أحكآم المرآبحه في الصيرفه الإسلآميه

وفق المبادئ الإسلامية فإن مصدر الكسب الأساسي هو العمل لذا لا يسمح أن يكون تسليف أو إيداع المال بمرور الوقت وحده مبرراً للكسب لأن الكسب بهذه الوسيلة يزيد من حجم النقود دون الزيادة في حجم الإنتاج مما يؤدي إلى عدة سلبيات من ضمنها التضخم، ومن هنا حرم الإسلام الربا بأي شكل من الأشكال مما استوجب تبعاً لذلك تقديم الوسائل البديلة من الموضوعية والشرعية لتحل محل الفوائد الربوية التي تشكل أحد محاور نشاط البنوك التي لا تعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية (البنوك التقليدية).

وفي هذا الخصوص، تطرح المصارف الإسلامية عدة منتجات إسلامية من أهمها المرابحة وتنبع أهمية عقود المرابحة في رفع الحرج والمشقة عن جميع المتعاملين من المسلمين الذين يتعاملون بالعقود المالية وفي طبيعة عمل المؤسسات التي تقوم بإجراء العقود المالية وخاصة العمل المصرفي وما يستجد في هذه العقود والعمل على تكييفها الفقهي. وعقود المرابحة تعتبر من بيوع الأمانات التي تتطلب الأمانة التامة من الأطراف في كل التصرفات المرتبطة بالعقد.

إن غالبية ما تدور عليه معاملات المصارف الإسلامية اليوم هو ما يسمى (بيع المرابحة)، ومعناه البيع برأس المال وربح معلوم ولكن يشترط علم البائع والمشتري برأس المال والربح. ومن الناحية العملية فهناك نماذج متعددة تقع تحت طائلة (المرابحة) في المصارف الإسلامية ومن هذه النماذج نذكر الصور الآتية :

الصورة الأولي : يأتي العميل “طالب الشراء” إلي المصرف ويطلب شراء سيارة معينة من معرض معين بعشرة ألف ريال ويقوم مندوب المصرف بكتابة عقد البيع بينه وبين الزبون (طالب الشراء) ويفيده بأنه سيقدم السيارة المتفق عليها بمبلغ ثلاثة عشر ألف ريال لمدة سنتين. في هذه الحالة باع مندوب المصرف السيارة قبل أن يملكها لأنه سيعطي الزبون طالب الشراء سعر السيارة ويطلب منه أن يذهب ويشتريها وهو ما زال في مكتبه ولم يذهب إلى صاحب معرض السيارات. ولا خلاف في عدم جواز هذه الصورة لأنها بيع ما ليس عند البائع.

الصورة الثانية : الحالة الأولى نفسها ما عدا أن مندوب المصرف يتصل بصاحب المعرض ويفيده بشراء السيارة المعينة ويرسل له المبلغ ويطلب من الزبون (طالب الشراء) الذهاب واستلام السيارة التي باعها له بزيادة ثلاثة ألف ريال إلى أجل. وهذه الصورة محرمة ولا تجوز لأن مندوب المصرف باع ما لم يدخل في ضمانه وباع السلعة قبل قبضها.

الصورة الثالثة : نفس ما تقدم إلا أن مندوب المصرف يذهب بنفسه آخذا معه سعر السيارة التي يريدها الزبون (طالب الشراء) ويشتري السيارة من صاحب المعرض ويطلب منه تسليم السيارة للزبون ثم ينصرف وقد كتب على الزبون (طالب الشراء) زيادة في الثمن وأبرم العقد قبل خروجه من المصرف. وهذه الصورة محرمة ولا تجوز لأن مندوب المصرف باع ما لم يملك وحقيقة العقد انه باع ريالا بريال (نقدا بنقد) مع وجود السلعة بينهما وكأنه يقول أقرضني عشرة آلاف لكي أذهب فأشتري السلعة المعينة أي فكأنه أقرضه عشرة آلاف بثلاثة عشر ألف ريال.

الصورة الرابعة : نفس ما تقدم إلا أن مندوب المصرف يذهب إلى صاحب المعرض ويقول اشترينا منك السيارة ولكن وضعناها وديعة عندك ثم يذهب المندوب إلى الزبون (طالب الشراء) ويقول له: ذهب واستلم السيارة فقد اشتريناها. بعض علماء السنة أجازوا هذه الصورة لأن مندوب المصرف جعلها وديعة. ولكن الراجح المنع لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) نهى عن بيع السلع حتى (يحوزها التجار إلى رحالهم) ونهى عن بيع ما لم يقبض فإذا اشترى سيارة لا بد أن يخرجها إلى مكان ليس للبائع فيه سلطان وملكية.

الصورة الخامسة : يأتي الزبون (طالب الشراء) إلى المصرف وهو يريد سلعة ويوافق المصرف على توفيرها له وإما أن يتفقا على الربح أو لا ويذهب مندوب المصرف إلى المعرض ويأتي بالسلعة إلى حرز المصرف ثم يتم العقد على البيع وعليه فقد امتلك المصرف السلعة ولن يبيعها إلا بعد الملك والقبض. هذه الصورة جائزة عند الجمهور وحجتهم عدم وجود التزام لإتمام العقد أو التعويض لو هلكت السلعة بل هي من ضمان المصرف والمصرف لا يدري هل المتقدم سيشتريها أم لا فهو يخاطر بشراء السلعة ثم ان المصرف له عند حيازة السلعة أن يبيعها لأي شخص غير (طالب الشراء) كما أن (طالب الشراء) له ان يرجع عن الشراء فليس في هذه الصورة بيع ما لم يقبض البائع أو ما ليس عنده ولذا فهي جائزة، إلا أن البعض لم يجزها وحجتهم أنها في الحقيقة قرض نقود بنقود وأن هذه المسألة من معاملات العينة. وبيع (العينة) مثل شراء سلعة بمائة ريال مؤجلة ثم بيعها بتسعين ريال حالة، وسميت عينة من (العين) وهو النقد أو لأن البائع يعود إليه عين سلعته، وهذا حكمه حرام. وهذه الصورة لا توجد في المصارف الإسلامية لأنه لا يعقل أن يوفر المصرف السلع إلا بعد وجود الضمانات والعقود.

الصورة السادسة : يطلب الزبون (آمر الشراء) من المصرف سلعة ويقول المصرف سنشتريها لك ونبيعها لك بسعر كذا. ويسمي الفقهاء المرابحة بهذه الطريقة (بيع المرابحة للآمر بالشراء) وهذه الصورة على الأرجح أنها الجائزة بين العلماء وهناك شروطا خاصة يجب أن تتوفر في هذه الصورة حتى لا يتم الوقوع في المحظور، والشروط تتمثل فيما يلي :

1- الشرط الأساسي لإتمام عقد المرابحة هو أن يملك المصرف محل البيع أو المتعاقد عليه وإلا فإن العقد باطل، ونلاحظ هنا وجود عقدين أو بيعين يتم الأول بين المصرف والبائع والثاني يكون بين المصرف والمشتري. لذا يجب أن يكون العقد الأول أو البيع الأول بين المصرف والمشتري صحيحا حتى يتم البيع بالمرابحة بين المصرف والمشتري.

2- أن يكون الثمن معلوما كما يجب أن يكون الربح معلوما أيضا.

إن بيع المرابحة في الأساس تجارة والتجارة تعتمد على الرضا بين الطرفين وكما قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) (إنما البيع عن تراض) وكما يتعرض أطراف العقد للربح فهم معرضون للخسارة أيضا شأن التجارة بأنواعها، والربح الذي يعود على المتعاقدين في بيع المرابحة هو نتيجة جهده وعمله. وليتم عقد المرابحة بطريقة شرعية صحيحة فيجب تنفيذه وفق الآتي :

أولا : تقديم طلب الشراء إلى المصرف من الزبون (الطالب / الآمر بالشراء) يوضح فيه رغبته في شراء سلعة معينة وبمواصفات محددة معروفة على أن يبيعها المصرف للزبون الآمر بالشراء مرابحة لأجل محدد معلوم ويحرر الآمر بالشراء نموذجا يسمى طلب شراء مرابحة ويذكر فيه مواصفات السلعة المطلوب شراءها ومصدر شرائها والثمن الأصلي لهذه السلعة.

ثانيا : يقوم المصرف بدراسة الطلب من كل الجوانب.

ثالثا : تحرير الوعد بالشراء وسداد مبلغ ضمان الجدية أو العربون.

رابعا : الاتصال بالمورد (البائع) والتعاقد معه على الشراء باسم المصرف وعلى مسؤوليته ثم حيازة الشيء المشتري (البضاعة) بأي وسيلة حسب الأعراف السائدة (حيازة فعلية أو حكمية) وبهذه الخطوة يكون المصرف قد تملك السلعة وحازها وبذا يمكن التصرف فيها بالبيع للزبون الآمر بالشراء.

خامسا : إبرام عقد البيع مع الزبون الآمر بالشراء وهو مستوفياً لكل الأركان والشروط.

سادسا : تسليم السلعة (البضاعة) للزبون الآمر بالشراء حسب المكان المتفق عليه.

وهذا ينسجم مع الضوابط الخاصة بالمرابحة التي أقرتها المجامع الفقهية وهيئات الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية والتي تتمثل في :

1- أن يكون الثمن الأول (الثمن الأصلي) معلوما للمشتري.
2- أن يكون الربح معلوماً للمشتري والبائع.
3- أن يكون عقد البيع صحيحاً مستوفياً الأركان والشروط ومن ضمن ذلك أن تكون السلعة مقومة شرعا.
4- أن تكون السلعة مملوكة ملكية تامة للبائع (المصرف).
5- أن تكون السلعة في حيازة البائع (المصرف) فعلا أو حكما.
6- أن تكون السلعة معلومة ومحددة المواصفات.

هذا ويجب على المصارف الإسلامية وكل من يعمل بها استيعاب و(هضم) هذه الضوابط الشرعية المؤسسية والعمل على تطبيقها بكل المهنية الاحترافية ووفق الممارسات المصرفية السليمة لنرتقي بالصيرفة الإسلامية إلى مراميها السامية.