عيب الشكل والمحل في القرار الإداري

إعداد الطالبة : وفاء محمد التليب

مقدمــــة :-
للقرار الإداري أركان لا يقوم بدونها بحيث لو تخلف أحدها وصم بعد المشروعية ، الأمر الذي يجعل منه قراراً باطلاً يحتم على القضاء إلغائه بناء على طلب صاحب الشأن متى استوفت دعوى الإلغاء شروط قبولها .
وأعطى المشرع للإدارة سلطة في اتخاذ القرارات تكاد تكون مطلقة ولكنه قيد هذه السلطة حتى لا تصبح مفسدة . بإقراره دعوى الإلغاء والتي تعتبر أداة تحصين أو حماية للأفراد على أسس غير قانونية واشترط في هذه الدعوى عدة شروط منها أن يكون للقرار شكلاً معيناً أو اتخاذ إجراءات تمهيدية قبل إصداره أو استشارة هيئة من الهيئات وأن يكون محل القرار الإداري جائزاً وممكناً وأن لا يخالف القواعد العامة للقانون .
ومن هنا نطرح إشكالية عيب الشكل والمحل للقرار الإداري في خطة منهجية بحثية على النحو التالي :-

خطــة البحـث

v مقدمة .
v المبحث الأول : عيب الشكل في القرار الإداري .
· المطلب الأول : حالات بطلان القرارات الإدارية لعيب في شكلها .
· المطلب الثاني : حالات عدم تأثر صحة القرار الإداري بتخلف الشكل.
v المبحث الثاني : عيب المحل في القرار الإداري.
· المطلب الأول : شروط عيب المحل في القرار الإداري .
· المطلب الثاني : صور عيب المحل في القرار الإداري .
v الخاتمة.
v المراجع .

v المبحث الأول :-
عيب الشكل في القرار الإداري :-
يتحقق هذا العيب عندما يصدر القرار الإداري من دون مراعاة الإدارة للشكل والإجراءات التي نص عليها القانون ، ويتعلق هذا العيب بالمظهر الخارجي للقرار الإداري .
التعريف بعيب الشكل : عرفت المحكمة العليا عيب الشكل بأنه ” عدم احترام القواعد الإجرائية أو الشكلية المحددة لإصدار القرارات الإدارية في القوانين واللوائح سواء كان ذلك بإهمال تلك القواعد كلية أو بمخالفتها جزئياً “([1]) .
ويقصد بالشكل أي المظهر الخارجي والإجراءات التي تعتبر بموجبها الإدارة عن إرادتها وفقاً للقانون و تهدف الشكليات في القرار الإداري إلى ضمان سير الإدارة وصيانة حقوق الأفراد .
والأصل أنه لا يشترط في القرار الإداري شكل خاص معين ، إلا إذا نص المشرع على ذلك ، وعندئذ لا يكون القرار مشروعاً إلا إذا ثم إتباع الشكليات المحددة ، واتخاذ الإجراءات المقررة .
فقد يتطلب المشرع ضرورة صدور القرار الإداري في شكل معين كأن يكون مكتوباً أو مسبباً ، أو أخذ رأي جهة معينة قبل إصداره ، وبذلك يجب على الإدارة المختصة مراعاة هذه الشكليات وإتباع تلك الإجراءات وفقاً لنص المشرع وإلا كان جزاء المخالفة البطلان ، وفي غير هذه الحالات تمتع الإدارة بحرية تقدير واسعة في إتباع الشكل الملائم لإصدار قراراتها .
وعندما يشترط القانون إتباع شكل أو إجراء معين إنما يسعى من جهة لتحقيق مصلحة الأفراد وعدم فسح المجال للإدارة لإصدار قرارات مجحفة بحقوقهم بطريقة ارتجالية ، ومن جهة أخرى تعمل على تحقيق المصلحة العامة في إلزام الإدارة بإتباع الأصول والتروي ودراسة القرارات قبل إصدارها مما يحقق حماية الإدارة من ناحية والأفراد من ناحية أخرى وهذا ما أكدته المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 25 /2 / 2005 م ([2]) .
والقاعدة أنه إذا لم تقم الإدارة بالتعبير عن إرادتها بأن التزمت الصمت فإنه لا يمكن ترتيب أي أثر على إرادتها الصامتة ، لأنه لابد من أن يكون الإفصاح عن الإدارة وفق شكل معين حتى يكون له أثر قانوني معين تجاه الأفراد . لأن القرارات الإدارية باعتبارها من أهم وسائل الإدارة لمباشرتها لوظيفتها الإدارية يجب أن تتخذ شكلاً معيناً حتى يعلم بها الأفراد ويرتبوا تصرفاتهم وفقاً لأحكامها .
إلا أن المشرع استثناء من هذه القاعدة وحفاظاً على حقوق الأفراد وحرياتهم من تعسف الإدارة يعتبر صمت الإدارة في بعض الأحيان بأنه إفصاح عن إرادتها وذلك في حالة ما إذا كان عليها واجب اتخاذ قرار معين قبولاً أو رفضاً فكثيراً ما يتقدم الأفراد بطلبات للإدارة فتتجاهل طلباتهم تعنتاً وتعسفاً ولا ترد عليها فلا تقبلها ولا ترفضها ولا يكون لهؤلاء الأفراد من سبيل إلا الطعن في تصرف الإدارة أمام القضاء لعدم اتخاذ شكلاً معيناً .
وركن الشكل في القرار الإداري يقصد به التزام جهة الإدارة بالإجراءات والشروط الشكلية الواجب إتباعها ومراعاتها عند إصدار القرارات الإدارية بهذا اقتضت المحكمة العليا بتاريخ 25 / 12 / 2005 ف ([3] )، ولهذه الشروط الشكلية والإجراءات أهمية خاصة في القانون العام ، ذلك أن إتباع هذه القواعد تحقق المصلحة العامة والمصلحة للأفراد على حد سواء ([4] ) .
فالنسبة للأفراد فإن إصدار القرارات الإدارية وفقاً للشكل الذي يتطلبه القانون في أغلب الأحيان يعمل على حسن إصداره هذه القرارات بحيث يكون ضمانه لهم في مواجهة سلطات الإدارية الواسعة وامتيازاتها الخطيرة ، ويؤدي ذلك إلى تفادي اتخاذ قرارات سريعة ارتجالية وغير مدروسة وغير ملائمة وغير عادلة وفيها تعسف للأفراد ومساس بحقوقهم وحرياتهم فقواعد الشكل تمنح الإدارة فرصة معقولة للتروي والتدبر بذلك تقل القرارات الخاطئة ([5] ) .
أما بالنسبة لتحقيق المصلحة العامة ، فإن القرارات تبدو في نفس الوقت في صورة هادفة لحماية الصالح العام عند إتباع الإدارة لقواعد الشكل ، وذلك بتجنب الإدارة موطن الزلل والتسرع حيث تسلك بدقة السبيل الذي ترسمته القوانين والأنظمة ، تلك القرارات يقصد حسن سير المرافق العامة وانتظامها في أداء مهامها للجمهور على أحسن وجه .
وهذه الإجراءات والشروط الشكلية الواجب إتباعها عند إصدار القرارات قد تتقرر في النصوص القانونية ، وقد يقررها القضاء عند عدم وجود نص إذا كانت من الأشكال الجوهرية ، ويعد القانون مصدراً هاماً تستقى منه الإدارة شكل ما يصدر عليها من قرارات بحيث تبطل تلك القرارات إذا صدرت مخالفة للشكل الذي تطلبه القانون ، فعندما يتطلب القانون اتخاذ إجراءات معينة أو إتباع هذه القواعد وتلك الإجراءات وإلا أصبح القرار قابلاً للإلغاء لمخافته قواعد الشكل والإجراءات المقررة .
كما يجب أن يلاحظ من جهة أخرى أن القضاء الإداري توسعاً منه في نظرية انعدام القرارات الإدارية اعتبر في كثير من الحالات القرارات الإدارية المخالفة للقواعد الإجرائية والشكلية الجوهرية التي يتطلبها القانون ليس مجرد قرارات غير مشروعة وقابلة للإلغاء فحسب وإنما قرارات باطلة بطلاناً مطلقاً أي قرارات معدومة ، لا ينفذ الطعن عليها بميعاد السنين يوماً المقررة لدعوى الإلغاء ويختص القضاء العادي والقضاء الإداري بتقرير بطلانه وهذا ما اقتضت به المحكمة العليا في حكمها بتاريخ 16 / 3 / 2008 م ([6]) .
وعليه يتوجب علينا بيان الحالات التي اعتبر فيها القضاء الإداري القرار الإداري باطلاً لعيب في شكله .
المطلب الأول :-
حالات بطلان القرارات الإدارية لعيب في الشكل :-
درج القضاء الإداري على التميز بين ما إذا كانت المخالفة في الشكل والإجراءات قد تعلقت بالشروط الجوهرية التي تمس بمصالح الأفراد وبين ما إذا كانت المخالفة متعلقة بشروط غير جوهرية لا يترتب على إهدارها مساس بمصالحهم ويترتب البطلان بالنسبة للنوع الأول دون الثاني .
وعلى هذا الأساس نتناول فيما يلي هذين النوعين من قواعد الشكل والإجراءات .
أولاً / الأشكال التي تؤثر في مشروعية القرار الإداري :-
1- شكل القرار ذاته :-
من المتفق عليه أنه ليس للقرار الإداري شكل معين يجب أن يصدر فيه ، فقد يأتي القرار شفوياً أو ضمنياً ، إلا أن القانون قد يشترط أن يكون القرار مكتوباً ، وفي هذه الحالة يتوجب على الإدارة إتباع الشكل الذي تطلبه المشرع وإلا عد قرارها مخالفاً بشكل جوهري مما يؤدي إلى إبطاله .
وقد يشترط القانون في القرار الإداري أن يقترن توقيع مصدره بتوقيعات أشخاص آخرين في هذه الحالة إذا صدر القرار خالياً من هذه التوقيعات فإنه يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً ، وهذا ما اقتضت به المحكمة العليا في أول قضية تطرح عليها حيت اعتبرت الأمر الملكي القاضي بحل المجلس التشريعي لولاية طرابلس باطلاً لخلوة من توقيع رئيس مجلس الوزراء كما أوجب الدستور .
2- تسبيب القرار الإداري :-
يقصد بتسبيب القرار الإداري إفصاح الإدارة في صلب قرارها عن الأسباب التي دعتها إلى إصداره ، والتسبيب يختلف عن السبب في القرار الإداري فالسبب هو ركن من أركان القرار الإداري يؤدي تخلفه إلى عدم مشروعية القرار لعيب في سببه ، أما التسبيب فهو شرط شكلي لصحة القرار الإداري يؤدي إغفاله إلى بطلانه لعيب في شكله .
والأصل أن الإدارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها إلا إذا تطلب القانون فإذا اشترط القانون تسبيب القرار الإداري يصبح التسبيب شرطاً شكلياً جوهرياً يترتب على إغفاله بطلان القرار الإداري ، وهذا المعنى أوضحته المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 17 / 3 / 77 م ([7]) .
وتؤكد المحكمة العليا هذا الاتجاه القضائي في أحكامها الحديثة في قرارها الصادر بتاريخ 3 / 6/ 84 ([8]) ، واشتراط المشرع تسبيب بعض القرارات الإدارية ، والتسبيب يعد من أهم الضمانات للأفراد ولأنه يتيح للقضاء مراقبة مشروعية تصرف الإدارة ، فضلاً عن أن معرفة الأفراد للأسباب التي دعت الإدارة لاتخاذ قرارها يسهل عليهم الطعن فيه أمام القضاء .
كذلك اشتراط التسبيب يجعل الإدارة أكثر حذراً وروية عند إصدارها لقراراتها تجنباً للطعن فيها،ولتوفر هذه الضمانة يجب أن يكون التسبيب جدياً ومحدداً وواضحاً بما يسمح للقضاء من بسط رقابته على مشروعية القرار،وإلا فإن القرار يعد بحكم الخالي من التسبيب مما يؤدي إلى إبطاله ونظراً للأهمية التي يوليها المشرع لتسبيب القرارات الإدارية نجد أن المشرع الفرنسي قد أكد في قانون 1979 م ضرورة تسبيب جميع القرارات الفردية التي لا تكون في مصلحة الأفراد ، واشتراط أن يكون التسبيب مكتوباً إلا في حالة الضرورة القصوى والحالات التي تنطوي على قرارات ضمنية أو الصادرة في حالات مستعجلة ([9]) .
3- الإجراءات السابقة على اتخاذ القرار:-
يشترط القانون في بعض الأحيان على جهة الإدارة سلوك إجراءات معينة قبل إصدار قرارها ، وتصبح هذه الإجراءات إجراءات جوهرية يترتب على إغفالهابطلان القرار الإداري ، كما أن القضاء الإداري قد استقر من جهته على اعتبار الإجراءات التمهيدية للقرارات التأديبية كإعلان المتهم بالوقائع المنسوبة إليه ، وبيان وصف التهمة وزمان ومكان المحاكمة وكذلك تمكينه من الدفاع عن نفسه بمثابة إجراءات جوهرية يترتب على إغفالهابطلان القرار التأديبي حتى في حالة عدم النص عليها صراحة في القانون .
وتؤكد المحكمة هذا الاتجاه في قرارها الصادر بتاريخ 10 / 1 / 74 ([10]) ، وانتهت المحكمة إلى إبطال القرار التأديبي المطعون فيه لمخالفته لهذه الإجراءات التأديبية الجوهرية .
وإذا فرض المشرع على الجهة مصدرة القرار استشارة فرد أو هيئة معينة قبل إصداره ، وقد تكون الإدارة ملزمة برأي تلك الجهة أو غير ملزمة به وفقاً لما ينص عليه القانون ، عد هذا الأمر شكلاً واجب الإتباع بحيث يكون القرار مشوباً بعيب الشكل متى صدر دون العرض على الجهة أو الفرد الذي حدده المشرع ، وقد قضت المحكمة العليا في حكمها بتاريخ 1990 ضرورة إتباع الإجراءات التي يفرضها القانون وأخذ موافقة الجهة التي بينها القانون فقد ورد : أن المادة 35 من القانون رقم 33 لسنة 1970 بشأن حماية الأراضي الزراعية ، قد نصت على أنه : ( لا يجوز إدراج أراضي زراعية ضمن مخطط معماري معين إلا بعد موافقة وزير الزراعة ) …….. ومن ثم يتعين تطبيق أحكام المادة المشار إليها عند إجراء نزع ملكيتها ، وكان الثابت من ديباجة القرار المطعون فيه الصادر عن المطعون ضده أنه لم يتضمن ما يفيد أخذ موافقة أمانة الزراعة قبل إصداره ([11]) .
4- الشكليات الخاصة باللجان والمجالس :-
يتطلب القانون أحياناً إجراءات خاصة لانعقاد اللجان أو المجالس انعقاداً صحيحاً ، فقد نص على ضرورة اكتمال النصاب القانوني وعد الجلسة باطلة إذا اقتصرت الدعوى على عدد معين من الأعضاء دون الآخرين ، كما هو الحال بالنسبة لمجالس التأديب واللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي ، وبالتالي تكون قواعد انعقاد هذه الهيئات أو اللجان من الإجراءات الجوهرية المتعلقة بالنظام العام وتكون القرارات الإدارية الصادرة عنها بالمخالفة لهذه القواعد الإجرائية باطلة مطلقاً ، أي معدومة .
وقد قضت المحكمة الإجرائية العليا بتاريخ 3 / 6 / 1948 بأن مخالفة القواعد المتعلقة بتشكيل مجالس التأديب يترتب عليها بطلان انعقادها ، كما أوضحت المحكمة انه لا مجال للقول بأن زيادة أعضاء المجلس تشكل ضمانة أخرى للأفراد مادامت الإدارة قد خالفت الإجراءات الشكلية التي يتطلبها القانون كذلك استقر قضاء المحكمة العليا على أن عدم ذكر أسماء أعضاء اللجنة أو المجلس الذي أصدر القرار ، أو كان القرار خالياً من ذكر اسم الخصوم يجعل القرار جديراً بالإلغاء وتأسياً على ذلك قضت المحكمة العليا بتاريخ 2 / 11 / 2005 م ([12]) .
هذه هي جملة الحالات التي قرر فيها القضاء الإداري انعدام القرارات الإدارية لعيب في شكلها واعتبر هذا العيب من النظام العام تستطيع دائرة القضاء الإداري أن تميزه من تلقاء نفسها ولا يؤثر فيه تنازل صاحب الشأن عنه ولا تصديق الجهة الإدارية التي يتبعها مصدر القرار ، هذا ما أكدته المحكمة العليا بعد أن ألغت القرارات المطعون فيها لعيب في شكلها ([13]).
ثانياً / الأشكال التي لا تؤثر في مشروعية القرار الإداري :-
من المستقر في القضاء الإداري أنه لا يترتب البطلان على كافة مخالفة للشكليات والإجراءات التي لا يتوجب القانون إتباعها والتي لا تؤثر على موضوع القرار أو على ضمانات الأفراد تعتبر إجراءات وشكليات ثانوية غير جوهرية .
وللتمييز بين الأشكال الجوهرية والأشكال الثانوية رتب البطلان على الأولى من دون الثانية،وفي هذا أكدت المحكمة العليا في قرارها الصادر 2 / 1 / 65 م ([14]) والتمييز بين الأشكال الجوهرية والغير جوهرية مسألة تقديرية في ضوء النصوص القانونية ورأي المحكمة ، وبصورة عامة يكون الإجراء جوهرياً إذا وصفه القانون صراحة ، أو رتب البطلان كجزاء على مخالفته ، أما إذا سكت القانون فإن الإجراء يعد جوهرياً إذا كان له أثر حاسم في مسلك الإدارة وهي تحدد مضمون القرار الإداري أما إذا لم يكن لذلك الإجراء هذا الأثر الحاسم فإنه يعد إجراء ثانوياً ومن ثم فإن تجاهله لا يعد عيباً يؤثر في مشروعية القرار([15]) .
ومن الأشكال الجوهرية أيضاً الأشكال المقررة لحماية مصالح المخاطبين بالقرار وتلك التي تؤثر في الضمانات المقررة للأفراد من مواجهة الإدارة ، وقد استقر القضاء الإداري على أن الإجراءات الثانوية التي لا يترتب على مخالفتها بطلان القرار الإداري على نوعين :

1- الأشكال والإجراءات المقررة لمصلحة الإدارة :-
الأشكال والإجراءات المقررة لمصلحة الإدارة أشكال وإجراءات ثانوية لا يترتب على مخالفتها الحكم بإبطال القرار الإداري ، وبذلك لا يسمح للأفراد أن يستندوا إلى الإجراءات المقررة لمصلحة الإدارة وحدها للتوصل إلى إلغاء القرارات الإدارية ، ومثال هذه الإجراءات الشكلية المقررة لصالح الإدارة اشتراط تقديم ضمان مالي أو شخصي قبل منح رخصة معينة فإذا أغفلت الإدارة هذا الإجراء فلا محل للطعن بالبطلان في القرار الإداري وهذا الاتجاه لم يسلم من النقد ([16]) .
2- الأشكال والإجراءات الثانوية التي لا تؤثر في مضمون القرار :-
يتغاضى القضاء الإداري أحياناً عن مخالفة بعض الشكليات التي يعدها ثانوية لا تؤدي إلى بطلان القرار الإداري ومثلاً إغفال الإدارة الإشارة صراحة في صلب قرارها إلى النصوص القانونية التي كانت الأساس في إصداره ، وعدم ذكر صفات أعضاء اللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي في صلب القرارات الصادرة عنها .
إن هذا الاتجاه في القضاء يهدف إلى التقليل من الشكليات التي تضر بعمل الإدارة وتقيدها عن أداء وظيفتها إلا أن هذا الاتجاه لا شك سيؤدي إلى تعسف الإدارة وادعائها بأن أغلب الإجراءات والأشكال لا تؤثر في مضمون القرار الإداري ولها سلطة تقديرية في هذا المجال ، ولا يخطى ما لذلك من تأثير سلبي على سلطة القضاء الإداري في الرقابة على مشروعية قراراتها .
وعلى هذا الأساس فإن احترام المشروعية يقتضي من الإدارة أن تلجأ إلى المشرع لإلغاء ما تعده مقيداً لنشاطها من شكليات إذا كانت مقررة بنص تشريعي ، وأن تعمد إلى إلغاء الشكليات غير الجوهرية إذا كانت مقررة بنص لائحي ([17]) .

المطلب الثاني :-
حالات عدم تأثر صحة القرار الإداري بتخلف الشكل :-
إن افتقاد القرار الإداري لشكل ما استوجب القانون توافره يؤدي إلى بطلانه ، إلا أن إعمال هذا المبدأ على إطلاقه من شأنه عدم تمكين الإدارة من أداء دورها على نحو ما ينبغي لأجل ذلك أثيرت بعض الحالات التي يتوافر أي منها ينتقل القرار المشوب بعيب الشكل إلى مصاف القرارات المشروعة ، وتتمثل تلك الحالات في التالي :-
1- الاستيفاء اللاحق للشكل :-
انقسم الفقه والقضاء الإداري بشأن إمكانية تصحيح عيب الشكل باستيفاء الإجراءات أو الأشكال التي أهملتها الإدارة بعد صدور القرار المعيب .
فقد ذهب جانب في الفقه بعدم جواز تصحيح الأشكال والإجراءات بعد صدور القرار ، لأن هذه الإجراءات إنما وضعت كضمانة للأفراد والمصلحة العامة ، قبل إصدار الإدارة قرارها يكون معيباً ومستحقاً ، ولا يجوز للإدارة أن تصحح هذا العيب لتعطي القرار أثراً رجعياً لأن ذلك يمنح الإدارة رخصة الخروج عن قواعد الشكل .
وذهب الجانب الآخر من الفقه إلى قبول تصحيح القرار باستيفاء الإجراءات الشكلية بعد صدور القرار تجنباً لإلغائه.
وقد ذهبت المحكمة الإدارية العليا إلى إجازة التصحيح اللاحق لعيب الشكل في القرار الإداري حين ذهبت إلى أن ” عيب مخالفة الشكل يقصر عن إحداث أثره إذا قامت الإدارة بتدارك ما فاتها باستيفاء الشكل دون أن يكون من شأن ذلك التدارك التأثير في مضمون القرار أو ملائمة إصداره “.
كذلك ذهبت إلى أنه لا يمس سلامة قرار الجزء ما قد يعثور إحدى مراحل التحقيق السابقة على إصداره من عيوب طالما أمكن تداركها من مرحلة لاحقة وقبل صدور القرار([18]) .
2- الظروف الاستثنائية :-
تضطر الإدارة أحياناً إلى إغفال الشكليات التي يتطلبها القانون تحت ضغط الظروف الاستثنائية وتكون ظروف استثنائية إذا هدد المصلحة العامة خطراً جسيماً ، إعاقة المرافق العامة عن أداء دورها بحيث يتعذر دفع هذا الخطر في ضوء قواعد المشروعية العادية لتعذر إتباعها ، أو لعدم كفايتها ، وهذه الظروف تبرر الخروج على قواعد المشروعية المطبقة في الظروف العادية ، ويتسع نطاق المشروعية ليصبح أكثر مرونة حتى يتلاءم معها ، فما يخرج من أعمال الإدارة في ظل الظروف الاستثنائية يعد مشروعاً.
ويمتد أثر الظروف الاستثنائية ليشمل مجال الشكل والإجراءات في القرارات الإدارية فإذا ما أغفلتها الإدارة تحت وطأة تلك الظروف عد قرارها رغم ذلك صحيحاً ، على الرغم من أنه يكون باطلاً إذا ما شابه القصور الشكلي في الظروف العادية .
3- قبول صاحب الشأن :-
من المقرر فقهاً وقضاءً أن الأصل في الشكليات والإجراءات أنها مقررة لمصلحة عامة قدرها المشرع فهي تمس الصالح العام ومن هنا فإن قبول ذوي الشأن للقرار المعيب لا يؤدي إلى تصحيح العيب وزوال البطلان ، إلا أن بعض أحكام القضاء الإداري قد خرجت عن هذا الاتجاه وذهبت إلى قبول المخالفة أو العيب الذي انطوى عليه القرار الإداري وتنازل من مشرع الشكل لمصلحته عن التمسك بالبطلان إن لم يكن هذا الشكل متعلقاً بالنظام العام .
4- استحالة إتمام الشكليات :-
إذا كان مبدأ المشروعية يقتضي لصحة القرار الإداري أن يكون مستوفياً الشكل الذي تطلبه القانون ، إلا أن هذا المبدأ عد من إطلاقه قاعدة أنه لا تكليف بمستحيل ، ومن ثم فإن القرار الإداري يعد صحيحاً رغم خلوه من الشكل الذي تطلبه القانون لإصداره حتى استحال على الإدارة استيفاء ذلك الشكل يستوي في ذلك أن تكون تلك الاستحالة مادية أو قانونية أو مرجعها صاحب الشأن نفسه .
‌أ- الاستحالة المادية :-
تمثل الاستحالة المادية في ضرورة ملجئة اضطرت معها الإدارة للتخلي عن الشكل المقرر لإصدار القرار ، ويشترط في تلك الاستحالة أن تكون طويلة الأمد ، لأن الاستحالة المؤقتة لا تكفي لتدير إغفال الإدارة للأشكال المطلوبة .
فإذا كانت الإدارة مضطرة لإصدار القرار بحيث يؤدي الانتظار لحين زوال الظرف الطارئ إلى تفويت الغاية من إصداره أو إلحاق الضرر بالمخاطب به فإن تخليها عن الشكل المقرر هنا لا يؤدي إلى إبطال القرار لتخلف هذا الشكل .
ومن أمثلة الاستحالة المادية المانعة في إتمام الشكليات عدم سماع دفاع الموظف المتهم في حالة إذا كان راجعاً إلى استحالة مادية حقيقية تعود إلى عدم تركه لعنوانه واستحالة الاستدلال على هذا العنوان ويخضع تقرير مدى توافر حالة الضرورة التي يكون للإدارة بموجبها إصدار القرار بدون الشكل المفترض ظهوره عليه أو الإجراءات المتعين أن تسبق إصداره لتقدير القاضي .
ويلاحظ في هذا الشأن أن الاستعجال لا يبرر إهمال الشكليات إلا في الحدود التي يتوقعها المشرع وينص عليها ([19]) .

ب- الاستحالة القانونية :-
إن الاستحالة القانونية لإتمام الشكل كما في حالة الظروف الاستثنائية لا تؤدي هي أيضاً إلى إبطال القرار الإداري رغم ضرورة تحت تأثير الظروف خالياً من الشكل الذي قرره القانون ، كما لو حالت ظروف استثنائية بين الإدارة وبين استيفاء الشكل المتطلب لإصدار القرار الذي لا يحتمل إصداره تأخير في هذه الحالة يكون بوسع الإدارة إصدار القرار دون أن تستوفي هذا الشكل حيت يكون هذا القرار مشروعاً رغم ذلك .
ج- استحالة إتمام الإجراء بفعل صاحب الشأن :-
قد يستحيل على الإدارة مصدرة القرار إصداره بالشكل الواجب لسبب يرجع إلى صاحب الشأن وهو المخاطب بالقرار في هذه الحالة يجوز اتخاذ القرار رغم تخلف الشكل المستوجب إصدار القرار ، فإذا امتنع موظف عن حضور إداري للإدلاء بأقواله فيما نسب إليه ارتكابه من مخالفات فإن امتناعه عن الحضور يعد مسوغ مقبول لا يحول دون إصدار قرار بمجازاته رغم عدم إجراء تحقيق معه ، ورغم أن هذا التحقيق إجراء شكلي واجب الاحترام قبل إصدار قرار الجزاء ، حيث أنه ضمانة تأديبية هامة يبطل التحقيق بتخلفها إلا أن بوسع الإدارة إهماله في هذه الحالة ويكون قرار الجزاء رغم ذلك صحيحاً من الناحية الشكلية وذلك إعمالاً للقاعدة العامة في هذا الشأن والتي مؤداها انه عندما تلزم مشاركة فرد أو هيئة في اتخاذ قرار ما ، فلا يسوغ لأي منهما أن يجعل من موقفه السلبي بعدم المشاركة ما يعيق إصدار القرار.
وإذا كانت استحالة إتمام الشكل مرجعها الغير وليس صاحب الشأن فإن القرار الصادر خالياً من الشكل المقرر في هذه الحالة يكون سليماً .
5- تحقق الغرض من الشكل :-
الشكل في القرار الإداري ليس غاية في ذاته بل هو وسيلة لتحقيق غاية هي حمل الإدارة على التروي قبل إصدار قرارها وضمانه لأن يصدر هذا القرار في صورة تحقق معها الغاية في إصداره ، فإذا تحققت الغاية من تطلب الشكل فلا محل لإبطال القرار الإداري رغم صدوره خلواً منه وقد قضى في هذا الشأن بجواز الاكتفاء بالتحقيق الجنائي إذا كان بغنى عن التحقيق الإداري في كشف حقيقة الاتهام .
6- الشكل المقرر ومصلحة الإدارة :-
الشكل المقرر لمصلحة الإدارة هو شكل تطلبه المشرع كضمانة لتحسين أداء الجهاز الإداري كما هو الشأن بالنسبة لتوقيع الكشف الطبي على المرشح لتقليد إحدى الوظائف العامة ، فمثل هذا الإجراء ضروري قبل إصدار قرار التعيين بهدف ضمان توافر اللياقة الصحيحة فيمن يلتحق بالوظيفة ، ونظراً لأن هذا الشكل تفرضه ملائمات إدارية للإدارة وحدها حق تقريرها ، فإن تخلفه لا يؤثر على القرار الإداري الذي صدر خالياً منه .
v المبحث الثاني :
عيب المحل في القرار الإداري :-
يقصد بعيب المحل في القرار الإداري هو الأثر القانوني الذي تتجه إرادة جهة الإدارة إلى ترتيبه ، ويتمثل هذا الأثر القانوني في إنشاء المراكز القانونية أو تعديلها أو إلغائها ([20]) .
وقد أشارت المحكمة العليا إلى هذا العيب عندما عرفت القرار الإداري على أنه ” إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح وذلك بقصد إحداث أثر قانوني معين متى كان ذلك ممكناً وجائزاً قانوناً ……”.
والقاعدة أن كل عمل تقوم به الإدارة أياً كان ، له محل معين فأعمال الإدارة المادية يكون محلها نتيجة مادية واقعية كبناء المدارس وتعبيد الطرق ، دون أن تقصد أي أثر قانوني عليها ، أما القرارات الإدارية كأعمال قانونية تصدرها الإدارة بإرادتها المنفردة بما لها من امتيازات السلطة العامة فيكون محل هذه القرارات هو الآثار القانونية المترتبة عليها أو المتمثلة في إنشاء مراكز قانونية جديدة أو تعديل مراكز قائمة أو إلغائها ، والذي يميز التصرف القانوني ويحدد جوهره هو المحل ، وهو الأثر القانوني الذي يحدثه التصرف مباشرة وذلك بتحديد الحقوق والالتزامات الناشئة عنه ([21]) .
وبهذا فإن محل القرار الإداري يعني به موضوع القرار المتمثل في الآثار القانونية التي يرتبها هذا القرار على الحالة التي يتواجد فيها الفرد إزاء القانون ويتنوع الأثر الذي يحدثه القرار الإداري بحسب نوع القرار وما إذا كان قراراً تنظيمياً لائحياً أم قراراً فردياً .
المطلب الأول :-
شروط عيب المحل في القرار الإداري:-
حتى يكون القرار الإداري سليماً وصحيحاً في محله لابد من توافر شروط لذلك ، وعلى ذلك استقر الفقه والقضاء على أن يكون موضوع القرار (محلة) ممكناً ، ومشروعاً .
1- أن يكوم محل القرار الإداري ممكناً :-
المقصود بهذا الشرط أن يكون محل القرار ممكناً من الناحية القانونية أو من الناحية الواقعية ، فإذا استحال هذا المحل قانوناً أو واقعاً فإن القرار الإداري يصبح قراراً منعدماً ، فقد يكون محل القرار الإداري مستحيلاً من الناحية الواقعية ، كما في حالة إصدار قرار إداري من المستحيل تنفيذه فإن محل القرار نفسه يكون من المستحيل تحقيقه . مثل القرار الذي يصدر بإزالة منزل آيل للسقوط ، ثم يتضح بعد ذلك أن هذا المنزل قد سقط بالفعل ، وبذلك يستحيل تحقيق محل القرار وهو هدم المنزل ، ويصبح ذلك القرار منعدماً ([22]) ، وقد يكون محل القرار مستحيلاً من الناحية القانونية فينعدم المركز القانوني الذي يمكن أن يرد عليه الأثر القانوني للقرار ، وتتمثل حالة الاستحالة القانونية في ترتيب أثر القرار ، في حالة صدور قرار بتعيين شخص على درجة مالية في حين أنها مشغولة ، فهذا القرار لم يصادف محلاً لانتقاء المراكز الذي كان يمكن أن يرد عليه قرار التعيين ([23]) .
ومن ثم فلا تتقيد جهة الإدارة بالميعاد المقرر لسحب القرارات الإدارية إلا أن الأثر القانوني للقرار الإداري قد لا يصل إلى درجة الاستحالة المطلقة وإنما إلى صعوبة التنفيذ وليس استحالة ، كالقرار الصادر مثلاً بإلزام أحد الموظفين بالعمل طول ساعات اليوم أو بشكل متواصل مثل هذا القرار يعتبر قراراً معيباً في محله لصعوبة تطبيقه من الناحية العملية خاصة إذا كان العمل مرهقاً ويستلزم قسطاً من الراحة .
2- أن يكون محل القرار الإداري جائزاً :-
لا يكفي لصحة القرار بالنسبة لعيب المحل أن يكون ترتيب ممكناً من الناحيتين القانونية والواقعية ، بل بالتعيين أيضاً أن يكون ترتيب هذا الأثر جائزاً من الناحية القانونية وأن يكون ترتيب الأثر القانوني الناشئ عن القرار جائزاً في ظل القواعد القانونية السارية وقت صدوره فإذا كان محل القرار الإداري غير جائزاً قانوناً ، فيكون من المستحيل تحقيقه كما لو تعارض أثر القرار مع القواعد القانونية السارية أو مع مبدأ من المبادئ القانونية العامة ، كمبدأ احترام الحريات العامة أو مبدأ المساواة بين الموظفين في الحقوق والواجبات العامة فإن ذلك يعني أن محل القرار الإداري يستحيل تحقيقه قانوناً ، وبالتالي يصبح القرار الإداري معيباً بعيب المحل جديراً بالإلغاء.
المطلب الثاني :
صور عيب المحل في القرار الإداري :-
إذا كان القرار الإداري مشوباً بعيب في محلة حتى خالف القانون بمعناه الواسع ، فإن لتلك المخالفة صور عدة ، فهي إما أن تكون مباشرة أو غير مباشرة كما هو الشأن بالنسبة للخطأ في تفسير القاعدة القانونية أو تطبيقها ، وهذا ما أشار إليه المشرع الليبي في المادة التاسعة عشر الفقرة رقم (1) من القانون (88) لسنة 1971 في شأن القضاء الإداري وذلك بقوله ” يجوز الطعن أمام المحكمة العليا في الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف منعقدة بهيئة قضاء إداري وذلك في الأحوال الآتية :-
· إذا كان الحكم المطعون فيه مبنياً على مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله ([24]) .
وكذلك أشار إليها المشرع الإداري في المادة العشرة (ب) من قانون محكمة العدل العليا ” … مخالفة الدستور أو القوانين أو الأنظمة والخطأ في تطبيقها أو تأويلها ” .
أولاً / المخالفة المباشرة للقاعدة القانونية :-
تتحقق هذه الصورة من صور عيب المحل عندما تتجاهل الإدارة القاعدة القانونية الملزمة لها تجاهلاً كلياً أو جزئياً وتتصرف على خلافها وتقوم بعمل ممنوع بحكم هذه القواعد ، فقد تكون هذه المخالفة للقواعد القانونية إيجابية بمعنى أن تقوم الإدارة على القيام بأعمال تحرمها القاعدة القانونية كما قد تكون هذه المخالفة تحرمها القاعدة القانونية كما قد تكون هذه المخالفة سلبية بأن تقوم الإدارة على الامتناع عن القيام بأعمال تستلزمها القواعد القانونية وهذه الحالة هي أبسط الحالات في العمل ، وما على طالب الإلغاء هنا إلا أن يثبت قيام القاعدة القانونية التي يستند إليها وان الإدارة قد تجاهلت هذه القاعدة تجاهلاً كلياً أو جزئياً فأتت عملاً تحرمه تلك القاعدة أو امتنعت عن القيام بعمل توجيه. أي أن المخالفة قد تكون إيجابية وقد تكون سلبية .
1- المخالفة الايجابية للقاعدة القانونية :-
تقع هذه المخالفة في حالة خروج الإدارة بطريقة عمدية على حكم القاعدة القانونية الأعلى من القرار الإداري فتشمل مخالفة نصوص الدستور أو القانون العادي كما تشمل أيضاً القواعد القانونية غير المكتوبة كالقاعدة العرفية الإدارية أو المبادئ العامة للقانون المستخلصة من أحكام القضاء الإداري ، وهذا النوع من المخالفات يكون واضحاً في الواقع مثل لجوء الإدارة لإصدار قرار إداري لقاعدة قانونية أعلى .
وهذا ما أكدته المحكمة العليا في حكمها الصادر في 14 / 5 / 1994 حيث قالت في هذا الصدد ” إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن قانون حماية الأراضي الزراعية لا يحد من سلطة الدولة في نزع الملكية للمنفعة العامة والمقررة بمقتضى قانون التطوير العمراني سواء كان سابقاً عليه أو لاحقاً له ………….”.
فنزع الملكية لا يكون إلا لمنفعة عامة وتقريرها لا يكون إلا بقرار من اللجنة الشعبية العامة عملاً بالمادة (17) من القانون وبالتالي فإن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون رقم 4 / 78 والقانون رقم 33 / 70 المعدل بالقانون رقم 4/ 73 والقانون 15 / 92 م ([25]) .
وعلى الإدارة احترام القواعد العرفية والتي من المنطقي ألا تخالف قاعدة قانونية مكتوبة .
2- المخالفة السلبية :-
تمثل هذه المخالفة في حالة امتناع الإدارة عن تطبيق القاعدة القانونية أو رفضها تنفيذ ما تفرضه عليها من التزامات ، ويحدث ذلك عندما يلزم القانون الإدارة بالقيام بعمل معين أو إجراء تصرف محدد ، فإذا اتخذت الإدارة موقفاً إزاء هذا الالتزام فإنها تكون قد ارتكبت بذلك مخالفة القانون يجعل قرارها الصادر في هذا الصدد معيباً وقابلاً للإلغاء .
وهذا ما عملت به الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا بقولها ” ومن حيث أن عيب عدم الاختصاص لم يكن الدليل الوحيد المشار في الدعوى على مدى توافر ركن الجدية ، بل هناك دلائل أخرى أشارت إليها أسباب الطعن لم يتصدى لها الحكم المطعون فيه ويرد على مدى جديتها بحسب الظاهر مما يم قضاءه بالقصور في التسبيب ومخالفة القانون ” .
وأيضاً من المخالفة السلبية رفض الإدارة اتخاذ قرار بإعادة الموظف إلى سابق عمله بعد إلغاء قرار فصله من قبل القضاء الإداري .
ثانياً : المخالفة غير المباشرة للقانون :-
تتجسد مخالفة الإدارة غير المباشرة رفض للقانون في الخطأ في تفسير أو تطبيق القاعدة القانونية على الوقائع ، حيث يؤدي مثل هذا الخطأ في حالة ثبوته إلى إلغاء القرار الإداري لكونه مشوباً بعيب المحل .
1- الخطأ في تفسير القاعدة القانونية :-
للإدارة الحق في تفسير ما غمض من نصوص قانونية وهي بصدد إصدار قرار إداري تبغي إسناده إلى هذه النصوص وصولاً إلى معنى النص المتفق مع روح التشريع ويتعين على الإدارة وهي بصدد تفسير نص قانوني الالتزام بالمبادئ العامة في تفسير النصوص التشريعية التي حددتها المحكمة الإدارية العليا ومنها أن التشريع اللاحق بنسخ التشريع السابق ([26]) ، وأن الأصل في تفسير النصوص القانونية وتفهم مدلولها أن تحمل ألفاظاً على ما يقضي به الاصطلاح والعرف القانونيين ، لا بما تقضى به الأوضاع اللغوية ، ما لم يقم دليل من النص على أن المشرع استهدف بنص معين معناه اللغوي لا معناه القانوني ([27]) ، كذلك يتعين على الإدارة وهي بصدد التعرف على أغراض التشريع أن تبحث عنها أولاً في نصوصه قبل التماسها في الأعمال التحضيرية ، ومنها المذكرة الإيضاحية والتي لا يجوز اللجوء إليها إلا عند غموض النص أو وجود لبس فيه أما إذا كان النص واضحاً صريحاً مطلقاً فلا سبيل إلى تخصيصه وتقيد إطلاقه بالرجوع إلى المذكرة الإيضاحية ([28]) .
ومخالفة الإدارة لأي من قواعد التفسير السابقة يؤدي إلى إعطائها معناً يغاير قصد المشرع منه ، الأمر الذي يؤدي لإصابة القرار الإداري الذي تصدره استنادا إلى هذا التفسير الخاطئ بعيب المحل ،حيث قامت الإدارة بابتداع قاعدة قانونية جديدة لم يأت بها المشرع ، وفي ذلك اعتداء على اختصاصه وتتجاوز من الإدارة لدورها المنحصر في تنفيذ التشريع على الوجه الذي قصده المشرع كأن نضيف عقوبات تأديبية جديدة إلى ما سبق أن حدده المشرع بمناسبة جرائم تأديبية معينة ، أو أن تضيف شروط جديدة لم يقررها المشرع في شأن ترخيص ما .
2- الخطأ في تطبيق القاعدة القانونية :-
يأخذ في تطبيق القانون على الوقائع حكم الخطأ في تفسيره حيث يؤدي ذلك إلى قيام عيب المحل ، فإذا ما كان تطبيق القاعدة القانونية مشروطاً بتحقيق حالة واقعية معينة أو تحققها على نحو معين ، فإن مشروعية القرار الإداري في هذه الحالة تتوقف على تحقق الحالة الواقعية بالشروط التي يتطلبها القانون وللقضاء الإداري أن يراقب الوقائع التي طبقت القاعدة القانونية على أساسها بالقدر الذي يمكنه من الحكم على سلامة تطبيق القاعدة القانونية ([29]) .
وهذا ما أكدته المحكمة العليا بالحكم الصادر بتاريخ 6 / 4/ 2008 م بمقر المحكمة العليا بمدينة طرابلس([30]) .

الخاتمــــــــة

من خلال دراستنا لعيب الشكل والمحل في القرار الإداري يتضح لنا أن على الإدارة أن تراعي عند إصدار كل قرار إداري الأشكال والإجراءات التي حددها القانون في هذا المجال ، والقاعدة العامة هي أن كل مخالفة من جانب الإدارة لقواعد الشكل والإجراءات يترتب عليها تعرض القرار فيه للإلغاء .
ولكن لا يجب الأخذ بهذه القاعدة على أطلاقها إذ لا بد من التفرقة بين الشكليات الجوهرية والثانوية ، فالشكليات الجوهرية هي التي يترتب عليه الإلغاء .
وقد يشترط المشرع لموضوع القرار أو محله أن يكون ممكناً وجائزاً قانوناً أي وضع له شروط تفيد الإدارة في أعمالها حتى لا تخرج عن نطاق المشروعية فتنهك الحقوق وتخرق القواعد القانونية ، ورتب المشرع نتيجة لمخالفة الإدارة للمشروعية الممثلة في إحدى صور عيب المحل إمكانية إقامة دعوى الإلغاء أمام القضاء الإداري والطعن على هذه القرارات وذلك لتوفير أكبر قدر من الحماية للأفراد وحقوقهم في مقابلة الإدارة التي لا قبل في منازعة قراراتها دون دعوى الإلغاء .
المراجـــــــــــع
1- د. خالد خليل الطاهر ــ القانون الإداري ــ دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة عمان . الطبعة الأولى 1997 م .
2- د . خالد سماره الزغتي ــ القرار الإداري بين النظرية والتطبيق ــ المركز العربي للخدمات عمان . 1997 م .
3- المستشار الدكتور عبد الرحمن محمد أبو توتة ــ مجموعة أحكام المحكمة العليا ــ القضاء الإداري . السنة 2005 م .
4- د. عبد العزيز عبد المنعم خليفة ــ القرارات الإدارية في الفقه وقضاء مجلس الدولة ــ دار الفكر الجامعي ــ الإسكندرية 2007 م .
5- د. عبد العزيز عبد المنعم خليفة ــ أوجه الطعن بالإلغاء ــ دار الفكر الجامعي ــ الإسكندرية .
6- د. عبد الغني بسيوني عبدالله ــ القضاء الإداري قضاء الإلغاء ــ منشورات المعارف ــ الإسكندرية .
7- د . مازن ليلو راضي ــ الوجيد في القضاء الإداري الليبي ــ دار المطبوعات الجامعية ــ الإسكندرية . السنة 2003 م .
8- د. محمد عبد الله الحراري ــ الرقابة على أعمال الإدارة في القانون الليبي ( رقابة دوائر القضاء الإداري ) ــ منشورات مجمع الفاتح للجامعات . السنة 1990 م .
9- د. ممد عبد الله الحراري ــ القانون الإداري الليبي ــ الجزء الثاني ــ المركز القومي للبحوث والدراسات العلمية .

[1] – قرار المحكمة العليا في الطعن الإداري رقم 12 / 27 ق .
[2] – طعن إداري رقم 27 / 50 ق.
[3] – طعن إداري رقم 27 / 50 ق .
[4] – دكتور محسن خليل ، القضاء الإداري الليتاني ص 493 .
[5] – دكتور سليمان محمد الطماوي . النظرية للقرارات الإدارية 1976 . ص 249 .
[6] – طعن إداري رقم 87 54 ق .
[7] – طعن إداري رقم 40 / 23 ق ، م ، م، ع السنة الثالثة عشر / العدد الرابع ص 41 . محمد عبدالله الحراري _ الرقابة على أعمال الإدارة في القانون الليبي.
[8] – طعن إداري رقم 5 / 25 ق . م .م . ع السنة الحادية والعشرون / العدد الرابع ص 41 مرجع سابق ذكره .
[9] – د. محمد العبادي – قضاء الإلغاء – ص208
[10] – طعن إداري رقم 7 / 19 ق. م. م . ع . السنة العاشرة – العدد الثالث ص 70 مرجع سابق .
[11] – حكم المحكمة العليا بتاريخ 11 / 3 / 1990 طعن إداري 30 / 36 ق .م .م .ع السنة 26 العدد الأول والثاني . المراجع . د مازن ليلو راضي – القضاء الإداري الليبي ص 44 .
[12] – طعن إداري رقم 10/ 49 ق
[13] – طعن إداري رقم 28 / 30 ق .م .م .ع السنة الثانية والعشرون – العدد الأول ص 26 – مرجع سابق ص 215 .
[14] – طعن إداري رقم 3 / 7 ق – السنة الأولى – العدد الثالث ص 18.
[15] – د.مصطفى أبو زيد فخمي ، القضاء الإداري ومجلس الدولة ص 484
[16] – الجانب الأول : أنه من الصعب تحديد الحالات التي تكون فيها الأشكال مقررة لمصلحة الإدارة وحدها .
الجانب الثاني : أن هذه الأشكال هي في الحقيقة مقررة لتحقيق الصالح العام وليس الإدارة وحدها .
[17] – د. محمد ماهر أبو العينين – دعوى الإلغاء أمام القضاء الإداري – الكتاب الثاني ص 139 .
[18] – المحكمة الإدارية العليا . جلسة 15 / 8/ 1963 م – مجموعة أحكام السنة الثامنة ص 1297 .
[19] – د. سليمان الطماوي ، النظرية العامة للقرارات الإدارية ص 375 .
[20] – محمد عبدالله الحراري ، القانون الإداري الليبي – الجزء الثاني – المركز القومي للبحوث والدراسات العلمية .
[21] – خالد خليل الظاهر – القانون الإداري دراسة مقارنة – دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة ط أولى 1997 م .
[22] – عبدا لغني بسيوني عبدالله ، القضاء الإداري قضاء الإلغاء – منشورات المعارف الإسكندرية ص 232 .
[23] – عبد العزيز عبد المنعم خليفة ، القرارات الإدارية ، ص 148 .
[24] – محمد عبدالله الحراري ، مرجع سابق ذكره ، ص 267 .
[25] – طعن إداري رقم 26 / 40 ق . م . م . م . ع السنة 30 العدد الأول ص 31 .
[26] – المحكمة الإدارية العليا – طعن رقم 2158 لسنة 37 ق ، جلسة 26 / 1 / 1992 م
[27] – المحكمة الإدارية العليا ـــ طعن رقم 368 لسنة 13 ق ، جلسة 11 / 4 / 1970 م
[28] – المحكمة الإدارية العليا ـــ طعن رقم 453 لسنة 11 ق ، جلسة 6 / 5 / 1967 م
[29] – د. سليمان الطماوي ــ النظرية العامة للقرارات الإدارية ، مرجع سابق ، ص 323 وما بعدها .
[30] – طعن إداري رقم 57 / 54 ق .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت