_ تلعب محكمة النقض المصرية ” ومحكمة التمييز في لبنان ” دوراً هاماً في توجيه المحاكم نحو الثبات والاستقرار ، وهي تختص بمراقبة صحة تطبيق القانون أي التحقق من سلامة أعمال حكم القانون على الوقائع الثابتة في حكم المحكمة الاستئنافية ، وليس من وظيفتها اعادة النظر في هذه الوقائع لأنها محكمة قانون لا محكمة واقع . تقوم محكمة النقض بدور هام في ارساء واستخلاص القواعد القضائية من خلال توحيد القضاء واستقراره على مبادئ معينة .

_ وتختلف المحاكم أحياناً في تطبيق القانون و تتباين الأحكام بصدد أمر معين فيعرض النزاع على محكمة النقض لتقول كلمتها بشأنه ، وقد يتم الطعن على حكم معين فتؤيده محكمة النقض أو تنقضه ، وغالباً ما ترسي في كل هذه الأحوال مبادئ معينة تقوم المحاكم عادة بالسير على هذه المبادئ نظراً للمكانة الأدبية لمحكمة النقض من جهة وخشية تعرض الحكم المخالف للنقض من جهة آخرى . ويتوحد بذلك اتجاه القضاء أمام المسائل المتشابهة . وتبدأ القاعدة القضائية في الاستقرار بمجرد اقرارها من محكمة النقض وتقرر بأن الحكم المطعون فيه اذا أقام قضاءه على ما يخالف الرأي الذي استقر عليه قضاء النقض ، فانه يتعين نقضه لأنه يكون قد خالف القانون .

_ ويجوز لمحكمة النقض العدول عن مبدأ قانوني سبق لها أن أقرته حتى تتمكن من تطويع أحكامها لظروف المجتمع المتغيرة ومستحدثات الفكر القانوني ، الا أنه أمام خطورة هذا العدول فانه لابد وأن يصدر من الهيئة المختصة بالمحكمة بأغلبية سبعة أعضاء على الأقل اذا تعلق الأمر بعدول احدى الدوائر عن مبدأ قانوني قررته في أحكام سابقة ، أما اذا كنا بصدد عدول عن مبدأ سابق صادر عن دوائر آخرى تعين موافقة الهيئتين مجتمعتين بأغلبية احدى عشر عضواً .

_ والواقع أن قضاء النقض هو الأساس وراء خلق القواعد القضائية ، وتكتسب هذه القواعد قوتها الملزمة من وجود هذه المحكمة على رأس السلطة القضائية ، ومن ثم فان القواعد القضائية تسير عليها المحاكم ويلتزم بها الناس في حياتهم وتحظى باحترام وتقدير رجال القانون . فمتى استقر قضاء النقض على مبدأ معين فان المسألة تعتبر قد حسمت من الناحية القانونية ويندر منازعة الخصوم فيها مستقبلا . ومن أهم عناصر تدعيم حجية القاعدة القضائية نشرها في مجموعات قضائية منتظمة ليتحقق العلم بها واتباعها .

_ وانشاء القواعد القضائية لا يتأتى فقط من اكمال النقض التشريعي ، بل أن القضاء يقوم بخلق هذه القواعد بمناسبة تفسير القانون كخطوة أولية لتطبيقه . فمحكمة النقض تقوم بتوحيد تفسير المحاكم للقانون ، ولا يتحقق ذلك الا باعتبار التفسير جزءاً لا يتجزأ من النص وله نفس قوته الملزمة والعمومية التي تتميز بها القاعدة التشريعية . فاذا أرست محكمة النقض قاعدة قضائية بمناسبة تفسير نص معين فان هذه القاعدة تندمج بالنص محل التفسير وتكون لهما صفة العمومية ونفس القوة الملزمة ويقتضي أداء محكمة النقض لدورها في توحيد تفسير القانون منحها السلطة القانونية لفرض التفسير الذي تتوصل اليه .