دراسة وبحث قانوني هام حول الامتناع عن الوفاء والرجوع الصرفي

مقدمة

لما كان كل فرد محتاجاً إلى سلع تكون بحوزة الآخرين ، وربما كان لديه هو أيضاً سلع يحتاجها الآخرون ؛ فقد عمد الإنسان في بداية تعاملاته التجارية إلى المقايضة ، حيث كانت هي السبيلَ الوحيدَ إلى تبادل هذه السلع ، وكانت تقوم على مبادلة سلعة بسلعة أخرى . ثم جاءت مرحلة استخدام النقود ، ليتم تبادل السلع بواسطتها ، إلا أن التجار على مرِّ الزمن ، أدركوا قصور هذه النقود ، وعجزها عن تلبية احتياجات التجارة التي أخذت تستند بشكل أساسي إلى عنصر الائتمان، الذي تعتبر الأوراق التجارية من أهم وسائل تحقيقه .
وقد برزت أهمية الأوراق التجارية من خلال وظائفها المتعددة ، ومن ذلك كونها أداة ائتمان ووفاء ، إلا أن هذا الوفاء قد لا يتحقق في جميع الأحوال ، فقد يمتنع المسحوب عليه عن الوفاء بمبلغ الورقة التجارية في ميعاد الاستحقاق لأي سبب ، كما لو لم يتلقى مقابل الوفاء أو كان عاجز عن القيام بالوفاء.
وعلى ضوء ما تقدم طرحنا الإشكالية التالية : كيف يضمن الحامل قيمة السفتجة عند الامتناع عن الوفــاء ؟.
للإجابة على هذه الإشكالية تناولنا في المبحث الأول حالات الرجوع الصرفي وخصصنا المبحث الثاني لورقة الاحتجاج وأخيراً مباشرة الرجوع في المبحث الثالث.

المبحث الأول: حالات الرجوع الصرفي

باستقراء نص المادة :426 من القانون التجاري نجد أنها بينت لنا الحالات التي يمكن للحامل الرجوع فيها على المظهرين والساحب وباقي الملزمين وهي :
ـ في ميعاد الاستحقاق إذا لم يتم الوفاء
ـ وقبل ميعاد الاستحقاق :
1ـ إذا حصل الامتناع الكلي أو الجزئي عن القبول
2ـ في حالة إفلاس المسحوب عليه سواء كان صدر منه قبول أم لا أو توقف عن دفع ديونه ولو لم يثبت بعد بحكم أو حجز أمواله دون طائل
3ـ إدا أفلس ساحب السفتجة التي لا يتعين تقديمها للقبول

المطلب الأول: حالة الرجوع في ميعاد الاستحقاق

« يجب على الحامل الشرعي للورقة التجارية تقديمها للوفاء عند حلول ميعاد الاستحقاق» 1 « فإذا قام المسحوب عليه بالوفاء بقيمة السفتجة ترتب على ذلك انقضاء الالتزام الصرفي ، أما إذا امتنع المسحوب عليه عن الوفاء كان للحامل حق الرجوع على الضامنين ، غير أن القانون اوجب عليه القيام ببعض الواجبات القانونية حتي يتمتع بحق الرجوع ومن هذه الواجبات الالتزام بتحرير احتجاج عدم الدفع بحيث يثبت فيه امتناع المسحوب عليه عن دفع قيمة السفتجة » 2
«ويكفي للرجوع الصرفي امتناع المدين عن الوفاء ،أياً كان سبب عدم الوفاء »3 « فقد يكون لان المسحوب عليه غير مدين للساحب ، أو لأنه عاجزا عن الدفع ، أو لأي سبب أخر بل ويجوز الرجوع ولو كان عدم الوفاء راجع إلى قوة قاهرة »4 « تحول دون قيامه بالوفاء كذلك إذا تم تقديم عدة أوراق تجارية مسحوبة على مقابل وفاء واحد لا يكفيها جميعا »5
، وإذا امتنع المطالب بالوفاء عن دفع قيمة الورقة التجارية جاز للحامل الرجوع على ضامني الوفاء بعد إثبات « هذا الامتناع بواسطة تحرير احتجاج عدم الدفع في خلال العشرين يوما الموالية لليوم الذي يجب دفع فيه السفتجة المستحقة في يوم محدد أو المستحقة في اجل معين من تاريخ إنشائها أو تلك المستحقة من تاريخ الاطلاع عليها ، أما بالنسبة للسفتجة المستحقة الدفع بمجرد الاطلاع فان تحرير الاحتجاج فيها بعدم الدفع يكون في خلال اليومين التالين ليوم حلول اجل الاستحقاق (المادة 427/3 من القانون التجاري) »6

__________________________
ـ هاني دويدار، القانون التجاري ـ العقود التجارية ـ العمليات المصرفية الأوراق التجارية ـ الإفلاس، (ط1؛ بيروت: منشورات الحلبي الحقوقية ،2008)، ص 660
2ـ نادية فوضيل ، الأوراق التجارية في القانون الجزائري ،( ط 11 ؛الجزائر: دار هومة، 2006 )، ص 93
3ـ هاني دويدار، مرجع سبق ذكره ، ص 660
4ـ عبد الحميد الشواربي الأوراق التجارية الكمبيالة السند لأمر الشيك ( الاسكندرية: منشاة المعارف ،2007)، ص 331
5ـ هاني دويدار، مرجع سبق ذكره ،ص 660
6ـ نادية فوضيل مرجع سبق ذكره ، ص 99

المطلب الثاني: حالات الرجوع قبل ميعاد الاستحقاق

«حالات الرجوع قبل ميعاد الاستحقاق يمكن تركيزها في حالتين أساسيتين الأولى هي حالة امتناع المسحوب عليه عن قبول الكمبيالة والثانية هي حالة إعسار الأطراف المعنية أصلا بأداء قيمة الورقة التجارية » 1

الفرع الأول : امتناع المسحوب عليه عن القبول
« إذا امتنع المسحوب عليه عن القبول جار للحامل… أن يتخذ موقف ايجابيا ويرجع مباشرة على الموقعين السابقين للكمبيالة بدفع قيمتها فورا »2 « يحدث ذلك إذا لم تكن الكمبيالة تتضمن شرطا بعدم القبول وامتنع المسحوب عليه عن قبولها عند عرضها عليه بيد انه يجب على الحامل قبل مباشرة الرجوع في هذه الحالة تحرير احتجاج لعدم القبول ما لم يوجد شرط بخلاف ذلك .
وقد يحرر الحامل الاحتجاج لعدم القبول دون أن يتبعه بالرجوع فورا على الضامنين بل ينتظر لحين حلول ميعاد الاستحقاق أملا في قيام المسحوب عليه غير القابل بالوفاء عند الاستحقاق وعندئذ إذا امتنع المسحوب عليه عن الوفاء جاز للحامل دون حاجه إلى تحرير احتجاج جديد إذ أن الاحتجاج لعدم القبول يغنى عن تحرير الاحتجاج لعدم الوفاء » 3.

الفرع الثاني : حالة إعسار الأطراف المعنية بأداء قيمة الورقة التجارية

أولاً : إفلاس المسحوب عليه أو توقفه عن الدفع أو حجز أمواله بدون جدوى :
« ففي حالة إفلاس المسحوب عليه يتأكد حامل الكمبيالة من عدم استيفاء قيمة الكمبيالة عند حلول ميعاد الاستحقاق و يستوي في ذلك أن يكون المسحوب عليه قابلا أو غير قابل ، ففي كلتا الحالتين يمتنع المسحوب عليه عن الوفاء لغل يده عن التصرفات بعد شهر إفلاسه » 4. « ولا يقتصر رجوع الحامل صرفيا على الضامنين

____________________
ـ هاني دويدار، مرجع سبق ذكره ،ص 661
2ـ مصطفى كمال طه، القانون التجاري الأوراق التجارية العقود التجارية ـ عمليات البنوك ـ الإفلاس ، (إسكندرية: دار المطبوعات الجامعية ،1999) ص 112،113
3ـ محمد السيد الفقي القانون التجاري الأوراق التجارية(بيروت: منشورات الحلبي الحقوقية ،2004)، ص 220
4ـ هاني دويدار، مرجع سبق ذكره ،ص 664،665

قبل ميعاد الاستحقاق على حالة إفلاس المسحوب عليه ، بل يجوز له ذلك أيضا في حالة توقف المسحوب عليه عن الدفع ولو لم يصدر به حكم ،وكذلك في حالة فشل الحجز على أمواله لعدم كفايتها وتبرير الرجوع الفوري في هاتين الحالتين يكمن فيما تكشفان عنه من اضطراب المركز المالي للمسحوب عليه الأمر الذي يضعف ائتمان الكمبيالة وثقة الحامل في استيفاء قيمتها عند حلول ميعاد الاستحقاق » 1 « ولا يشترط للرجوع على الضامنين في حالة إفلاس المسحوب عليه تحرير الاحتجاج بل يكفى تقديم حكم شهر الافلاس » 2 .

« لا يثير إفلاس الساحب في الكمبيالة قلق حاملها إذا كانت هذه الكمبيالة صالحة للقبول إذ يستطيع الحامل تقديمها إلى المسحوب عليه للقبول فإن قبلها المسحوب عليه صار ملتزما صرفيا بقيمتها وتعين على الحامل انتظار حلول ميعاد الاستحقاق للحصول على الوفاء أما إذا امتنع المسحوب عليه عن قبول الكمبيالة جاز للحامل مباشرة الرجوع بعد تحرير الاحتجاج »3 « أما إذا كانت الكمبيالة غير صالحه للقبول وهي الكمبيالة التي تتضمن شرطا يمنع الحامل من تقديمها للقبول» 4 « فهو من جانب يعجز عن الحصول على قبول المسحوب عليه للالتزام الصرفي ، ومن جانب آخر قد تأكد من عجز الساحب عن الوفاء بسبب شهر إفلاسه ، لذلك أجاز له القانون الرجوع على ضامني الوفاء دون حاجة إلى انتظار حلول ميعاد الاستحقاق »5 .

___________________
ـ محمد السيد الفقي، مرجع سبق ذكره ،ص 223
2ـ عبد الحميد الشواربي، مرجع سبق ذكره ،ص 332
3ـ محمد السيد الفقي ،مرجع سبق ذكره ،ص 223
4ـ عبد الحميد الشواربي ، مرجع سبق ذكره ،ص 333
5 هاني دويدار، مرجع سبق ذكره 666،667

المبحث الثاني : ورقة الاحتجاج

«يجيز الامتناع عن الوفاء لحامل الورقة التجارية الرجوع على سائر الموقعين عليها الذين يضمنون له الوفاء، وإذ تتأثر عدة مراكز قانونية بواقعة عدم الوفاء اوجب المشرع إثباتها بطريق لا يدع مجال في وقوعها »1

____________________________
ـ هاني دويدار، مرجع سبق ذكره ،ص 669

المطلب الأول: شكليات ومواعيد الاحتجاج

« الاحتجاج بعدم الدفع هو عبارة عن ورقة رسمية تحرر لدى كتابة الضبط لإثبات امتناع المسحوب عليه عن الدفع ليحفظ الحامل حقه في الرجوع على الضامنين هذا ما تنص عليه المادة 427/1 من القانون التجاري » 1 « والاحتجاج إجراء ضروري لا غنى عنه قبل مباشرة الرجوع على الضمان ولا تقوم مقامه أية ورقة أخرى » 2 هذا ما نصت عليه المادة:444 من القانون التجاري« يبقى أن ثمة فارق جوهري بين كل من الطابع الإلزامي للاحتجاج لعدم القبول والاحتجاج لعدم الوفاء، فالاحتجاج لعدم القبول يفيد تحريره في السماح للحامل بمباشرة الرجوع على الضامنين قبل ميعاد الاستحقاق وتفريعاً على ذلك إذا لم يقم الحامل بتحرير هذا الاحتجاج فأنه لا يتجرد من حقه في تقديم الكمبيالة للوفاء في ميعاد الاستحقاق وتحرير الاحتجاج لعدم الوفاء حال امتناع المسحوب عليه عن الدفع أما إذا تعلق الأمر باحتجاج عدم الوفاء، فإن الحامل المهمل يتعرض لفقدان حقه في الرجوع الصرفي» 3.
« وإذا كان الأصل أن تحرير الاحتجاج لا غنى عنه قبل الرجوع على الضامنين ، فإن هذا الأصل ليس مطلقا ، بل ترد عليه الاستثناءات الآتية :
ـ إذا أفلس المسحوب عليه أو ساحب كمبيالة غير صالحة للقبول،فيكفي تقديم حكم شهر الإفلاس ليتمكن الحامل من الرجوع على الضامنين. » 4 هذا ما نصت عليه المادة : 427 فقرة5 من القانون التجاري .
«ـ إذا امتنع المسحوب عليه عن الوفاء في ميعاد الاستحقاق فإنه يجوز للحامل الرجوع على الضامنين دون حاجه لتحرير احتجاج عدم الوفاء طالما سبق له تحرير احتجاج عدم القبول إذ يغني الثاني عن الأول » 5 .

_________________________________
1ـ نادية فوضيل، مرجع سبق ذكره ، ص 93
2ـ عبد الحميد الشواربي ، مرجع سبق ذكره ،ص 335
3 ـ محمد السيد الفقي ،مرجع سبق ذكره ،ص 226
4ـ عبد الحميد الشواربي ،مرجع سبق ذكره ،ص 335
5ـ محمد السيد الفقي ، مرجع سبق ذكره ،ص 226،227

« ـ اذ تضمنت الورقة التجارية شرط الرجوع بلا مصاريف ،يعفي حامل الورقة من تحرير احتجاج عدم الوفاء» 1« ويرجع على المدين عند حلول اجل الاستحقاق دون عمل احتجاج، وإذا عمل احتجاجا فانه يتحمل وحده مصاريفه وما يترتب على عمله من تعويضات عما أصاب المدين بسببه من إساءة إلى سمعته التجارية، ومتى كان الساحب هو الذي وضع هذا الشرط فإنه ينتج كل أثاره قبل جميع الموقعين على السفتجة ، أما إذا وضع هذا الشرط احد المظهرين أو الضامن الاحتياطي ، فإنه لا ينتج أثاره إلا بالنسبة إلى واضعه فقط ، ويجوز عندئذ توجيه الاحتجاج إلى الموقعين الآخرين وبمصاريف على حسابهم » 2.
«ـ إذا حالت دون تقديم الكمبيالة أو دون إقامة الاحتجاج في الميعاد قوه قاهره فيمد الميعاد حتى زوال القوة القاهرة .
أما إذا استمرت القوة القاهرة أكثر من ثلاثين يوما بعد ميعاد الاستحقاق فأنه يحق للحامل الرجوع على الضامنين دون حاجة إلى تقديم الكمبيالة أو إقامة الاحتجاج . » 3

* ميعاد تحرير الاحتجاج :
« يتوقف تحديد ميعاد تحرير الاحتجاج لعدم الوفاء بالكمبيالة على كيفية تعيين ميعاد الاستحقاق فى الكمبيالة وذلك على الوجه الأتي :
1- إذا كانت الكمبيالة مستحقة الوفاء في يوم معين أو بعد مدة معينه من تاريخها أو من تاريخ الاطلاع عليها وجب تحرير» 4 «احتجاج عدم الدفع خلال العشرين يوم الموالية لليوم الذي يجب فيه دفع قيمة السفتجة » 5.
« 2- بينما إذا كانت الكمبيالة مستحقة الوفاء لدى الاطلاع وجب عندئذٍ تحرير الاحتجاج لعدم الوفاء خلال نفس الميعاد المحدد لتقديمها أي خلال سنه من تاريخ السحب فإذا حدث أن قدمت الكمبيالة للوفاء للمرة الأولى في اليوم الأخير من ميعاد التقديم . » 6 « فإن تحرير الاحتجاج فيها بعدم الدفع يكون في خلال اليومين التالين ليوم حلول اجل الاستحقاق » 7.
______________________
ـ هاني دويدار، مرجع سبق ذكره ،ص 670
2ـ نادية فوضيل ، مرجع سبق ذكره ، ص 95
3ـ محمد السيد الفقي ، مرجع سبق ذكره ،ص 227
4ـ محمد السيد الفقي ، مرجع سبق ذكره ،ص 228
5ـ نادية فوضيل ، مرجع سبق ذكره ، ص 94
6ـ محمد السيد الفقي ،مرجع سبق ذكره ،ص 229
7ـ نادية فوضيل ، مرجع سبق ذكره، ص 99

المطلب الثاني: الإخطار بعدم القبول أو بعدم الوفاء

«غالبا ما لا يعلم الموقعون الضامنون في الكمبيالة بواقعة امتناع المسحوب عليه عن القبول أو الوفاء عند حدوثها فهذه الواقعة تحدث في فلك العلاقة بين طرفي عملية الوفاء ، الحامل والمسحوب عليه. » 1 لذلك فقد ألزم المشرع الحامل بإخطار الضامنين بامتناع المسحوب عليه عن القبول أو الوفاء بهدف أخبارهم بحقيقة الأمر وتمكينهم من القيام بما يتطلبه الموقف لمواجهة إجراءات الرجوع عليهم وقيامهم بدورهم بممارسة نفس الحق ضد ضامنيهم

« والإخطار واجب في جميع الحالات التي يجوز فيها للحامل الرجوع على الضامنين سواء أكان تحرير الاحتجاج قبل مباشرة هذا الرجوع أمرا واجبا أم غير واجب كما في حالة تضّمن الكمبيالة شرط الرجوع بلا مصاريف أو إفلاس المسحوب عليه أو ساحب الكمبيالة غير الصالحة للقبول » (2)

وقد اشترط المشرع أن يجري الحامل هذا الإخطار خلال العشرة أيام الموالية ليوم الاحتجاج أو ليوم التقديم في حالة اشتراط الرجوع بدون مصاريف وقد ألزم المشرع كاتب الضبط بإخطار الساحب مباشرة برسالة موصى عليه في ظرف 48 ساعة من تاريخ الاحتجاج لديهم . وبعد ذلك يلتزم كل مظهر بإخطار المظهر السابق المباشر خلال يومي العمل المواليين ليوم تسلمه الإخطار إلى أن يصل إلى الساحب ويجب أن يبين فيه أسماء وعناوين من وجهوا الإخطارات السابقة ، ويعتبر الإخطار حاصلا في موعده إذا كان يحمل خاتم البريد في آجاله ، فيؤخذ بعين الاعتبار تاريخ توقيع ختم البريد وليس بتاريخ الوصول.
إن عدم الإخطار لا يؤدي إلى سقوط الحق في الرجوع فلا يعتبر الحامل ولا المظهر مهملين وإنما يعطي الحق لمن تضرر من جراء عدم الإخطار بان يطالب المتسبب في الضرر بالتعويض شرط أن لا يتجاوز ذلك قيمة الكمبيالة ، وأن كان لمن يتلقى الإخطار ضامن يجب عليه أن يخطره أيضا خلال يومي العمل المواليين لتاريخ تسلمه الإخطار
__________________
ـ محمد السيد الفقي ، مرجع سبق ذكره ،ص 236
2 ـ محمد السيد الفقي ، المرجع نفسه ،ص 236،237
«وليس هناك شكلا معيناً يتطلبه القانون في الإخطار.ولكن يجب في كل الأحوال أن يبين فيه أسماء وعناوين الأشخاص الذين أرسلوا الإخطارات السابقة ..وأيا كان الملتزم بالإخطار فانه يقع على عاتقه عبء إثبات إرساله في الميعاد المعين .ويعتبر الإخطار قد تم في الميعاد متى جرى تسليمه إلى إدارة البريد
أخيرا لا يترتب على عدم إرسال الإخطار في الميعاد سقوط حق الملتزم به .غاية الأمر انه يكون مسؤولا عما قد يحدثه إهماله من ضرر ، شريطة إلا يتجاوز التعويض مبلغ الكمبيالة » (1)

آثار احتجاج عدم الوفاء

« ينتج احتجاج عدم الوفاء عدة آثار أهمها على الإطلاق هو ثبوت الامتناع عن الوفاء على نحو يقيني لا يدع مجالا للشك
ويكون الاحتجاج حجة على تقديم الورقة التجارية للوفاء وامتناع المطالب به عن دفع قيمة الورقة إلى أن يتم الطعن فيه بالتزوير
ومن آثار الاحتجاج الأخرى بدء سريان تقادم الدعوى الصرفية المتعلقة بالرجوع اعتبارا من تاريخ تحرير الاحتجاج » 2
«كما أن الاحتجاج يلحق بائتمان المسحوب عليه ضررا بليغا ،وقد يكون دليلا على وقوفه عن الدفع مبررا لشهر إفلاسه ، ولذلك يحرص على تفاديه بالدفع في ميعاد الاستحقاق » 3 .
« وأخيراً يعتبر الاحتجاج بمثابة الحد الأقصى الزمني كي ينتج تظهير الكمبيالة الصرفية فالتظهير اللاحق للاحتجاج لعدم الوفاء لا ينتج إلا آثار حوالة الحق »4.

_________________
ـ محمد السيد الفقي ، المرجع نفسه ،ص 237
2 ـ هاني دويدار، مرجع سبق ذكره ،ص 676
3ـ عبد الحميد الشواربي، مرجع سبق ذكره ،ص 340
4ـ محمد السيد الفقي ، مرجع سبق ذكره ،ص 233

المبحث الثالث: مباشرة الرجوع

متى قام الحامل بتحرير الاحتجاج جاز له الرجوع على الملتزمين في السفتجة وإذا استوفى حامل السفتجة قيمتها من احد الملتزمين، جاز لهذا الأخير أن يرجع بدوره على الملتزمين الضامنين له .
ولذلك فإننا سنتكلم على التعاقب عن رجوع الحامل على الملتزمين بالوفاء ورجوع الموفي علي الضامنين له

المطلب الأول : رجوع الحامل على الملتزمين بالوفاء

« لما كان التوقيع على الكمبيالة بأي صفه يلزم الموقع صرفيا بقيمتها فأن للحامل حق الرجوع» 1 « على الملتزمين بالوفاء، وذلك بعد أن قام بتحرير احتجاج عدم الوفاء في الميعاد المقرر قانونا.

فجميع الموقعين على الورقة التجارية يلتزمون بالوفاء ، وذلك أياً كانت الصفة القانونية للتوقيع ، فيحق لحامل الكمبيالة الرجوع علي المسحوب عليه القابل وعلى الساحب وعلى جميع المظهرين وعلى القابل بالتدخل ، وعلى كل ضامن احتياطي لهؤلاء » (2) .

ويتحدد موضوع رجوع الحامل طبقا لنص المادة 433: من القانون التجاري بالمبالغ الآتية :
1- بمبلغ الكمبيالة التي لم يحصل قبولها أو وفاؤها
2- مصاريف الاحتجاج والإخطارات الموجهة وغيرها من النفقات .
ويلاحظ أيضا من نص المادة « انه في حالة رجوع الحامل على الملتزمين بالوفاء قبل حلول ميعاد الاستحقاق … يتم خصم مبلغ من قيمة الكمبيالة يحسب على أساس سعر الخصم الرسمي في محل إقامة حامل الورقة التجارية ،وفي تاريخ رفع الدعوى ،وذلك عن المدة من تاريخ الوفاء إلى تاريخ الاستحقاق » (3) .

و للحامل أن يسلك احد الطريقين لاستيفاء حقه إما بالرجوع الودي أو الرجوع القضائي .
________________________
1ـ محمد السيد الفقي مرجع سبق ذكره ،ص 234،235
2ـ هاني دويدار، مرجع سبق ذكره ،ص 678
3ـ هاني دويدار، مرجع سبق ذكره ،ص 680

الرجوع الودي

« يتمثل الرجوع الودي في وجود حالة يكون فيها المطالب بالدين مليئا ، ولظرف ما تعذر عليه الوفاء فيقع الاتفاق بينه وبين الحامل على أن يكون الوفاء في ميعاد قصير لاحق ، وهذا لفائدة كل الأطراف تجاوزا لأي تعقيدات وتجنبا للمصاريف التي يلتزم بدفعها ، ولكن لا يتم مثل هذا الرجوع إلا بوجود ائتمان واضح وضمانات كافية لسداد مبلغ السفتجة ، لان منح آجال في ذلك يضيع الكثير من الفرص والكثير من حقوق الحامل ويسمى هذا الرجوع الودي أيضا بالرجوع الاتفاقي»(1) .

سند الرجوع أو سفتجة الرجوع

«سند الرجوع هو شبيه بالرجوع الودي ، ففي حالة عدم استيفاء الحامل لمبلغ السفتجة وتحرير الاحتجاج وأراد إمهال احد الملتزمين لظروف معينة أو لوجود حالة طارئة لم تجعله قادرا على الوفاء ، أو إذا رأى الحامل أن في الرجوع القضائي إطالة للإجراءات وإضاعة للوقت فهنا مكن المشرع الحامل من أن يسحب على مدينه سندا جديدا وهذا ما أقرته المادة 52 من قانون جنيف وجاءت على إقراره المادة 445 من القانون التجاري الجزائري .
ومضمون سند الرجوع نصت عليه المادة 445 وهذا ما يبين أن هناك العديد من الأحكام والشروط منها :
1ـ عدم إمكانية ممارسة حق الرجوع بموجب سند الرجوع بوجود شرط مخالف يمنع ذلك كشرط عدم تجديد السفتجة.
2 ـ البيانات الإلزامية للسفتجة هي ذاتها بيانات سند الرجوع
3 ـ يشتمل سند الرجوع على مبلغ السفتجة الأصلية ، وكذا مصاريف الاحتجاج ويضاف إلى ذلك رسم الطابع المفروض على سند الرجوع .
4 ـ يكون مبلغ السفتجة مساويا لمبلغ الرجوع الذي يضم مبلغ السفتجة والمصاريف ورسم الطابع، وقد حدد المشرع في المادة 446 بربع في المئة ¼% بمراكز الولايات ونصف بالمئة ½% بمراكز الدوائر، وثلاثة أرباع في المئة ¾%في الأماكن الأخرى ، ولا يمكن أن يسحب سند الرجوع في نفس الولاية.
_________________________
ـ بن داود إبراهيم ، الاسناد التجارية في القانون التجاري الجزائري ،( ط1 ؛ الجلفة: مطبعة الفنون البيانية، 2005)،ص 208

5 ـ مبلغ سند الرجوع يختلف بحسب ما إذا كان الساحب هو الحامل أو المظهر، فإذا كان الساحب هو الحامل حدد مبلغه حسب سعر سفتجة مستحقة الدفع لدى الاطلاع ومسحوبة من المكان الذي كان يفترض فيه وفاء السفتجة الأصلية إلى مكان موطن الضامن ، أما إذا كان ساحب سند الرجوع هو المظهر حدد مبلغه حسب سعر سفتجة مستحقة الدفع لدى الاطلاع ومسحوبة من المكان الذي يوجد فيه موطن الساحب إلى مكان موطن الضامن ، وهذا ما أكدته المادة 445 الفقرة الثالثة .
6 ـ تجنبا لإشكالية تضخم المصاريف المترتبة على نُسخ الرجوع فقد منعت المادة 447 تراكم سندات الرجوع صراحة ، مبينة أن كل مظهر أو ساحب لا يحمل ألا واحدا منها »1

الرجوع القضائي
ويتجلى هذا الرجوع في مجموعة من الإجراءات القضائية لمواجهة مدينيه وهي
الحجز التحفظي : لقد اقر المشرع الجزائري الحجز التحفظي على غرار ما جاء به قانون الصرف إمكانية الدائن في حجز منقولات مدينه الممتنع عن الدفع من ساحب وقابل ومظهرين ، وذلك لأجل التنفيذ على ما حجزه بعد صدور الحكم في القضية المرفوعة ضد المدين ، والحكمة من ذلك هي تفادي تهريب الأموال أو إخفائها أو تبديدها ما بين تاريخ إقامة الدعوى و تاريخ النطق بالحكم .
ولكن الملاحظ أنه إذا كان المتوقف عن الدفع تاجرا وتم تحرير الاحتجاج بعدم الوفاء تجاهه فإن ذلك يعد نذير شهر إفلاسه ، هذا ما يعني أنه ستغل يد المدين عن التصرف في أمواله ، ويؤول حق التصرف إلى الوكيل المتصرف القضائي ـ وكيل التفليسة سابقا ـ وهذا ما يجعل الدائن في مركز ممتاز في استيفاء حقه.

____________________
ـ مجيد فتحي، مقياس الفانون التجاري سنة رابعة حقوق،(الجلفة: جامعة زيان عاشور،2011/2012)،ص 46،47

وقد جاء ذكر الحجز التحفظي في نص المادة 440 :
(( يعتبر تبليغ احتجاج عدم الوفاء الذي تم للمسحوب عليه لسفتجة مقبولة بمثابة أمر بالدفع وإذا تعذر الدفع في اجل عشرين يوما ابتداء من تاريخ التبليغ المقرر في الفقرة أعلاه يمكن للحامل القيام عن طريق أمر صادر في ذيل عريضة بحجز وبيع ممتلكات المسحوب عليه ضمن الشروط التي اقرها التشريع المعمول به
وفي حالة ظهور صعوبة يلتمس كاتب الضبط المكلف بالتنفيذ قاضي الأمور المستعجلة طبقا لأحكام المادة 183 من قانون الإجراءات المدنية .
يمكن لحامل السفتجة المحتج فيها لعدم الوفاء فضلا عما توجبه عليه الإجراءات المقررة برفع دعوى الضمان ، أن يتخذ إجراءات تحفظية بعد ترخيص من القاضي إزاء الساحبين والمظهرين والضامنين لهم )).
ومن نص هذه المادة يتبين لنا أن شروط صحة الحجز التحفظي هى :-
«1- أن يكون طالب الحجز هو حامل الكمبيالة .
2- أن يكون المحجوز عليه مدينا صرفيا في الكمبيالة وأن يكون في نفس الوقت تاجراً .
3- أن يكون الحاجز قد قام بمطالبة الدين الأصلي في الكمبيالة واثبت امتناعه باحتجاج عدم الوفاء »(1).

____________________
ـ محمد السيد الفقي ، مرجع سبق ذكره ،ص 240

المطلب الثاني : رجوع الموفي على الضامنين له

«إذا استوفى حامل الكمبيالة قيمتها من احد الملتزمين فيها ، فإن الموفي لا يتحمل دائما العبء النهائي للدين بل إن له في غالب الأحيان حقاً في الرجوع على باقي الملتزمين » (1).

أولاً : رجوع المسحوب عليه على الساحب :
« يعتبر المسحوب عليه القابل هو المدين الأصلي في الكمبيالة وعليه إذا أوفى بقيمتها فقد انقضى الالتزام الصرفي بالنسبة له وبالنسبة لجميع الموقعين على الكمبيالة .وليس للمسحوب عليه بعد قيامه بالوفاء من حق في الرجوع سوى على الساحب فيما لو كان قد قام بالوفاء …دون أن يتلقى مقابل الوفاء ويكون رجوعه في هذه الحالة بالدعوى العادية أي بدعوى الوكالة أو الفضالة أو الإثراء بلا سبب وفقا للقواعد العامة وليس بالدعوى الصرفية » 2 .

ثانيا : رجوع الساحب على المسحوب عليه
« إذا كان المسحوب عليه لم يتسلم مقابل الوفاء ، فليس للساحب الرجوع عليه إذا اضطر إلى الوفاء للحامل وينطبق نفس الحكم ولو كان المسحوب عليه قد قبل الكمبيالة بشرط أن يدحض المسحوب عليه قرينة وجود مقابل الوفاء المستفادة من قبوله » 3 .
« أما إذا كان المسحوب عليه قد تلقى مقابل الوفاء، فإن للساحب حق الرجوع إذا قام بالوفاء للحامل ، وتختلف طبيعة هذا الرجوع بحسب ما إذا كان المسحوب عليه قد قبل الكمبيالة أو لم يقبلها ، فإذا كان المسحوب عليه قد قبل الكمبيالة فإن للساحب الخيار في أن يرجع عليه بدعوى الوكالة لاسترداد مقابل الوفاء ، أو بدعوى الصرف ، وإذا لم يكن المسحوب عليه قد قبل الكمبيالة فليس للساحب إلا دعوى الوكالة لاسترداد مقابل الوفاء » 4 .

____________________
ـ مصطفى كمال طه، مرجع سبق ذكره ،ص 163
2ـ محمد السيد الفقي ، مرجع سبق ذكره ،ص 241
3ـ مصطفى كمال طه ،مرجع سبق ذكره ،ص 163
4ـ عبد الحميد الشواربي ، مرجع سبق ذكره ،ص 353

ثالثا : رجوع المظهر على الموقعين السابقين :
من آثار التظهير الناقل للملكية « أن يكون المظهر ضامنا للوفاء ، وإذا اضطر احد المظهرين إلى الوفاء بقيمة الورقة التجارية إلى حاملها الشرعي فإنه يستطيع الرجوع على كل شخص يضمن له الوفاء.
فيستطيع المظهر الموفي الرجوع على المظهرين السابقين عليه» 1 « والساحب والمسحوب عليه القابل ، وله أيضا أن يرجع على الضامن الاحتياطي والقابل بالتدخل عن احد هؤلاء الأشخاص في الحدود التي يقرها القانون ، وعلى النقيض من ذلك ليس للمظهر الموفي الرجوع على الموقعين اللاحقين له، لانه يلتزم في مواجهتهم بالضمان » 2 .

رابعاً: رجوع الكفلاء الصرفيين :
« الكفيل الصرفي كالضامن الاحتياطي والقابل بالتدخل يتحدد مركزه بمركز الملتزم الذي تدخل لضمانه ، ومن ثم إذا قام بالوفاء للحامل فأنه يستطيع الرجوع صرفيا على الملتزمين الضامنين للملتزم المضمون، كما يمكنه أيضا أن يرجع بالدعوى الصرفية على هذا الأخير بنفس الطريقة التي يرجع بها الحامل عليه» 3 .

__________________
1ـ هاني دويدار، المرجع نفسه ،ص 690
2ـ عبد الحميد الشواربي المرجع نفسه ،ص 353
3ـ محمد السيد الفقي ، مرجع سبق ذكره ،ص 242

خاتمة

من خلال هذا العرض الموجز يتبين لنا أنه إذا رفض المسحوب عليه وفاء قيمة السفتجة بتاريخ استحقاقها يحق للحامل الرجوع على الملتزمين بها لأنهم ضامنون متضامنون في وفائها. لكن لكي يستطيع الحامل ممارسة حق الرجوع يكون عليه أن يثبت امتناع المسحوب عليه عن الوفاء باحتجاج رسمي ينظم لدى الكاتب العدل يطلق عليه احتجاج عدم الوفاء. ويجب أن يحرر هذا الاحتجاج في يومي العمل التاليين لتاريخ الاستحقاق. وقد يعفى الحامل من تنظيم الاحتجاج المذكور إذا تضمنت السفتجة شرط الرجوع من دون نفقات.
وإذا كان للحامل حق الرجوع على الملتزمين بالسفتجة لعدم وفاء المسحوب عليه بتاريخ الاستحقاق، فإن الحق المذكور يثبت له حتى قبل تاريخ الاستحقاق كما لو حصل امتناع المسحوب عليه عن قبول السفتجة أو أفلس، أو أفلس الساحب المشترط عدم تقديمها للقبول.
أما المبلغ الذي يجوز للحامل الرجوع به على الملتزمين فيتضمن قيمة السفتجة مضافة إليها الفوائد القانونية ونفقات الاحتجاج وغيرها من النفقات. ومتى استوفى الحامل المبالغ المذكورة من أحد الملتزمين كان من حق هذا الأخير الرجوع على الملتزمين الذين يضمنونه بجميع ما دفعه إضافة إلى الفوائد المترتبة من يوم الوفاء والنفقات التي تحملها.
والحامل يطالب الملتزمين إزاءه، إما بطريق ودي، أو بطريق إقامة الدعوى. لكن لما كان ولوج طريق القضاء يحتاج إلى وقت للحصول على حكم، ولكي لا يتمكن المدين من تهريب أمواله وتبديدها في المدة الواقعة بين رفع الدعوى وصدور الحكم بها، فإن للحامل أن يوقع الحجز التحفظي على منقولات كل ملتزم بالسفتجة ليمكن من التنفيذ عليها بعد صدور الحكم.