شيكات دون رصيد في القانون الإماراتي

بواسطة باحث قانوني
الشيكات في قانون العقوبات وتطبيقاته بالإمارات

تلعب الشيكات دورا بارزا في عملية ضمان الإئتمان في دولة الإمارات ومازالت هي الوسيلة السائدة لضمان سداد قروض البنوك والسيارات ومؤجري العقارات والدائنين .. هذا رغم أن الشيكات لا تحقق الضمانة الصحيحة كما أوضحنا في مقال سابق لكونها لاتشكل إلا ضغطاً علي المدين ليقوم بالسداد إتقاء لإستخدام الدائنين للشيكات المودعة لديهم كضمان للقروض وذلك بإستخدام الحماية الجنائية التي أصبغها المشرع ومنحها للشيك ليحل محل النقود وذلك بأن قرر عقوبة جنائية لمن يصدر شيكاً غير قابل للسحب أو بدون رصيد كافي أو يأمر المسحوب عليه بعدم الصرف أو يوقع الشيك بتوقيع مغاير للتوقيع المودع لدي المسحوب عليه أو بمفهوم أوسع يتحايل لعدم تسديد أو صرف قيمة الشيك وذلك بسوء نية .
ولكن هذه الحماية لم يضعها المشرع في القانون ليكون أداة إئتمان أو ضمان لسداد قيمة الشيك وأشترط أن يقوم الساحب بإستخدام الشيك بسوء نية ليتهرب او يوقف او يمنع صرفه للمستفيد .. والمفروض أن القضاء والنيابة العامة وحتي رجال الشرطة هم المختصون بتنفيذ القانون وأحكام القضاء .. والمفروض وفقاً للقانون أن تتحقق هذه الجهات من أن الشيك قد أستعمل كأداة للوفاء وليس أداة للإئتمان أو للضمان .. وبناء علي هذا التحقق يتم معاقبة ساحب الشيك الذي قدمه للوفاء ومنع صرفه بسوء نية وتهرب من التزام الدفع بموجبه كنقود وليس الذي قدمه كأداة للإئتمان أو كضمان وأن يتم تقديم الساحب للمحاكمة الجنائية في حالة إستخدامه للوفاء ,وهذا سيمنع إمتلاء السجون بمن تعثر في دفع دين ولم يحتال أو يجرر شيك بسوء نيه والدائن ممكن أن يحصل علي حقه بالطريق القانوني المدني الذي لايستغرق وقتا طويلا في الامارات ويترتب علي التلاعب والتهرب في تنفيذ الحكم حبس آخر قد يصل الي 36 شهروفقا للقانون ألإتحادي رقم 11 لسنة 1992 المعدل بالقانون الإتحادي رقم 20 لسنة 2005 والذي ينص في المادة 324 علي :
1- لقاضي التنفيذ ان يصدر أمراً بناء علي طلب يقدم من المحكوم له بحبس المدين إذا أمتنع عن تنفيذ حكم نهائي أو أمر أداء نهائي رغم ثبوت قدرته علي الوفاء أو خشية هربه من البلاد ولا يعتبر المدين مقتدراً علي الوفاء إلا إذا قامت ملاءته علي أموال لا يجوز الحجز عليها أو بيعها .
2- ويعتبر المدين مقتدراً ويصدر قاضي النتفيذ أمراً بحبسه إذا أمتنع عن الوفاء وذلك في الحالات الآتية :
أ- إذا قام المدين بتهريب أمواله أو إخفائها بقصد الإضرار بالدائن وأستحال علي الدائن بسبب ذلك التنفيذ علي تلك الأموال .
ب- إذا كان الدين هو قسط أو أكثر من الأقساط المقررة علي المدين ، أو كان المدين ممن كفلوا المدين الأصلي بالدفع أمام المحكمة أو قاضي التنفيذ ، إلا إذا أثبت المدين حصول وقائع جديدة بعد تقرير الأقساط عليه أو بعد إعطائه الكفالة أو أي جزء منها .
ج- إذا كان المبلغ المحكوم به علي المدين نفقة شرعية مقررة .
3- ويأمر قاضي التنفيذ بحبس المدين في الحالات المبينة في الفقرتين السابقتين مدة لا تزيد علي شهر فإذا كانت للمدين إقامة مستقرة فلا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس ستة أشهر متتالية ويجوز الأمر بتجديد حبسه بعد إنتهاء تسعين يوماً علي إخلاء سبيله إذا ظل ممتنعاً عن التنفيذ رغم قدرته علي الوفاء ، وبشرط ألا يتعدي مجموع مدة الحبس 36 شهراً مهما تعدد الدين أو الدائنون .
هذا هو القانون في الإمارات يضمن حق الدائن في إستيفاء حقه ويضع عقوبات علي المدين المقتدر الذي يمتنع عن سداد الدين المحوم به حتي لو ان بأمر أداء نهائي أو من يهرب أمواله لعدم سداد الدين وهي عقوبات قد تصل إلي أكثر من العقوبة الجنائية التي وضعها المشرع لجعل الشيك أداة وفاء .. ولتوضيح ذلك نجد أن من لديه شيك أو سند إذني أو كمبيالة مستحقة الدفع ووهذا السند محدد به المبلغ وتاريخ الإستحقاق ومستحق الأداء وأمتنع المدين عن سداده في موعده فإن الدائن له أن يلجأ لقاضي الأمور الوقتية بعد إنذار المدين ويحصل علي أمر أداء علي عريضة يقدمها مع السند أو الشيك أو الكمبيالة في غيبة المدين وخلال 24 ساعة ويمكنه التنفيذ بموجب أمر الأداء هذا وفي حالة عدم توافر شرط من الشرط السابقة أو لم يقتنع قاضي الأمور الوقتية بثبوت الدين وحلول أجل الأداء فإنه يحيل الأمر للمحكمة المدنية المختصة التي يصدر حكمها في مدة قياسية في الإمارات لا تتجاوز ثلاثة أشهر إن لم يكن الشيك أو السند أو الكمبيلة متنازعاً عليه منازعة جدية ويصبح الحكم نهائياً إذا ما إستأنف المحكوم عليه وخلال شهرين يتم الفصل في الإستئناف ويصبح الحكم نهائياُ ويحصل الدائن علي حقه من المدين ولو تلاعب أو تهرب أو أمتنع عن تنفيذ الحكم يطبق عليه الحبس الوارد في المادة السابقة .
اليس هذا طريقاً ميسرا ومأموناً وسريعاً ليحصل المستفيد في الشيك علي حقه .. أما وإن تقدم ببلاغ للشرطة فإنه لا يتحرك البلاغ إلا عند القبض علي ساحب الشيك وقد يخرج بكفالة .. ويتم تقديمه للمحاكمة وعادة ما يتم ذلك خلال شهور ويتستغرق نظر القضية شهوراً أخري ثم يستأنف المحكوم عليه ويستغرق هذا شهرين أو أكثر حتي يصبح الحكم نهائي ويتم تنفيذ الحكم بالحبس أو الغرامة عليه دون أن يستوفي الدائن حقه .. وعليه أن يبدأ في الطريق الثاني وهو المطالبة المدنيه التي شرحناها الان حتي يحصل علي حقه وضمانات التنفيذ مكفولة .
.. ولكن الذي يحدث في الإمارات هو أن الدائنين والحاصلين علي شيكات الضمان وشيكات الإئتمان يستغلون أن القضاء والنيابة والشرطة يتعاملون مع الشيك الذي لم يتم صرفه دون النظر الي سبب صدور هذا الشيك وهل أستخدم كأداة وفاء وبسوء نيه أم أستخدم كأداة إئتمان أو ضمان قرض أو الوفاء بالتزام وهذا خطأ قانوني ويجب تصحيحه والتدقيق في توافر جريمة إعطاء شيك بدون رصيد بسوء نيه في حق الساحب وتوافر أركان هذه الجريمة وهي الفعل المادي أو الركن المادي وهو إعطاء الشيك وتحريره دون وجود رصيد قائم وقابل للسحب .. والركن المعنوي وهو العلم بأن الفعل مؤثم وتعمد إرتكابه بسوء نية أي خداع مستلم الشيك وإيهامه بأن له رصيد قائم وقابل للسحب ثم وهو يعلم بعدم وجود الرصيد القائم والقابل للسحب لدي المسحوب عليه ( البنك ) أو وقف صرفه .. هذان الركنان أساسيان لقيام جريمة الشيك وفي حالة إستخدام الشيك كأداة للضمان يكون المستفيد عالماً أن الشيك ليس له رصيد وأنه محرر من الساحب كضمان لتسديد قرض أي لإجباره علي سداد الإئتمان أي لتهديده بالحبس إذا ما توقف أو أمتنع عن سداد الدين .. وكأن القانون المدني قانون المعاملات المدنيه والتجارية لا يوفر الآليه الكافية لإجبار المدين علي سداد دينه عند إستحقاقه .. وبالتلي يلجأ الدائن للتحايل علي القانون ويتعنت في ضمانات سداد الدين بأن يطلب من المدين تحرير شيك يضمن به سداد الدين ويهدده به .. هنا يكون المستفيد ليس مخدوعاً أو تم التحايل عليه أو أنه لا يعلم بسوء نية المدين الذي يعلم مسبقاً انه لا يوجد لديه مقابل الوفاء هنا يسقط و يتلاشي الركن المعنوي ولا تكون هناك سوء نيه أي خداع أو تحايل من المدين أو الساحب وتنعدم الجريمة ولا تقوم لها قائمة ولا يجوز الحكم علي مرتكب الفعل بدون سوء نية ويجب الحكم ببراءته طبقا لصحيح القانون وتطبيقاته وسوابق الأحكام والقواعد القانونية .
ولكن هناك مقولة مشهورة ودرج القضاء علي ترديدها وتطبيقها وهي ( أن الشيك شيك ولا عبره للسبب الذي حرر من أجله ) وهذا يتعارض تماما مع ماقصدة المشرع من إصباغ الحماية الجنائية ووضع عقوبة بالحبس أو الغرامة ليحل الشيك محل النقود كأداة للوفاء .
وحجة المدافعين عن هذا الإتجاه القضائي أن الشيك هو الحماية الأقوي لضمان سداد القروض وأن المساس بمبدأ البراءة لمن يصدر شيك ضمان أو إئتمان سيحدث خلل في السوق ويؤثر علي عملية الإستدانة ويقلص حركة القروض ويشكل عقبة أمام الكثير من التعاملات كتأجير المساكن والذي يتم في الإمارات بنظام التأجير السنوي وعادة يقوم المالك بتأجير المكان لمدة عام ويدفع المستأجر القيمة الإيجارية مقدما علي أربعة دفعات الأولي عند التعاقد أو تمديد عقد الإيجار والدفعات الأخري بموجب شيكات مؤجلة متعاقبة كل ثلاثة أشهر والعجيب أن ينص عقد الإيجار علي هذا صراحة وإذا تأخر المتأحر أو لم يوفر رصيد كاف وقابل للسحب في موعد صرف الشيكات يقوم المالك بالإبلاغ عن المستأجر ويتم التعميم عليه والقبض عليه وتقديمه للمحاكمة ويحكم عليه بالحبس رغم أن عقد الإيجار الموجود مع طرفيه ينص صراحة علي وجود ثلاثة شيكات سنوياً محرره بتواريخ أجلة وهذا يفقد الشيك الحماية القانونية الجزائية أو الجنائية ويجعله سند دين أو سند إذني وليس شيكاً كقصد المشرع والقانون الحامي للشيك كأداة وفاء .
ويقول المدافعين عن إتجاه القضاء في الحكم علي ساحب الشيك بالإدانة إذا لم يتم صرفه دون النظر لما حرر الشيك من أجله .. وتبقي المعادلة الصعبة هل شيك الضمان أو الإئتمان هو الوسيلة الوحيدة لضمان تسديد القروض وإجبار المدين علي السداد بتهديده بالحبس .
الحقيقة أن هذا خطأ في تطبيق القانون وإستغلال لقصد الشارع من حماية الشيك كأداة وفاء وتلاعب بالقانون .
والسؤال هو :
هل رفع الحماية التي درج القضاء والنيابة والشرطة علي صبغها علي شيك الضمان والإئتمان سيؤدي إلي الإضرار بالتعامل وحركة الإئتمان في السوق ؟
الحقيقة أن هذا ممكن أن يحدث في أي دولة غير الإمارات لكون التقاضي سواء المدني أو الجنائي أو التجاري غير بطيئ ولا يوجد مماطلة أو تأخير أو مدة طويلة لكي يحصل المتقاضي علي حقه ويتم تنفيذ الحكم المدني أو التجاري دون إبطاء وفي مدة قياسية ويضمن قانون المعاملات المدنية سرعة تنفيذ أحكام القضاء ويتم ذلك بكفاءة عالية وسرعه ممتازة ويصل الأمر لحبس المدين الذي يتلاعب في ويتعمد عدم سداد الدين لمدة تتراوح من ستة أشهر وتصل الي 36 شهراً ويتم منعه من السفر .
وهذا في النهاية يضمن إستيفاء الحق بالتقاضي لدي المحاكم التجارية والمدنية وفي مدة قد لا تتجاوز ستة أشهر علي أسوأ الفروض .
هذا في الوقت الذي لا يضمن الدائن إستيفاء حقه عندما يتقدم ببلاغ ويتم حبس المدين أو ساحب الشيك بل يضمن فقط الإنتقام من المدين أو تهديده بالحبس , ولكن إذا تم حبس المدين فإن هذا لا يعني حصول الدائن علي حقه بل حصل المجتمع علي حقه في مجازاة من يخالف القانون .. ويبقي علي الدائن اللجوء للقضاء المدني ليستصدر حكم ضد المدين ليتم إجباره علي السداد أو تنفيذ الحكم عليه جبراً ليحصل الدائن علي حقة .
وللمقال بقية وسنتابع
الاتحاد – يوسف العربي:
ارتفع عدد قضايا الشيكات المرتجعة في دبي خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي إلى 18.8 ألف قضية ما يعادل نحو 58.5% من إجمالي عدد قضايا الشيكات المسجلة خلال العام الماضي، فيما ارتفعت قيمة الشيكات المرتدة خلال تلك الفترة بنسبة 89% مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي 2008، بحسب تقرير «أنماط الشيكات المرتجة» الذي أصدرته شركة امكريديت مؤخراً.

وقال التقرير إن متوسط قيمة الشيك المرتجع في دبي خلال الأشهر الأربعة الاولي من العام الحالي ارتفع بنسبة 613.6% ليصل إلى 314 ألف درهم مقابل 44 ألف خلال الفترة المماثلة من العام الماضي، وقال التقرير إن اغلب قضايا الشيكات تركزت على التعاملات عالية القيمة كشيكات الضمان والتعامل بين الشركات والشيكات العقارية.

وتوقع التقرير أن ترتفع نسبة قضايا الشيكات المرتجعة في دبي بنسبة 134% نهاية العام الجاري مع زيادة معدلات التخلف عن سداد الالتزامات والدفعات المستحقة للدائنين.

وأرجع التقرير أسباب زيادة الشيكات المرتجعة إلى تداعيات الأزمة المالية العالمية وتأثيراتها على الاقتصاد العالمي الذي طالما كانت دبي جزءاً مهماً منه.

وأضاف أن الارتفاع المفاجئ في عدد الشيكات المرتجعة في دبي ناجم عن تضرر السوق العقارية التي تعمل بشكل رئيس على الشيكات الآجلة من شيكات الضمان التي تحرر مقابل القروض المصرفية، فضلاً عن العوامل الأخرى مثل نقص السيولة في السوق وتراجع سوق التوظيف مما زاد من صعوبة سداد الدفعات والالتزامات المالية الخاصة بالأفراد والشركات.

وأكد أن مشكلة الشيكات المرتدة ستصبح أخف حدة مع تحرر النظام المصرفي من تبعات الأزمة وتوفير السيولة في سوق الائتمان، وهو أمر لا بد له أن يحدث تباعاً على المستوى العالمي دون أن يستثنى اقتصاد دبي من ذلك.

نمو الأعمال

وبين التقرير أن دبي شهدت ارتفاعاً «طبيعياً» في عدد قضايا الشيكات المرتجعة المسجلة خلال العام 2008 نتيجة نمو التعداد السكاني وزيادة أنشطة الأعمال وانفتاح سوق الائتمان لتصل 32,471 قضية مقابل 29,034 قضية عام 2007.

ويعد تقرير إدارة الشيكات هو التقرير الأول من سلسلة «تقارير السوق» التي أطلقتها شركة «أمكريديت» مؤخراً، وهي عبارة عن مجموعة من التقارير الربعية التي تقدم مؤشرات اقتصادية تعكس الأنماط التي يمكن استخدامها كمقياس لقوة الاقتصاد وتهدف تلك التقارير إلى تقوية البيئة التجارية وتعزيز الشفافية ودعم عملية اتخاذ القرار لدى صانعي السياسات والسلطات القانونية والمقرضين والشركات التجارية.

واستعرض التقرير على نحو تفصيلي قضايا الشيكات المرتجعة في الدولة وتطوراتها الراهنة خلال الفترة الممتدة من 2004 وحتى شهر أبريل 2009 حيث تبين أن أغلبية المتهمين ليس لهم سوابق في قضايا الشيكات المرتجعة في حين أظهر أصحاب السوابق في قضايا الشيكات المرتجعة ميلاً نحو تكرار الأمر كلما ازدادت الظروف الاقتصادية سوءاً، كما شكل الذكور من الموظفين وأصحاب العمل في سن متوسطة نسبة الأغلبية من أصحاب الشيكات المرتجعة بسبب زيادة عدد الوافدين في سن العمل. واظهر التقرير أن 57% من إجمالي الشيكات المرتجعة قام بتصديرها أشخاص تتراوح أعمارهم بين 31 و45 عاماً، وهي الشريحة الأغلب لسكان دبي فإن 19 بالمائة من إجمالي هذه القضايا تخص متهمين تتراوح أعمارهم بين 30-21 عاماً (منهم 15% لمتهمين تتراوح أعمارهم بين 26-30 عاماً).

تشريعات مالية

وأكد التقرير الحاجة إلى سن تشريعات مالية تخفف من حدة الوضع الحالي المؤقت الذي تعاني فيه شريحة كبيرة من قطاع الأعمال من نقص السيولة، مشيراً إلى أن من شأن تلك الإصلاحات التشريعية أن تعزز عملية النمو الاقتصادي، مضيفاً أن زيادة عدد قضايا الشيكات المرتجعة تدفع نحو اتخاذ إجراءات تصحيحية ووقائية للحد من تلك الظاهرة.

ودعا التقرير إلى التمييز القانوني بين من يرتكبون جناية الشيكات المرتدة عن عمد وبين المتعثرين بسبب المستجدات الاقتصادية الطارئة، حيث يمكن اتخاذ إجراءات تصحيحية مختلفة أخف من السجن، لكنها تعكس في الوقت ذاته مخاطر التعامل مع هؤلاء الأفراد وتفرض نوعاً آخر من العقوبات وينص القانون الجزائي في الإمارات على أن الشيك المرتجع يعتبر جريمة عندما يحرره صاحبه مع علمه بعدم وجود المبلغ الكافي لسداد قيمته.

وأشار التقرير إلى أهمية تنظيم قضايا الإفلاس، حيث إن النظام الحالي يبدأ بإبلاغ السلطات الحكومية عن الأطراف الذين تخلفوا عن التزاماتهم الائتمانية سواء أكان ذلك متعمداً أو نتيجة ظروف معينة، وإذا لم يستطيعوا سداد التزاماتهم «بعد الإبلاغ» يتم تسجيل القضية ضدهم كجنحة جنائية، مما ينتج عنه عدد هائل من أحكام السجن.

واستند التقرير إلى أنه أثناء وجود هؤلاء الأشخاص في السجن يصبح من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، على معظمهم سداد المبالغ المستحقة عليهم. أما إصدار نظام متكامل للحماية ضد الإفلاس، فسيمكن أغلب المتهمين العالقين في مأزق الإخلال غير المتعمد من طلب الحماية المالية من الحكومة والعمل على تحديد فترة زمنية للسداد.

وأشار التقرير إلى أهمية اعتماد البنوك والشركات على تقارير السجلات الائتمانية للعملاء مما يؤدى إلى إطلاق آلية للانضباط الذاتي ويشكل ضغطاً على مصدري الشيكات للالتزام بالسداد لتفادي ظهور قضايا الشيكات المرتجعة المرفوعة ضدهم في تلك السجلات، الأمر الذي سيؤدي إلى رفض شيكاتهم في المستقبل.

طرح جديد

وأورد أن نظام «إمباونس» الخاص بسجلات العملاء بالبنوك سوف يساعد الشركات على تقييم القدرة المالية لمصدري الشيكات قبل قبول شيكات منهم، وبالتالي سيساعدهم ذلك على توخي الحذر في التعامل مع أصحاب السوابق في قضايا الشيكات المرتجعة.

وقدم التقرير طرحاً جديداً لإمكانية معالجة قضايا الشيكات من خلال مركز متخصص يتولى مسؤولية إدارة ومعالجة وحل قضايا الشيكات المرتجعة لقاء رسوم معينة لتقليل العبء على الشرطة والنيابة العامة والمحاكم، إضافة إلى منحهم المزيد من الوقت للتركيز على الجرائم الأخرى، حيث تتضمن التكلفة الإجمالية لمتابعة قضايا الشيكات المرتجعة التكلفة الإدارية والميدانية التي تتحملها الشرطة، إضافة إلى التكاليف التي يتحملها المقرضون لحفظ وجمع ومتابعة الشيكات المرتجعة
أكد الفريق ضاحي خلفان تميم قائد عام شرطة دبي ان هناك مشكلة كبيرة تواجهنا في الدولة وهي مشكلة الاقتراض من البنوك وتحتاج الى تنسيق كافة الجهود حتى لا يكون هناك مزيد من المتورطين من الشباب في هذه القروض. وقال خلال ندوة “أمن القروض المصرفية” التي نظمها مركز دعم اتخاذ القرار بشرطة دبي، وحضرها فيصل عبدالملك أهلي وكيل أول نيابة والعميد خميس مطر المزينة مدير الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية والدكتور محمد مراد عبدالله مدير مركز دعم اتخاذ القرار، وعدد من الخبراء والمختصين الذين تم استضافتهم من مصر، وعدد كبير من المصرفيين بالدولة، ومديرو مراكز الشرطة أن البنوك تمنح قروضا “للكشخة فقط” دون التأكد من مقدرة المقترض على السداد. وتساءل الفريق تميم كيف يمنح شاب لا يأخذ راتباً كبيراً قرضاً بنصف مليون درهم لشراء سيارة دون أن يكون راتبه بأكمله يكفي لسداد القرض؟
حذر الفريق ضاحي خلفان تميم خمسة بنوك موضوعة على القائمة السوداء لدى شرطة دبي من انه سيتبنى حركة مقاومة لهذه البنوك حتى وان اضطر لعرض اسمائها علانية في وسائل الاعلام والرأي العام إذا لم تصلح من نفسها، وتحد من منح القروض العشوائية، ثم إقامة دعاوى على المتعثرين، مشيرا الى أن 60% من شكاوى الشيكات المرتجعة تأتي من هذه البنوك الخمسة.
وقال الفريق تميم انه يتلقى يومياً ما بين 5 – 6 مكالمات هاتفية عن ظروف مجتمعية لأسر صعبة من هم وعجز يواجهونه، وأصبح هناك مطرقة على رأس الفرد، وهي تكلفة الحياة، يكون في مقابلها تسهيلات ضخمة لقروض بنكية وتكون النتيجة تورطاً ودخول السجون. وفي كلمة ألقاها أمام الحضور في الندوة قال ان القروض المصرفية تعد بلا شك احدى اهم الأدوات الاقتصادية والسبل الاستثمارية لتمويل عمليات التنمية الاقتصادية وتحريك القوى السوقية، مشيرا الى أنه في هذا الخصوص تلعب البنوك الدور التنظيمي الأساسي فيه حيث تستقطب الودائع وتجمع المدخرات وتقدم التسهيلات وتضخ الأموال لتحافظ على حيوية الاسواق، وتعيد التوازن الملائم بين المدخرات المتاحة والاستثمارات المطلوبة.
ومن منطلق الحفاظ على استقرار المعاملات المصرفية وتلافي تورط المقترضين في قضايا جنائية قد تمثل علامات فارقة في مسيرتهم الحياتية نظمت هذه الندوة التي تهدف الى تحقيق المصلحة العامة وحماية وصون حقوق اطراف العملية الاقتراضية دون أن يجور طرف على آخر أو يتعنت طرف لاستغلال آخر. وقال قائد عام شرطة دبي نسعى جميعا الى وضع الضوابط الحاكمة والمعايير المناسبة التي تحول دون دخول المقترض الذي ليس له سجل إجرامي، أو استعداد انحرافي، أو قصد جنائي للسجن، بسبب قلة خبرته، أو سوء حظه، وتقليل نسبة الديون المعدومة الى ادنى المستويات الممكنة، حفاظا على حقوق البنوك وحماية مصالحها، وتوجيه القروض المصرفية للأنشطة التنموية، وزيادة القدرة المجتمعية على الانتاج، وتوليد الدخل، وليس الاستهلاك الترفي، والانفاق المظهري، وتوعية صغار المستثمرين من مخاطر الاقتراض من البنوك للاستثمار في اسواق الاوراق المالية والحد من عمليات شراء الأسهم على المكشوف، ومنع المقرضين من استكتاب المقترضين شيكات على بياض، لما يمثله ذلك من استغلال بشع لحاجة وظروف المقترض، وما ينجم عنه من إذلال لشخصه، وتهديد لحريته.
وأضاف اننا كجهاز شرطة يعي دوره المفروض في عملية التنمية، ويسعى لأن يكون قوة دافعة للاقتصاد والاستثمار، وأن يكون شريكا فاعلا في عملية التنمية، يتعين عليه أن يعمل على حماية رأس المال المتداول، ويحمي المال العام من الانتهاك والاعتداء، ويتصدى للمفسدين والمتربحين، ويشجع الشفافية والإفصاح والحوكمة، ويحارب المضاربات الوهمية، ومنح القروض والتسهيلات بلا ضمانات كافية، وعلى غير القواعد والمعايير القياسية. وأكد ان ظاهرة الاقتراض من البنوك بهدف المضاربة في البورصات هي ظاهرة تستحق منا كل الاهتمام، فالاستطلاعات تشير الى انه رغم ان الفرد في بلادنا يتمتع بأعلى الدخول، ويحصل على أعلى الأجور، إلا أن نسبة المقترضين من البنوك ومعدل الزيادة في القروض الشخصية تعد ايضا الاعلى في العالم، انها مفارقة جديرة بالتحليل، وظاهرة تستحق الدراسة والاهتمام.
ان سياسة دولتنا تقوم على أساس الحرية الاقتصادية، وشعار هذه الحرية كما جاء في الكتب الاقتصادية “دعه يعمل.. دعه يمر”، لذا فإننا لا نعرقل هذا الشعار، ولا نحد من آليته، وإنما نسعى لاحتواء الآثار السلبية التي تنجم عنه، كذلك للتنبيه لأي مخاطر مجتمعية قد تنشأ عنه.
إن دراسة ميدانية أجراها خبراء “مركز دعم اتخاذ القرار” خلال الايام الماضية على نزلاء سجن دبي، أظهرت ان 13% من اجمالي المسجونين كان بسبب ارتكابهم جريمة إصدار شيك من دون رصيد، 41،6% منهم كانوا ممن تورطوا في قروض شخصية عجزوا عن سدادها للبنوك، اضافة الى ذلك فإن عددا لا يستهان به من الشباب اقترض مبالغ تصل الى 150000 درهم، لاتمام زفافه، ولظروف خاصة تعثر في سداد اقساد القرض، ففصل من عمله، وطلق زوجته، ودخل السجن، وهناك آخرون اقترضوا مئات الألوف من الدراهم لشراء سيارات فاخرة، ترتب على ذلك أن اقتطع من راتبهم الجزء الأكبر وانتهى مصيرهم ايضا الى السجن، كثيرون تورطوا في الاقتراض للاستثمار في الأسهم، فتراكمت عليهم الفوائد، واشتدت عليهم المصائب.