سقوط حق المشتري في رفع دعوى الإبطال

لم تتضمن القوانين المدنية العربية نصا خاصا يحدد مدة معينة لسقوط حق المشتري في رفع دعوى إبطال بيع ملك الغير، مما جعل شراح القانون المدني ينقسمون على أنفسهم مترددين في جعل تقادم هذه الدعوى ضمن التقادم القصير الوارد في المادة ( 140 ) من القانون المدني المصري أم التقادم الطويل حسب القواعد العامة وفق المادة ( 374 ) من نفس القانون.

يتجه رأي الأغلبية في الفقه المصري إلى قياس مدة التقادم في دعوى إبطال بيع ملك الغير على دعاوى الإبطال وهي ثلاث سنوات، وهذه المدة استنادا إلى المادة ( 140 ) من القانون المدني المصري تبدأ من اليوم الذي يعلم فيه المشتري بعدم ملكية البائع للمبيع .

وفي جميع الأحوال يسقط حق المشتري بانقضاء خمسة عشرة عاما من اليوم الذي تم فيه إبرام العقد. ولكن كيف تبدأ مدة الثلاث سنوات لو انعقد بيع ملك الغير والمشتري عالما بعدم ملكية البائع للمبيع؟

وفق هذا الرأي فإن تقادم دعوى إبطال بيع ملك الغير تبدأ من وقت إبرام العقد، وهي المدة التي يتمكن فيها المشتري من إبطال البيع. أي أن مدة الثلاث سنوات، يفرق في شأنها بين حسن نية المشتري وسوء نيته، ففي الحالة الأولى تبدأ المدة من يوم علمه بعدم ملكية البائع للمبيع، وفي الحالة الثانية تبدأ المدة من يوم إبرام العقد.

أما رأي الأقلية اتجه إلى تطبيق حكم القواعد العامة على تقادم دعوى إبطال بيع ملك الغير، أي جعل تقادم هذه الدعوى خمسة عشرة سنة. إذ برأيهم أن المادة ( 140 ) جاءت خاصة بحالات معينة على سبيل الحصر ونصت على مبدأ لكل حالة وهو تاريخ كشف الغلط أو التدليس وانقطاع الإكراه أو زوال نقص الأهلية، ولم تحدد مبدأ لمدة تقادم دعوى إبطال بيع ملك الغير، مما يتعين القول معه بأن هذه المدة تبدأ من وقت إبرام العقد، وبأن الحق في رفع هذه الدعوى لا يتقادم بمضي ثلاث سنوات لأن المشرع لم يأخذ بهذه المدة الأخيرة إلا في الحالات التي حدد فيها مبدأ لهذه المدة تاليا لوقت إبرام العقد، ولأن المدة لا تبدأ إلا من وقت العقد، فإن تقادم دعوى بيع ملك الغير وحسب هذا الرأي لا يتم إلا بخمسة عشرة سنة.

( 138 140 ) جاءت – ومع ذلك انتقد هذا الرأي على أساس أن العبارة الواردة في المواد عامة تشمل جميع العقود القابلة للإبطال أيا كان سبب البطلان ويدخل بينها بيع ملك الغير، وانتقدوا أيضا هذا الرأي على أساس أن مدة الثلاث سنوات لا تبدأ دائما من وقت يلي إبرام العقد، إذ قد تبدأ من وقت إبرام العقد، فالإكراه إذا انقطع بمجرد تمام العقد تتقادم دعوى الإكراه حينها أي أن مدة الثلاث سنوات تبدأ من هذا الوقت.

بإمكاننا الرد على هذا الانتقاد بالقول بأن انقطاع الإكراه بمجرد تمام العقد لا يشكل حالة عامة يمكن القياس عليها، بل يصعب تصور انقطاع الإكراه وقت إبرام العقد، وبالتالي قياس حالة علم المشتري بملكية البائع للمبيع بحالة انقطاع الإكراه وقت التعاقد، و جعل مدة تقادم الثلاث سنوات تبدأ من وقت إبرام العقد قياس غير موفق إذا ما تصورنا صعوبة تحقق انقطاع الإكراه وقت إبرام العقد، إذ أن قياس حالة شاذة على حالة شاذة أخرى لا يعطينا حكم.

أما القول بأن المواد من ( 138 العقود القابلة للإبطال، فهذا قول صحيح ولكن لا ينطبق هذا القول على تقادم دعاوى العقود القابلة للإبطال، لأن المادة الوحيدة التي تحدثت عن هذا الأمر هي المادة ( 140 ) فالفقرة الأولى حددت المدة بثلاث سنوات والفقرة الثانية وضعت مبدأ لكل حالة من حالات العقد القابل للإبطال، ولم يكن بيع ملك الغير من ضمنها. علما أن المشرع المصري جعل العقد قابلا للإبطال في الحالات المذكورة في المادة ( 140 ) إضافة إلى حالة واحدة شاذة هي حالة بيع ملك الغير. إذ لو أراد إعطائها نفس الحكم لفعل ذلك، أي أن المشرع لم يعدد أربع حالات ينعقد فيها العقد قابلا للإبطال من بين عشرة حالات مثلا، وإنما من بين خمسة حالات وهذا غير معقول، لا سيما وأن بيع ملك الغير يتسم بخصوصية جعلته عقدا مركبا من جهة ومن جهة أخرى جعلت حق الإبطال للمشتري وحده سواء كان حسن النية أو سيئها، وليس ما يمكن الاستدلال به من المادة 140 سوى التفسير الذي خرج فيه بعض الفقهاء من خلال التفريق في بدأ المدة ما بين وقت العلم ووقت الإبرام. فهذا الاعتقاد وإن كان حسب رأيهم منطقيا، فأن المنطق الأقوى حسب اعتقادنا هو إخضاع تقادم دعوى إبطال بيع ملك الغير إلى القواعد العامة، أي مدة خمسة عشرسنة من يوم إبرام العقد سواء كان المشتري حسن النية لا يعلم بملكية البائع للمبيع أم سيء النية يعلم بهذه الملكية، فالحكم واحد في كلتا الحالتين.

أما في ظل التشريع الأردني وأمام انتفاء النص الذي يحدد مدة تقادم دعوى المشتري في إبطال بيع ملك الغير، فيكون الحكم كما هو في القواعد العامة حسب المادة ( 449 ) من القانون المدني الأردني، فتكون مدة تقادم دعوى إبطال بيع ملك الغير خمسة عشرة سنة.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت