كيفية تجريد عقد البيع من حكمه؟

للإجابة على هذا السؤال لا بد من مناقشة كل حجة على حدة:

أولا: بالنسبة للبيوع العقارية إن القول بأن عدم انتقال ملكية المبيع في البيع العقاري إلا بعد التسجيل دليلا على أن عقد البيع ليس ناقلا للملكية بذاته، وتعميم هذا الحكم على عقد البيع فيه نوع من التسرع. نحن نعلم جيدا، بأن العقارات لها من الأهمية الاقتصادية والاجتماعية إن لم نقل السياسية أكثر من غيرها، لهذا عنى المشرعون بتنظيم أحكامها، فوضعوا لها أحكاما خاصة بها، أوجبت على البائع تسجيل بيعه حماية لحقوقه وحقوق المشتري. ولكن ما هو العمل لو لم يقم البائع بتسجيل بيعه في دائرة الشهر العقاري؟ هل فعلا يفقد المشتري حقه في المبيع لعدم التزام البائع بتسجيل بيعه؟

من خلال مراجعتنا لنصوص قانون الشهر العقاري المصري رقم ( 114 ) لسنة 1946 لم نجد نصا واحدا ينص على بطلان عقد البيع والحالة هذه اللهم أن انتقال الحق العيني يتراخى حتى حصول التسجيل. بمعنى آخر يكون للمشتري وبموجب عقد البيع نفسه الحق في تسلم العقار والإستفادة منه ومن ثمراته طبقا لأحكام عقد البيع حتى في حالة كون عقد البيع غير مسجل، بل إن للمشتري أن يحصل في مواجهة البائع على حكم بإثبات عقد البيع، ليقو م بناء عليه بإجراءات التسجيل وهذا يعني أن الملكية انتقلت أولا وأخيرا بموجب عقد البيع. فحتى في حال امتناع البائع عن إجراء القيد الشكلي الذي تطلبه القانون وهو التسجيل، يبقى المشتري مالك للمبيع بمجرد انعقاد عقد البيع.

لهذا فإنني لاأعتقد بأن إجراء شكلي كالتسجيل يكفي لتعميم الحكم بتجريد عقد البيع من جوهره وحكمه أي نقل الملكية.

ثانيا: أما بالنسبة للبيع بالتقسيط: فان دفع آخر قسط من الثمن المؤجل دليل على انتقال المبيع إلى المشتري دون حاجة إلى فعل من البائع وإنما تنتقل الملكية بموجب عقد البيع، وهذا ما تقضي به الفقرة الثالثة من المادة 430 من التقنين المدني المصري حيث تنص على أنه “إذا وفيت الأقساط جميعا فإن انتقال الملكية إلى المشتري يعتبر مستندا إلى وقت البيع”.

ثالثا: أما بالنسبة لبيع الأشياء المثلية: هذه الأشياء وحسب نص القانون لا تنتقل إلا بفرزها، ذلك أن الملكية لا تثبت إلا لعين، والمال المثلي يثبت في الذمة عند إنشاء الإلتزام وحق الملك لا يثبت على الذمة بل يحتاج إلى عين، فإذا تم الفرز ثبت حق الملكية، ولكن هل يكفي هذا للقول بأن عقد البيع غير ناقل للملكية بمجرد انعقاده؟

وبالتالي وكأنهم يقولون أن الإلتزام ينقل من تلقاء نفسه الحق المباع في المنقول المعين بالذات دون ثمة حاجة إلى فعل من البائع، أي أن العقد هو الذي نقل الملكية والقانون هو الذي تكفل في ترتيب هذا الأثر. ومن ناحية أخرى فإن القول بأن عقد البيع منشىء للإ لتزام بنقل الملكية لا يصدق في حال كون المبيع حقا شخصيا، إذ أن الحق الشخصي ينتقل تلقائيا بين المتعاقدين بالحوالة، دون أن يقع على البائع أي التزام بنقل هذا الحق.

مما تقدم ذكره يتضح لنا بأن عقد البيع ناقل للملكية بحكمه، ولا نؤيد وجهة النظر التي تجعل أثر عقد البيع إنشاء الإلتزام بنقل الملكية وأن البائع مكلف بالقيام بالأعمال التي من شأنها أن تنقل هذه الملكية، ذلك أن وجهة النظر هذه – كما تقدم- ليس لها ما يؤيدها من حجج قانونية سوى بعض الإستثناءات التي لا تقوى على مواجهة حقيقة عقد البيع، لذلك نجد المتمسكين بفكرة الأثر المباشر لعقد البيع “الإلتزام بنقل الملكية ” قد استسلموا أمام نص المادة ( 204 ) من القانون المدني المصري التي تنص على أن “الإلتزام بنقل الملكية أو أي حق عيني آخر ينقل من تلقاء نفسه هذا الحق إذا كان محل الإلتزام شيئا معينا بالذات يملكه الملتزم وذلك دون الإخلال بالقواعد المتعلقة بالتسجيل “فأمام هذا النص نجدهم يقولون بأن القاعدة هي أن الإلتزام ينقل الملكية من تلقاء نفسه، وبالتالي فإن الملكية في المنقول المعين بالذات تنتقل بمجرد العقد، أي أن الإلتزام ينشأ وينفذ من تلقاء نفسه.

تمت إعادة النشر بواسطة محاماة نت