مقالة حول الحريات في العالم العربي الإسلامي و معوقات الانبثاق بين الموضوعي و الذاتي

الحريات في العالم العربي الإسلامي معوقات الانبثاق بين الموضوعي و الذاتي
مساهمة بواسطة عزيز مشواط

بدءا لا بد من تحديد صعوبات المقاربة التي تحول دون ادعاء القول الحاسم في موضوع من قبيل التحديات التيتواجه الحرية والديمقراطية في العالم العربي الإسلامي و هي في اعتقادي ثلاثة :

أولا انطلاقا من عنوان المحور المقترح “تحديات الحرية بين العالم العربي الإسلامي والغرب “يبدو جليا أن هذه الثنائية تحتاج إلى تدقيق مفهومي إذ ما الذي نقصده بالعالم العربي الإسلامي وما الذي نقصده بالغرب،ودون الدخول في تفاصيل التعاريف دعنا نقول بأن ملامح هاتين الثنائيتين هي من درجة أعقد فالعالم العربي الإسلامي ليس وحدة موحدة ولا ثابتة ونمطية كما أن الغرب نفسه يحتوي متناقضات تجعل من إمكانية توفره على هوية موحدة أمرا موضع نقاش .ولذلك فان الحديث عن المفهومين بصيغة الفرد أوالجمع لا تزال تحتاج إلى فعل تأسيس لتصنيف الموحد والمتناقض.

وتقودنا هاته الملاحظة التي تبدأ من العنوان إلى أخرى اعتقد أنها جوهرية والمرتبطة بفعل الحرية نفسه الذي لا يمكن أن يرتهن بالفعل السياسي فحسب وإنما يخضع لجوانب مركبة يتداخل فيها القيمي والثقافي والاجتماعي والديني الأمر الذي يحيلها إلى مركب لن يسلم من متطلبات البحث العميق في البنيات التاريخية و الذهنية الغربية التي أنتجت هذا الفعل .

ثانيا : وارتباطا بالملاحظات الأولى تنبثق الصعوبة الثانية من طبيعة البنية الثقافية والاجتماعية التي يتوجه إليها فعل الحرية و هنا تتنوع السياقات و تتنوع استعمالات الأنساق الفرعية من دين وقيم و أخلاق وعادات وخصوصيات و أوجه استعمالاتها تبعا لاختلاف الأنظمة السياسية التي تمتح في اغلبها من الماضي تدعيما لسلطتها ،وهنا تصبح المفاهيم الغربية من قبيل الديمقراطية و حقوق الإنسان بدعة و ضلالة،والبدع كما هو معروف لدى أوساط السلفية توازي الكفر،وكل معارضة للكتاب و السنة بالمستحدثات من الأمور يكون ضالا ومرادفا “لأقوال هؤلاء الضلال”[i]وتصبح الأحزاب و النقابات و الجمعيات مفاهيم إما يتم تحريمها بقوة الدين أواستغلالها من خلال إخضاعها لعلاقة التبعية القائمة على استعارة الشرعية من الانتماء إلى أل البيت أو من شرعية الإمامة و الخلافة و الإمارة من أجل تطبيق شرع الله.وهنا تسقط كل مقولات المجتمع الحداثي ويصبح أهم مفهوم تنبني عليه الحداثة بمعناها الإنساني وهو مفهوم المواطنة لاغيا و خالي من العمق وبالتالي تصير كافة الممارسات مباحة مادامت تتم باسم الله.

ثالثا: أما الصعوبة الثالثة فتنبع وفي السياق ذاته من عوائق التحليل الموضوعية والذاتية والمرتبطة بإمكانية التحليل السياسي والعلمي للمجتمعات العربية الإسلامية. صحيح أنني هنا أتحدث كباحث و ملاحظ موضوعي و ليس كسياسي متحزب، فأطرح السؤال:هل هذا ممكن ؟ألا تبدو الساحة السياسية العربي الإسلامية كأنها موزعة بين حياتين الظاهر الحداثي منها و الذي نقرأه في الجرائد و تروجه وسائل الإعلام الموجهة والباطن و الذي لا يمكن الوصول إلى حقيقته إلا ببحث اركيولوجي ينصب على تفكيك الآليات التي انبنت عليها أنظمة الحكم العربية الإسلامية منذ الدولة الإسلامية الأولى ،ومن دون ذلك فان أي محاولة لقراءة الوضع الراهن و أفاقه ستحكم على نفسها بالقصور.وعليه يمكن طرح السؤال الأبستيمي المشروع :إلى أي حد يمكن لعلم السياسة أو اي علم أخر أن يكون مفيدا أم إننا مجبرون على سلوك طرق” سحرية” بعيدا عن مقررات وقواعد العلوم الوضعية.مهما يكن و بعيدا عن ضبابية الخطاب التنظيري سأعمد إلى صوغ أربعة أسئلة جوهرية أعتقد أنها تؤسس لفهم أقل ضبابية لإشكالية الحرية في العالم العربي الإسلامي .

السؤال الأول: الدولة الحديثة في العالم العربي وصعوبة التأسيس.لا ينفصل مفهوم الدولة بمعناها الحديث عن حيثيات تأسيسه الغربي بما هي تكثيف لما عليه المجتمع ،إنها إرادة عامة و نسق عمومي نبتت في سياق المفاهيم الحديثة التي صيغت و انبثقت في أوروبا القريبة منا و هي صياغة دامت سنينا و عقودا من الزمن .

وهنا نطرح السؤال الجوهري :هل يمكن الحديث في العالم العربي الإسلامي عن الدولة الحديثة ؟نعم و لا .نعم لأن الحداثة مصير محتوم تفرض نفسها مستقبلا و حاضرا و لأن الدولة العربية لا تزال ترزح تحت وقع الماضي السلطاني و الديني و النتيجة انبثاق دولة ذات جسد مزدوج ما بين سلوكات ماضوية ومظاهر حداثية .و بهذا المعن فان السؤال المحوري اللازم طرحه ينبغي أن ينطلق من هل لدينا دولة كي نتحدث عن الحرية و الديمقراطية وحقوق الإنسان .

لا أقصد طبعا المفهوم التقني و الدستوري الضيق للدولة ،وإنما اعني بالدولة ذلك النصاب السياسي الحزبي غير التقليدي و الذي يضمر بالضرورة قبولا للمعارضة و يعبر عن دينامية سياسية مفتوحة و يضمر كذلك إيمانا راسخا بالتعدد و التناوب و إمكانية التداول على السلطة بين الحاكمين و المعارضة ،بين الأغلبية و الأكثرية.و العودة الى التاريخ تفيد أن ميكانيزم التأسيس خاضع لصيرورة زمنية معقد و تتطلب قرونا و قرونا من التغيير الاجتماعي و الاقتصادي و المؤسساتي ،في حين أن المجتمعات العربية بالخصوص لم يمض على صدمتها الحضارية الأولى مع الغرب أكثر من قرن من الزمن وهو وقت بالمقياس العلمي غير قادر على تنحية البنيات الذهنية الراسخة في لا وعي هاته المجتمعات سواء كحكام أو كمحكومين.فكيف و الحال هاته يمكن تصور انبثاق للحرية في العالم العربي الإسلامي في مجتمعات حداثتها و ديمقراطيتها بل حتى الدولة بمعناها المعاصر لا تزال فيها جنينية.

لنخلص إلى أن الدولة،الحكومة،المعارضة الحزب السياسي التناوب على السلطة مفاهيم لم تتجذر بالشكل المطلوب في الزمن السياسي الحاضر ومن ثمة فهي تتطلب زمنا سياسيا كافيا للتأسيس كقيمة ثقافية وهو التأسيس الذي لا يمكن أن يتم بدون طرح بدائل تربوية إعلامية ورمزية قادرة على التغلغل في وجدان الناس ضمانا لخلخلة البنيات التقليدية المنبعثة من إيمان راسخ بالتفوق والاكتمال.”أن التنادي إلى تخليق الديمقراطية الغربية عن وطنها و عن شروط حياتها ترقيع،غريبة هي وغريب مشروع تخليقها المقترح في ديارنا”

[ii] السؤال الثاني:مفارقة الزمن السياسي والتخلف الاجتماعي.زمن الحداثة بالعالم العربي الإسلامي سياسيا قصير جدا،إنه لا يساوي شيئا مقارنة مع الزمن الاجتماعي الممتد بثقله وترسباته ،انه زمن لايصل بالكاد إلى قرن و هي مدة لم تكن سياسية بامتياز حيث سيطرت عليها أنظمة استبدادية لم تشع سوى أحكاما بدائية و عشائرية و طائفية و مذهبة كرست مجموعة من مظاهر القصور و التي يمكن إيرادها على الشكل التالي :

[iii] -شيوع العنف السياسي و غياب الديمقراطية.-شيوع الأمية بين قطاعات كبيرة من الذكور و الإناث .-مركز المرأة المتدني.-التفاوت الاجتماعي .و إلى جانب هاته المؤشرات ذات الارتداد الاجتماعي يوجد العالم العربي الإسلامي من حيث مؤشرات التربية في أدنى المستويات كما أن عدد الفقراء في العالم العربي وحده قدر سنة 2000 بمائة مليون فقير حسب تعريف البنك الدولي
للفقر.

وإلى جانب مظاهر البؤس الاجتماعي هاته يمكن تسجيل ضعف المشاركة السياسية و غاب الفكر العلمي بفعل سيطرة الذهنية الخرافية على أوساط واسعة من النسيج الاجتماعي إذ أن القيم الاجتماعية و الثقافية السائدة ذات أبعاد ماضوية تكرسها تربية تقليدية لم تكن فيها تنمية إنسانية الفرد هدفا مركزيا ومن هنا طغيان النظرة التشيئية لإنسان يولد ويموت مقموعا.هذا الرصد للواقع الاجتماعي على اختزاليته لا يمكن إلا أن يكشف عن معوقات انبثاق مجتمعات حرة وديمقراطية تحظى بحقوقها كاملة ،فالمتعمق في مظاهر البؤس الاجتماعي هاته و غيرها و حين يتعمق إشكالية العلاقة الممكنة بين الاجتماعي و السياسي و أزمة المشاركة السياسية يكتشف إجمالا غياب المشاركة السياسية الحقيقية بما تعنيه من تداول للسلطة بين مختلف أطراف النخبة الاجتماعية و بما تعنيه كذلك من إعادة توزيع السلطة على مواقع النفوذ و السيطرة الفعلية في المجتمع .و ينتج عن هذا الانفصام انحصار الفعل السياسي عند أطراف نخبة مفصولة عن السياق الاجتماعي العام الأمر الذي يفقد الخطاب الحقوقي و المنادي بالحرية و الديمقراطية داخل هاته المجتمعات مصداقيته و قدرته على الفعل ليبقى ذو طابع سطحي و ضعيف.

السؤال الثالث:في صعوبة الفصل بين الدين والسياسةالحديث عن الحرية في العالم العربي الإسلامي و لدى المسلمين أفرز جدال واسعا رافق ما اصطلح عليه بالنهضة التي لاحت تباشيرها مع استفاقة مصر على وقع مدافع نابليون التي أظهرت بما لا يدع
مجالا للشك ارتفاع الهوة بين غرب زاحف حضاريا وثقافيا وعسكريا وعالم عربي مستكين لبنيات تقليدية،لكن الجدل حول هذا المفهوم لم ينفصل عن نقاش مستفيض لا يهم هذا المفهوم على حدة وأنما مس سؤالا جوهريا ظهر مع جيل الرواد حين
تساءل النهضويون من سلفيين وغيرهم عن السبيل الأمثل للالتحاق بالغرب،وهنا افترقت التيارات و الآراء ما بين مطالب باستلهام النموذج الغربي و ما بين باحث عن الأجوبة في سيرة “السلف الصالح”.

لكن مهما اختلفت الإجابات يبقى أن العالم العربي خصوصا والإسلامي عموما يظل مرهونا بالعامل الديني من جهة اعتباره جوهريا في السياق الثقافي و القيمي .

والحالة هاته نجدنا أمام مجموعة من الأسئلة[iv] من قبيل:

هل يملك المرء الحديث عن الحرية و الديمقراطية في العالم العربي الإسلامي دون أن يكون بشكل أو بآخر موجودا في دائرة الفكر الديني و معنيا بخصوصياته وجذوره التاريخية وأشكال اشتغاله؟

وهل يملك عالم الاجتماع وكذا المؤرخ و الفيلسوف وعالم السياسة أن ينصرف عن الشأن الديني خلال مقارباته و الحال أن للدين في المجتمعات العربية الإسلامية ما نشهده من أثر و ما تنفعل به من أحداث.

وبالتالي فهل من شرعية ممكنة للقول في مجال الحريات بعيدا عن الممارسة النظرية للفكر الديني وبعيدا عن فهم مقتضيات هذا الخطاب وتاريخيته وثوابته؟

وفي كلمة جامعة دعنا نتساءل هل في إمكان الخطاب الفلسفي أو السوسيولوجي أوالتاريخي اكتساب شرعية القول في معرض الحديث عن الحريات و التجديد و الديمقراطية و حقوق الإنسان دون الارتداد إلى تحليل البنية التاريخية للمجتمعات الإسلامية ؟

الواقع أن كثافة الحمولة التي تتضمنها هاته الأسئلة تقتضي محاولة لتضوئة تاريخية يجب أن تنطلق من أركيولوجيا ثقافية للتاريخ الإسلامي أو على الأقل لتاريخ انبثاق ما يصطلح عليه بحركات الصحوة الإسلامية والتي حاولت استعادة الوهج البراق للإسلام من خلال الدعوة إلى العودة إلى منابعه الصافية و استلهام نموذج الحكم المناسب .

وإذا كانت حركات الصحوة الإسلامية شكلت رقما جديدا في التاريخ الحديث للعرب والمسلمين فإن ذلك راجع بالدرجة الأولى إلى اعتبارها القيم الإنسانية من ديمقراطية و حقوق الإنسان منتوجا إسلاميا قبل أن يكون غربيا باعتبار الإسلام قد سبق كافة الحضارات إلى تبني هاته القيم و الدعوة لها ف”الشورى الإسلامية هي أصل الديمقراطية التي طورت مفاهيم حديثة كالنظام النيابي،وفصل السلط،والمشاركة “[v] و ينبثق عن هذا الإيمان رهان صعب مطروح على كل عربي مسلم ،رهان لم يبرح الرهان الذي أعقب وفاة الرسول و ان اختلفت السياقات  التاريخية لكن مع اختلاف جوهري هو ان رهان الأمس هو كيفية التعامل مع الآخر في وقت كان فيه المسلمون يملكون زمام المبادرة ،أما رهان اليوم فذو طبيعة مزدوجة رهان يقتضي إما البقاء داخل المنظومة الإسلامية في تأويلاتها الأشد تصلبا أو الدخول في الحداثة بكل ما تعنيه من تسليم بقيمة الفرد والإنسان وحرية المعتقد و الاختيار الشخصي،وإما العودة إلى البحث داخل هاته المنظومة عن إطارات بديلة للتقوقع والانغلاق فإنه يواجه صعوبات عديدة بعضها موضوعي والأخر ذاتي .

لكن ما تشهده المجتمعات العربية الإسلامية حاليا من مخاضات عسيرة و من نقاشات حول موقف الإسلام من حقوق الإنسان ليس وليدة اللحظة بل تجد لها في الحركات السياسية و الدينية التي نشأت ما بين القرنيين 18و19 مرجعا و عمت سائر البلدان الإسلامية رغبة في تجاوز التشرذم السياسي و التخلف الاقتصادي و الاجتماعي. لسنا نبالغ إذا قلنا إن السؤال نفسه الذي طرحه الرواد لازال صداه يتردد بالصيغة نفسها وان اختلفت الحيثيات انه سؤال لمادا تطور الغرب وتخلف المسلمون؟ و الإجابة عن هدا السؤال ظلت متراوحة بين الاندفاع المطلق أو الإحجام التام الاندفاع في اتجاه الآخر /الغرب/أو الارتداد نحو العصور السالفة.و مهما تعددت الإجابات و اختلفت فان الثابت الأساسي معاناة المسلمين والعرب جزء منهم من عقدة التفوق الغربي حيث يعتبرون بان “الحضارة الغربية المبنية على الحرية و تقديس الفرد تعود في جزء منها إلى إسهامات المسلمين” لكن هدا الغرب سرعان ما سيعود ليسهم في أفول هاته الحضارة و التنقيص من قيمتها و كانت أولى هاته المؤشرات طرد المسلمين من الأندلس عام 1492.

أما على المستوى العلمي و الثقافي فإن زحف الحضارة الغربية أصبح جليا و واضحا للعيان من خلال مسيرة من الاكتشافات ومن القيم التحررية التي ستضمن له هيمنة واسعة على باقي أنحاء العالم.لقد حررت هاته الاكتشافات الطاقات الإنسانية الكامنة و عرفت المجالات الثقافية و العلمية و السياسية بداية التأسيس لانفصالها عن تحكم السلطات الدينية و خاصة ديكتاتورية رجال الدين و هي الحركة التي ستسمى لا حقا التحرر الديني أو فصل السياسة عن الدين كثابت مركزي و مفتاح للتطور الغربي .

و إذا كانت أوضاع الغرب بهذا المعنى قد انطلقت من ضرورة الحسم مع قضايا من قبيل السياسي و الديني فان العالم العربي الإسلامي ظل محاصرا بهذا العائق ليجد نفسه في مواجهة انفتاح غربي و زحف حضاري و سياسي و ثقافي هائل حيث ستنضوي العديد من الدول العربية تحت الهيمنة الغربية بعد أن كانت قد خرجت للتو من هيمنة العثمانيين،وبالرغم من كونهم مسلمين إلا أنهم أدخلوا مستعمراتهم في نفق مظلم جسدته أساليب حكم محافظة وعتيقة.ومع نهاية الحرب العالمية الأولى انهار النظام السلطاني العثماني وانتهت الخلافة مشكلة حدثا مأساويا للعالم العربي الإسلامي و إن على المستوى الرمزي بما تحمله من كثافة رمزية نابعة من تجسيدها وحدة المسلمين.

لكن مع التسليم بالطابع التاريخي لإشكالية المنظور الإسلامي لنظام الحكم بصفة عامة و لموقع الفرد بصفة خاصة يمكن اعتبار الثورة الإيرانية[vi]

و النجاح الذي حققته علامة فارقة في الزمن المعاصر على بداية تأسيس نموذج سياسي غير غربي و متكامل يمتح من الدين الإسلامي أسسه ومنطلقاته ووضع نفسه بمقابل النموذج الغربي ،وعليه ارتفعت وتيرة الاهتمام بالإسلام عامة و ارتفعت كذلك مؤشرات الاهتمام بالمنظور الإسلامي للحكم و للفرد و لحقوق الإنسان و الطرق التربوية و المناهج الاقتصادية خاصة وأن النموذج الإيراني قدم فهما جديدا للعالم و للوجود.لقد كثر الحديث عن مصطلح الصحوة الإسلامية و التي تشير من حيث مدلولاتها إلى حركة متيقظة الهدف منها إعادة الاعتبار للإسلام على جميع المستويات القيمية و الثقافية والسياسية والمفاهيمية انطلاقا من إيمان مطلق بان الدين خزان لكل شئ وبأنه يحتوي على حلول لكافة قضايا العصر مادام صالحا لكل زمان ومكان ،إنه عالمي .فكرة العالمية هاته تحيل في خطاب جماعات الإسلام
http://www.libyaforum.org – Muntada: Libya Human & Political Delevopment ForumPowered by Mambo
Generated: 14 July, 2007, 18:13
________________________________________

السياسي الى اعتبار الدين ثابتا محوريا في الشخصية الأسلامية‏,بل إن الدين حسب العديد من الباحثين ظل يشكل هاته الدعامة لدى المجتمعات الشرقية حتى قبل مجئ الأسلام ‏ يقول حسن حنفي في هذا الصدد‏” إن الدين لعب منذ الفراعنة الدور المحوري في حياة الشعب‏,‏ خاصة وأن حياة المصريين تقوم علي الزراعة وهو ما يجعل الدين متجذرا في حياتهم الاجتماعية والسياسية بسبب نمط الحياة الفلاحية‏”[vii]

ما يهمنا هنا هو الجانب المفاهيمي الجديد الذي أصبح الإسلام السياسي ينحته و هو النحت الذي يبدأ بالضرورة من تفنيد الفهم الغربي للحرية و الوقوف أمام انتشارها في إطار مسلسل من “مقاومة الغورية التي تجتاح ،حسب هاته الحركات، المجتمعات العربية الإسلامية”[viii].

إن ما يشهده العالم العربي الإسلامي من هاته الجدالات حول شرعية الاقتباس/الإتباع النموذج الغربي على المستوى الحقوقي ونموذج الحكم و صيغة الديمقراطية ،لا يقتصر على ردود الفعل هاته و على تعبيرات سياسية ،بل يتجاوز ذلك بكثير إلى طرح شرعية الأنظمة السياسية القائمة موضع مساءلة و الدعوى إلى إحلال نظام حكم إسلامي على طريقة الخلافة و تعويض الديمقراطية كمفهوم غربي بالشورى تأسيسا على النص الديني “وشاورهم في الأمر”و إجمالا يمكن تأكيد عدد من الأمور ذات الدلالة في شأن رزوح العامل الديني في وجه كل محاولة تجديدية في المجتمعات العربية الإسلامية حيث ترفض التيارات الإسلامية كما الأنظمة الحاكمة الفهم العالمي لحقوق الإنسان متدثرة بشعارات من قبيل الخصوصية على أن التسليم بعالمية حقوق الإنسان لا ينفي بالضرورة الخصوصية الثقافية .

إنه مع التسليم بحقيقة إن ما نشهده الآن من تطورات في إطار منظومة العلاقات الدولية في خضم عولمة هائلة ينطوي ودون شك على ايجابيات عديدة تخص مسيرة التطور الديمقراطي و انتشار الحريات إلا انه من الصحيح أيضا أن هذه التطورات لن تجد صدى كبيرا ،على الأقل في المنظور القريب، في المجتمعات العربية و هو الأمر الذي يمكن استنتاجه من خلال السياق التاريخي السالف الذكر حيث أن معارضة النموذج الغربي سيظل مستمرا باسم القومية و الشخصية الحضارية ومنظومة القيم الثقافية و الدينية ،وستتعزز كذلك وتيرة ارتكان أنظمة الحكم إلى هاته الشعارات الجاهزة حفظا لتواجدها أمام ارتفاع المطالب الخارجية بالدمقرطة.

و على هذا الأساس كذلك يمكن أن نفهم هذا التحالف الضمني بين الحركات الإسلامية و أنظمة الحكم من خلال وحدة الهدف وان اختلفت المنطلقات، فأنظمة الحكم على ظاهرها الحداثي تستعير هاته الشعارات (القوميةوالشخصية الحضارية و منظومة القيم الثقافية و الدينية) وغيرها من أجل رفض كل الإصلاحات وهو ما يتماشى مع أطروحات الإسلام السياسي خاصة المتطرف منه الذي يعتبر هاته الدعوات كفرا و إلحادا وخروجا عن إجماع الأمة.ومن ثمة دعوتها إلى العودة إلى الوعي بأن الهوية الإسلامية لا يمكن أن تستمر إلا برفض كل ما هو غربي و التشبث بهاته الهوية في وضوح تام وخارج أي سياق ثقافي أخر.

واعتمادا على هات الخصوصية ذاتها يلجأ الطرفان إلى الدوس على هاته الحقوق باسم الخصوصيات القومية والثقافية و السياسية و الدينية و التي تصب في النهاية في خدمة “اعتبارات إيديولوجية تقر بأسبقية الجماعة على الفرد و أولوية المثل الأخلاقية و القيم الجمعية على الاهتمامات و الاعتقادات الفردية على اعتبار أن قيمة الكل أرقى من قيمة العناصر المكونة له”[ix].على أصحاب النزعة الحقوقية إذن و التي يتم الترويج لها في الوقت الراهن و المؤمنة بعالمية حقوق الإنسان سواء من حيث قيمته أو أبعاده أن يأخذوا بعين الاعتبار مختلف السياقات التاريخية و البنيوية لانبناء المقاومة ،خاصة أن الخطاب الحقوقي لا يمكن استنباته لا بالعنف و لا بالقوة و لا بالإغراءات وهنا يطرح سؤال تجاوز هذا التوتر القائم بين عالمية وخصوصية متطرفتين .يبدو أن
الأمر يقتضي مقاربة دياليكتيكية ترمي إلى توفير شروط التفاعل الإيجابي و تؤسس علاقة جديدة بين الخطاب السائد حول حقوق الإنسان و بين التصور الذي يحمله الإسلام بخصوص الإنسان الفرد وحقوقه.

السؤال الرابع:آفاق الحرية في العالم العربي الإسلاميالكثيرون تحدثوا بتفاؤل كبير عن مستقبل الديمقراطية و الحرية في المجتمعات العربية الإسلامية بل إن العديد من الأصوات قد علت لتقول فيما يشبه الحقيقة إننا امة ديمقراطية بالطبع رغم مظاهر العشائرية و الطائفية و التقليد الديني الظاهر.احد الكتاب العرب و غداة سقوط نظام صدام حسين كتب أن العشائر العراقية صمام أمان للعراق الجديد و هدا مربط الفرس حيث السؤال بأي معنى يمكن أن تكون عشائريا و ديمقراطيا في وقت واحد لان الديمقراطية مفهوم سياسي يعني التوفر على رابطة مجتمعية تؤدي إلى المواطنة بعيدا عن القبائلية و العشائرية.

إن المشكلة الأساس التي تواجه العديد من العرب اعتقادهم بان الديمقراطية مكسب في حين انه مسؤولية ووعيها يقتضي
بالضرورة وعي شروط نشأتها الاجتماعية و التي ترافقت مع انحسار المد الإقطاعي في أوروبا خلال القرنيين الثاني عشر و الثالث عشر و ما أعقبها من صراعات سياسية و ثقافية أفرزت نتائج ثقافية جعلت من الديمقراطية مسؤولية بالدرجة الأولى تجسدت في
الثورات العديدة التي شهدتها أوروبا طلبا لتحقيق المواطنة و هي الثورات التي بلغت دروتها في الثورة الفرنسية.إن الديمقراطية في صيغتها العربية لاتزال منتوجا مستوردا حيث لم يشهد الوطن العربي تطورا سياسيا مماثلا فقد تحولت السلطة من الخلفاء إلى السلاطين و عاد الناس إلى الارتداد إلى أصولهم القبلية و الطائفية بحثا عن الأمان من السطو و الاستعباد.

و حتى مبدأ الشورى الذي سنه الإسلام لم يعد ذو قيمة سياسية فاعلة بعد أن تحولت العلاقة بين الحاكم والمحكوم علاقة سلطوية بفعل سيادة ثقافة الاستبداد و عدم وقوع ثورات تحررية سياسية ذات توجه راديكالي. مجمل القول أن المجتمع العربي يعرف اليوم تغيرات سريعة ،بكنها لا تسير دائما في الاتجاه الايجابي ،إنه يتطور في جوانب و يتقهقر في أخرى في بعضها الآخر.

لذلك لا بد من الوقوف على هاته التغيرات من أجل تفسيرها و بحث سبل فشل انبثاق الأفكار التحررية من الداخل عبر دراسة الأنظمة التربوية و العائلية والمجتمعية.ومهما اختلفت السياقات فإن الثابت كذلك أن هناك من يقبل التغيّر وإشاعة روح الديمقراطية وحقوق الإنسان والحداثة والقيم العالمية وهناك من يرفضه ويتحدد الرفض أوالقبول تبعا لشكل التغيرات المراد إحداثها وكيفية تقديمها “فإذا كان التجديد لايتعارض مع القيم والعناصر الثقافية الأخرى فانه يكون مقبولا، وإذا تعارض معها فانه يكون مرفوضًا. وهنا يلزم التفكير في صيغ مقبولة و لا تلقى هذا الكم الهائل من المقاومات المتزايدة .خاصة وان هدف الرسالة الإسلامية ،حسب العديد من المفكرين المسلمين الذين يعانون من كثير من الإقصاء، هو” الدفع بالإنسانية في اتجاه الأفضل عبر تحقيق شرط حرية الوعي ” [x]

* أستاذ الفلسفة و الفكر الإسلامي وباحث من المغرب

________________________________________

[i] -“درء تعارض العقل والنقل”،ابن تيمية تحقيق محمد رشاد سالم،مطبعة دار الكتب،القاهرة الجزء الأول،القسم الأول ص3و ما بعدها .[ii] -عبد السلام ياسين،الشورى و الديمقراطية ص94[iii] -محمد جواد رضا،الإصلاح التربوي العربي خارطة، طريق مركز دراسات الوحدة العربية الطبعة الأولى بيروت فبراير 2006 [iv] -أنظر في هذا السياق “التجديد الديني اليوم “،مجلة حوار العرب العدد 2السنة الأولى يناير 2005ص43[v] -عبد العالي حامي الدين ،الدستور المغربي ورهان موازين القوى ،الملكية الأحزاب الإسلاميون ،مطبعة النجاح الجديدة الطبعة الأولى 2005ص 21[vi] Voir : Rachid Benzine « Les nouveaux penseurs de l’islam

»,Tarik Editions,2004 pp31-33[vii]-نقلا عن محمد محفوظ، الأقليات وقضايا الديمقراطية في العالم العربي،رؤية جديدة،وارد في www.altaliaalkawmya.net [viii] -انظر :الإسلام المعولم ل “لوليفييه رووا” ،ترجمة عزيز لزرق ،مركز طارق بن زياد الطبعة الأولى فبراير 2006[ix] حمادي الصفي “حقوق الإنسان جدلية الكوني و الخصوصي “الملتقى الفكري الأول الذي نظمته كلية
الآداب ابن مسيك سيدي عثمان حول “الأخلاقية الإسلامية وأسس الديمقراطية” بتاريخ 21أبريل 1995 منشور بالمجلة المغاربية للكتاب .[x] « Les nouveaux penseurs de l’islam » -Rachid Benzine,op.cit p237 موقع فضاءاتhttp://www.fdaat.com/art/publish/article_3594.shtml http://www.libyaforum.org – Muntada: Libya Human & Political Delevopment ForumPowered by Mambo Generated: 14 July, 2007, 18:13