الرأى القانونى
رأى الشخصى

مجلة القانون

أحكام الكفالة في القانون المغربي (الجزء الأول)

تعتبر الكفالة إحدى التأمينات الشخصية التي تقوم على ضم ذمة إلى ذمة ضمانا للوفاء بالدين وهي تختلف على التأمينات العينية التي تقوم على تخصيص مال معين لضمان الوفاء بالدين وتشترك التأمينات الشخصية مع التأمينات العينية في أنها تضمن الوفاء بحق شخصي، سواء كان هذا الحق الشخصي ناشئا عن الإرادة (العقد والإرادة المنفردة)، أو عن عمل غير مشروع أو عن قانون، وسواء كان محل الحق الشخصي أو العيني تابعا للحق الشخصي الذي يضمنه في كل شيء في صحته وبطلانه في بقائه وانقضائه.
وقد كانت التأمينات الشخصية أسبق في الظهور من التأمينات العينية وذلك راجع إلى أن التأمين العيني يجب أن تسبقه فكرة الملكية والحقوق العينية إلى الظهور وأن يقوم تنظيم قانوني لها، وهذا الأمر لم يتوافر في المجتمعات البدائية القديمة لأنه يستلزم توافر قدر من الرقي والتمدن من ناحية أخرى كان المدنيون عادة هم الفقراء وليس لهم ما يقدمونه كتأمين عيني، أما التأمين الشخصي فكان من اليسر تقديمه بضم ذمة أحد أفراد القبيلة أو الأسرة إلى ذمة المدين.
وبعد ظهور التأمينات العينية طغت على التأمينات الشخصية لكون الضمان فيها أقوى إذ يكون الدائن في مأمن من إعسار المدين وضمنه.
لكن موضوعنا يحتم علينا التركيز على التأمينات الشخصية وخصوصا عقد الكفالة الذي يعتبر من الضمانات الشخصية التي تقتضي أن يضمن الكفيل بصورة شخصية قيام المدين بالوفاء بدينه وبذلك ضم ذمة الكفيل إلى ذمة المدين.
ولتوضيح الرؤية ارتأينا تقسيم الموضوع إلى ما يلي:
الفصل الأول: ما هي الكفالة
المبحث الأول: تعريف الكفالة
المبحث الثاني: خصائص الكفالة
المبحث الثالث: تمييز الكفالة وما شبيه بها
الفصل الثاني: آثار الكفالة
المبحث الأول: العلاقة بين الكفيل والدائن
المبحث الثاني: العلاقة بين الكفيل والمدين
المبحث الثالث: العلاقة بين الكفلاء

الفصل الأول: ما هي الكفالة
المبحث الأول: تعريف الكفالة
الكفالة في اللغة: هي بمعنى الالتزام، تقول : تكفلت بالمال التزمت به، والتزمت نفسي به أوهي بمعنى الضم، ومنه قوله تعالى: “وكفلها زكرياء” أي ضمها إلى نفسه، وقوله عليه الصلاة السلام “أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة” أي ضام اليتيم إلى نفسه.
التعريف في الفقه الإسلامي: وتسمى في الفقه الإسلامي بالضمان، والضمان في اللغة: التزاما في ذمة الغير، وهو مشتق من الضمن لأن الذمة من ضمن البدن وفي معناه الكفالة، يقال كفل فلان فلانا بمعنى ضمه إليه.
والكفالة مصدر كفل (بفتح الفاء وضمها وكسرها).
يقال كَفل وكُفولا وكِفالة، ويتعدى بالباء، يقال كفلت بفلان، وقد يتعدى بالعين إذا تعلق بالمديون فقال: كفلت عن المديون، ويتعدى باللام إذا تعلق بالدائن فيقال: كفلت للدائن.
وفي الاصطلاح قال المالكية: الضمان والكفالة والحمالة بمعنى واحد وهو أن يشغل صاحب الحق ذمة الضامن مع ذمة المضمون سواء كان شغل ذمة متوقفا على شيء أو لم يكن متوقفا.
والضامن غارم لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم “الزعيم غارم” والزعيم هو الكفيل ولكن ليس لصاحب الحق أن يأخذ من الضامن إلا عند تعذر الاستيفاء من الغريم والكفالة مشروعة في الإسلام وقد استدل العلماء على مشروعيتها بالكتاب والسنة والإجماع.
التعريف في قانون الالتزامات والعقود: يعرف المشرع المغربي الكفالة في ف 1117 بقوله “الكفالة عقد بمقتضاه يلتزم شخص للدائن بأداء المدين إذا لم يؤديه هذا الأخير نفسه”.
ويعرف القانون المصري في المادة 772 بقوله “الكفالة عقد بمقتضاه يكفل شخص تنفيذ التزام بأن يتعهد للدائن بأن يفي بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين نفسه”.
ويؤخذ عن هذا التعريف أن الكفالة عقد بين الكفيل والدائن أما المدين الأصلي ليس طرفا في عقد الكفالة، بل أن كفالة المدين تجوز بغير علم المدين، وتجوز أيضا معاوضته، والذي يهم في الكفالة هو التزام المدين إذ أن هذا الالتزام (الكفيل) فيجب أن يكون مذكورا بوضوح ودقة في عقد الكفالة وهذا الالتزام المكفول أكثر ما يكون مبلغا من النقود وقد يكون شيئا آخر غير إعطاء النقود لما قد يكون عملا أو امتناعا عن عمل، فإذا لم يكن التزام المكفول مبلغا من النقود ضمن الكفيل ما عسى أن يحكم على المدين الأصلي من تعويض جزاء إخلاله بالالتزام بأي شيء غير النقود أو جراء إخلاله بالالتزام بعمل أو الامتناع عن عمل.
فالكفالة إذن تلتزم وجود التزام مكفول وهذا الالتزام يفترض وجود مدين أصلي به ودائن كما تفترض الكفالة وجود عقد الكفيل الدائن بالالتزام الأصلي (المكفول) بموجبه يفي الكفيل بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين الأصلي.
الحكمة هي مشروعية الكفالة: الحكمة من مشروعيتها حاجة الناس إليها فإنه قد لا يطمئن البائع إلى المشتري فيحتاج إلى من يكفله الثمن أو لا يطمئن المشتري إلى البائع فيحتاج إلى من يكفله في المبيع وهي عقد وثيقة وغرامة.
شرعت لدفع الحاجة وهو وصول المكفول له إلى إحياء حقه، وأكثر ما يكون أولها سلامة وأوسطها ندامة وآخرها غرامة.

المبحث الثاني: خصائص الكفالة
ويمكننا أن نلخص هذا التعريف المذكور: أن للكفالة خصائص أهمها:
1. عقد الكفالة رضائي.
2. عقد الكفالة ملزم لجانب واحد.
3. عقد الكفالة في العادة تبرعي بالنسبة إلى الكفيل.
4. عقد الكفالة عقد تابع.

أولا: عقد الكفالة عقد رضائي
ينعقد بمجرد التراضي بين الكفيل والدائن، وتثبت بالكتابة أو الإقرار أو اليمين. ولو كانت الكفالة عقدا شكليا لا تنعقد إلا بالكتابة لما انعقدت إن لم توجد الكتابة أو جاز إثباتها بالإقرار باليمين، لأن غير المنعقد لا يجوز إثباته أصلا.
ثانيا: عقد الكفالة عقد ملزم لجانب واحد
هو جانب الكفيل، فالكفيل وحده هو الذي يلتزم بعقد الكفالة بوفاء الدين للدائن، إذا لم يف المدين الأصلي، أما الدائن فلا يلتزم عادة بشيء نحو الكفيل، وهذا هو الأصل ولكن ذلك لا يمنع أن تكون الكفالة عقدا ملزما لجانبين إذا التزم الدائن نحو الكفيل بدفع مقابل في نظير كفالته للدين، فيصبح كل من الكفيل والدائن ملتزما نحو الآخر ويكون عقد الكفالة في هذه الحالة ملزما للجانبين.
وإذا كان المدين هو الذي يلتزم بدفع مقابل للكفيل كما يقع أحيانا، وخاصة إذا كان أحد المصارف هو الذي يقدم كتاب ضمان المدين فيكون كفيلا له ويتقاضى أجرا على كفالته تبقى مع ذلك عقد ملزما لجانب واحد لأن المدين ليس بطرف في الكفالة بل طرفا الكفالة هما الكفيل والدائن، والكفيل وحده دون الدائن هو الملتزم.
ولكن ذلك يجعل الكفيل مأجورا والكفالة عقد معاوضة لا عقد تبرع لأن متى أخذ أجرا ولو بغير موجب عقد يكون مأجورا.
ثالثا: الكفالة في العادة عقد تبرعي بالنسبة إلى الكفيل
فالكفيل يتبرع عادة بكفالته للدين أما بالنسبة للدائن المكفول له فالكفالة عقد معاوضة لأن الدائن حصل على كفالة في مقابل إعطاء الدين وإذا كان الدائن قد أعطى الدين للمدين لا للكفيل والمدين ليس طرفا في عقد الكفالة فإنه ليس من الضروري في عقود المعاوضة للغير أن يكون قد أعطى لأحد المتعاقدين بل يكفي إعطاؤه للغير وهو هنا المدين والعقد الواحد قد يكون معاوضة بالنسبة إلى أحد المتعاقدين وتبرعا بالنسبة إلى المتعاقد الآخر، كما أن التبرع لا يشترط فيه أن يكون المتبرع قد تبرع للمتعاقد الآخر، وعقد الكفالة هو المثال على ذلك.
هذا وقد يكون عقد الكفالة عقد معاوضة بالنسبة إلى الكفيل نفسه، فيأخذ هذا مقابلا لكفالته للدين، وهذا المقابل إما أن يأخذه من الدائن المتعاقد معه وأحيانا من المدين ولكن الصورة المألوفة للكفالة هي أن تكون عقدا تبرعيا بالنسبة للكفيل، لأن هذا لا يأخذ عادة مقابلا لكفالته لدين لا من الدائن ولا من المدين، وعلى ذلك يشترط في الكفيل عادة أن يكون عقد كفالته عقدا تبرعيا يجوز الطعن في الكفالة دون أن يشترط تواطؤ الكفيل لا مع الدائن ولا مع المدين.
رابعا: الكفالة عقد تابع
إن التزام الكفيل يعتبر حتما تابعا للالتزام المدين الأصلي أما إذا التزم المسؤول عن دين الغير التزاما أصليا لا التزاما تبعيا فإنه لا يكون كفيلا بل مدينا أصليا، التزامه مستقل عن التزام المدين، ويتفرع عن أن الالتزام الكفيل، التزام تابع للالتزام المدين الأصلي، إن التزام الأول لا يجوز أن يزيد على الالتزام الآخر أو أن يكون أشد عبئا أو أن يبقى قائما بعده، كذلك لا يجوز أن يكون الالتزام الكفيل منجزا إن كان التزام المدين الأصلي معلقا على شرط أو مقترنا بأجل ولا منتجا لفوائد إذا كان التزام المدين الأصلي لا ينتج فوائد ما ويتبع التزام المدين الأصلي في صحته وبطلانه وفي قابليته للفسخ.
ويتبعه كذلك في الدفوع التي يدفع بها الدين ولكن يجوز للكفيل أن يلتزم التزاما أخف عبئا من التزام المدين الأصلي فيكفل مثلا جزءا من الدين.
وكذلك لا يكفل الكفيل ما زاد في عبئ الدين الأصلي بعد الكفالة بإرادة المدين الأصلي أو بسبب خطئه.

المراجع
– الشهاوي قدري عبد الفتاح. أحكام عقد الكفالة التضامن في التشريع المصري والمقارن.
– عقد الكفالة دراسة مقارنة. سعد أحمد محمود.
– الوجيز في العقود المسماة دراسة مقرنة للعقود باعتبا جدواها، لمحمد بونبات.
– الشافي في شرح قانون الالتزامات والعقود المغربي الكتاب الثاني العقود المسماة وما شابهها الجزء 4. الصلح – الكفالة.
– الرهن الحيازي في مختلف أنواع العقود. عبد الكريم شهبون.