الوضع في التحكيم لدى هيئات التحكيم الدائمة

في حالة انعدام اختيار الأطراف للقانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم، ولم ترى هيئة التحكيم ملائمة في تطبيق قانون مكان إجراءات التحكيم أو القانون الواجب التطبيق على الموضوع أو أي قانون أخر تكون له القابلية للتطبيق، فإن هيئات التحكيم المنتظم تلجأ إلى تطبيق القواعد الإجرائية المنصوص عليها في لوائحها وأنظمتها الداخلية.

فيما عدا بعض الهيئات الدائمة للتحكيم، والتي لاتفرض قواعدها الإجرائية على كل تحكيم يعهد به إليها، إلا عند تخلف اتفاق طرفي التحكيم على تطبيق قانون إجرائي مخالف فإن غالبية هيئات ومراكز التحكيم لاتطبق إلا القواعد المنظمة للإجراءات المعمول بها لديها والمقررة في لوائحها وأنظمتها الخاصة، ومن ذلك لائحة تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس في مادتها 15 الفقرة الأولى وهو ماتقرره اتفاقية فينا الأوروبية لعام 1961 بشأن التحكيم التجاري الدولي في مادتها الرابعة، كما أن قواعد التحكيم الخاصة بمركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي تتخذ نفس التوجه، حيث تنص المادة الأولى من الفقرة الأولى على أنه ” إذا اتفق طرفا العقد كتابة على إحالة المنازعات المتعلقة بهذا العقد إلى التحكيم وفقا لنظام التحكيم بمركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، وجب إذا تسوية هذه المنازعات وفقا لهذا النظام مع مراعاة التعديلات التي يتفق عليها الطرفان كتابة “

وأيضا القواعد الإجرائية المنصوص عليها في اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري عام 1987 في مادتها 12 وما بعدها، حيث تكون واجبة أمام المركز العربي للتحكيم التجاري المنشأ بموجب هاته الاتفاقية، إلا أن الملاحظ أنه صدر قرار مجلس وزراء العدل العرب في 28/4/1994 بإسناد مهام المركز العربي بصفة مؤقتة إلى مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري، كما يضيف أيضا نظام التوفيق والتحكيم التجاري لغرفة تجارة وصناعة دبي لعام 1994 حيث نصت المادة 6 منه على أن “يطبق القواعد الإجرائية التي يتفق عليها الأطراف على أي نزاع يقدم إلى الغرفة للتوفيق أو التحكيم وذلك في حالة عدم وجود نص في هدا النظام يحكم مسالة معينة في النزاع، وفي حالة عدم اتفاقهم تحدد هيئة التوفيق أو التحكيم الإجراءات الواجبة الإتباع ” .

باعتبار أن القواعد الإجرائية المنصوص عليها في نظام التحكيم لغرفة تجارة وصناعة دبي هي التي تطبق وحدها، ولا مجال لتطبيق أي قانون أخر أو قواعد إجرائية إلا في حالة عدم وجود نص في هذا النظام يحكم المسائل الإجرائية.
ليبقى المجال مفتوحا أمامنا للتساؤل حول خلو لوائح تحكيم الهيئات الدائمة من نص مناسب لحكم المسالة الإجرائية المثارة في هدا الصدد ؟
إذا خلت اللائحة أو النظام المعمول به لدى المركز أو مؤسسة التحكيم المنتظمة من القاعدة الإجرائية التي تنظم مسألة معينة، فليس لهيئة التحكيم أن تقف موقف المتفرج ولا تحرك ساكنا تجاه أخد المبادرة نحو سد هذا النقص.
وهنا، فقد استقر الأمر على الاعتراف لهيئات التحكيم بسلطة تقديرية واسعة في اتخاذ ماتراه مناسبا للوصول إلى القواعد الإجرائية اللازمة لتأمين سير الخصومة التحكيمية.

حيث مثلا، تنص المادة 15 الفقرة الأولى من قواعد تحكيم مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي المعدلة في سنة 2004 على أنه “مع مراعاة أحكام هده القواعد لهيئات التحكيم ممارسة التحكيم بالكيفية التي تراها مناسبة شريطة أن تعامل الطرفين على قدم المساواة، وأن تهيئ لكل منها في جميع مراحل الإجراءات الفرصة الكاملة لعرض قضيته”.
وكما يمكن الاستخلاص من هذا النص أن هيئة التحكيم التي تعمل وفق اللائحة وقواعد المركز لها ممارسة التحكيم بالكيفية التي تراها مناسبة، وهذه سلطة تقديرية معتبرة لهيئة التحكيم، لايحد منها إلا مبدأ المساواة بين الأطراف.
ناهيك أن لائحة إجراءات غرفة التجارة الدولية بباريس تقضي في مادتها 15 الفقرة الأولى أنه ” تحكم هذه اللائحة الإجراءات أمام محكمة التحكيم، وعند سكوت هذه اللائحة فتحكمها القواعد التي يحددها الأطراف، أو التي تحددها محكمة التحكيم سواء أحالت إلى قانون إجرائي وطني واجب التطبيق على التحكيم أم لم تحل إليه ” .

كما اعترف بسلطة هيئة التحكيم في اختيار القواعد الإجرائية المناسبة، لائحة التحكيم لذى جمعية التحكيم الأمريكية A.A.A)) الذي دخل حيز النفاذ في أول ماي 1992 حيث نصت المادة 16 الفقرة الأولى على أنه ” مع مراعاة أحكام هده اللائحة فإن لمحكمة التحكيم أن تدير التحكيم بكل الوسائل التي تقدر ملاءمتها بشرط أن تعامل الأطراف على قدم المساواة وأن تمنح كلا منهم الحق في أن يستمع إليه وأن يقدم بعدالة دفوعه “.

عموما ومهما يكن من أمر، فإن القواعد الإجرائية المناسبة قد تستمدها هيئة التحكيم لذى مركز أو جمعية تحكيم منتظمة أو دائمة، من قانون إجرائي وطني معين، أو تسميتها مما استقر عليه سلوك ومؤسسات التحكيم التجاري الدولي الذي بلورته السوابق التحكيمية.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت