المقارنة بين الطبيعة القانونية والفقهية لبيع عقار الغير

إن إجراء المقارنة بين الموقف القانوني وموقف الفقه الإسلامي من مسألة بيع عقار الغير تقتضي منا أن نقارن أولا بين موقف القوانين الآخذة بمبدأ رضائية بيع العقار مع موقف الفقه الإسلامي، ومن ثم نقارن بين موقف القوانين الآخذة بمبدأ شكلية بيع العقار مع موقف الفقه الإسلامي.

الفرع الأول: المقارنة بين موقف الفقه الإسلامي وبين موقف القوانين الآخذة بمبدأ الرضائية

إن بيع عقار الغير حسب القانون المدني المصري هو بيع قابل للإبطال لمصلحة المشتري من جهة وغير نافذ في حق المالك من جهة أخرى.

وبيع عقار الغير حسب اتجاه غالب في الفقه الإسلامي هو بيع موقوف على إجازة المالك، إن أجازه نفذ وإن لم يجزه بطل.

ووجه المقارنة بين الموقفين يتجلى في اتحاد كل منهما في حكمه بالنسبة للمسألة الواحدة. بمعنى أن القانون المصري جعل من العقد قابلا للإبطال سواء تعلق الأمر أو ا لعقد بمنقول أو عقار وهو ما فعله الفقه الإسلامي إذ جعل الحكم واحد في المنقول والعقار وهو وقف آثار العقد على إجازة المالك. ولكن في المقابل هناك اختلاف كبير في الحكم بين العقد الموقوف والعقد القابل للإبطال، وهو ما أوضحناه في موضع سابق من الرسالة.

وقد سبق أن أيدنا، تعليق انتقال الملكية العقارية على تسجيلها في دائرة التسجيل، وقلنا بأن الفقه الإسلامي وإن اعتبر البيع ناقلا للملكية بحكمه سواء وقع على عقارا أو منقول إلا أنه لا مشكلة في تعليق انتقال الملكية على التسجيل؟ ولكن لو طبق هذا الحكم في الفقه الإسلامي هل يتغير الحكم في ظله؟

لا نعتقد ذلك، وأكبر دليل هو أن الحكم في القانون المصري لم يتغير، علما أن القانون المصري – كما مر معنا – علق انتقال الملكية العقارية على التسجيل، حيث بقى الحكم كما هو، أي يبقى العقد قابلا للإبطال، سواء وقع البيع على منقول أو عقار، وسواء كان العقار قد سجل أو لم يسجل. لأن التسجيل في نظرنا لم يغير من طبيعة عقد البيع الرضائية الله م أن انتقال الملكية يتراخى إلى حدوث التسجيل. بمعنى أن التسجيل يقتصر دوره على توثيق الحقوق العقارية.

الفرع الثاني: المقارنة بين موقف الفقه وبين موقف القوانين الآخذة بمبدأ الشكلية

إن القوانين التي أخذت بمبدأ الشكلية في انعقاد البيع العقاري هي للأسف القوانين التي استمدت معظم أحكامها من الفقه الإسلامي، كالقانونين الأردني والعراقي وهما من خالفا الفقه الإسلامي في مسألة بيع العقار.

وعلى أي حال فإن القول بانعقاد بيع عقار الغير موقوفا أفضل من القول ببطلان بيع عقار الغير كما هو في القانونين الأردني والعراقي للأسباب التالية:

أولا: إن القول ببطلان بيع عقار الغير يخالف ما جاء به الفقه الإسلامي، هذا الفقه الذي يعد المصدر الرئيسي للقانونين العراقي والأردني.

ثانيا: إن القول بتوقف أثر بيع عقار الغير على إجازة المالك، فيه من التعاون والتساهل في المعاملات بين الناس، ما يفوق فكرة القول بالبطلان، التي تجعل العقد بمثابة العدم، والعدم يهمل، وهو ما يؤدي إلى إهمال كلام العقلاء.

ثالثا: في فكرة العقد الموقوف ما يغنينا عن القول بالبطلان، لأن العقد الموقوف و إن كان صحيحا، إلا أنه قد يبطل من جانب من تقرر الإبطال لمصلحته، وبالتالي لسنا بحاجة إلى القول ببطلان بيع عقار الغير، ما دام بإمكاننا الوصول إلى هذه النتيجة بطريقة مرنة تسمح لنا بالتوقف عند خيارين واختيار الأفضل منهما، وهما الصحة والبطلان.

رابعا: إن القول بتوقف آثار عقد بيع عقار الغير في كل من القانونين العراقي والأردني، يجعل هذين القانونين في توافق بين أحكامها، ليكون الحكم واحد سواء وقع البيع على عقار أو منقول يكون الحكم هو وقف آثار العقد على إجازة المالك.

لهذه الأسباب جميعا نرى بأن موقف المشرعين العراقي والأردني من مسألة بيع العقار رأي معيب، وكان بإمكان القانونين المذكورين العدول عن هذا الموقف بالرغم من تعليق انتقال الملكية العقارية على التسجيل وجعل حكم بيع عقار الغير كما هو حكم بيع ملك الغير أي وقف آثار البيع على إجازة المالك. وبذلك فقط تتحقق وحدة الحكم بين العقار والمنقول، ويسو د الاستقرار في المعاملات، وتتحقق في نفس الوقت حماية المتعاقدين التي يهدف لها القانون في حالة بيع ملك الغير.

ويؤيد الأستاذ الدكتور أمين دواس الاتجاه المنادي بشكلية البيوع العقارية، ذلك أن تسجيل العقارات في دائرة الطابو من شأنه أن يوفر الضمانة الكافية لحفظ الحقوق من الضياع، إضافة إلى أنه يرى بما أن حكم عقد البيع انتقال الملكية بمجرد انعقاد العقد وأن البيع العقاري لا يهدف إلى هذا الحكم فإنه لا فائدة من هذه الرضائية.

مع تقديرنا لرأي أستاذنا الكبير إالا أنني كنت في الوجهة الثانية – كما مر سابقا – وأرى بأن البيع العقاري رغم رضائيته إلا أن اشتراط التسجيل لنقل الملكية، فيه من الحماية ما يكفي لتبرير موقفنا، وفيه ما يسهل التعاملات بين الناس.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت