولية الجزائية الناقلون العموميون و تابعوهم أو أعوانهم من المسؤولية إذا دلوا إدارة الديوانة على الفاعلين الحقيقيين و ذلك بتقديم بيانات صحيحة و قانونية عمن كلفوهم بالنقل تؤدي إلى تتبعهم.

و الماسك للبضائع هو كل شخص يكون في حوزته بضائع غير مصرح بها لدى الديوانة مهما كانت صفة ملكيته لهذه البضائع فيكفي ضبطها بحوزته حتى يكيف كماسك للبضائع عملا بأحكام الفصل 364 م د.

ب‌- قــادة السفن و قادة الطائرات:

تشمل المسؤولية الجزائية عن جريمة التصاريح المغلوطة قادة السفن و قادة الطائرات أيضا و ذلك في صورة وجود سهو أو ذكر معلومات غير صحيحة التي وقع اكتشافها ببيانات الحمولة و بصورة عامة عن كل المخالفات و الجنح المرتكبة على متن هذه الوسائل.

و يستثني الفصل 365 م د تطبيق عقوبات السجن المنصوص عليها في هذه المجلة على قادة السفن التجارية أو السفن الحربية و على قادة الطائرات العسكرية أو التجارية إلا في صورة ارتكاب خطأ شخصي.

ت‌- المصــرّحون:

يبقى المصرح مسؤولا جزائيا عن التصاريح المغلوطة على أساس إمضائه

لتلك البيانات [5] ولا تنتفي مسؤوليته حتى في حالة تصرفه في نطاق الوكالة التي أعطيت له تطبيقا للفصل 367 م.د الذي ينص على أنه:” يعتبر الممضون على التصاريح مسؤولين عن جميع أشكال السهو و المعلومات الغير صحيحة و غير ذلك من المخالفات الواقع ولهم حق الرجوع على المكلفين إياهم عند الاقتضاء.”

وينبغي الإشارة هنا إلى أنه عند وجود عقد وكالة فإن المصرح هو الشخص الذي يمضي التصريح فإذا كان مستخدم التجارة هو الذي قام بالأعمال المادية في حين أن الموكّل هو الذي أمضى التصريح فإن الموكل هو المسؤول أما إذا وقع الوكيل التصريح فإنه يسأل كمصرح وإن كان توقيعه مسندا إلى الوكالة التي أعطاها بصرف النظر عن مسؤولية موكله.

وفي كل الأحوال تبقى مسؤولية المصّرح قائمة حتى في صورة تقيد المصرح تقيدا تاما بالوكالة التي أعطيت له ذلك أنه لا يجوز الاحتجاج بوكالة مخالفة للنظام العام ويبقى المصرّح مسؤولا حتى في صورة اكتشاف المخالفة بعد خروج البضاعة من مصلحة الديوانة أو أن المستندات التي قام على أساسها التصريح غير صحيحة أو مزوّرة.

ث‌- الوســـيط لدى الديوانة كــمصرّح:

أجاز الفصل 101 م.د للسماسرة المقبولون لدى الديوانة تقديم البضائع إلى الديوانة لإعطائها نظاما ديوانيا نهائيا فيدخل بهذه الصفة ضمن المصرّحين. يتم تعيين الوسيط لدى الديوانة طبقا لمقتضيات الفصلين 102 و104 م.د وتتم الموافقة عليه بصفة شخصية وإذا تعلق الأمر بشركة فإنه يجب التحصل عليها لفائدة الشركة أو لفائدة كل شخص له صفة لنيابة الشركة يقوم الوسيط لدى الديوانة بعمليات تخص بضائع ليست على ملكه ولا باسمه ويعمل دائما لحساب المرسل إليه الذي عليه أن يعلن له اسمه في التصريح الديواني.

يتسلم الوسيط لدى الديوانة بصفته مصرّح الفواتير والمستندات ممن فوّض إليه الأمر متلقيا تعليماته في شأن التصريح بالبضاعة وسحبها من مصلحة الديوانة ويجب عليه أن يتقيد بتعليمات من فوّض إليه الأمر بدون توكيل وأن يلتزم بالمستندات المسلمة إليه أو أن يصرّح استنادا إلى خبرته ومعرفته بأنواع البضائع وقيمتها.

غير أن مهمّة الوسيط لدى الديوانة لا تقتصر على تحرير التصاريح الديوانية وتقديمها طبقا لما يطلبه منه موكّله بل عليه التثبت من صحة تلك التصاريح ومطابقتها للقانون وإلا أصبح مسؤولا عن كل خطأ أو تدليس يحصل في التصريح المفصّل الذي يوقعه ويقدمه إلى مصالح الديوانة.

ولا بدّ في هذا الإطار من بيان أن الوسيط لدى الديوانة لا يمكنه التفصي من هذه المسؤولية بدعوى حسن النية ذلك أن الفصل 368 م.د ينص على أن الوسطاء لدى الديوانة مسؤولون عن العمليات التي يقومون بها لدى الديوانة لذلك فإن الوسيط لدى الديوانة مسؤولا كمصرّح عن جميع المخالفات المتعلقة بتنصيصات التصريح والعناصر التي تؤسس عليها المعاليم ذلك أنه يمكنه الامتناع عن تقديم التصريح إذا تبين له أن إحدى عناصره مغلوطة أو أن إحدى الوثائق كالفواتير مدلّسة.

إلا أنه ولئن كان الوسيط لدى الديوانة مسؤولا عن كل خطأ أو تدليس يحصل في التصريح المفصّل الذي يوقعه ويقدمه إلى مصلحة الديوانة ولو كان حسن النيّة فإن العقوبات بالسجن المنصوص عليها صلب مجلة الديوانة لا تنطبق عليه إلا في صورة ارتكابه هفوة شخصية.

كما يمكن للوسيط لدى الديوانة الرجوع على مالك البضائع حيث جاء في منطوق الفصل 367 م.د أن ” يعتبر الممضون على التصاريح مسؤولين عن جميع أشكال السهو و المعلومات الغير صحيحة و غير ذلك من المخالفات الواقع ولهم حق الرجوع على المكلفين إياهم عند الاقتضاء.”

إذا فالوسيط لدى الديوانة مسؤول كمصرّح عن جميع البيانات والعناصر التي تبنى عليها المعاليم وقد تبنى هذا المبدأ المشرع الفرنسي وفقه القضاء الفرنسي وكذلك المشرّع التونسي.

نستنتج من كل ما تقدم أن الوسيط لدى الديوانة مسؤول عن كل خطأ أو غش أو كذب يحصل في التصاريح المفصّلة التي يوقعها ويقدمها إلى مصالح الديوانة مهما كانت الظروف والأسباب. ولا يمكن أن يسأل الوسيط لدى الديوانة إلا عن هذا التصريح بحيث لا يمكن أن يسأل عما يقع للبضاعة بعد خروجها من الديوانة.

ج‌- المشــاركون:

يبقى المشاركون في جرائم التصاريح المغلوطة مسؤولون مسؤولية جزائية وفقا لأحكام الفصل 370 م.د و تطبق على المشاركون أحكام الفصل 32 من المجلة الجزائية. و يبقى بذلك قانون الإجراءات الجزائية القانون العام و الإطار العام الذي يمكن العمل بأحكامه كلما كان هناك سهو في القانون الديواني.

ح‌- المستفـــيدون:

تسلط على كل شخص شارك بصفة و بأية صورة كانت ،في ارتكاب جنحة تهريب أو جنحة توريد أو تصدير دون إعلام العقوبات المسلطة على مرتكبي الجنحة و كذلك عقوبات الحرمان المنصوص عليها بالفصل 402 م.د وفقا لأحكام الفصل 371 م.د.

و يعتبر بمثابة مستفيدين حسب أحكام الفصل المذكور:”

أ- مسيرو وأعضاء تنظيمات الغش و المؤمن لهم و الممولون و مالكي البضائع و بصفة عامة كل من له مصلحة مباشرة في الغش.

ب- كل من ساهم بأية طريقة كانت في أعمال قام بها عدد من الأشخاص بالاتفاق فيما بينهم وفق مخطط غش أعدوه من أجل تحقيق النتيجة التي يسعون إليها جميعا.

ت– كل من تعمد التستر على تصرفات مرتكبي الغش و حاول تجنيبهم العقاب أو تعمد شراء أو مسك ولو خارج النطاق الديواني بضائع متأتية من جنحة تهريب أو توريد دون إعلام”.

الفقــرة الثانية: المسؤولية المدنية في جريمة التصاريح المغلوطة

ينطلق مفهوم المسؤولية المدنية من فكرة أن المسؤولية للشخص لا تحدد بأفعاله فقط بل تتعداه إلى الأشخاص التابعين له وتهدف الدعوى المدنية إلى تعويض الضرر الذي نتج عن الفعل.

ومن هذا المنطلق سنتعرض إلى مسؤولية أرباب البضائع والمستأجرين والمكلفين غيرهم بشؤونهم ثم إلى مسؤولية الضامن.

مسـؤولية أرباب البضائع والمستـأجرين والمكلفين غيرهم بشؤونهم:
أجمع الفقه وفقه القضاء في فرنسا على أن المبادئ العامة التي تنظم المسؤولية المدنية عن فعل الغير تطبق في المادة الديوانية. ولقد نص المشرع ضمن الفصل 375 م.د على أن :” مالكي البضائع والمؤجرين والمكلفين غيرهم بشؤونهم مسؤولون مدنيا عن أفعال مستخدميهم في خصوص المعاليم و الأداءات المصادرات والخطايا والمصاريف.”

فالمتبوع إذا مسؤول عن التابع وهو الشخص الذي تربطه به علاقة تبعية سواء نشأت هذه العلاقة عن عقد أو عن غيره. وفي هذا الإطار نذكر مسؤولية الوسيط لدى الديوانة مدنيا عن مستخدميه ومسؤولية المصرحين عن مستخدميهم.

ولكي تقوم المسؤولية المدنية ينبغي الرجوع إلى قواعد القانون العام[6] الذي نص على أنه ولقيام مسؤولية المتبوع عن التابع ينبغي أن يكون الحادث قد وقع بخطأ من التابع والمتبوع.

أما بالنسبة لعقد الوكالة وبالرجوع إلى القانون العام فإنه و لقيام مسؤولية الموكّل عن أعمال وكيله ينبغي أن تكون الأعمال التي باشرها الوكيل داخله في نطاق الوكالة إلا إذا ثبت أن الموكل لم يقم بالرقابة اللازمة لأعمال وتصرفات وكيله وأن التجاوز نتج عن إهمال من طرف الموكّل.

ب‌- مسـؤولية الضــامن:

جاء في منطوق الفصل 376 م.د :” يكون الضامنون ملزمين بنفس الدرجة مع المتعهدين الأصليين بدفع الأداءات والمعاليم والخطايا المالية وغيرها من المبالغ المستحقة على المطالبين بالأداء الذين ضمنوا فيهم “.

كما ينص الفصل 143 م.د على أنه يجب أن توضع البضائع تحت قيد تواصل ضمانة إذا وقع نقلها عن طريق البر أو البحر أو الجو من نقطة لأخرى من التراب الديواني وكانت منتفعة بتوقيف جميع الأداءات أو المعاليم أو بتوقيف التحجيرات.

فضلا على أن الفصل 146 م.د ينص على أن تواصل الضمانة يشمل علاوة على الإعلام المفصل التزام المتعهد الأصلي والضامن فيه مع الخيار في طلب الخضوع خلال الآجال المعينة وتطبيق العقوبات القانونية للموجبات التي اقتضتها القوانين والتراتيب الجاري بها العمل.

أما إذا كانت البضائع غير محجرة فإن التزام الضامن يمكن تعويضه بتأمين الأداءات والمعاليم. و التزام الضامن يترتب عن إمضائه توصيل الضمانة ويمكن أن يكون الضامن شخصا معنويا أو طبيعيا.

وينبغي الإشارة أنه وطبقا للفصل 304م.د وفي صورة حجز البضائع غير المحجرة فإن العقلة ترفع على وسائل النقل بعد تقديم ضامن مالي أو تأمين القيمة.

كذلك ينص الفصل 350 م.د أنه وفي جميع صور معاينة المخالفات الديوانية على العين فإن وسائل النقل والبضائع موضوع النزاع وغير القابلة للمصادرة يمكن لضمان دفع الخطايا المترتبة عنها استبقاؤها محجوزة إلى أن يقدم ضامن أو يؤمن مبلغ الخطايا المشار إليه.

ت‌- المسـؤولية المدنية لورثة المخـالفين:

جاء بالفصل 320 م.د أنه وفي صورة وفاة مرتكب مخالفة ديوانية قبل صدور حكم نهائي أو قبل وقوع الصلح فإن للإدارة الحق في أن تقوم ضد مخلّف المالك لدى المحاكم المختصة وإذا استعصى حجز موضوع النزاع فيقع دفع مبلغ يساوي قيمة تلك البضاعة يضبط حسب السعر الجاري بالسوق الداخلية في الوقت الذي ارتكب فيه التحيّل.

كما نص الفصل 353 فقرة4 م.د على أنه إذا توفي المخالف قبل خلاص الخطايا والمصادرات وغيرها من العقوبات المالية الصادرة ضده بمقتضى حكم نهائي فإنه يمكن استخلاص المبالغ المستوجبة من الورثة بجميع الطرق القانونية باستثناء الجبر بالسجن.

المبحث الثاني: تحــريك دعوى جريمة التصاريح المغلوطة

تملك إدارة الدّيوانة بمقتضى الفصل 318 م.د حقّ إثارة الدّعوى العمومية وممارستها وحق التصرّف فيها (عن طريق الصّلح) الذي ينص على أنه :” يتولى وزير المالية أو من فوض له وزير المالية في ذلك ممن له صفة مدير إدارة مركزية أو جهوية للديوانة إثارة الدعوى العمومية و إحالة المحاضر مستوفاة الشروط مصحوبة بطلبات إدارة الديوانة إلى وكيل الجمهورية لدى المحكمة المختصة.” و تتولى إدارة الديوانة إثارة الدعوى العمومية (الفقرة1) وممارستها(فقرة2).

الفقرة الأولى: إثــارة دعــوى جريمة التصاريح المغلوطة

إنّ المقصود بإثارة الدّعوى أو تحريكها هو اتخاذ أوّل إجراء قانوني لنقل القضية من حالة السّكون إلى الحركة [7]. فيمكن للنيابة العمومية أن تقرّر فتح بحث لدى التحقيق أو إحالة المتهم على السّلط الخاصة أو تأذن بإجراء أبحاث عن طريق أعوان الضابطة العدلية.

فتحريك الدّعوى هو مجرّد رفعها إلى قاضي التحقيق لتحقيقها أو للمحكمة للحكم فيها.

إنّ محاضر الدّيوانة التي تعتبر كحجّة لإدانة المخالفين لا تعدّ حكما صادرا بالإدانة لأنّ كلّ حكم يجب أن يصدر عن قاضي وذلك حتى يتمكّن كافة الأطراف المتّهمة من الدّفاع عن مصالحهم، حيث نصّ الفصل 341 من مجلة الدّيوانة على أنّه يتم استنطاق المتهم في القضايا الديوانية، في الطورين الابتدائي و الاستئنافي بناءا على تقرير إدارة الديوانة.

وجاء في الفصل 336 م د على أنّه يتم استدعاء للحضور أمام المحاكم الجزائية طبقا لأحكام مجلة الإجراءات الجزائية .

و ينص الفصل 319 م.د :” تحيل النيابة العمومية على إدارة الديوانة كل المعلومات التي تتحصل عليه و التي تفترض وجود مخالفة ديوانية أو أية مناورة ترمي أو ينتج عنها مخالفة القوانين و التراتيب التي لها صلة بتطبيق مجلة الديوانة و ذلك بمناسبة النظر في قضايا مدنية أو تجارية أو بحث جزائي ولو انتهى ذلك بعدم سماع الدعوى.”

فالمشرّع إذا، أقرّ هنا مبدأ المواجهة بين الخصوم كما ضبط تدخّل ممثل الإدارة لدى المحكمة بمقتضى الفصل 342 م.د الذي نصّ على أنّ نائب الإدارة يطلب شفاهيا عند حضوره بالجلسة في اليوم والسّاعة المعيّنين تطبيق العقوبات المنصوص عليها بهذه المجلة. فيمكنه مثلا تأخير القضية في صورة تقديم المخالف لمؤيّدات جديدة أو تقارير مضادة أو يطلب تفويض النظر لهيكلة المحكمة عندما يطلب المخالف التأجيل.

الفقــرة الثانية: ممــارسة دعوى جريمة التصـاريح المغلوطة

أما المقصود بممارسة الدّعوى العمومية فتشمل كافة الأعمال اللازمة للوصول إلى الحكم بالعقوبة على مرتكب الجريمة أي إلى حكم نهائي بات في الأصل.

وعلى هذا الأساس فإنّ إدارة الدّيوانة تتولّى سلطة الاتهام أمام القضاء pouvoir d’accusation، وهي تمثل الدّولة للتوصّل إلى إقرار حقّها في العقاب. فبمجرّد الانتهاء من البحث والتحرّي الذي تجريه حسب الفصل 318 من مجلة الديوانة تبدأ صفة إدارة الديوانة كسلطة اتهام. وهي التي تتولّى تحديد التهمة الموّجهة إلى ذي الشبهةle suspect والنصّ القانوني المنطبق عليه.

ينصّ الفصل 317 م.د أنّه “يمكن تتبع جميع الجنح والمخالفات التي اقتضتها القوانين الدّيوانية وإثباتها بجميع الطرق القانونية ولو في صورة ما إذا لم يقع إي حجز بمنطقة الجمارك أو خارجها أو أنّ البضائع التي شملها إعلان لم تفضي لأيّة ملاحظة”.

و يتولى وزير المالية أو المدير العام للديوانة بمقتضى تفويض من وزير المالية ممارسة دعوى جريمة التصاريح المغلوطة من خلال الحق المخول لهم في استئناف و تعقيب الأحكام الصادرة ضد الديوانة حسب أحكام الفصل 317 فقرة2-3 م.د .

و جاء في الفصل 340 م.د: ” تطبق القواعد المنظمة للطعن في التعقيب الجاري بها العمل في المادة المدنية أو في المادة الجزائية على القضايا الديوانية .”

الجزء الثاني: الجــزاء المترتب عن جريمة التصاريح المغلوطة

يمكن تعريف العقوبة طبقا للقوانين الحديثة بأنها ألم و ضرر يلحق بشخص مسؤول اقترف جريمة و أدين فيها قضائيا.

يعد الجزاء الجنائي والعقوبة وفقا للنظرية الايطالية، دفاعا و علاجا اجتماعيا وهي تهدف إلى تقويم وإصلاح الجاني. ويعد وفقا لحركة الدفاع الاجتماعي تدابير لإعادة دمج الشخص و منعه من العودة إلى الإجرام من جديد[8] من خلال ردعه و تسليط العقوبة عليه ( مبحث1 ) إلا انه في بعض الحالات يمكن التسامح مع المخالف و ذلك بسقوط الدعوى العمومية( مبحث 2).

المبحث الأول: العقوبات المترتبة عن جريمة التصاريح المغلوطة

وتتخذ العقوبة أشكالا مختلفة فهي قد تصيب الحق في الحياة أو السلامة الجسدية و قد تتسلط على حرية الشخص فتحرمه منها مؤقتا ( فقرة2 )، و قد تكون مالية و حينئذ تتخذ شكل خطايا و مصادرات (فقرة 1).

الفقرة الأولى:العقوبات المالية

تتمثل في الخطية والمصادرة.

الخطية:
ويعتبر نظام الخطايا من أنجع النظم الهادفة إلى ردع الجريمة الاقتصادية عموما والديوانية خصوصا [9]. وتعرف الخطية بأنها إلزام للمحكوم عليه بدفع مبلغ من المال إلى خزينة الدولة من جراء ارتكابه لجريمة ديوانية.

و يفترض عدم تسليط العقوبة إلا على الشخص الجاني والحقيقة أن التشريع التونسي قد تأثر بهذا الاتجاه شأنه في ذلك شأن معظم التشريعات العربية والأوروبية وتوسع في عقوبة الخطية وخاصة في الجرائم الديوانية والصرفية[10].

وبالنسبة للتشريع الديواني فإن مفهوم الخطية يختلف عما هو عليه في القانون العام حيث أنه تضمن مواد عديدة تنص على فرض خطايا مالية على مرتكبي المخالفات الديوانية وعلى مرتكبي جرائم التهريب أو التوريد أو التصدير بدون إعلام وكذلك الجرائم الصرفية إضافة إلى جريمة التصاريح المغلوطة.

يسلّط الجزاء على المخالف طبقا للتكييف القانوني للفعل الذي ارتكبه فإذا شكّل الفعل المرتكب من قبل المخالف مخالفة درجة أولى تسلّط عليه خطية مالية قدرها مائة دينار حسب منطوق الفصل 381م.د.

تحدد الخطية في هذا الإطار على أساس قيمة البضائع أو على أساس الأداء المتفصى منه.

و بالتالي فإن الخطية المسلطة على مرتكب جريمة التصاريح المغلوطة على معنى الفصل 382م.د عندما تكون الجريمة من صنف المخالفات درجة ثانية محددة من طرف المشرع بمرتين و ثلاث مرات مقدار المعاليم و الأداءات المتفصى من دفعها وهو يمثل في التصاريح المغلوطة الفرق بين الأداءات الواجبة قانونا و الأداءات التي كادت الخزينة أن تكتفي بتحصيلها لو لا اكتشاف هذا الغش.

و تبعا لذلك فإنه يحجر على القاضي أن يخفف أو يشدد فيها بل يحمل عليه واجب تطبيقها على الجاني.

كما يمكن أن يقع تحديد الخطية بالاستناد إلى الأداء المتفصىّ منه وتدخل ضمن الأداءات المتفصىّ منها جميع الأداءات الديوانية و الأداءات والضرائب الإضافية التي تستخلصها الديوانة وفقا لأنظمتها الخاصة أما بقية الضرائب المفروضة على البضائع عند التوريد أو التصدير والتي تستوفيها إدارة الديوانة لحساب الدولة أو البلديات فلا تدخل في حساب الأداءات المتفصّى منها وبالتالي لا تدخل في حساب الخطية.

و بالنسبة للمخالفات المتعلقة ببضائع مقدّم لها تصريح مفصّل فإن الأداء الواجب اعتماده لإضافته إلى القيمة وتحديد الخطية هو ذلك المعمول به بتاريخ تسجيل التصريح المفصّل. تجدر الإشارة في هذا الإطار أنه وفي صورة تعدد المخالفين فإن المحكوم عليهم يكونون متضامنين في دفع الخطايا والتضامن الخياري مصطلح قانوني يجب التعريف به وهو ما سنتولّى عرضه.

إن الالتزامات المدنية وخلافا للعقوبة التي لها طابع شخصي يحكم بها بالتضامن على جميع الأشخاص الذين حكم عليهم من أجل جريمة واحدة. وهو ما نصّ عليه الفصل 277 من مجلة الديوانة الذي نصّ أن “الأحكام الصادرة ضدّ عدّة أشخاص لأجل أمر تهريب واحد تكون قائمته على أساس التضامن…”.

والتضامن كما عرّفه جندي عبد الملك طريق لتحصيل العقوبات المالية لأنه يستعمل التنفيذ ويعجّله وهو يحمي الدائن من احتمال عسر أحد مدينيه وتجعل المدنيين بعضهم لبعض كفيلا[11].

إن الحكم بالتضامن في المادة الديوانية يصدر في جميع المخالفات ما عدا ما وقع التنصيص عليه كاستثناء لهذه القاعدة طبق الفصل 377 م.د. كما أنه يوّقع على جميع المسؤولين سواء أكانوا مرتكبي المخالفات الأصليين أم شركاء أم مساعدين (الفصل 378م.د) فيكفي أن يكونوا محكومين من أجل جريمة واحدة حتى يكونوا متضامنين لدفع المبالغ المحكوم بها عليهم.

ويمكن لإدارة الديوانة أن تطالبهم جميعا أو أن تنفرد بمطالبة من تشاء منهم بكامل الدين أو بجزء منه كما لها حق الخيار في تجزئة الملاحقات. إضافة إلى أن لها حق ملاحقة المحكوم عليهم الأكثر قدرة على الدفع (le plus solvable) وفي صورة وفاة أحد المحكوم عليهم فإن الدين ينتقل إلى ورثته.

ويبرّر التضامن في المصاريف اشتراك المتهمين في ارتكاب الجريمة وتعذّر تعيين نصيب كل منهم في أغلب الأحيان كما يبرّره وحدة إجراءات التحقيق حيث يستفيد منها كل من تناولهم التحقيق.

كما أن الصلح الذي يتم بين الإدارة وأحد المحكوم عليهم يستفيد منه الباقون إذا كان يتضمن التنازل عن الدين كله أو جزء منه.

إن الخطية عقوبة تلزم المحكوم عليه بأن يدفع إلى خزينة الدولة مبلغا من المال يحددّه الحكم الصادر في القضية فتنشأ بذلك علاقة مديونية يكون فيها المحكوم عليه مدينا والدولة دائنة[12].

أما بعد الحكم فإنّ فقه القضاء الفرنسي قد أجمع على اعتبار الخطية تتحول بمجرد صدور الحكم النهائي إلى دين مدني يثقل ذمة المحكوم عليه.

كما يذهب بعض الفقهاء إلى اعتبار الخطية دينا عاما لمصلحة الدولة كدين الضريبة ينشأ بمقتضى الحكم بالدفع إلى الخزينة العامة.

فالخطية الديوانية تتميز عن خطايا الحق العام بطبيعتها المزدوجة فهي تمثل في نفس الوقت عقوبة جزائية و تعويضا مدنيا للضرر الحاصل لخزينة الدولة.

وهذا ما أجمع عليه الفقه و فقه القضاء الفرنسي.

و تؤدي بصفتها هذه إلى النتائج التالية:

– الطابع الجنائي للخطية تتمثل نتائجه في أن:

1- مقدار الخطية يفوق إلى حد كبير الضرر الذي لحق أو يلحق بالخزينة كما أنها تفرض لمجرد مخالفة التزامات تنظيمية عامة حتى في صورة عدم حصول أي ضرر بالخزينة أو الاقتصاد الوطني.

2- يمكن في حالة عدم دفع المخالف للخطية تنفيذها بوسيلة الغصب البدني حسب الفصل 353 م.د من خلال الجبر بالسجن.

3- لا يمكن تسليط الخطية على شخص معنوي و لا يمكن استخلاصها من ورثة المخالف المتوفي قبل الحكم النهائي طبق الفصل 320م.د.

أما لطابع المدني للخطية يتمثل في أنه:
1- يحكم في المخالفة الواحدة بعقوبة واحدة مهما يكن عدد المخالفين.

2- تسلط الخطية حال انجاز الفعل المخالف، فيكون مقدار الخطية و نسبتها هو المقدار أو التسوية الجاري بها العمل يوم وقوع المخالفة ولو في حالة نسخ أو تنقيح القانون.

مع وجوب الإشارة أنه لا يمكن التحقيق في مقدار الخطية الديوانية اعتمادا على حالات التخفيف، كما لا يمكن التشديد فيها بناءا على عود المخالف أو الحكم فيها بتأجيل التنفيذ ذلك خلافا لعقوبة المصادرة.

ب‌- المصـــادرة:

إن المصادرة عقوبة مالية تهدف إلى جعل البضائع ذات الصلّة بالجريمة ملكا للدولة رغما عن صاحبها ومن دون أي عوض[13]. فهي تتمثل في تعويل المكاسب التابعة للمخالفين في صورة استعمالها من قبلهم لارتكاب الجريمة إلى أملاك الدولة. و لا يمكن الحكم بالمصادرة إلا من قبل المحكمة المتعهدة بالقضية.

و ينص الفصل 383 م.د أنه يعاقب بمصادرة البضائع التي هي موضوع نزاع وخطية قدرها 200د كل من ارتكب كل إعلام بغير الواقع من جهة نوع أو قيمة أو أصل البضائع الموردة أو المصدرة أو الموضوعة تحت قيد نظام توقيفي وكل إعلام يغير الواقع في تعيين الشخص الحقيقي الموجهة له البضاعة أو في تعيين الباعث الحقيقي وكذلك كل إعلام يغير الواقع القصد منه الحصول بدون حق على الانتفاع بالإعفاء الديواني المنصوص عليه في الفصل 272م.د.

ولئن كان للمصادرة في الجرائم الديوانية طابع عقابي فليس لها وفق ما أستقر عليه الفقه صفة شخصية إذ لا تعدو أن تكون تعويضا مدنيا ذو طابع عيني للضرر الذي يلحق الخزينة و الاقتصاد الوطني.

وينتج عن الطابع الخاص للمصادرة الديوانية أن الحكم بها واجب بمجرد وقوع الفعل المادي المكوّن للمخالفة وهي تخصّ الأشياء التي تنطبق عليها في أي مكان كانت وفي أي يد وجدت.

ينبغي التفريق في المادة الديوانية بين الحجز ״saisie״ والمصادرة ״confiscation״ فالحجز إجراء وقائي أجازه المشرّع بغية وضع الشيء تحت يد السلطة إلى حين يقرر مصيره فهو ليس بعقوبة ولا يؤدي إلى تحويل ملكية الشيء إلى الدولة أما المصادرة فتفضي إلى تحويل ملكية الشيء المحجوز إلى الدولة.

يمكن أن تكون المصادرة عينية أو تعويضية أما المصادرة العينية فهي تلك التي تضرب على نفس الأشياء الواقع حجزها ويمكن للمحكمة أن تأذن بهذه العقوبة بمجرد أن تقيم إدارة الديوانة الدليل على حدوث الفعل المادي المكوّن للجريمة حتى ولو كان مرتكبوه مجهولي الهوية طبق الفصل 347 م.د.

أما المصادرة التعويضية فتتمثل في طلب إدارة الديوانة من القضاء الحكم بمقدار مالي يساوي قيمة البضاعة التي تفصّت من الحجز ويتم احتساب قيمة تلك البضائع حسب السعر المعمول به بالسوق المحلية ساعة ارتكاب المخالفة[14].

و تطبيقا للفصل 383 م.د فإن موضوع المصادرة هو البضائع موضوع الجريمة الديوانية ففي صورة التصاريح المغلوطة بالقيمة مثلا تشمل المصادرة تلك البضائع التي صرّح بقيمتها غير الحقيقية وبالتالي لا يمكن مصادرة بضاعة ما لم تكن موضوع المخالفة الديوانية.

وإذا صرّح مثلا بطرد واحد يحتوي أقمشة حريرية وألبسة وكانت قيمة الأقمشة الحريرية هي المغلوطة تصادر تلك الأقمشة فقط.

وبالنسبة للتصاريح المغلوطة في القيمة فإما أن يقبل المصرّح القيمة التي حددّتها مصالح الديوانة بالاستناد إلى الأبحاث والتحريات التي تقوم بها فتعتمد هذه القيمة لتحديد الجزاء وإما أنه لا يقبل فيعرض الأمر على اللجنة العليا للتعريفة الجمركية.

بيد أنه وكما يمكن للمصادرة أن تشمل البضائع يمكنها أن تشمل وسائل النقل والأشياء المستعملة لإخفاء عملية الغش وذلك في صورة التصاريح المغلوطة المعتبرة توريد أو تصدير بدون إعلام.

وطبقا لهذا نشير إلى أن مصادرة وسائل النقل لا تتعلق إلا بصنف الجنح (الفصل 385م.د) وتشمل عبارة وسائل النقل جميع الوسائل الممكن استخدامها لنقل الشيء من مكان إلى آخر كالطائرات والسيارات وقطارات السكك الحديدية والسيارات والدراجات النارية والعادية والعربات وأيضا الحيوانات.

إن الحكم بمصادرة وسيلة النقل واجب حتى عند انتفاء النية الإجرامية وعلى المحاكم أن تقضي بها بمجرد إثبات مادية وقوع الفعل الإجرامي ونص الفصل 405م.د على استثناء متعلق باستحالة المصادرة حيث يقع إلزام المتهم بأداء مبلغ مساوي لقيمة تلك الأشياء.

كما قد أشار الفصل 385م.د أنه تقع كذلك مصادرة الأشياء التي استعملت لإخفاء الغش وقد أقرّ فقه القضاء الفرنسي مصادرة الأشياء التي استعملت في إخفاء البضائع المهربة فإذا وقع التصريح بعدّة طرود في تصريح واحد ثم تبيّن ضمن أحدها وجود بضاعة ممنوعة بين أخرى مصرّح بها تصادر بضاعة الطرد الذي يحوي البضاعة الممنوعة باعتبار الشيء المستعمل لإخفاء الغش إلى جانب العقوبات المالية،

ويحبذ كثير من الفقهاء عقوبة الخطية و المصادرة ويفضلون حلولهما محل العقوبات المقيدة للحرية كلما أمكن ذلك لأن هذه العقوبة لا خطر فيها على الشخص المحكوم عليه ولا على حريته ولا تعرضه لمساوئ السجون وما يترتب عليه من فساد أخلاق المسجونين بسبب اختلاطهم بغيرهم من المجرمين[15] إضافة إلى سهولة تنفيذها فضلا عن أنها تفيد الدولة من الناحية المالية.

الفقرة الثانية : العقــوبات البدنية

جاء في منطوق الفصل 385م.د أنه تسلّط على المخالف عقوبة بدنية تتمثل في سجنه مدّة تتراوح بين يوم واحد و 15 يوما إلى شهر ويبقى اللجوء إلى الرّدع بالسجن محدودا في المادة الديوانية بالنظر إلى الهدف الرئيسي للقانون الديواني وهو ضمان حقوق الخزينة لذلك نلاحظ أن المدّة المنصوص عليها غير ذات أهمية كبيرة بالمقارنة مع المدّة التي يحكم بها في الجرائم في المادة الجنائية والتي يمكن أن تصل إلى السجن مدى الحياة.

إلى جانب السجن كعقوبة بدنية نجد الجبر بالسجن وهو حبس المخالف حبسا بسيطا لأنه لم يسدّد العقوبات المالية المقضى بها للدولة[16].

ويتم احتسابه بحساب يوم واحد عن كل ثلاثة دنانير على أن لا تزيد مدّته على العامين حسب ما ورد بمجلة الإجراءات الجزائية، إلا أنه وفي مادة الديوانية تتجاوز مدّة الغصب المدني المدّة التي قرّرها المشرع في مجلة الإجراءات الجزائية نظرا لقيمة الخطايا الهائلة التي يمكن أن توقع على المخالف، على أنه يجب الإشارة أن المشرّع في المادة الديوانية قد استثنى الوسطاء لدى الديوانة وربانة المراكب من العقوبة بالسجن إلا إذا ارتكبوا هفوات شخصية.

إن خصوصية المادة الديوانية على مستوى التجريم وعلى مستوى القواعد الزجرية باعتباره فرعا من فروع القانون الجنائي الاقتصادي يجعله يتميز بخصائصه والطابع الزجري لأحكام مجلة الديوانة التي تتسم بالشدة في العقاب و ذلك لا ينفي إمكانية التسامح في بعض الحالات مع المخالفين في صورة سقوط دعوى جريمة التصاريح المغلوطة ( مبحث 2) .

المبحث الثاني: سقــوط دعوى جريمة التصــاريح المغلوطة

أما فيما يتصل بالقضايا الديوانية الزجرية فإن المشرّع التونسي لم يغفل عن التنصيص على إمكانية سقوط دعوى جريمة التصاريح المغلوطة من خلال إبرام إدارة الديوانة الصلح مع المخالف ( فقرة 1 ) أو في صورة سقوط الدعوى بمرور الزمن ( فقرة 2).

الفقــرة الأولى: إجــراء الصلح مع الإدارة

حيث نصّ الفصل 322 من مجلة الديوانة أنه “يجوز لإدارة الديوانة إبرام الصلح مع الأشخاص الواقع تتبعّهم من أجل مخالفات أو جنح ديوانية.”

عرّفت مجلة الالتزامات والعقود ضمن الفصل 1458 الصلح باعتباره “عقد وضع لرفع النزاع وقطع الخصومة ويكون ذلك بتنازل كل من المتصالحين عن شيء من مطالبه أو تسليم شيء من المال أو الحق”.

وأجاز المشرّع للإدارة إجراء الصلح حسب منطوق الفصل 1461 من نفس المجلة حيث أورد أنه:” إذا تعلق الصلح بالدولة والإدارات البلدية والإدارات العامة لجمعية الأوقاف جرت عليه التراتيب الخاصة بتلك الإدارات”.

فإجراء الصلح إذا يدخل ضمن السلطة التقديرية المطلقة لإدارة الديوانة [17] فهو إمكانية تعرضها الإدارة على المخالف الذي لا يمكنه جبرها على إبرامه وإن توفرت الشروط الموضوعية لإجرائه، و تخضع مطالب الصلح لرأي لجنة مركزية أو لجان جهوية وذلك حسب طبيعة المخالفة أو الجنحة و مبلغ المعاليم و الأداءات المستوجبة ( الفصل 322 م.د).

“و الأصل أن الصلح غير جائز على الدعوى العمومية لأنها متعلقة بالنظام العام وهذا المبدأ متبع بدقة تامة في الجنح والجنايات”[18].

و حيث نص الفصل 322 م.د على أنه يمكن :” يمكن إبرام الصلح قبل صدور الحكم النهائي و تنقضي الدعوى العمومية بموجب تنفيذ الصلح، إلا أن الصلح المبرم بعد صدور حكم نهائي لا يحول دون تنفيذ العقوبات البدنية “.

يمكن أن يبرم الصلح قبل رفع الدعوى أمام الجهاز القضائي أو أثناء سير الدعوى أمام القضاء.

إبـرام الصلح قبل رفع الدعــوى أمام الجهاز القضائي
يتم إبرام الصلح وفق النشرية العامة الواردة تحت عدد 90/265 بتاريخ 14 ديسمبر 1995 في المخالفات والجنح التالية:

* كل إعلام بغير الواقع من جهة نوع أو قيمة أو أصل البضائع المورّدة أو المصدّرة أو الموضوعة تحت نظام توقيفي إذا كان هناك أداء جمركي أو أي معلوم كان قد وقع التفصيّ من خلاصه أو التفريط فيه بسبب الإعلام بغير الواقع المذكور.

* التوريد أو التصدير لبضائع محجرة بدون إعلام وكذلك كل مخالفة لأحكام القوانين والتراتيب المكلفة بتطبيقها إدارة الديوانة إذا كان الخلل المذكور يتعلق ببضائع محجرة.

إن المعايير المعتمدة من قبل إدارة الديوانة في تحديد مبالغ الخطايا الواجب دفعها من طرف المخالف إلى الخزينة العامة للدولة هي الوضعية المالية للمخالف وسوابقه. حيث تراعي الحالة الاجتماعية لمرتكب الجريمة الديوانية عند تحديد الخطية إضافة إلى التأكد من أهمية المبالغ المتفصّى منها لضمان حقوق الدولة.

إن التثبت في جميع هذه العناصر هو ضمان مبدأ وحدة العقوبات بين مختلف السلطات المعنية قصد تجنب التنافر بين الجهات الإدارية.

ب- إبــرام الصلح أثناء سير الدعــوى أمام القضاء

في هذه الصورة نفرق بين حالتين:[19]

الصلح قبل صدور حكم بات.
الصلح بعد صدور حكم بات.

1) الصلح قبل صدور حكم باتّ:

تبرم إدارة الديوانة الصلح مع المخالف والنزاع مازال مرفوعا أمام الجهاز القضائي، في هذه الصورة يجب على الأشخاص المؤهلين لإبرام الصلح عدم التغافل عن المبالغ المالية التي تقدمت بها الإدارة عند رفعها أمام المحاكم المختصة وهي صورة رفع الدعوى من قبل الإدارة بسبب خطورة الفعل المرتكب.

أما في صورة رفع الدعوى بسبب رفض المخالف إجراء الصلح الذي تمّ عرضه من قبل إدارة الديوانة قبل القيام بالإجراءات القضائية فإن الخطايا تضاعف إلى :

10% إذا كانت الدعوى في الطور الابتدائي.

20% إذا كانت الدعوى في الطور الاستئنافي.

30% إذا كانت الدعوى في الطور التعقيبي.

إن الأثر المباشر للصلح الذي يتم قبل صدور حكم بات هو انقراض الدعوى العمومية وهو ما أكده فقه القضاء التونسي في العديد من القرارات[20].

2) الصلح بعد صدور حكم باتّ:

إن صدور حكم باتّ يعني اتصال القضاء في النزاع المعروض أمام القضاء فحين يتم البتّ في المبالغ المالية تصبح متخلدة بذمة المحكوم ضدّه فتصبح بمثابة دين ممتاز راجع للخزينة العامة للدولة ويكون المديرون الجهويون ورؤساء المكاتب مطالبون بالحرص على خلاص هذه المبالغ وذلك بمطالبة القابض بمضاعفة جهودهم من أجل خلاص هذه المبالغ المتخلدة بذمة القائم بالفعل الإجرامي.

وبالتالي يمكننا أن نستنتج أن الصلح يشمل كل الجرائم الديوانية من مخالفات وجنح وكذلك الجرائم الصرفية وفق ما نصّ عليه الفصل 31 من قانون 21 جانفي 1976 المتعلق بزجر المخالفات في تراتيب الصرف حيث نصّ على إمكانية التصالح مع “مرتكب الجريمة” أي الفاعل الأصلي والمشارك.

أما في ما يخص الجرائم المزدوجة أي صورة تكوين الفعل الواحد لجريمتين جريمة ديوانية وجريمة حق عام فإنه لا يجوز المصالحة باعتبار وأن الصلح حتى وإن تمّ في الجانب المتعلق بالجريمة الديوانية بالنسبة للمصالحة المالية فإن الدعوى تبقى قائمة في جانبها المتعلق بالحق العام[21] مثل جريمة تهريب المخدرات ومسك السلاح بدون رخصة أو مسك وتهريب عملة أجنبية مزيفة…[22].

وحيث أن إبرام الصلح مع الإدارة في خصوص جريمة التصاريح المغلوطة و بعد صور حكم نهائي لا يحول دون تنفيذ العقوبات البدنية.

الفـقرة الثانية: سقــوط الدعوى بمرور الزمن

نص الفصل 323 من مجلة الديوانة على أنه : ״تسقط الدعوى العمومية في المخالفات و الجنح الديوانية بمضي ثلاث سنوات و بنفس الشروط المنصوص عليها بمجلة الإجراءات الجزائية״ .

و هذا يعني أن جريمة التصاريح المغلوطة تسقط بمرور الزمن و تصبح بلا أثر على الصعيد القانوني و تضع حدا للتتبعات العدلية للمخالفين بعد مرور فترة زمنية معينة.

و بصفة عامة إن سقوط العقاب بمرور الزمن يعني عدم قابليته للتنفيذ بعد مدة محددة من الزمن يكون المجتمع قد نسي الجريمة و تسامح ضمنيا مع المجرم يجعل القانون سقوط الدعوى بمرور الزمن يسقط العقوبة نهائيا و يجعلها منقضية تماما.

وتختلف مدة سقوط الدعوى بمرور الزمن باختلاف خطورة الجريمة التي أدت إلى العقاب، فإذا كانت هذه الجريمة جناية فإن عقوبتها لا تسقط إلا بعد مضي عشرين عاما من صيرورة الحكم بالعقاب باتا وإذا كانت هذه الجريمة جنحة فإن العقوبة تسقط بمرور خمس سنوات انطلاقا من نفس التاريخ، أما إذا كانت الجريمة المرتكبة مجرد مخالفة فإن عقوبتها تسقط بمضي عامين من التاريخ نفسه، و لكن إذا كان احتساب هذه المدة يبدأ عادة من تاريخ صيرورة الحكم بالعقاب باتا، فإنه إذا كان الحكم بالعقاب غيابيا فإن مدة سقوط العقاب المحكوم به يبدأ مبدئيا من تاريخ الإعلام بهذا الحكم ” ما لم يتبين من أعمال تنفيذ الحكم أن المحكوم عليه حصل له العلم به” وفقا لمقتضيات الفصل 349 من مجلة الإجراءات الجزائية .

إلا أن سقوط العقاب مهما كانت مدته، يمكن أن ينقطع أو أن يعلق إذا كان هناك سبب يؤدي إلى ذلك الأمر.

و فيما يخص تعليق مدة سقوط العقاب بمرور الزمن فإنه يمكن أن يحصل بسب مانع قانوني أو مادي يحول دون تنفيذ العقوبة ما عدى الموانع المترتبة عن إرادة المحكوم عليه بالعقاب. و على هذا الأساس فإنه فيما عدا ما يمكن أن يقوم به الجاني نفسه من أفعال للتفصي من العقاب كالفرار أو الاختفاء التي لا تعلق العقوبة المحكوم بها عليه، فإن الأسباب المادية الأخرى أو القانونية التي لا تمنع النيابة العمومية من تنفيذ العقوبة.

و هذا التعليق يتمثل في توقيف سريان مدة السقوط خلال كامل مدته، على أن ترجع مدة التقادم تسري من جديد بعد زوال سبب التعليق، و بذلك فإن احتساب مدة التقادم التي يتخللها تعليق، تضاف مدة التقادم السابقة للتعليق للمدة اللاحقة له بدون أن تحتسب مدة التعليق.

و ينص الفصل 350 م إ ج على أن :”مدة السقوط يعلقها كل مانع قانوني أو مادي يحول دون تنفيذ العقاب ما عدا الموانع المترتبة عن إرادة المحكوم عليه و تقطع مدة السقوط بإلقاء القبض على المحكوم عليه في صورة الحكم بعقاب سالب للحرية أو بقيام السلطة المختصة بعمل من أعمال التنفيذ في صورة الحكم بخطية، و لا يسوغ في أي حال من الأحوال التمديد في اجل السقوط إلى ما لا يزيد عن ضعفه”.

الخـــاتمة

بعد هذه المحاولة المتواضعة لدراسة جريمة التصاريح الديوانية المغلوطة عن طريق بيان التصنيف القانوني لها، بتكييفها قانونيا كمخالفة درجة أولى، إذا كان الخلل فيها خاليا من كل تأثير على الأداءات والمعاليم المستوجبة أو كمخالفة درجة ثالثة حين يكون القصد منها التفصي من دفع الأداءات والمعاليم، أو حين يغير المشرع التونسي من التكييف القانوني لجريمة التصاريح المغلوطة ويجعلها جنحة درجة أولى لردعها بصورة أشد، بعد كل ذلك يمكننا أن نستنتج الأهمية التطبيقية لدراسة هذا النوع لما له تأثير سلبي على الاقتصاد وتحديد الإحصائيات وعلى خزينة الدولة وبالتالي الصالح العام.

إضافة الى التوجه الحازم للمشرع في المادة الديوانية لردع مثل هذه الجرائم حرصا منه على تطويق المجالات الاقتصادية حيث وضع إطارا قانونيا سلسا للسياسة الإجرامية لتامين النجاعة والجدوى التي يرنو إليها تحقيقا للتوازن الاقتصادي.

فلم يتقيد المشرع في المادة الديوانية بنصوص جامدة لتحديدي الجريمة الديوانية ولم يلتزم بالمبادئ الأصولية لقواعد التجريم، وتوسع في قواعد المسؤولية الجزائية التي أصبحت تطال أشخاصا غرباء عن الجريمة، وهو تكريس للامحدودية التتبع الجزائي في الجريمة الديوانية.

فالاستفادة من الجريمة حسب أحكام القانون الديواني فكرة مؤسسة على مكافحة الأفعال التي يجرمها.

وقد تبنى المشرع التونسي أحكاما خاصة بالقانون الديواني يمكن أن تصل حد التعارض مع قواعد القانون الجنائي العادي، كوضع قرائن قانونية للإدانة في أغلب هذه الجرائم وقرائن واقعية تطال قرينة البراءة التي نص عليها الدستور (المعلق العمل به حاليا).

وفي هذا الإطار لا بد أن يحضر الأذهان أن الجريمة الديوانية جريمة اقتصادية بالأساس تهدف الى الحفاظ على موارد الدولة.

لذلك لا بد من توفير جميع الآليات لتطويق مثل هذه الجرائم والتنقيص منها، حيث يجب مزيد تسخير الوسائل البشرية بتكوينهم في هذا المجال.

كما لا بد من مزيد التأكيد على الدور الفعال للمراقبة اللاحقة، خاصة وإن التصاريح المغلوطة بقيمة البضاعة لا يمكن التفطن إليه من الوهلة الأولى أي عند تقديم التصريح المفصل للديوانة، إذ يحتاج الأمر لتثبت والتفحص الدقيق في التصريح المفصل وكامل عناصره والوثائق المصاحبة له.