مقال قانوني عن تعدد الكفلاء في الدين

الاستاذ محمد دربال

تعرف التأمينات بأنها الضمانات التي تؤمن الدائن ضد خطر عدم الوفاء بالدين و تتيح له استيفاء ذلك الدين عند حلول أجله المضروب [1]و يمكن أن تكون عينية و تتمثل في الامتياز و الرهن وحق الحبس كما يمكن أن تكون شخصية و أهمها الكفالة .

و الكفالة لغة من كفل كفلا و كفالة .. فلان الشيء ضمه إليه و الكفيل هو الضامن وجمعه كفلاء .

عرّف المشرع التونسي الكفالة في الفصل 1478 من م ا ع على أنها ” عقد يلتزم بمقتضاه شخص بأن يؤدي للدائن ما التزم به المدين إن لم يؤده ” و يستفاد من الفصل المذكور أن الكفالة تتمثل في قيام شخص بضم ذمته إلى ذمة مدين ما لضمان الوفاء بدينه دون أن يكون هو ملزما أصلا بهذا الدين .

و ينطبق هذا التعريف على صورة تعدد الكفلاء إذ يلتزم هؤلاء بضم ذممهم المالية إلى ذمة المدين على أن يتحمل هذا الأخير مبدئيا خلاص الدين لكن يقدّم كضمان ذمما أخرى أي على الأقل ذمتين إلى جانب ذمته المالية .

و الضم قد يحصل دون تضامن مع المدين أو مع الكفلاء الآخرين فتكون الكفالة مجردة أو بسيطة ، و قد يحصل بالتضامن مع المدين أو مع الكفلاء الآخرين أو معهم جميعا فتكون الكفالة تضامنية

و قد أطلق المشرع عديد التسميات على الكفلاء، فهم الكفلاء أو الضامنون أو الحملاء [2] فهم شركاء في عملية الائتمان و طرف في عقد الكفالة دون أن يكونوا أصالة مدينين و باعتبارهم ملزمون تجاه الدائن فلابدّ أن تتوفر في كل واحد منهم أهلية التبرع والرضا الصريـح بالكفالــة و لا يلزم قبول المدين للكفالة و إنما تصح ولو لم يرضى بها[3] .

و يجب أن نفرق بين تعدد الكفلاء من جهة و تعدد المدينين المتضامنين موضوع الفصول 174 إلى 190 من م ا ع من جهة ثانية إذ أن كل واحد من المدينين المتضامنين يعد ملتزما بأداء الدين أصالة و هو التزام غير متوفر في جانب الكفلاء الذين مهما تعددوا يبقى التزامهم تبعيا بالنسبة لإلتزام المدين الأصلي .

و يجب تمييز تعدد الكفلاء عن التعهد عن الغير ذلك أن المتعهد عن الغير لا يلتزم بأمر مـــــا و إنما الالتزام يمضي في حق الغير الذي يتحمل وحده واجب الوفاء به .

و يعتبر تعدد الكفلاء آلية ضمان قانونية حديثة ففي عهد القانون الروماني لم تكن هناك حاجة لاشتراط تعدّد الكفلاء باعتبار أن وجود كفيل واحد يمثل ضمانة كافية لخلاص الدين ففي ذلك العهد كان حق التنفيذ الجبري مخول للدائن ضد الكفيل و ليس ضد المدين الأصلي و في مرحلة لاحقة أصبح الكفيل في وضعية شبيهة بوضعية المدين الأصلي إذ أنه مدين متضامن.

أما في الفقه الإسلامي فإن الكفيل لا يملك حق التجريد لذلك لم يكن هناك حاجة لابتداع التضامن[4].

على أن التشاريع الحديثة أقرت للكفيل حماية تجلت من خلال الإقرار بالالتزام التبعي وبثانوية التزامه ( كان ذلك في عهد متأخر هو عهد جستينيان ) و بالتالي فهو لا يلتزم بالأداء إلا إذا لم يوفّ المدين بما عليه ومن خلال منحه عديد الدفوع ولعل هذا ما جعل الدائن يبحث عن تعدد الذمم التي تضاف إلى ذمة مدينه لتشكل الضمان لعملية الائتمان .

ولتعدد الكفالة جدوى تتمظهر في عدة أوجه ذلك أنه للمدين مصلحة تبرز في تقوية حظوظه في الحصول على الإئتمان الذي يخدم مصالحه وأعماله و بالتالي المساهمة في إدخال حيوية على الدورة الاقتصادية لا سيما وأن التأمينات الشخصية وعلى رأسها الكفالة رجعت لتهيمن على التأمينات العينية و بالتحديد الرهن العقاري الذي يعد القلب النابض للتأمينات العينية إذ أضحت البنوك اليوم تشترط الكفالة لمنح القروض و لا سيما الكفالة التضامنية بما أن تعدد الكفلاء الملتزمون بأداء دين من يكفلونه إذا لم يف هذا الأخير بما عليه يجعل الدائن محميا بعديد الذمم المالية.

لكن هل أن هذا الكم من الكفلاء قادر على تأمين حماية كافية للدائن ؟

على الرغم من وجود أكثر من ذمة واحدة إلى جانب ذمة المدين الأصلي فإن تعدد الكفلاء لا يعدو أن يكون إلاّ حماية شبه غائبة (مبحث أول) إلا أنها قد تكون ممكنة إذا ما لجأ الدائن إلى وصف التضامن (مبحث ثاني).

مبحــــــث أول

تعدد الكفلاء حماية شبه غائبة للدائن في صورة تعدد الكفلاء مع عدم تضامنهم

إن الهدف الأساسي من التأمينات عينية كانت أم شخصية هو تدعيم الإئتمان وجعل الدائن في مأمن من مخاطر إعسار المدين أو عدم وفائه بالدين المحمول على ذمته إلا أن هذا المبتغى يبدوا شبه مفقود في الكفالة العادية ( البسيطة ) حتى في صورة تعدد الكفلاء.

فلئن تمثل هذه الصورة في الظاهر حماية للدائن من خلال صفة التعدد فإنها تبقى منقوصة سواء من خلال عدم خروج الدائن عن إطار الضمان العام أو من خلال الدفوع المخوّلة للكفيل و التي لا يمكن للتعدد دحضها في صورة عدم التضامن.

فقرة أولى : عدم خروج الدائن عن إطار الضمان العام:

يعرّف الفصل 1478 م ا ع الكفالة على أنها عقد يلتزم بمقتضاه شخص بأن يؤدي للدائن ما التزم به المدين إن لم يؤده ومن خلال هذا الفصل يتضح وأن الكفالة هي إضافة ذمة مالية أو ذمم مالية متعددة إلى ذمة المدين[5] و الدائن يصبح محمي لا بذمة مالية واحدة بل بمجموعة من الذمم و مجموعة هذه الذمم تضمن للدائن حماية كمّية[6]

إلا أن هذه الحماية الكمّية و إن بدت هامة خاصة في صورة تعدد الكفلاء باعتبار وأن الدائن يجد نفسه أمام عدة ذمم مالية يمكنه الرجوع عليها فإن هذه الأهمية ليست إلا وهمية في صورة تعدد الكفلاء مع عدم تضامنهم إذ أن الدائن الذي يسعى إلى تعزيز الإئتمان بفرض تعدد الكفلاء لا يخرج عن إطار الضمان العام وما يتضمنه من مخاطر.

فما يلاحظ هو أن الدائن في التأمين الشخصي هو دائن عادي و هو لا يمتاز عن هذا الأخير إلا بتعدد الذمم المرصودة لحمايته ضد خطر إعسار المدين فإن هذا الخطر يضل قائما مادام الدائن لم يخرج من نفس الإطار و هو الضمان العام ويؤكد جميع الفقهاء على قصور هذا الضمان في حماية الدائن.

و المدين مسؤول في جميع أمواله و الدائنون متساوون أمام هذا الضمان و بالتالي فإن الدائن في هذه الصورة يبقى مهددا بمزاحمة بقية الدائنين هذا إلى جانب خطر إعسار مدينه

فالكفيل الشخصي يكون مسؤولا في جميع أمواله لا في مال معين بالذات فلا يكون للدائن في الكفالة الشخصية العادية إلا الضمان العام لكل دائن في أموال مدينه [7] و ذلك يزاحمه سائر دائني الكفيل الشخصي و هو ما يحدّ من نطاق الضمان الذي يسعى إليه الدائن.

فالدائن في صورة الكفالة العادية ( و إن تعدد الكفلاء ) فإنه يضلّ دائما دائنا عاديا لا يتمتع إلا بحق الضمان العام و هذا الأخير لا يخول للدائن أي حق عيني على أموال المدين بدليل أنه ليس للدائن العادي أي أفضلية عند مزاحمة باقي الدائنين له [8] و لا يستطيع أن يتتبع أي مال يخرج من الضمان العام إذا ما تصرف فيه المدين و ذلك بخلاف الحق العيني الذي يخول هاتين الخاصيتين للدائن فالكفالة لا ينتج عنها سوى زيادة في الضمان العام بالنسبة للدائن و هي في هذه الصورة كفالة عادية لا توفر له سوى ذمة مالية أو ذمم مالية احتياطية يمكن له الرجوع عليها.

فانتقال الدائن إلى نظام التأمينات الشخصية بأن يسعى إلى شخص آخر يلتزم عن المدين بالدين لم يخرج الدائن عن مبدأ المساواة المقرر بين الدائنين و كل ما حصل عليه هو ضم ذمة هؤلاء إلى ذمة المدين حتى يقلل من مخاطر الإعسار و أن يجد في أحدهم ما يعوضه عن إعسار الآخر و هذه الوسائل تعدد الضمان العام و لكن لا تخص الدائن بميزة معينة و لا تجنبه كل خطر.

ففي التأمين الشخصي يظل الدائن دائنا عاديا و لكن هذا التأمين يترجم في الواقع بضم مدين أو أكثر إلى المدين الأصلي الذي يريد ضمان دينه فيكون أمام الدائن مدينين أو أكثر بدلا من مدين واحد و حقه في الضمان العام يمتد بذلك إلى ذمتين فأكثر.

وإذا كان السؤال المطروح من قبل الفقهاء في مدى فاعلية التأمينات في تفادي عدم كفاية الضمان العام ؟ يكون الجواب حتما أن التأمينات الشخصية لم تتجاوز هذا الأخير بل بقيت في نفس الإطار و هو الضمان العام الذي يحتوي عديد النقائص و يؤكد الفقه على كونه غير كاف لحماية الدائن و من خصائص الضمان العام أن جميع أموال المدين ضامنة للوفاء بديونه فنطاق هذا الضمان هو جميع الأموال التي يمتلكها المدين و التي يبقى للمدين حرية التصرف فيها و بالتالي فإن الدائن يبقى مهددا سواء بسوء تصرف المدين مدينا أصليا كان أم تبعيا الذي يمكن أن يؤدي إلى إعساره أو من خلال تهريبه لهذه الأموال تفاديا لإمكانية تنفيذ الدائن عليها.

ومن ناحية أخرى فإن جميع الدائنين متساوون في الضمان العام إلا من كان لهم حق التقدم طبقا للقانون و الدائن لا يتمتع بهذا الحق في صورة التأمينات الشخصية فهو مجرد دائن عادي يخضع لقاعدة التزاحم بين جميع الدائنين العاديين و كما هو واضح فإن هذه القواعد لا تحيط الدائن وإن تعدد الكفلاء الا ببعض الحماية فلا تقيه من كل خطر[9] فهو يبقى دائما مهددا بإعسار مدينه و بالتالي عدم تمكنه من استيفاء حقه كاملا [10] فالشخص الذي يتقدم إلى ضمان خلاص الدين ربما يكون هو الآخر معسرا و يتحمل الدائن وحده ذلك الخطر.

فإذا كان الهدف المنشود من التأمينات هو تأمين الدائن من مخاطر إعسار المدين [11] فإن تلك المخاطر تضل قائمة في صورة الكفالة العادية و إن تعدد الكفلاء.

و بالتالي فإن نجاعة التزام الكفيل تمثل اليوم الإشكال الذي يهدد هذه المؤسسة مما جعل البعض يتحدث عن هذا الإلتزام العجوز الذي لم يعد قادرا على مسايرة سرعة تطور الحركة الاقتصادية و خاصة منها العالمية مما استوجب البحث عن تأمينات جديدة

إن مخاطر الضمان العام ليست وحدها التي تهدد ضمان الدائن بل إن هذه المخاطر يتسع مجالها إذا ما نظرنا إلى التزام الكفيل باعتباره التزاما تابعا للالتزام الأصلي وبالتالي فهو يتبع هذا الأخير في وجوده وانقضائه و صحته وبطلانه بل و كذلك في أوصافه [12].

و اعتبارا للوضع الخاص للكفيل في إطار الكفالة كان المشرع حريصا على حمايته فمكنه من دفوعات هامة بعضها يخفف من عبء التزامه و البعض الآخر إلى التصريح بانقضائه وهذه الدفوعات وإن حققت حماية للكفيل فإنها في المقابل تحد من الائتمان الذي يسعى له الدائن.

فقرة ثانية : الدّفوعات المخوّلة للكفلاء:

لقد بيّنا من خلال تعريف الكفالة أن التزام الكفيل هو التزام تابع لالتزام أصلي والتالي فإن الكفيل سواء انفرد أو تعدد فإنه بإمكانه معارضة الدائن بوسائل المعارضة المخولة للمدين ثم إن ذمة الكفيل تبرأ بكل ما تقع به البراءة من الالتزامات و لو بدون براءة الأصيل.[13]

و بقطع النظر عن الدفوعات التي تؤدي إلى انقضاء التزام الكفيل فإن المشرع مكنه من عدة دفوعات أخرى تمكنه من تخفيف عبء التزامه و التي تبقى قائمة حتى في صورة تعدد الكفلاء اذا كانت الكفالة عادية و من بين هذه الدفوعات الدفع بالتجريد و الدفع بالتقسيم .

و الدفع بالتجريد هو حق مخول لفائدة الكفيل في مطالبة الدائن بتتبع مكاسب المدين أولا وهو حق نظمه المشرع التونسي بالفصلين 1498 و 1499 من م ا ع فالقانون مكن الكفيل من مطالبة الدائن بالرجوع والتنفيذ على مكاسب المدين أولا و إن لم تكف هذه المكاسب يمكنه الرجوع على مكاسب الكفيل .

إن ممارسة هذا الحق تخضع لعدة شروط منها ما يتعلق بالكفيل و منها ما يتعلق بالمكاسب أما الأخرى فتتعلق بالمدين.

1. الشروط المتعلقة بالكفيل:
* لا يمكن للكفيل أن يقوم بحق التجريد إلا عندما يقع القيام ضده من طرف الدائن[14].

* غياب التضامن مع المدين الأصلي: يجب أن يكون الكفيل غير متضامن مع المدين الأصلي و التضامن لا يفترض بل يجب أن يشترط صلب العقد بنص صريح.

* أن يكون الكفيل لم يتنازل عن حقه في الدفع بالتجريد و الإسقاط يجب أن يكون صريحا وذلك بالعقد أو بكتب لاحق.

الشروط المتعلقة بالمكاسب :
* أن تكون مكاسب المدين موجودة بالبلاد التونسية و غاية المشرع من هذا الشّرط ضمان أكثر نجاعة بأن يكون للدائن ضمان من السهل التنفيذ عليه 1498 م ا ع .

* يجب أن تمكّن هذه المكاسب عند التنفيذ من خلاص الدائن و هذا الشرط يكون مفقودا إذا كانت مكاسب المدين متنازع فيها أو كانت مرهونة و هو ما يؤدي إلى إفراغها من كل قيمتها أو إذا كانت هذه المكاسب ملكيتها معلقة على شرط فسخي أو تعليقي أو أنها مكاسب لا تفي بخلاص الدين ( تافهة ) مقارنة بالدين المكفول 1499 م ا ع.

الشروط المتعلقة بالمدين:
* أن لا يكون المدين معسرا أو مفلسا أي أن لا تكون مبالغ ديونه أرفع من قيمة مكاسبه.

و إذا توفرت هذه الشروط فإن الأثر الأساسي للدفع بالتجريد يتمثل في إيقاف ما شرع فيه الدائن من أ عمال حكمية [15] و إذا كان الفصل 1498م إ ع يخول للدائن إمكانية اتخاذ الوسائل التحفظية على أملاك الكفيل فإن ذلك لا يمنع من تعطيل مصالح الدائن و إثقال كاهله بالقيام لدى المحاكم مما يؤدي إلى تأجيل تنفيذ التزامه و هو ما يؤكد تقهقر الكفالة العادية كإئتمان.

أتاح القانون للكفيل هذا التأجيل في تنفيذ التزامه عن طريق الدفع بالتجريد و ذلك لأن الكفيل حسب بعض الفقهاء جدير بالحماية [16] فهو يوفي دينا ليس بدينه بل دين غيره ، فيكون من العدل أن تتاح للكفيل امكانية مطالبة الدائن بالتأكد من استحالة التنفيذ على المدين الأصلي قبل الرجوع عليه.

و يبقى هذا الحق قائما لكل كفيل في إطار الكفالة العادية و إن تعدد الكفلاء مما يقلّل من قوة الائتمان التي يتمتع بها الدائن هذا بالإضافة إلى حق التقسيم الذي يقره القانون للكفلاء المتعددين في مواجهة الدائن.

الدفع بالتقسيم :
و الأمر هنا لا يتعلق بتقسيم الدين بين المدين الأصلي و الكفيل و إنما بينه وبين كفلاء آخرين لنفس الدين و لنفس المدين [17] فالدفع بالتقسيم هو دفع بتقسيم الرجوع على الكفلاء جميعا في صورة رجوع الدائن على أحدهم فقط.

و من خلال هذا التعريف يتبين أن حق التقسيم لا يتأكد إلا إذا توفرت فيه بعض الشروط:

– يجب أن يتعدد الكفلاء فإذا كان هناك كفيل واحد فإن هذا الأخير لا ينتفع بحق التقسيم مع بقاء حقه في التجريد.

– يجب أن يكفل الكفلاء نفس المدين في نفس الدّين و أن يكونوا قد التزموا به في عقد واحد 1500 م ا ع [18].

– ألا يكونوا متضامنين فيما بينهم.

– عدم تنازل الكفيل عن حقه في التقسيم.

– وانقسام الدين في القانون التونسي يحصل بقوة القانون إذا تعدد الكفلاء بدين التزموا به في عقد واحد

فإذا كانت الكفالة عادية و تعدد الكفلاء و التزموا بعقد واحد فإن المشرع خول لكل كفيل -يرجع عليه الدائن بكل الدين أو بما يفوق نصيبه- الحق في الدفع بالتقسيم و ذلك لأنه من حق الكفيل في العقد الواحد أن يتمسك بأنه لما أمضى العقد الموحد اعتقد أنه لن يطالب إلا بمنابه في كامل الدين[19].
وعلى ذلك لا يكون كل كفيل ملتزما إلا بقدر نصيبه في الكفالة و إذا أعسر أحد الكفلاء لم يتحمل أحد من الباقين أي نصيب في حصة المعسر بل يتحمل الدائن وحده حصة الكفيل المعسر و لا حق له في أن يوزع على باقي الكفلاء[20] و ذلك خلافا لما هو عليه الحال في التشريع الفرنسي الذي كرس مسؤولية كل كفيل عن الدين في مجموعه ضمن الفصل 2025

من المجلة المدنية الفرنسية

Lorsque plusieurs personnes se sont rendues cautions d’un même débiteur pour une même dette ,elles sont obligées chacune à toute la dette

كما أجاز في الفصل 2026 من ذات المجلة الدفع بالتقسيم إزاء الدين مما يترتب عليه بقاء الكفيل متحملا على قدر نصيبه في الدين لحصة من كان معسرا من كفلاء زمن تمسكه بهذا الدفع و هو ما نص عليه المشرع الفرنسي صراحة بالفقرة الثانية من الفصل 2026 المذكور[21].

هذا ويضاف إلى ما تقدم أنه يمكن للكفيل التمسك بالدفع بالتقسيم في أي مرحلة من مراحل الدعوى كما أنه على القاضي أن يحكم بالتقسيم من تلقاء نفسه حتى وإن لم يثره الكفيل لأن المبدأ يقتضي بأن الدين المشترك ينقسم بقوة القانون بين المدينين و إن كان من الممكن الخروج عن هذا المبدأ بمقتضى التضامن بين المدينين فإن هذا التضامن لا يحمل عليهم بالضن 174 م ا ع [22]بحيث يكون على من يطالب أحد المدينين المتعددين بكامل الدين أن يثبت حصول التضامن بينهم.

و المشرع التونسي لم يقر استثناء لهذا المبدأ في باب الكفالة مثلما فعل نظيره الفرنسي فصل 2015 م م ف بل دعمه وذلك بأن جعل من وحدة العقد قرينة قانونية على اتجاه إرادة كل كفيل إلى عدم الالتزام إلا بقدر نصيبه في الدين و أكد على أن انقسام الدين يقع بقوة القانون بين الكفلاء 1500 م ا ع .

إن حق الدفع بالتقسيم و الذي يجعل الدائن وحده متحملا لخطر إعسار أحد الكفلاء أو بعضهم من شأنه أن يحد من هدف التأمينات و هو تحقيق ائتمان للدائن وبالتالي فإن تعدد الكفلاء لا يحقق الحماية المطلوبة للدائن في صورة عدم التضامن بين الكفلاء.

وتضمحل هذه الحماية أكثر من خلال ما أقرته محكمة التعقيب من حق الكفيل في الدفع بتعذر الحلول

الدفع بتعذر الحلول : و هو دفع لم يؤكده المشرع التونسي عكس القانون الفرنسي حيث يهدف هذا الدفع إلى حماية الكفيل من تصرفات الدائن و ينص الفصل 2037 من م م فرنسية على أن ذمة الكفيل تبرأ إذا استحال حلوله في حقوق و رهون وامتيازات الدائن بفعل هذا الأخير.

وقد اعتبرت محاكم الأصل الفرنسية أن الفصل المذكور يتعلق بالحقوق المفضلة التي من شأنها إعطاء نفع خاص للكفيل أما فقدان الضمان العام حتى لو كان هذا الفقدان بسبب الدائن فإنه لا يبرر تطبيق أحكام الفصل 2037 م م ف.

أما في القانون التونسي فقد سكت المشرع عن مثل هذا الدفع إلا أن محكمة التعقيب قد أثارت هذا الدفع و كرسته في أحد قراراتها( قرار عدد 4221 بتاريخ 16/05/44 مجلة القضاء و التشريع 1960 عدد 9و10 ص 149 ) الذي جاء به ” إن هناك مبدأ عام قاض بأن الضامن لا يطالب بالضمان إذا أثبت أن حلوله محل الدائن متعذرا بفعل هذا الأخير أو حتى بمجرد تقصير منه ” و المقصود بالضامن هنا هو الكفيل.” و قد اعتبرت ان الدائن في القضية التي أصدرت فيها قرارها ضيع على الضامن ضمانه و منع حصول الحلول القانوني بصفة مفيدة …..و لذا فإنه (الضامن ) لم يبق مطلوبا بأدنى ضمان تطبيقا للفصلين 226 و 788 الفقرة ثالثة و الفصل 1478 من المجلة المدنية.

و يرى البعض أن محكمة التعقيب قد وضعت مبدأ هاما يقوم على المنطق و كذلك على الإنصاف لأن التفريط من طرف الدائن في التأمينات التي كان للكفيل ينوي الاعتماد عليها في رجوعه على المدين فيه تلاعب بمصالح الكفيل و هو ما يشرع تفصي الكفيل من التزامه[23].

و رغم أن التعليل الذي اعتمدته محكمة التعقيب و الذي استندت فيه الى الفصول المذكورة لا يخلو من نقد فإن الإقرار بحق الكفيل في الدفع بتعذر الحلول من الممكن أن يكون له سند في القانون التونسي استنادا إلى أحكام الفصول 226 و 228 و 213 من م ا ع فالفصل 226 أثبت حق الحلول للكفيل ثم أضاف الفصل 228 أن ما يترتب على هذا الحلول تجري عليه الأصول المقررة في الفصول 200 و 203 و 204 و 205 و 206 و 213 و بالرجوع إلى الفصل 213 يلاحظ تنصيصه على أن من أحال دينا أو حقا مجردا بعوض فعليه ضمان ما يأتي ” أولا : صفة كونه دائنا أو صاحب حق ثانيا : وجود الدين أو الحق وقت الإحالة ثالثا : حق التصرف

كل ذلك و لو على فرؤض وقوع الإحالة على البراءة و عليه أيضا أن يضمن وجود التوابع كالامتيازات و غيرها من الحقوق المتعلقة بالدين أو الحق الكحال حين الإحالة إلا إذا استثنى ذلك استثناء صريحا ”

بتطبيق هذا النص الذي يهم الإحالة كما أشار اليه الفصل 228 من م ا ع يكون الدائن مجبرا على ضمان وجود الدين وقت الحلول و توابعه كالامتيازات و غيره من الحقوق المتعلقة به إذا كان الحلول بعوض

و بما أن الحلول مخول للكفيل مقابل سداده الدين المكفول فإنه يكون من قبيل الحلول بعوض و يقتضي هذا الضمان ، غير أن الضمان لا يعني امكانية الدفع بتعذر الحلول و يبدو أن المشرع وجد في أحكام الفصل 213 م ا ع ما يغنيه عن تكريس مثل هذا الدفع و ليس أدل على ذلك من أن الدفع بتعذر الحلول كان منصوص عليه سواء في المشروع الأولي أو المشروع التمهيدي لمجلة الالتزامات و العقود غير أن التراجع عن التصيص صراحة على ذلك الدفع لا يمكن معه اعتبار و أن المشرع قد استبعده بالنسبة للكفيل و إنما ذلك التراجع مبني على الاكتفاء من جانب المشرع بالقواعد العامة التي تؤسس ذلك الحق و تحديدا الفصل 213 من م ا ع

إن مختلف هذه الدفوع من شأنها أن تهمّش الحماية والقوة الإئتمانية التي يتمتع بها الدائن في إطار الكفالة العادية على أنه لا يجب أن نغفل على أن جل هذه الدفوعات تسقط في صورة التضامن بين الكفلاء و بالتالي فإن حماية الدائن تتعزز في هذه الصورة.

مبحث ثاني

حماية ممكنة في صورة الكفالة التضامنية و في صورة تضامن الكفلاء

لئن كانت حماية الدائن رغم تعدد الكفلاء شبه غائبة في صورة الكفالة العادية فإن هذه الحماية قد تكون ممكنة في صورة الكفالة التضامنية و كذلك في صورة تضامن الكفلاء فيما بينهم.

فقرة أولى : الكفالة التضامنية:

إن الأصل في الكفالة أن تكون عادية أي غير تضامنية سواء تفرد الكفلاء أو تعددوا [24]على أن التطبيقات اليومية غلّبت الاستثناء على المبدأ.

حيث أضحى المبدأ أن الكفالة تضامنية أي أن للدائن الحق في الرجوع سواء على المدين أو على أحد الكفلاء أو عليهم جميعا دون أن يعارضه أي كفيل لا بالتجريد ولا بالتقسيم إذ أن الكفلاء يعدون بمثابة المدينين المتضامنين [25] و هذا التضامن يمكن أن يكون اتفاقيا أو قانونيا.

التضامن الاتفاقي بين الكفلاء و المدين يجب أن يكون صريحا منهم إذ لا يحمل على الظن و يمكن أن يتخذ بدوره صورتين :

تضامن الكفلاء مع المدين مع عدم التضامن بين الكفلاء .

تضامن الكفلاء مع المدين مع وجود التضامن بين الكفلاء[26] .

تضامن الكفلاء مع المدين دون تضامن بينهم

في خصوص الصورة الأولى -تضامن الكفلاء مع المدين دون التضامن بينهم يكون ذلك بمناسبة التزامهم بعقود مختلفة بأداء الدين ككفلاء مع المدين بصفة تضامنية فيعد كل واحد منهم كما لو التزم مع المدين بأداء كامل الدين.

وقد يكون ذلك في عقد واحد يلتزم فيه كل كفيل بأداء كامل الدين بالتضامن مع المدين لكن دون أن تتجه النية إلى التضامن بين الكفلاء في ذات العقد [27]و بالتالي لا يمكن أن تحمل التزاماتهم على التضامن لأن هذا الأخير لا يكون بغلبة الضن و إنما يكون كل واحد منهم متضامنا مع المدين فقط و بالتالي تجري عليه الأصول المتعلقة بالالتزامات المتضامن فيها فلا يمكنه تبعا لذلك الدفع بالتجريد[28].

على أن الدفع بالتقسيم أثار جدلا فهناك من يرى أن الكفيل المتضامن مع المدين دون تضامن مع غيره من الكفلاء و إن فقد الدفع بالتجريد فإنه لا يفقد الدفع بالتقسيم لأن إرادته ذهبت إلى التنازل عن الدفع الأول (التجريد) دون الدفع الثاني (التقسيم) الذي يهم علاقة الكفلاء فيما بينهم و لا يخص المدين حتى و إن كان الكفلاء متضامنون معه[29].

على أن هذا الرأي قد يبدو محدودا إذ ذهب البعض إلى القول بأن وجود التضامن بين الكفلاء والمدين كافيا ليجعل كل واحد منهم ملزما بكامل الدين كما لو كان مدينا أصليا خاصة وأن المشرع يحيلنا في هذه الصورة إلى أحكام الإلتزامات المتضامن فيها المدينون

تضامن الكفلاء مع المدين مع وجود التضامن بينهم .

هذه الصورة و على خلاف الصورة الأولى لا تطرح مبدئيا أي إشكال و يكون التضامن بين الكفلاء اما اتفاقيا بصريح اللفظ أو قانونيا عندما تكون الكفالة عملا تجاريا.

بالرجوع إلى الفصل 1495 م ا ع نجده ينص على أنه “اذا كانت الكفالة من الكفيل عملا تجاريا تجري الأصول المتعلقة بالالتزامات المتضامن فيها المدينون فيصبح الكفيل بنفس مرتبة المدين الأصلي لذلك يمكن سحب أحكام الفصل 1495 م إ ع على تعدّد الكفلاء .

و سواء كان التضامن اتفاقيا أو قانونيا بين الكفلاء و المدين فإن الدائن يتمتع بحماية “كمية هائلة” إذ يمكنه التنفيذ على أي من الذمم التي يختارها لا سيما إذا تدعم تضامن الكفلاء مع المدين بوجود التضامن بين الكفلاء فالدائن يخرج من إطار حماية نسبية وشبه غائبة في صورة الكفالة العادية إلى حماية جد هامة في صورة الكفالة التضامنية فكل الكفلاء يصبحون بمثابة مدينين للدائن عملا بأحكام الفصل 1495م ا ع فقرة ثانية الذي يحيلنا على أحكام تضامن المدينين موضوع الفصول من 174 الى 190 م ا ع.

لكن إلى أيّ مدى تنطبق الأحكام المتعلقة بتضامن المدينين على الكفالة بوصفها التزام تبعي ؟

و هل أنها توفر إطارا ملائما لحماية الدائن ؟

لئن كانت الكفالة التضامنية ناجعة وتوفر حماية هامة للدائن فإن هذه النجاعة قد يعتريها الشك إذا ما قارنا أحكام تضامن المدينين و أحكام الكفالة لأننا نجد أحيانا تضاربا بينها من ذلك أن الفصل 177 من م ا ع نص على أنه إذا كان من بين المدينين المتضامنين من هو عديم الأهلية فإنّ ذلك لا يفسد ما عقده الآخرون و بالتالي لا يمكن للمدين المتضامن الذي لا تتوفر فيه الأهلية بأن يعارض بعدم أهلية مدين آخر متضامن معه و على العكس من ذلك فإنه بالنسبة إلى الكفيل المتضامن نص الفصل 1502 من م ا ع على إمكانية تمسك الكفيل بالدفوع الخاصة بذات المدين و لا شك في أن انعدام الأهلية يندرج ضمن تلك الدفوع.

كما أن الفصل 178 م ا ع حصر معارضة أحد المدينين المتضامنين في المعارضة بالأوجه الخاصة بذاته و المعارضة بما هو مشترك بينهم فقط في حين أن الفصل 1502 م ا ع جعلها مطلقة فيمكن أن تشمل أوجه المعارضة المتعلقة بأصل الدين أو بذات المدين مع ما تعلق منها بعدم أهلية المدين و هي معارضة من الممكن التمسك بها حتى وإن تخلى عنها المدين و تركها.

لقد اختلفت الآراء الفقهية فمنها من ذهب إلى القول بأن إحالة المشرع إلى أحكام التضامن بين المدينين في صورة الكفالة التضامنية يجعل الكفلاء في نفس مركز المدين المتضامن مع غيره من المدينين و بالتالي فإن أي من الكفلاء لا يمكنه معارضة الدائن إلا بالأوجه الخاصة بذاته أو بما هو مشترك بينه و بين بقية الكفلاء و المدين كما أن الدائن قد يعفي جزئيا مثلا المدين فيسقط ذلك من جملة الدين الذي عليه مع الكفلاء لكن إذا أعطاه شخصيا دون البقية فحينئذ لا يمكن للبقية القيام عليه بخصوص ما وقع فيه الإعفاء (181 ) من م ا ع و هو ما يجعل التزام الكفلاء أثقل من التزام المدين الأصلي و مثل هذا الحل لا يتماشى و المبادئ التي تقوم عليها الكفالة[30].

لذلك ذهب الاتجاه الثاني إلى أن الكفلاء المتضامنون مع المدين لا يمكن لهم الدفع بالتجريد والتقسيم فقط ذلك أنهم و إن كانوا متضامنين مع المدين فإن كفالتهم اتجهت إلى كفالة المدين و ضمان دينه فيكون من باب التعسف وضعهم في مركز المدين المتضامن و بالتالي تغيير طبيعة الكفالة[31].

فقرة ثانية : صورة التضامن بين الكفلاء :

توفر الكفالة التضامنية حماية للدائن لاستخلاص ديونه تتجاوز حد الإمكانية لتصل إلى درجة النجاعة (و هو ما جعلها الصورة الأكثر تطبيقا خاصة في ميدان القروض البنكية ) لكن ثمة حالات يرفض فيها الكفيل التضامن مع المدين ويفضل أن يكون متضامنا مع بقية الكفلاء فقط أي أنه يلتزم بأداء كامل الدين وبالتالي فهو يتنازل عن الدفع بالتقسيم إذا ما طالبه الدائن بالدين و يعود ذلك إلى أن هذا الدفع يتنزّل في إطار علاقة الكفلاء فيما بينهم [32] بالإضافة الى وحدة المحل في التزاماتهم[33]

و هذا الدفع قد طرح إشكاليات في فقه القضاء الفرنسي فهناك تيار كلاسيكي يرى أنه سواء كان التضامن بين الكفلاء و بين الكفلاء و المدين فإن النتيجة واحدة و هي إقصاء الدفع بالقسمة.

تيار حديث ( فيليب سيملار ) يرى أنه في صورة إذا ما كان التنصيص على التضامن بين الكفلاء والمدين فحسب فإن الكفلاء بامكانهم أن يواجهوا بعضهم البعض بالدفع بالتقسيم.

و لقد أيدت محكمة التعقيب الفرنسية في إحدى قراراتها الحديثة التيار الكلاسيكي معتبرة أنه عندما يمنح مجموعة من الأشخاص كفالتهم لمدين واحد و بصورة تضامنية لا يمكنهم مواجهة الدائن بالدفع بالتقسيم إلا بوجود شرط مخالف (قرار تعقيبي 20689صادر في 27/06/1984)

و نشير في هذا الصدد إلى قرار صادر عن محكمة الاستئناف بتونس تحت عدد 4911 مؤرخ في 12/07/[34]1978 اعتبرت فيه المحكمة أن آثار قاعدة التضامن و كذلك عدم قابلية القسمة لا تصاحب التزام المدينين الكفلاء إلا إذا كانوا متعددين لأنهما وصفين من الأوصاف التي تلحق الالتزام في عنصره الثالث و هو طرفاه فإذا زال التعدد زال التضامن وزال عدم القابلية للقسمة لانتفاء محلهما و كانت إجابتها تلك ردا على ما تمسك به البنك من أن الالتزام بالكفالة كان على أساس التضامن و عدم القابلية للقسمة مع الكفيلين الآخرين

و لقد اعتبرت الأستاذة ليليا بوستة وأن المحكمة كرست الدفع بالحط من الالتزام.

إلا أن الحماية التي يوفرها تضامن الكفلاء فيما بينهم تشهد حدا لنجاعتها متمثل في الدفع بالتجريد المخول لأي كفيل و يعود ذلك إلى أن من بين شروط هذا الدفع هو عدم وجود تضامن بين الكفيل و المدين الأصلي إلى جانب بطبيعة الحال بقية الشروط بالتالي يحق إلى أي كفيل غير متضامن مع المدين الأصلي التمسك بهذا الدفع و هو إحالة الدائن على مكاسب المدين الأصلي للتنفيذ عليه أولا.

كما أنه يجوز لكل كفيل أن يحتج بأوجه الدفع الخاصة به و بأوجه الدفع المشتركة بين الكفلاء جميعا ولكن ليس أن يحتج بأوجه الخاصة بكفيل آخر أما إذا انقضى التزام أحد الكفلاء بسبب غير الوفاء كتجديد أو مقاصة أو اتحاد ذمة أو إبراء أو تقادم فإن أثر انقضاء الالتزام يقتصر عليه ولا يحتج أي كفيل آخر بهذا السبب إلا بقدر حصة الكفيل الذي قام به سبب الانقضاء و يرجح ذلك حسب الفقيه عبد الرزاق السنهوري إلى فكرة تعدد الروابط

و لكن في المقابل وإذا كان هناك تضامن في إطار كفالة تضامنية فإن الحماية تكون ناجعة إذ أن الدائن سيكون له الخيار في التنفيذ على المدين أو على أي من الكفلاء يختاره حسب مصلحته المتمثلة في استخلاص الدين استنادا إلى ملاءة المطالب بالدين و إلى مدى حرص ذلك الدائن هذا الحرص الذي تبرز أهميته في إطار ما جاء به قانون الإنقاذ المؤرخ في 17/04/1995 و خاصة بالفصل 43 منه الذي ينص على أنه خلافا للفصل 292 من م ا ع تطهر المؤسسة عند بيعها من جميع الديون و الترسيمات السابقة بما فيها الممتازة وتنتقل ملكية المؤسسة إلى المحال له بمجرد وفائه بجميع التزاماته بدفع كامل الثمن وحجز محصول البيع لفائدة الدائنين ليقوم حق المطالبة الفردية ضد المدين والضامنين و المتضامنين معه فيما تبقى من ديونهم .

هذا الفصل في فقرته الثانية خول للدائنين في صورة إحالة المؤسسة حق المطالبة الفردية ضد المدين فيما تبقى من ديونهم بعد توزيع ثمن البيع و مكنهم كذلك من استخدام هذا الحق ضد الضامنين والمتضامنين وعبارة المتضامنين تحيلنا على أحكام التضامن بين المدينين بمجلة الالتزامات و العقود ويرى الأستاذ الفرشيشي يجب فهم عبارة الضامنين بعبارة الكفلاء كما أن الصياغة الفرنسية للفقرة الثانية من الفصل 49 تضمنت عبارة les cautions .

و السؤال الذي طرح هو هل أن نعت المتضامنين يشمل أيضا الكفلاء ؟ يرى الأستاذ محمد الهادي الأخوة و استنادا إلى الفصل 520 م ا ع أنها تشمل أيضا الكفلاء و هو بذلك يستثني الكفالة العادية التي تكون في مأمن من الرجوع الذي يقوم به الدائن إلا أن الصياغة العربية للفصل تخول ذلك وهي التي يجب أن تعتمد نظرا إلى أن قانون 5/07/1993 اكتفى بمنح الصبغة الاعلامية للصياغة الفرنسية للنصوص التشريعية بالتالي للدائن المطالبة بصفة فردية لما تبقى من دينه سواء كان الكفلاء كفلاء عاديين أو متضامنين و يعود ذلك إلى أن الكفالة هي عقد بين الدائن و الكفيل بالتالي لا يمكن أن يكون موضوع إحالة قضائية أي أن إحالة المؤسسة لا تنقص بها الكفالة.

كما أن قرار إيقاف إجراءات التقاضي و التنفيذ الرامية إلى استخلاص الديون السابقة لفترة المراقبة الفصول 12و 34 من قانون الإنقاذ لا تأثير له على علاقة الدائن بالكفلاء فهذا الإيقاف لاستفيد به الكفلاء و قد أثار هذا الإشكال جدلا في فقه القضاء التونسي الذي عرضت عليه حالات طلب خلالها الكفلاء إيقاف التنفيذ على أساس طبيعة التزامهم باعتباره التزاما تبعيا و ذلك بأن لا يقع تفضيل المدين الأصلي على الكفيل فينتفع الأول باجراءات إيقاف التنفيذ في حين يبقى الثاني مهددا بالتنفيذ عليه من ذلك القرار التعقيبي عدد (14509 بتاريخ 22/05/2002ن م ت 2002 ج 2 ص 165 )و الذي جاء بحيثياته ” حيث اقتضى الفصل 12 من قانون انقاذ المؤسسات المؤرخ في 17/04/1995 في فقرته الثانية أنه يترتب عن اتفاق التسوية توقيف اجراءات التقاضي و التنفيذ الرامية الى الاستخلاص و بالنسبة الى كافة الديون السابقة للاتفاق في نهاية مدته.

و حيث يتضح بمراجعة أوراق الملف أن قرارا في فتح اجراءات تسوية رضائية صدر لفائدة المدينة الأصلية ” سيب فلاش ” عن رئيس محكمة صفاقس الابتدائية تحت عدد 68 بتاريخ 20/11/2000 عين بمقتضاه خبيرا مصالحا كما أذنت المحكمة بتعليق اجراءات التقاضي و التنفيذ المرفوعة من طرف دائني المتمتعة بالتسوية.

و حيث أن ما أسعفت به المدينة الأصلية من اجراءات قانونية و امهال بموجب قانون انقاذ المؤسسات يتمتع به الكفيل و يصح له أن يتمسك بجميع ما تتمسك به المدينة من أوجه احتجاج عملا بما يقتضيه الفصل 1496 من ما ع و ما أجمع عليهخ شراح القانون من كون محل التزام الكفيل هو ضمان التزام المدين و ما يؤثر في الثاني يؤثر في الأول ”

وحيث أن محكمة التعقيب ذهبت في القرار المذكور الى امكانية ايقاف اجراءات التنفيذ ضد الكفيل في صورة الانتفاع به من قبل المدين الأصلي لكن التعليل الذي اعتمدته المحكمة في القرار المذكور قد لا يكون سليما من الناحية القانونية خاصة و أن من بين الآراء الفقهية من يرى أنه إذا كان المشرع يريد أن ينتفع الكفيل بايقاف التنفيذ لكان عبر عن ذلك صراحة كما أن قبول ايقاف التنفيذ ضد الكفيل قد يؤول الى تقهقر الكفالة كتأمين شخصي و فقدها الجدوى المرجوة منها.

لذلك تدخل المشرع التونسي من خلال تنقيح الفصلين 12و 34 من قانون انقاذ المؤسسات بموجب القانون عدد 79 لسنة 2003 المؤرخ في 29/12/2003 و جعل من ايقاف اجراءات التنفيذ حقا يختص به المدين دون سواه و لا ينتفع به الكفيل الا اذا رضي بذلك الدائنون وكذلك الشأن بالنسبة الى الفصل 34 من نفس القانون.

الخاتمــــة

لقد بينا في مقدمة هذا العمل و أن الكفالة باعتبارها ضمانا شخصيا عرفت تطورا في اتجاه التخفيف من عبء التزام الكفيل الذي كان التنفيذ الجبري في القانون الروماني مخول للدائن تجاهه دون المدين وذلك من خلال الإقرار بتبعية التزامه بالنسبة إلى التزام المدين الأصلي و كذلك من خلال إقرار جملة من الدفوع التي تخفف من عبء التزامه .

هذا التطور الذي عرفته الكفالة أدى إلى تقهقر الحماية التي يتمتع بها الدائن و أثار جدلا بشأن نجاعة ذلك التأمين خاصة في ضل تطور المعاملات الاقتصادية و تنوع أشكالها وهو ما جعل الدائن يشترط تعدد الكفلاء لتوفير أكثر ضمان للدين لكن الإشكال الذي بقي مطروحا مع ذلك هل أن ذلك الكم من الكفلاء يحقق بالضرورة الحماية المنشودة و يقي الدائن من مخاطر عدم امكان استخلاص الدين.

تعدد الكفلاء من الممكن أن يوفر حماية للدائن لكن تلك الحماية تبقى منقوصة لسببين اثنين.

أما السبب الأول فهو عدم خروج الدائن عن إطار الضمان العام فقد يكون التعدد شكلا من أشكال توسيع الضمان العام بالنسبة للدائن بأن تكون أكثر من ذمة مالية مرصودة لضمان دينه لكن ذلك التوسع يبقى معه الدائن متحملا بمخاطر ذلك الضمان العام الذي لا يوفر له الحماية فالضمان العام لا يعطي الدائن أي حق عيني على مكونات الذمة المالية لأي من الكفلاء و بإمكان هؤولاء التصرف في مكونات تلك الذمة كما بإمكانهم تفادي التنفيذ عليهم من خلال تهريب مكاسبهم.

السبب الثاني الذي يجعل الحماية منقوصة هو جملة الدفوع المخولة للكفيل و هي دفوع مبرئة لالتزامه و أخرى مخففة له ، بالنسبة للدفوع المبرئة لالتزام الكفيل هي تلك المترتبة عن صفة التبعية في التزامه و يمكن للكفيل إثارتها حتى و لو رضي المدين بها أو تنازل عن التمسك بها . الدفوع المخففة هي دفوع جعلت في مصلحة الكفيل و تتمثل أساسا في الدفع بالتجريد و الدفع بالتقسيم هذين الدفعان يقللان من شأن الكفالة كتأمين. فالدفع بالتجريد يؤول الى تأجيل التنفيذ على الكفيل الذي من حقه مطالبة الدائن بتتبع كسب المدين أولا أما الدفع بالتقسيم فهو يمكن الكقيل من طلب تقسيم الدين بينه و بين بقية الكفلاء و هو ما يجعل الدائن متحملا بدين من كان منهم معسرا لأن الكفيل لا يلتزم إلا بنصيبه من الدين .

هذه النقائص من الممكن التقليل منها و جعل التعدد يوفر حماية أكثر بالنسبة إلى الدائن وذلك في صورة الكفالة التضامنية حيث يحصل التضامن بين الكفيل و المدين وبين الكفلاء فيما بينهم.

بالنسبة الى تضامن الكفلاء مع المدين في غياب التضامن بينهم تكون هناك حماية للدائن لكن تلك الحماية تبقى منقوصة باعتبار و أن الكفيل يبقى متمتعا بحق التقسيم وما يترتب عنه من اثقال كاهل الدائن بنتائج اعسار أي من الكفلاء المتعددين.

و على خلاف ذلك فإن وجود التضامن بين الكفلاء و المدين و بين الكفلاء فيما بينهم يجعل الحماية أكثر نجاعة باعتبار وأن ذلك التضامن يؤول الى حرمان الكفيل من دفعين أساسيين هما الدفع بالتجريد و الدفع بالتقسيم و يصبح الكفلاء المتضامنون شبيهون من حيث مدى التزاماتهم بالمدينين المتضامنين لكن ذلك التشابه وان كان يبدو مطلقا من خلال قراءة أولية للنصوص القانونية المنضمة لكل من تضامن المدينين و الكفالة فإن قراءة معمقة لتلك النصوص آخذة بخصوصية الكفالة كتأمين شخصي تجعلنا نقر بوجود الاختلاف بينهما خاصة فيما يتعلق بالأسباب المبرءة لالتزام الكفيل الذي من الممكن له أن يتمسك بالدفوع الخاصة به كما يمكنه التمسك بالدفوع المشتركة بينه وبين المدين وغيره من الكفلاء (1502م ا ع).